على قارعة الطرق... فتيات يتعرضن للعنف وصبيان يمتهنون السرقة

 ظاهرة التسول في العراق

تحقيق: منار عبد الأمير الزبيدي

 

شبكة النبأ: أبو حسن رب أسرة تعمل كل أسرته في الشارع ، قسم في التقاطعات ، وقسم في التسوّل حتى زوجته تعمل خادمة في البيوت، لديه طفل عمره سبع سنوات قد مات اثر حادث سيارة دهسته أثناء تسوّله في الطرقات وهرب سائق السيارة.

يقول أنا من أجبرته في وقتها على الخروج للعمل في ذلك اليوم فكان يرفض الخروج للتسوّل دائما وكان يتظاهر بالمرض لكن ظروفنا لم ترحمه ولم ارحمه أنا أيضا من قسوة الشوارع وقد دفع الثمن عمره وكأن الله لبى رغبته في الامتناع عن التسول.

حين سؤل أبو حسن عن سبب ذلك قال: لا استطيع الحصول على فرصة عمل أعيل عائلتي وأسد حاجتهم وان لدي سبعة أطفال فأي الأعمال توفر مصاريف العيش ومستلزمات الدراسة الكثيرة، فاضطررت لان أقعدهم عن الدراسة وليعملوا في الشوارع وأنا اعترف إني مقصر في حقهم ولكني استسلمت لظروفي الصعبة.

وأصبح الكثير من الأبناء او الأطفال أبطالا لمسلسل او ظاهرة اجتاحت الشارع العراقي، هي ظاهرة (التسوّل) التي يمكن إسناد أسبابها الى عاملين اقتصادي وثقافي يرتبطان بالوالدين وخضوعهما للظروف المعيشية الصعبة.

ولتسليط الضوء على هذا الموضوع الهام، جريدة (ديوانية الغد) ألتقت ببعض الأخصائيين الاجتماعيين والتربويين النفسيين  وبعض أولياء الامور وأحد ضحايا إهمال الآباء لأبنائهم، لتناقش هذه القضية الخطيرة.

يعتقد الأستاذ احمد الشيباني وهو أخصائي اجتماعي ان أولئك الأبناء مساكين والغريب في الموضوع هو ان آباءهم من يدفعهم او يضعهم على الطريق المنحني والأكثر اعوجاجاً، وهو طريق اسود مظلم مليء بالعثرات والمطبات الواهية، فهل يستحق أبناؤنا هدية الله لنا ان نسيء في تعليمهم وان نزج بهم في بداية طريق النهاية.

وقال نحن نعتقد أن آباء وأمهات هؤلاء الأبناء عاشوا في الظلام رافقهم التخلف وغياب الوعي الثقافي وقد يكون حب المال غلب حب الأبناء عندهم او غياب العقل او الجهل والتخلف وإلا لا يمكن للإنسان العاقل المثقف والواعي ان يدفع بأولاده نحو الهاوية.

وأضاف ان الإنسان المؤمن القنوع الراضي على نفسه وعيشته هو إنسان يبحث عن المستقبل الجيد لأبنائه ليصبحوا أبناء ذوي مراكز ومهن شريفة تعود بالنفع عليه وعلى أهله وكم من عالم وقائد وبروفسور وطبيب ومهندس كانوا من عوائل فقيرة فهل أثرت عليهم حياة الفقر بالطبع لا ذلك لأنهم يملكون أما عظيمة وأبا أعظم على عكس الباقين الذين غلب عليهم التخلف والطمع والاستسلام للظرف الصعب كما يقول البعض منهم وفضلوا عمل  أولادهم في أي مكان وأي الأعمال حتى لو كانت لا تناسب الدين والأخلاق.

فيما تتأسف فاطمة سعد أخصائية نفسية على واقع بعض الأمهات اللواتي لا يستحقن ان يكون أمهات يدفعن بناتهن لان يعملن في البيوت كخادمات او في بعض المعامل في البيوت والغريب في الموضوع أنهن في أعمار غير مناسبة للعمل خارج البيت نهائيا وتمتد هذه الفترة من سن الثامنة وحتى الخامسة والعشرين وهذه فترة صعبة على الفتيات في هذه المرحلة بل هن بحاجة للرعاية والتأهيل ليصبحن عضوات نافعات في المجتمع وأمهات صالحات.

وتتابع بالقول سعد: وحتى لا يأخذ الموضوع منحا آخر نؤكد اننا لسنا ضد عمل المراة بل العكس وانما اخصص في هذا الموضوع  لأ ناقش عمل بناتنا الشابات فاختيار العمل بالنسبة للمرأة اهم شيء ويجب ان يستوفي شروط الدين والأخلاق عموما فمن الضروري ان يحفظ عمل المرء كرامته التي منحها اياه الله تعالى.

ولفتت الى ان بعض الفتيات قد تعرضن لكل انواع العنف والتحرش والذي قد يقودهن الى طريق السوء وقد ولدت هذه الحوادث امراضا نفسية خطيرة عند البعض منهن فالبعض قد فقدن عقولهن والبعض الآخر فضلن الموت على العيش وانتحرن، والطبقة الأخرى أجبرت على السير في هذا الطريق فهو طريق الربح السريع، علما ان بعض الأهالي قد أورثوا بناتهم التسول والكدية مع استعمال العنف الجسدي وقد يتعرضن الى اشد العقاب ان لم تجلب المال فتتجه تلقائيا الى الطريق الأسهل لجلب المال وعلى حساب سمعتها ونفسها فقد سلب حقهن في التعلم والشرف والبراءة والعيش بكرامة كبنات سويات وليس لهن ذنب سوى الحظ العاثر  الذي جعلهن بناتا لمثل هذه العوائل التي لم ترحمهن من ذئاب الليل والنهار.

وتردف سعد اما الابناء (الذكور) فكان لهم النصيب من كل ذلك فقد فتحوا أعينهم ليجدوا انفسهم في احضان الشارع، البعض منهم امتهن مهنة الكدية (التسول) والبعض الآخر امتهن مهنة السرقة والتسكع في الشوارع ومنهم من يبيع انواع الحبوب المحرمة والممنوعة وهو في عمر صغير وهذه قد رواها لي احد الشهود الذين اصابتهم الرهبة عندما راى احد الاباء في الشارع وهو يدفع بابنه ليبيع الحبوب الممنوعة فأي اباء تلكم التي تدفع ابناءها نحو الهاوية.

وتحذر سعد ان من يبيع الحبوب سيتناولها بالتالي، وهذا سيتسبب بنشوء جيل ركيك ضعيف واهن لا يمثل لبنة قوية من لبنات المجتمع، ولذلك انا اعتقد ان مثل أولئك الاباء لا يستحقون ان تطلق عليهم كلمة الأب لما لهذه الكلمة من قدسية والتي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم.

وتعرب التربوية نور محمد عن أساها حين ترى شريحة من الابناء ذكورا واناثا يعملون في التقاطعات المزدحمة في اعمار يأسى لها القلب حزنا حتى ان بعض الاولاد كان يبكي عندما يرى اقرانه يذهبون الى المدرسة وهو قد حرم منها عنوة.

وفي هذا الحديث المؤسف اتقدم بالدعوة لكل اب ولكل أم ان يجاهدوا بالعمل الشريف من اجل أبنائهم ومستقبلهم الذي ينتظرهم وانه مهما تكن الظروف التي يعيشها الإنسان لا يجدر به ان يدفع بأولاده وبنفسه الى طريق الموت الذي يلوح بعيون ابنائهم فهناك امهات استحقن ان يكون مثاليات فبعد ان فقدن ازواجهن واجهن الحياة بكل ما لديهن من طاقة فعملن اعمالا متواصلة ليلا ونهارا بشرف وصلابة لتوفير فرصة العيش المناسبة لأبنائها ولتعيش مرفوعة الرأس وليفخر بها أبناؤها، فالعمل الشريف يباركه الله تعالى وان كان بسيطا إلا انهم قد عصموا أنفسهم من الخطأ والزلل وان كان يبيع الخضروات او يتجوّل ليبيع او يشتري الاشياء القديمة وغيرها من الأعمال البسيطة لكنها تستحق ان نرفع أيدينا إجلالا لأصحابها لأنهم يجاهدون في سبيل إعالة عوائلهم ورفع مستواهم المعيشي، فأولادنا أمانة في أعناقنا ومسؤوليتنا امام الله تعالى والمجتمع الذي هو بأمس الحاجة لاؤلاده كي يعيدوا اليه كل ما سلبه الإرهاب منه.

ابو محمد ناصر رب أسرة ألتقيته في الشارع وهو يتجوّل ليصلح الاجهزة المنزلية من طباخات وغسالات وغيرهما، يقول انني احصل يوما على رزقي وفي ايام لا احصل عليه لكني احمد الله على مقدار ما يعطينياه، وهو لا يعطي من جلس وتقاعس عن العمل وانا والحمد لله راض وقانع بما احصل عليه وان بقينا بلا طعام فالكرامة اهم من كل شيء فانا احفط ماء وجهي وعائلتي وسأكافح من اجلهم الى ان اوصلهم الى طريق النجاة الصحيح فأولادنا بحاجة الينا لإسنادهم وايصالهم الى طريق البر فمستقبلهم بانتظارهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/تشرين الثاني/2011 - 17/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م