حول القرارات التي ستغير وجه الشرق الاوسط

العودة للشعب اولا...

محمد أبو مهادي

في تصريح صحفي سابق للرئيس ابو مازن تحدث عن قرارات مهمة وخطيرة خلال الايام القادمة، تلاه تصريح جديد لمستشاره السياسي بعنوان السلطة بصدد اتخاذ قرارات هامة وخطيرة ستغير وجه الشرق الأوسط !!!

الرئيس ومستشاره السياسي يتجاهلون حقيقة مفادها ان وجه الشرق الاوسط اخذ بالتغيير وقد تغير في العديد من الدول، وان اتجاهات هذا التغيير قد اتضحت ملامحها في تونس وليبيا وان الادارة الامريكية منذ احداث سبتمبر والهجوم الذي نفذته القاعدة على البرجين قد قررت تغيير الشرق الاوسط في اطار خطتها التي باتت معروفة "بالشرق الاوسط الجديد" او "ما تم التعبير عنه في افكار "الفوضى الخلاقة" في تصريحات وزيرة خارجية اميركا "كوندليزا رايز" في حينه.

هناك فشلا تفاوضيا مترافق مع عجز قيادي وقناعة بان الاحتلال ومعه اميركا وبعض حلفائهما لن يقدما للشعب الفلسطيني حقوقا على طبق من ذهب، فقد ولى منذ زمن عهد الهدايا والمنح في عالم متغير بسرعة وباتت تحكمه بدرجة كبيرة المصالح وموازين القوى.

اذا ما اعتقد الرئيس وفريق عمله ان تغيير الشرق الاوسط سيكون من خلال الهرب والتنصل من التزاماته في الشراكة مع الشعب الفلسطيني التي كانت ولا زالت مفقودة، فانه سيكون مخطأ وخطته لن تمر ويكتب لها النجاح بعد ان ذاق الشعب الامرين جراء سياسة ادارة الظهر لراي الشعب، وفي هذا المقام لا بد من التذكير بالتالي:

لقد فاوضتم اسرائيل باسم الشعب منذ اوسلو حتى اليوم وحملتم الشعب وزر هذه المفاوضات التي تم استغلالها اسرائيليا عبر مضاعفة الاستيطان ونهب ما يزيد عن 40% من اراضي الضفة الغربية، واقامة جدار الفصل العنصري الذي حول الضفة الغربية الى اجزاء متناثرة تصعب معها حياة المواطنين، ومارست اسرائيل عمليات عسكرية خطيرة قتلت معها اكثر من 7500 فلسطيني واصابت الاف اخرين واعتقلت ودمرت اعداد تزيد بكثير عن الالالف السابقة خلال فترة وجود السلطة الوطنية الفلسطينية بذرائع مختلفة، وقد عجزت السلطة حتى الان عن تأمين الحماية للشعب الفلسطيني او طلب الحماية الدولية للشعب من الة عسكرية مجرمة لم ترحم حتى عنوان السلطة الرئيس الراحل ياسر عرفات، ولا اريد التذكير بما دار في قضية "تقرير غولدستون" الذي تم طيه بهدوء في ظل معركة تكتيكية داخل اروقة الامم المتحدة عنوانها الحصول على عضوية دولة فلسطين.

السلطة والصراع على مغانمها اسفرت عن انقسام خطير كلف الشعب معاناة جديدة تضاف الى الماسي التي سببها الاحتلال الاسرائيلي، وتركت جراحا غائرة لدي قطاعات واسعة من ابناء الشعب الفلسطيني يصعب مداواتها، وباتت عصية على الاحتمال، دفعت الجماهير الفلسطينية الى الخروج يوم 15 اذار 2011 مطالبين بانهاء الانقسام، وكان بالامكان ان لا تعود هذه الجماهير الى منازلها لولا لعبة الاجهاض التي تمثلت في وعد القدوم الى غزة تبعها كذبة المصالحة في ايار 2011، واجهاض اخر للمواجهة الحدودية مع الاحتلال التي كانت ستغير قواعد اللعبة مع اسرائيل عندما خرج الالاف يوم 15 مايو 2011.

فاوضتم وفشلتم وغيركم غامر عسكريا وفشل، وقمتم بزج الشعب دون ان يستشار في معارك كثيرة لم تجعل الشعب الفلسطيني على حافة الهاوية وحسب بل جعلته في قاع الهاوية رغم محاولات التجميل وصناعة الانتصارات الوهمية التي تساق على الشعب الفلسطيني من السلطة وشريكتها حماس.

المعركة مع اسرائيل او اية معارك اخرى ليست سهلة وقد تكون اكبر من قدرات جميع الاحزاب الفلسطينية بعد ان جرى تبديد عناصر قوة الشعب الفلسطيني التي امتلكها على مدار صراعه مع الاحتلال وهي بحاجة الى جهد كبير من كل الوطنيين الفلسطينيين واصدقائهم في العالم لاستعادة تجميع عناصر القوة وتجنيدها لصالح حلم طال انتظاره و التوقف عن العبث الذي اوصل الجميع لمحطة خيارات السير فيها محفوفة بالمخاطر.

اهم سمة تميز بها الشعب الفلسطيني انه كان شعبا اعزل يقاوم بالحجر والمقلاع والمظاهرة والاعتصام والعلم الفلسطيني، هذه السمة التي كبلت الة البطش الاسرائيلية خلال انتفاضة الحجارة، وجعلت من قادة اسرائيل في حيرة ومأزق في استخدام قوتهم الاجرامية بحق طفل يرمى حجر او يشعل اطار سيارة - ماذا ستفعل طائرات ال "اف 16 " مع هذا الطفل ؟

ماذا ستفعل اسرائيل مع شعب لا يمتلك جيشا ولا حكومة ولا بطاقات "VIP" ولا يبحث عن رواتب تمر عبر البنوك الاسرائيلية او موازنات اجنبية مشروطة ولا مناطق صناعية مشتركة تقام لخدمة شريحة معينة من الاسرائيليين والفلسطينيين تحت بند دعم عملية السلام؟

اقاموا سلطة وفرشوا البساط الاحمر وانشأوا مهبط للطائرات، والحكومة لم تعد تكفي لشعب لم يصل في تعداده داخل الارضي الفلسطينية الخمسة ملايين فلسطيني، فمنحوه حكومة اخرى ليحظى الشعب بفرصة لم يشهدها اي شعب اخر عبر التاريخ بحكومتين وبساطين احمرين تحت الاحتلال، دمغتا بدماء الابرياء في معركة قذرة على الحكم.

 بعد الفشل المتكرر منذ ان تسلم رئاسة السلطة ومنظمة التحرير عاد ابو مازن الى خطاب البلاغة الذي سقط مع سقوط خطاب الموضوعية والعقلانية في "احجية المهم والخطير جدا" فمن يريد ان يذهب الى خيارات مهمة وخطيرة "ستغير في المتغير" عليه ان يذهب الى شعبه اولا، وان يقوم بتأمين وحدة هذا الشعب التي تمناها منذ زمن وبات يحلم بها ثانيا، عليه ان يعزز من عوامل صموده وقدرته على المواجهة ثالثا، وان يستعيد ثقته بنفسه وباحزابه ومؤسساته الوطنية والسير الى جانبه مع تفاصيل همومه ومداواة جراحه ولا يتركه طوابيرا امام البنوك بانتظار الراتب المشروط رابعا، وعليه ان يستعيد وحدة اركان قيادته والكف عن سلوك العصابات والمؤامرات وان ينسجم في فعله مع قوله ويرتقي بادائه الى مستوى تضحيات الناس وامالها خامسا، عليه بالعودة الى الشعب فهو الحاضنة الاساسية لاي مشروع تحرري وعليه باجراء الحسابات الدقيقة والموضوعية قبل الدخول في معركة جديدة قد تنتهى بالشعب في اماكن اخرى غير الوطن قد تكون وطن بديل.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/تشرين الثاني/2011 - 8/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م