أهالي بغداد يتطلعون لأيام آمنة بعد الانسحاب الأمريكي

شبكة النبأ: على الرغم من القلق الذي يسود في اوساط المجتمع العراقي إزاء الانسحاب المرتقب للجيش الامريكي خلال الايام القادمة، الا ان الكثير من المواطنين في تلك الدولة الخارجة من الحرب يتطلعون الى حياة اكثر أمنا في المستقبل القريب.

وتعكس بعض المظاهر الاجتماعية في شوارع بغداد خلال هذه الايام، التي كان مجرد التفكير فيها يعد ضرب من الجنون قبل سنوات قليلة ماضية، تعكس انتعاشا كبيرا لآمال سكان العاصمة بغداد في التنعم بعودة الهدوء والامن التدريجي الى مدينتهم، دون الالتفات الى بعض الخروقات الامنية التي تحدث بين الفينة والأخرى، على الرغم من استياء الكثير من السكان بسبب انتشار مظاهر العسكرة.

ازالة نقاط التفتيش

فقد جعلت الحوائط الخرسانية التي يقدر طولها مجتمعة بالكيلومترات والمئات من نقاط التفتيش من العاصمة العراقية بغداد مكانا أكثر أمنا على مدى سنوات لكنها صنعت ايضا متاهة تعطل السكان وتسبب ازعاجا لهم.

والان فيما تستعد القوات الامريكية للانسحاب من العراق يقول مسؤولون انهم مستعدون لازالة معظم الحواجز الخرسانية المنتشرة في الشوارع وتحيط بالمباني والاحياء وهو أسلوب الحماية الذي اتبعته بغداد في مواجهة التفجيرات المتكررة.

وتزعج شبكة نقاط التفتيش التابعة للجيش وقوات الامن والحواجز التي لا تنتهي العراقيين الذين يمقتون الاختناقات المرورية على الرغم من أن وجودها ساعد في خفض العنف منذ بلغ الصراع الطائفي ذروته عام 2006 . بالنسبة للسكان تمثل الحواجز نعمة ونقمة في ان واحد.

يقول قحطان سمير (22 عاما) "فقدت وظيفتي لانني تأخرت على العمل بسبب نقاط التفتيش." وأضاف "وجودها لا يمنع الارهابيين بأي حال من الاحوال فهم ينفذون هجماتهم اينما يريدون."

ويعتقد مسؤولون أمنيون في بغداد أن القوات العراقية الان باتت اكثر قدرة على احتواء العنف في ظل تراجع نشاط الميليشيات الشيعية بالمدينة وانخفاض أعداد الهجمات التي يشنها اسلاميون متشددون سنة يرتبطون بصلات بتنظيم القاعدة عما كانت عليه في ذروة العنف.

وتستهدف هجمات كثيرة الان قوات الامن المحلية او المجمعات الحكومية التي تخضع لحراسة مشددة بالفعل. وانخفضت مستويات العنف بشدة في بغداد منذ ذروة الصراع في عامي 2006 و2007 وتراجعت التفجيرات والهجمات والاغتيالات كثيرا منذ الفترة الدموية التي شهدها العراق منذ أربع سنوات حين قتلت أعمال العنف الالاف. لكن المدينة لاتزال خطيرة.

وعلى مدى الاسبوع الماضي وحده قتلت التفجيرات الانتحارية والقنابل المزروعة على الطرق والسيارات الملغومة اكثر من 50 شخصا في بغداد. وتستهدف هجمات كثيرة مسؤولي الامن المحليين اذ يحاول المقاتلون تقويض الحكومة مع قرب انسحاب القوات الامريكية.

وخلال أسوأ فترات العنف قرر مسؤولو الامن اقامة الحواجز الخرسانية واكثر من 1600 نقطة تفتيش للفصل بين الاحياء الشيعية والسنية وحماية مواقع مثل المنطقة الخضراء التي يوجد بها البرلمان والسفارات. بحسب رويترز.

ويقول مسؤولو الامن في بغداد انه لايزال هناك نحو 60 الف حاجز خرساني. وفي بعض الحالات لا تفصل بين نقاط التفتيش سوى بضعة امتار مما يحدث اختناقات مرورية حيث تفحص الشرطة بطاقات الهوية وتفتش السيارات وتستخدم أجهزة الكترونية للكشف عن المتفجرات.

وتقيم أجهزة الامن العراقية والشركات الخاصة حواجز الطرق. وقال اللواء قاسم الموسوي المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد ان الهدف هو خفض نقاط التفتيش باضطراد بمقدار النصف تقريبا وازالة الحواجز الخرسانية بحلول بداية العام القادم ثم اعادة النظر في الوضع الامني.

وقال الموسوي "صحيح انه هناك بعض الخروقات الامنية هنا او هناك ولكننا نشعر أن قواتنا الامنية تمتلك السيطرة على الملف الامني وقادرة على ادارته."

ومن المقرر أن تنسحب اخر دفعة من القوات الامريكية من العراق نهاية العام الحالي بعد اكثر من ثماني سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.

وينحى باللائمة في معظم الهجمات والاغتيالات على جماعات سنية متشددة مرتبطة بتنظيم القاعدة وجماعات سنية أخرى وميليشيات شيعية متناحرة. ولايزال الكثير من العراقيين يتساءلون عما اذا كانت قواتهم المسلحة ستستطيع تأمين البلاد دون مساعدة الجيش الامريكي.

والتكلفة تمثل مشكلة. ويريد المسؤولون تركيب معدات باهظة الثمن للكشف عن المفرقعات في نقاط التفتيش الرئيسية المتبقية كوسيلة للحماية. وقال الفريق اول الركن احمد هاشم قائد قيادة عمليات بغداد "نحن نعمل باتجاه رفع جميع الكتل الكونكريتية (الخرسانية). نحن لا نخاف من شيء ولكن ما يوقفنا هو عدم توفر الجهد والتخصيصات المالية."

وبالنسبة للكثير من سكان بغداد فان الاجراءات الامنية لن تلغى بالسرعة الكافية. وقال حرب اسماعيل وهو سائق حافلة كان يقف في طابور طويل من السيارات امام نقطة تفتيش "نعيش في سجن كبير. نتعرض طوال الوقت لعمليات تفتيش... وكأننا مجرمون خطرون."

سيرك يقدم عروضه لاول مرة منذ الحرب

وربما يكون حضور السيرك الى المدينة حدثا معتادا يتطلع اليه لناس في أنحاء العالم متشوقين الى قضاء وقت ممتع مع المهرجين والبهلوانات والحيوانات المدربة. لكن الامر في بغداد لا يتوقف عند ذلك الشوق الى الترفيه بل يصير أحد ملامح عودة الحياة الطبيعية في بلد لم يشهد عرضا للسيرك منذ عام 2003.

داخل خيمة كبيرة بجوار ضفة بحيرة الجادرية بحي الكرادة في وسط بغداد يقدم سيرك المظلة عروضه لعشرات الاسر العراقية لاول مرة تستضيف فيها العاصمة العراقية مثل هذه العروض منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.

وخلت العروض من استعراض الاسود والنمور الذي تضمنه اعلان السيرك كما غاب الثعبان بسبب المرض. لكن الجمهور يستمتع الى حد بعيد كل مساء بعروض القفز في الهواء وحيل الساحر وفكاهة المهرجين واستعراض الكلاب والرجل الذي يبتلع السيوف.

وذكر أحمد عبد الستار مدير فرقة سيرك المظلة أن العروض تلاقي اقبالا كبيرا من الجمهور العراقي. وقال "والله احنا (نحن) لقينا استجابة جيدة من الشعب العراقي لانه شعب متعطش لاي نوع من أنواع الثقافة والترفيه لانه حرم فترة طويلة من السيرك. بغداد لم يدخلها سيرك تقريباً من 15 سنة. فوجدنا ترحاب وتعطش وتواجد من الشعب العراقي. شعب حبوب ويعشق السيرك."

وتضم فرقة السيرك لاعبين من مختلف الجنسيات منهم عراقي يقدم عرض الساحر. وأضاف عبد الستار "احنا قبل ما نجي (نحضر) كنا متخوفين جدا. وأنا في تكويني للفريق دعوت لاعبين كثيرين من كل أنحاء العالم وكلهم كانوا يرفضون بسبب الزخم الاعلامي على أن العراق خطر والوضع الامني متدهور. بس (لكن) احنا لما جئنا هنا لقينا العكس. الحالة الامنية هادئة والحالة الامنية كويسة (جيدة) وهذا على فكرة في نفس الوقت بحضور اللاعبين كانت هذه الفكرة وصلت لبلادهم لان هم لديهم تواصل عن طريق الانترنت بذويهم وفهموهم أن الوضع مختلف تماما عما يرونه في وسائل الاعلام. بحسب رويترز.

وعبرت مدربة الكلاب ولاعبة السيرك هدى محمد عن سعادتها بالاستقبال الذي لاقته عروض السيرك من الجمهور العراقي. وقالت هدى "بصراحة فرحنا بحسن استقبال الجمهور لنا وكنا مبسوطين (سعداء) قوي في البلد وكل الارتياح للجمهور. والجمهور مبسوط بنا."

وذكر شاب عراقي من جمهور السيرك يدعى ابراهيم أنه وأبناء جيله لم يشهدوا بمثل هذا النوع من الترفيه في بلادهم. وقال "الاجواء جميلة وحلوة. تجربة جديدة ما شايفيه (لم نرها) من قبل. يعني تجربة فريدة من نوعها في العراق. أول مرة احنا نروح. أذكر من أني صغير ورايح وهذه أول مرة. صار فترة ماكو (لا يوجد). فتجربة حلوة عشناها ماكو. بس هو هذا المتنفس الوحيد."

وذكر صبي يدعى علي محمد أن أكثر ما أعجبه في السيرك عرض الرجل الذي يلقي مجموعة من الحلقات في الهواء ثم يعيد التقاطها بسرعة في براعة فائقة. وقال "تونسنا بالعرض مال السيرك وأحلى شيء كان العرض مال هذا العربي من سوى مال دوائر. وتونسنا بالعروض. ويعني كلش حلو السيرك. وهذا فد شيء كلش (كثيرا) حلو في بغداد أول مرة."

وكانت السلطات المحلية في البصرة بجنوب العراق قد أمرت في وقت سابق من العام باغلاق سيرك المظلة بعد بضعة أيام من بدء عروضه في المدينة. وذكرت السلطات في ذلك الوقت أن الوقف الشيعي مالك الارض التي أقام عليها السيرك عروضه أفتى بعدم جواز استخدامها فيما يخالف الشريعة الاسلامية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 3/تشرين الثاني/2011 - 6/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م