القاعدة في العراق... تكتيك وإستراتيجية بعد الانسحاب الأمريكي

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: فيما تستعد الولايات المتحدة من سحب جنودها من العراق نهاية العام الجاري، يواجه العراقيون تحديات الرهان الذي يرجح ظهور التنظيمات المسلحة وخصوصا تنظيم القاعدة الذي يقال أنه يحصل على 7 ملايين دولار شهرياً من الجزية عبر حالات الابتزاز للتجار والمواطنين. وانه سيكون أكثر نشاطا بعد الانسحاب الامريكي من العراق.

أن فترة الأيام القادمة ستكون عصيبة لأنها ستشكل اختباراً حقيقياً لقدرة القادة الأمنيين والسياسيين والصمود في مرحلة ما بعد انسحاب القوات الأميركية. ويعتقد البعض ان التنظيمات المحلية التابعة للقاعدة تسعى لتأكيد مزيد من النفوذ بعد توجيه ضربات موجعة للتنظيم بعد ان قتل كبار القاعدة، كما أن فرع القاعدة في العراق تسعى إلى التعافي من الهزائم التي ألحقتها به القوات الامنية والعشائر بعد عام 2007 وما تحقق من انجاز أمني.

وعلى الرغم من أن القاعدة في العراق هي بالتأكيد أضعف مما كانت عليه قبل خمس سنوات وأن من غير المرجح أن تستعيد قوتها السابقة، فإن محللين يقولون إن القاعدة تتحول إلى استخدام تكتيكات وإستراتيجيات مثل مهاجمة قوات الأمن العراقية بمجموعات صغيرة لاستغلال الفجوات التي يخلفها انسحاب القوات الأميركية ومحاولة إشعال العنف الطائفي في البلاد.

من جهتهم خبراء في صحيفة نيويورك تايمز أن القاعدة في العراق أظهرت مرونة مفاجئة رغم تعطل خطوط إمدادها التقليدية من المقاتلين الأجانب عبر سوريا بسبب الاضطرابات في هذا البلد، كما يقول مسؤولون استخباريون أميركيون. وهي تنفذ ما يزيد عن 30 هجوما في الأسبوع، وتشن ضربات واسعة النطاق كل أربعة إلى ستة أسابيع، ووسعت جهودها لتجنيد العراقيين، مما قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في عدد المهاجمين الانتحاريين منهم.

ويؤكد خبراء أن تجدد نشاط القاعدة أوقد النقاش بين بعض مسؤولي البنتاغون الذين يبحثون عن طريقة للسماح لعدد قليل من المدربين العسكريين الأميركيين وقوات العمليات الخاصة للبقاء في العراق، وبعض المسؤولين في البيت الأبيض الذين يتوقون إلى إغلاق الفصل الأخير في حرب العراق التي أودت بحياة أكثر من 4400 جندي أميركي.

كما أن محللين عراقيين يتخوفون من أن علاقات بين القاعدة وحزب البعث الحاكم سابقا قد تكون في طور إعادة تشكيل، ويخشى مراقبون من وجود تحالف بين القاعدة والبعث في هذا الوقت بالذات وبعد الانسحاب الأميركي من العراق، فقضية الأمن هي التحدي الأكبر للحكومة في المرحلة المقبلة.

وحسب الناطق باسم القوات الأميركية في العراق اللواء جيفري بوكانان يوجد ما بين 800 و1000 شخص في شبكة تنظيم القاعدة في العراق من المتورطين في العمليات والتمويل والإعلام والمقاتلين. وذكرت وثيقة نشرها الجيش الأميركي في يوليو/تموز 2010 أن التنظيم يملك نحو 200 مقاتل هم نواته المقاتلة، كما أن ضعف الاقتصاد العراقي سيسهل تقديم مجموعة كبيرة من المجندين الصغار والضعفاء كما يقول المحللون.

وعلى الرغم من سحب الولايات المتحدة قواتها من العراق فإن هناك نقاشا بين الحكومتين لضمان استمرار التعاون العسكري. وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما سيلتقي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لمناقشة استمرار الشراكة الإستراتيجية بين أميركا والعراق.

ويقول مسؤولين أميركيين كبار إن التعاون الاستخباري بين الأميركيين والعراقيين والذي ينسب له مسؤولو البلدين الفضل في خفض الهجمات إلى النصف في السنتين الأخيرتين سيتأثر بالانسحاب الأميركي. ويقول المسؤولون الأميركيون إن قلقهم يتركز على العمليات الليلية التي تحتاج فيها القوات العراقية للدعم الاستخباري والتقني الأميركي.

وقد أظهرت الجماعة، التي تعرف أيضا باسم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، قدرة مدهشة على استرداد عافيتها مرة أخرى حتى بعد تعطيل خطوط إمدادها بمقاتلين أجانب عن طريق الحدود مع سوريا نتيجة للاضطرابات التي سادت سوريا، حسب ما ذكر مسؤولون استخباراتيون أميركيون.

وقال الميجور جنرال جيفري بيوكانن، المتحدث باسم الجيش الأميركي لدى العراق: إنني أفزع عندما يذكر أي شخص أن وضع تنظيم القاعدة سيئ، أعتقد أنه سيأتي يوم نقول فيه إنه مر وقت طويل منذ آخر مرة سمعنا فيها عن تنظيم القاعدة، وربما حينئذ يمكننا أن نقول إن وضعه سيئ بالفعل.

وقبل ايام حاول تنظيم القاعدة إشعال حرب طائفية من خلال شن مجموعة من الهجمات المنسقة في جميع أنحاء البلاد وإعدام 22 زائرا من كربلاء كانوا يمرون بمحافظة الأنبار، وهي منطقة كان يسيطر عليها تنظيم القاعدة.

وتعمل القوات الأمنية عبى تشديد المداهمات بسبب الأساليب المتغيرة لتنظيم القاعدة، فقد تخلى فرع تنظيم القاعدة في العراق عن محاولات السيطرة على محافظة ما وفرض سلطته هناك، وهي مبادرات تركته شديد الضعف في مواجهة تقنيات مكافحة التمرد، وتبنى بدلا من ذلك نموذجا إرهابيا تقليديا اعتمد على تنظيم سري وهجمات موسمية واسعة المدى، وذلك وفقا لدراسة تمت في شهر أغسطس (آب) لبراين فيشمان، محلل جهود مكافحة الإرهاب في مؤسسة نيو أميركا.

وعلى الرغم من قيام الولايات المتحدة بسحب جميع قواتها فيما عدا 33.000 جندي وذلك لحراسة السفارة الأميركية، فإن كلتا الحكومتين تناقشان استمرار المشاركة العسكرية. ومن بين الأهداف الأميركية الرئيسية؛ موافقة الحكومة العراقية على اعتماد قوات أميركية خاصة تقوم بتدريب ومساعدة قوات الأمن العراقية، وفقا لمسؤولين أميركيين.

ويشعر المسؤولون بالقلق بصورة خاصة حيال القدرات الليلية للقوات العراقية الخاصة، التي اعتمدت على الأميركيين في الحصول على معلومات بشأن موقع المتمردين وطائرات الهليكوبتر وغيرها من مهام مكافحة الإرهاب ليلا.

وقال مسؤول أميركي لن تكون تلك العمليات جيدة بقدر ما كانت عندما كنا نساعدهم، ومن المحتمل أن تستهدف الغارات منزلا خاطئا وهدفا خاطئا. إن الأمر لا يقتصر على أن تنظيم القاعدة سيكون حرا في أن يفعل ما يحلو له. إلا أن العراقيين سيقومون بأشياء كنا سننصحهم بأن لا يقوموا بها، كما ستنخفض قدرتهم على تعقب المتمردين.

وتشير معلومات إلى أن قائد تنظيم القاعدة في العراق، إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري، إرهابي عالمي رصدت من أجله أمريكا 10 ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن مكانه. ولا يعلم الكثير من العراقيون شيئا عن البدري، إلا أنه كان من بين الإرهابيين الأوائل الذين مدحوا أسامة بن لادن بعد مقتله في مايو (أيار)، وقد تعهد بتنفيذ 100 هجوم في العراق ردا على مقتله. وتجنب البدري، الذي يعرف أيضا باسم أبو دعاء، جذب الانتباه إليه منذ أن تولى قيادة التنظيم في العراق بعد الغارات التي تم شنها في أبريل (نيسان) الماضي وأدت إلى قتل قياديين سابقين في التنظيم.

وقد ركز تنظيم القاعدة في العراق جهوده على قوات الأمن العراقية، غير أن مسؤولين أميركيين بارزين عبروا أيضا عن مخاوفهم بشأن قيام التنظيم بتصدير أعمال العنف التي يقوم بها. حيث تم اتهام لاجئين عراقيين يسكنان في بولينغ غريب بولاية كنتاكي، بمحاولة إرسال بنادق قنص وصواريخ ستنغر وأموال إلى فرع تنظيم القاعدة في العراق. ولم يكن أي من الرجلين، وعد رمضان علوان ومهند شريف حمادي، متهما بالتخطيط لهجمات داخل الولايات المتحدة. وكانت عملية فيدرالية استخباراتية منعت الأسلحة والأموال من الوصول إلى العراق.

وحذر ماثيو أولسن، المدير الجديد لمركز مكافحة الإرهاب القومي، في شهادة له أمام الكونغرس الشهر الماضي من أنه من المحتمل أن يقوم فرع تنظيم القاعدة في العراق بشن هجمات خارج البلاد. واستشهد بمقطع فيديو أطلقه التنظيم يطلب من أفراد مهاجمة طلبة ومنشآت البنية التحتية في الغرب.

القاعدة وانشاء الأقاليم

ويعتقد خبراء في شؤون تنظم القاعدة أن التنظيم سيعمل على بناء إستراتيجية طويلة الأمد تخالف أبجديتها ومبادئها وعقائدها التي تنظر إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية في كل المحافظات على أنها نابعة من حكومة ردة. ويرى محللون سياسيون ان تنظيم القاعدة يعتقد بأن اللجوء للإستراتيجي الجديد سيحقق مصالح القاعدة المستقبلية على مدى بعيد كإنشاء إمارة إسلامية في كثير من هذه المناطق ذات الغالبية السنية.

كما دعا تنظيم القاعدة من قبل بالدعوة لإقامة الأقاليم، وفيما اعتبر أن إقامة الأقاليم سيصب في مصلحة القاعدة التي ستعمل على بناء إستراتيجية طويلة الأمد تخالف مبادئها لتحقيق مصالحها المستقبلية، إلى أن القاعدة ستؤيد المشروع نكاية بالمالكي والحكومة المركزية.

ويرى خبراء ان القاعدة دعت عبر وزارة إعلامها إلى مسألة الأقاليم وإقامة دولة سنية في الوسط العراقي منذ العام 2003، فالقاعدة قسمت في العام 2006 بعض المحافظات على أنها ولايات كولاية صلاح الدين والموصل وديالى.

ويرى خبراء مع ان القاعدة عقيدة تكفر القائلين بالدستور والانتخابات ويتوجب قتالهم إلا أنها سكتت عن مشروع الأقاليم لأنها سبق وأن دعت إليه ولن تجد له قبولا.

وأضاف خبراء أن القاعدة استبقت كثيرا من الأمور المتعلقة بالأقاليم، كما أنها ستخطو في المرحلة المقبلة خطوة في غاية الأهمية، إلى أن القاعدة لن توجه بنادقها وعملياتها النوعية تجاه صلاح الدين أو بعض المحافظات التي تلجأ إلى إعلان الإقليم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/تشرين الثاني/2011 - 16/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م