شبكة النبأ: حالة ذهول من شدة المصيبة
تسيطر على ذوي الفقيد، ليس اعتراضا على حكم الله على بني البشر، بل ان
فقدان احد الاحبة هو رسول بليغ لمن بقى. مع كل هذه الاجواء الحزينة،
هناك حالة من الفرح تنتاب بعض الناس على قاعدة (مصائب قوم عند قوم
فوائد) وعيونهم ترنو الى المحمول على السيارة، وليس على لسان هؤلاء سوى
سؤال واحد: تتبعون اي دفان؟. وبعد عملية التقصي التي تقوم بها احدهم،
يطير من حالفه الحظ في استنطاق ذوي الميت عن اسم متعهد الدفن، على جناح
السرعة كي يحصل في نهاية الامر على اكرامية من المتعهد تسمى (بشارة
الدفان).
هذا المشهد يبدو مألوفا في مقبرة وادي السلام، حيث يقف الساعون
للحصول على الاكرامية عند نقاط معروفة ولاسيما عند بداية المقبرة،
وبعيدا عن مكاتب المتعهدين.
(س. ع) 45 عاما من اهالي النجف الاشرف الذي يمارس هذه المهنة منذ
سنوات طويلة: بعض الاعمال مرتبطة باشياء محزنة ولكن علينا في الحياة
قبولها والتعامل معها بواقعية، وامثالي يمارس مهنة مرتبطة بجو العالم
للمنطقة كأعمال الدفن، والقراءة على الميت وغيرها. وفي النهاية يحصل من
يمارس عملنا على مبلغ لابأس به وحسب الدفان وسخائه وعادة يختلف من شحص
لاخر.
الدرجة الهوائية والنارية، من الوسائل المهمة التي يعول عليها اصحاب
هذه الحرفة كما يقول (م. س) 52 عاما: عملنا يتطلب السرعة في نقل
المعلومة الى الدفان، لذا نحتاج الى وسيلة نقل سريعة تستطيع الانتقال
الى حيث نريد دون الاكتراث الى الازدحامات المروية وكثرة السيارات.
ولعل الدراجة الهوائية كانت هي المفضلة في السابق واليوم الدراجة
النارية الصغيرة هي من فرضت نفسها بحكم الحاجة والتطور. احيانا تتعطل
وسيلة النقل لسبب معين، ما يجعل (البشارة) تضيع من يدي صاحبها كما يقول
(و. ع) 47عاما: ذات مرة انطلقت نحو الدفان المقصود، ماهي خطوات بسيطة
حتى تعطلت دراجتي. هذا الامر دفع صديقا ان يسبقني ويأخذ (البشارة).عاتبته
على عمله هذا، ما جعله يقتسم مبلغ (البشارة) بيننا.
يشكو من يمارس هذه المهنة من انحسارها بسبب دخول الموبايل واتصال
اهل الميت بالدفان بصورة مباشرة كما يقول سعدي وهاب: الموبايل من اهم
اسباب ضمور هذه المهنة، حيث اصبح الاتصال مباشرة بين الطرفين، وبهذا
انتفى عملنا. اما زميله مخلف طراد فيقول: بعد معرفتي من اهل الميت عن
اسم المتعهد، انطلقت بدراجتي نحو مكتبه واخبرته بالامر: بان هناك جنازة
من مدينة النعمانية في الطريق اليك. اجابني: لقد اتصلوا بي منذ اكثر من
خمس ساعات. ولكن هذا الدفان لم يكسر خاطري، فاعطاني مبلغ (البشارة) كما
تجري العادة.
قد يشعر البعض بالحرج من مهن معينة، ولكن هل يشمل اصحاب الساعين خلف
(بشارة الدفان) هذا القول ؟ عبد الله محارب يقول: تعد مقبرة وادي
السلام اكبر مقبرة في العالم ويدفن فيها من انحاء العالم الاسلامي،
وهناك مهن ارتبطت بها ومهنتنا واحدة منها، وفي حقية الامر نحن لانجبر
اصحاب المكاتب على اعطائنا اكراميات، ولكن العادة جرت على هذا المنحى.
الكساد الذي يضرب هذه المهنة، جعل البعض يتحول الى مهن اخرى مقاربة
في التوجه وفي حدود المنطقة نفسها كما يقول والي سرحان: وسائل الاتصال
الحديثة جعلت إيراداتنا تقل عن السابق. هذا الامر جعلني انتقل الى مهنة
(تزوير الجنازات) والتكبير عليها، وهذا العمل جماعي يشترك فيه اكثر من
اربعة اشخاص، عكس في السابق كانت مهنتنا فردية.
يعتمد هؤلاء المبشرين على المعلومات التي يجدون صعوبة في الحصول
عليها بحكم حراجة الموقف، واحيانا يدفعون ثمن هذا الاندفاع على شكل
ضربات واهانات من قبل ذوي الميت كما يقول دحام صفر: حاولت ذات مرة
الحصول اسم الدفان من اهل العزاء، وشاءت الصدف ان تقودني قدمي الى
احدهم الذي كان قد اعتزل الناس. اقتربت منه وقلت له: عمي انتم عند يا
دفان تدفنون ؟ نظر الرجل الي وعيونه يملؤها الشر، ثم هجم علي وانهال
ضربا حتى تدخل اهل (الجنازة) وقاموا بخليصي منه. تيبن ان هذا الرجل هو
اخو المرحوم وهو اكثر الناس حزنا عليه لانه فارق الحياة وهو شاب. في
نهاية المطاف اعطاني قريب له مبلغا وقال لي: هذه عوض عن الضرب الذي
اكلته. احيانا يقسم اصحاب هذه المهنة مكاتب الدفن بينهم، فلا يحق
التجاوز على حصة الاخر الا في حالة الغياب، عندها يخبر الشخص المعني
ويفضي الامر الى تقاسم الاكرامية مناصفة. |