إقليم صلاح الدين يحرج المالكي ويزعزع الاستقرار الهش في العراق

شبكة النبأ: تصاعدت حدة التوترات في العراق وهو مقبل على منعطف تاريخي وحساس على صعيد استقرار الدولة، بعد ان أعلن مجلس محافظة صلاح الدين، (مسقط رأس الديكتاتور السابق صدام حسين ومعقل ابرز أعوانه) عن نيته تحويل المحافظة الى إقليم فيدرالي.

وجاء توجه المجلس المعني الى هذا الاجراء بعد ان أزاحت الحكومة العراقية عن مخطط إرهابي يتزعمه افراد من حزب البعث المنحل في الداخل يهدف الى زعزعة الاستقرار النسبي عبر سلسلة من الهجمات تهدف الى الاطاحة بالحكومة العراقية وتصفية رموزها، وهو ما دفع برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى شن حملة اعتقالات ازعجت الكثير من السياسيين ودفع اعضاء مجلس محافظة صلاح الدين الى اتخاذ قرارهم الاخير. وتتهم الحكومة العراقية ان قرار الحكومة المحلية في تلك المحافظة ينبع من حرصهم على حماية فلول البعث، وتأمين ملاذ آمن لهم بعيدا عن قبضة العدالة.

بدأ العد العكسي

فقد أعلن مجلس محافظة صلاح الدين أن الحكومة المركزية في بغداد تسلّمت الثلاثاء، طلب تحويل المحافظة الى إقليم، لافتاً الى أن ذلك يعني البدء بحساب المدة القانونية لتنفيذ هذا الطلب.

وقال رئيس مجلس المحافظة بالوكالة سبهان ملا جياد، في تصريح إن 'مجلس الوزراء تسلّم رسمياً طلب إقامة إقليم محافظة صلاح الدين، وإن المجلس أرسل اليوم أيضاً كتابا بهذا المعنى تم تسجيله في مجلس الوزراء برقم 48849'. وأضاف جياد أن مجلس المحافظة 'بدأ بحساب المدة القانونية التي سيحال خلالها كتابنا الى المفوضية المسقله للإنتخابات للشروع بالخطوات اللاحقة'. ويأتي هذا الإعلان بعد يوم واحد من إعلان مجلس محافظة صلاح الدين عن تشكيل لجنة لمتابعة إقامة إقليم في المحافظة.

وكان مجلس محافظة صلاح الدين صوت في 27 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بأغلبية أكثر من ثلثي أعضائه، على قرار تحويل المحافظة الى إقليم يتمتع بصلاحيات إدارية واقتصاديةً واسعه ضمن العراق الموحّد.

من جانبه اعتبر أسامة النجيفي رئيس مجلس النواب العراقي، أن طلب مجلس محافظة صلاح الدين إقامة إقليم هو حق دستوري، مؤكدا أنه لا يحق لأي جهة حكومية الاعتراض عليه، بل يجب تنفيذه.

وقال النجيفي في كلمة ألقاها خلال مؤتمر عقده بحضور شخصيات من محافظات صلاح الدين والانبار وديالى والموصل في مبنى البرلمان الاربعاء ، إن "تقديم طلب من مجلس صلاح الدين بشأن إنشاء إقليم يعد أمرا دستوريا"، مبينا أن "اللامركزية هو الحل الأفضل عند تطبيقها بشكل كامل وتنفيذها بطريقة صحيحة بتجاوب من الحكومة الاتحادية وتعاون المحافظات".

وأكد النجيفي أن "أي جهة حكومية سواء كانت رئاسة الوزراء أو البرلمان لا يحق لها الاعتراض على إقامة إقليم صلاح الدين بل الالتزام بالدستور ولا يجوز لأي جهة أو مجلس أو حكومة أن تكون وصية عليه".

وقال أسامة النجيفي إن رئاسة الوزراء ومجلس النواب لا يملكان الصلاحيات القانونية لرفض طلب تحويل محافظة صلاح الدين إلى إقليم. وحمل النجيفي الحكومة المركزية في بغداد مسؤولية توجه المحافظات إلى المطالبة بإقامة أقاليم، وقال إن قيام الحكومة بسحب صلاحيات مجالس المحافظات كان سببا رئيسيا في اطلاق تلك الدعوات.

من جهته، أشار رئيس مجلس محافظة صلاح الدين بالوكالة سبهان الملا إلى أن شعور المحافظة بالتهميش هو الذي دفعها إلى المطالبة بإعلانها إقليما، وندد بحملات اعتقال أعضاء سابقين في حزب البعث المحظور في المحافظة.

في غضون ذلك، اتهم الشيخ عبد الله احمد عواد من محافظة نينوى الحكومة المركزية بالانتقائية في اجتثاث أعضاء حزب البعث، وأفاد بأن شيوخ عشائر المحافظة تقدموا بطلبات إلى الحكومة لتحقيق التوازن في هذا الصدد. وقال الشيخ عواد إن المحافظة قد تتقدم بطلب لتحويلها إلى إقليم في حال أخفقت الحكومة في تلبية مطالبها.

وكان رئيس مجلس النواب قد حذر في وقت سابق من تداعيات شعور أبناء الطائفة السنية في العراق بالتهميش، ودعا الحكومة في حينها إلى منح المحافظات في سائر أنحاء البلاد صلاحيات أوسع.

كما قال طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي إن الدستور العراقي كفل لأي محافظة أن تتحول إلى إقليم. وقال الهاشمي خلال اجتماعه مع عدد من شيوخ عشائر الأنبار "إن الدستور العراقي كفل لأي محافظة أن تتحول إلى إقليم ولا أحد كائنا من يكون يستطيع أن ينقض رغبة سكان تلك المحافظة إذا ما قرروا من خلال الاستفتاء الذهاب إلى هذا الخيار وعلى الجميع الالتزام بالدستور واحترام الشرعية".

وأضاف "لا أعتقد أن تحول محافظة إلى إقليم وهو مبدأ كفله الدستور سيهدد وحدة العراق (...) وهي أمانة في أعناقنا جميعا لكن الذي يهدد وحدة العراق حتى لو لم تتحول المحافظات إلى أقاليم هي ظاهرة عدم الاستقرار الناشئة عن التمييز بين العراقيين وشيوع الظلم وتفشي الفساد وسوء الإدارة وهنا يكمن الخطر (...) فتلك هي العناصر التي تزعزع ولاء المواطن لوطنه وتدفعه مجبراً للبحث عن خيارات أخرى قد توفر له فرصة حياة أفضل، والذين يحرصون على وحدة العراق عليهم أن يبرهنوا على ذلك فعلا لا قولا".

وخاطب نائب رئيس الجمهورية شيوخ عشائر الانبار "من حقكم أن تختاروا مستقبلكم الإداري في إطار موحد بمحض إرادتكم الحرة لكن عليكم أن تتفقوا أولا وعليكم أن توفروا لهذا الخيار جميع مستلزمات النجاح في ظل ولادة طبيعية موفقة ثانياً".

تقسيم العراق

من جهته قال التحالف الكردستاني أن الفيدرالية خطوة مشروعة لأي محافظة عراقية، شريطة أن تكون نتيجة دراسة موضوعية وليس ردود أفعال . وقال رئيس كتلة التحالف الكردستاني في مجلس النواب فؤاد معصوم في حديث لـ"راديو سوا" أن تعني فكرة الفدرالية أو المطالبة تشكيل أقاليم لا تعني تقسيم العراق أو تجزئته، وأشار إلى أن المحافظات العراقية لا تفكر في الوقت الراهن بتقسيم العراق أو الاستقلال عنه.

وطالب معصوم المحافظات الراغبة في إعلان نفسها إقليما التأني ودراسة الموضوع وعدم اتخاذ قرارات تحت تأثيرات سياسية. وأشار معصوم إلى أن إقليم كردستان يرحب بأي وفد من محافظة صلاح الدين يزور الإقليم للاستفادة من التجربة الطويلة للإقليم في إدارة الموارد الطبيعية وتوزيع الصلاحيات الإدارية. وأشار معصوم إلى أن التحالف الكردستاني يبذل الجهود لتقريب وجهات النظر بين كتلتي العراقية ودولة القانون لرأب الصدع بينهما ونزع فتيل الأزمة الراهنة.

رئيس الوزراء العراقي

الى ذلك انتقد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مسؤولين محليين لاتخاذهم قرارا رمزيا باعلان الحكم الذاتي في محافظة صلاح الدين وقال ان أعضاء سابقين في حزب البعث المحظور الان الذي كان يتزعمه صدام حسين يريدون استخدام المنطقة كملاذ امن.

واعتقل العراق مئات الضباط السابقين بالجيش وأعضاء حزب البعث في الاسبوع الماضي وهو اجراء صوره بعض المسؤولين على انه يحبط مؤامرة محددة بينما قال اخرون انه اجراء احترازي قبل الانسحاب الامريكي.

وقال المالكي في بيان ان حزب البعث يهدف الى استخدام صلاح الدين كملاذ امن للبعثيين وان هذا لن يحدث بفضل وعي الشعب في المحافظة. وأضاف ان الفدرالية قضية دستورية ومجلس محافظة صلاح الدين ليس له الحق في ان يتخذ قرارا في هذه القضية وسترفض الحكومة بالتأكيد قرار مجلس محافظة صلاح الدين.

فيما قطع الاف العراقيين طريقا رئيسيا في غرب محافظة الانبار يوم الجمعة كما احتشد متظاهرون في محافظة صلاح الدين للاحتجاج على حملة اعتقالات البعثيين التي اغضبت الاقلية السنية في انحاء البلاد.

وقال المالكي انه تم اعتقال 615 شخصا معظمهم من المحافظات الواقعة في وسط وجنوب العراق. وقال ان الاعتقالات استندت الى ادلة قوية ضد اولئك الذين يسعون الى تقويض امن العراق.

وقال مسؤولو امن وشرطة ان المالكي أصدر أوامر اعتقال ضد نحو 350 من اعضاء حزب البعث. وقال المالكي في بيانه ان البعثيين يريدون دعم الاستقرار في المحافظة حتى يمكنهم استخدامها نقطة انطلاق لعملياتهم في محافظات ديالا وكركوك والموصل وبغداد.

وعبر مسؤولون حكوميون منذ فترة طويلة عن قلقهم من ان البعثيين سيحاولون استعادة سلطتهم عندما تنسحب القوات الامريكية. وحظر الحزب بعد الغزو الامريكي في عام 2003 الذي أطاح بصدام حسين الذي حوكم واعدم في وقت لاحق. والحظر انتقد من جانب اولئك الذين ارتأوا انه يترك فراغا اداريا بعد الغزو.

لكن مسؤولين محليين في الانبار وزعماء قبائل دعوا الى الافراج عن المعتقلين وعودتهم الى محافظاتهم قائلين ان التقاعس عن عمل ذلك سيؤدي الى مزيد من الاحتجاجات. وقال مأمون سامي رشيد رئيس المجلس المحلي في الانبار "اننا نعطيه (المالكي) مهلة" حتى يوم الاثنين واذا لم ترد الحكومة فانه سيكون هناك حالات عصيان مدني وبدء مظاهرات مستمرة في مدن المحافظة.

وتسعى الحكومة العراقية إلى تهدئة التوتر بينها وبين زعماء العشائر في محافظة صلاح الدين كي يتراجعوا عن قرارهم تحويل المحافظة إلى إقليم، فيما تؤكد العشائر أن لا مجال للتراجع إلا إذا نفذت الحكومة مطالب الحكومة المحلية ومنها وقف الاعتقالات واجتثاث الموظفين.

إلى ذلك، رفض رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضاري في بيان فكرة إقليم صلاح الدين واعتبرها محاولة لاحتفاظ «المنهزمين» بمناصبهم. وأكد مصدر رفيع المستوى حضر اجتماعاً عقده شيوخ وأعضاء مجلسي محافظتي صلاح الدين والأنبار، برعاية رئيس البرلمان أسامة النجيفي وممثل رئيس الوزراء قتيبة الجبوري في بغداد أن «شيوخ العشائر طرحوا المشاكل والمخالفات التي ارتكبتها الحكومة بحق أهالي المحافظة وقدموا لائحة بمطالب أبناء صلاح الدين لضمان حقوقهم».

وزاد المصدر: «نرى أن الحكومة تتجه إلى التهدئة وتمييع قضية تشكيل إقليم صلاح الدين في حين يصر ممثلو المحافظة على المضي في استكمال إجراءات إعلانه على رغم تلك المحاولات».

وتابع: «إذا نفذت الحكومة المطالب التي تقدمنا بها ومن بينها وقف عمليات الإقصاء وإلغاء قرارات هيئة المساءلة والعدالة التي طاولت المئات من الأبرياء إلى جانب توفير الأمن والاستقرار ووقف عمليات الدهم والتفتيش والاعتقال العشوائي وإذا أثبتت الحكومة جديتها في تنفيذ تلك المطالب قد يصار إلى إلغاء فكرة الإقليم أو تأجيلها إلى إشعار آخر».

وأضاف إن «الاجتماع الأولي مع رئيس مجلس النواب وممثل رئيس الوزراء النائب قتيبة الجبوري حدد النقاط التي على الحكومة تطبيقها واعتقد أن رئيس الوزراء سيبحث آلية تنفيذ هذه المطالب مع مجلس محافظة صلاح الدين وشيوخها في شكل مباشر، فقد لمسنا قلق الحكومة من خطوة المحافظة في تشكيل إقليم مستقل».

وزاد إن «الاجتماع ضم أكثر من عشرين شيخاً يمثلون أهالي صلاح الدين فضلاً عن بعض شيوخ محافظة الأنبار الذين جاؤوا لمناقشة مسألة تشكيل إقليم في محافظتهم».

وصوت مجلس محافظة صلاح الدين، في 27 تشرين الأول (أكتوبر) على اعتبار المحافظة إقليماً إدارياً واقتصادياً ضمن العراق الموحد.

وأكد رئيس مجلس المحافظة سبهان جياد في تصريح إلى «الحياة» أن «التهميش والإقصاء اللذين طاولا أهالي المحافظة أجبرانا على اتخاذ هذا القرار والانفصال إدارياً واقتصادياً عن حكومة المركز».

وأشار إلى أن «التراجع عن مشروعنا غير وارد إلا في حال قدمت الحكومة الضمانات الحقيقية لتنفيذ مطالبنا وأهمها إلغاء قرارات المساءلة والعدالة التي طاولت الأبرياء فضلاً عن إلغاء قرار استملاك الأراضي الزراعية في سامراء وضمها إلى الوقف الشيعي ناهيك عن حملات الاعتقال العشوائي بحق ضباط سابقين». وتنص المادة 116 من الدستور العراقي على حق كل محافظة أو أكثر بتكوين إقليم.

إلى ذلك، أعلن محافظ ديالى عبدالناصر المهداوي أن إعلان محافظة ديالى إقليماً «أمر غير موجود كفكرة بحد ذاتها إلا من حيث الضغط على الحكومة للحصول على استحقاقاتنا». وعن انضمام ديالى إلى إقليم صلاح الدين أو إعلانها إقليماً مستقلاً قال: «هذه الفكرة لا وجود لها لكن قد نضطر إلى ذلك بغية الحصول على مكاسبنا».

من جانبه، أكد الأمين العام لهيئة علماء المسلمين حارث سليمان الضاري، أن المؤشرات كلها تشير إلى أن «الشعب العراقي الصبور لم يبق له من محنته سوى الشوط الأخير، وأنه أوشك على قطف ثمرة صبره، ومعاناته، والانتهاء من بقايا محتليه والمتآمرين عليه».

وقال الضاري في رسالة مفتوحة وجهها إلى الشعب العراقي وأبناء محافظة صلاح الدين أن «من مؤشرات نهاية محنة الشعب العراقي أيضاً تسارع بعض المنهزمين لتشكيل إمارات خاصة بهم، تحت عنوان الفيديرالية، ليحفظوا مواقعهم، ويضمنوا بقاء مكاسبهم، ويتجنبوا ـ قدر الإمكان ـ المصير المنتظر للحكومة الحالية في بغداد. وفي هذا السياق جاء إعلان مجلس محافظة صلاح الدين للإقليم، هذا المجلس الغارق إلى شحمتي أذنيه بملفات الفساد، والاستيلاء على موارد المحافظة، والمتسبب بما يتعرض له أهل المحافظة من فقر وبطالة وأذى».

وتابع أن «هذه الخطوة ليست رد فعل على ما تعرضت له محافظة صلاح الدين، من عملية إقصاء، وحملات اعتقال ـ كما يحاول دعاة الإقليم الإيهام بذلك ـ بل إنها نتيجة تخطيط، مضى عليه وقت طويل، وأمر دبر بليل، رأى القائمون عليه في حملة الاعتقالات الظالمة التي طاولت أبناء المحافظة فرصة لإعلانه طمعاً في استغلال مشاعر الغضب لدى الناس بسبب الاعتقالات». وزاد: «إن الذين أعلنوا مشروع الإقليم في صلاح الدين، ليسو وحدهم، بل ينتمون إلى شبكة من أعوان الاحتلال الذين حصلوا على مواقع في ظله، كأعضاء برلمان، أو محافظين، أو أعضاء مجالس، أو نالوا مكاسب مالية، ووعوداً بمزيد من الثراء إذا تم مشروع الفيدرالية». وكان حزب البعث رفض في بيان موقع باسم «القيادة القطرية» مشروع إقليم صلاح الدين واعتبره «تآمرياً يخدم أجندات غير عراقية».

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/تشرين الثاني/2011 - 9/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م