مدارسنا بين التلقين وثقافة التحليل

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لم تعد المدارس المعاصرة، وسيلة للتلقين فحسب، ولم تعد مهمتها تعليم القراءة والكتابة، أو محو الامية، ولا تنحصر بتعليم الطلاب كيفية معالجة المعادلات الرياضية، او فهم الحوادث التأريخية، او تضاريس الارض، او معرفة اعضاء جسم الانسان والحيوان، وغير ذلك من المواد العلمية او الانسانية، بل تحولت مدارس المجتمعات المتطورة الى مؤسسات علمية، تزرع في أذهان طلابها طرق التحليل والابداع المتنوع في شتى مجالات الحياة.

وفي نظرة معمقة للدور الذي تقوم به مدارسنا، وهو دور كبير وينطوي على متاعب ومشاق كبيرة ايضا، سنكتشف أن تدريس الطلاب لاسيما ما بعد المراحل الابتدائية، أصبح نوعا من التلقين الجاف الذي لا ينطوي على آفاق تحليلية، تساعد الطالب على الابداع والتوسع في مجالاته العلمية، او الانسانية التي يتدرب عليها طيلة مراحل تدريسية متصاعدة.

وبهذه اصبحت عملية التعليم في مدارسنا آلية جافة، تفتقر للتحفيز الذهني والاكتشاف والتوغل في دهاليز العلم، عبر التحليل والغوص في مجاهيل الابداع، من اجل الاضافة الى ما تم اكتشافه سابقا، وليس تكرارا لما تعلمه السابقون، فالعملية التدريسية، لا تعني حشو المعلومات، سواءا كانت علمية او انسانية، وزجها في عقول الطلاب، بقدر ما تتطلب توسيعا للمدارك الذهنية، وذلك لفتح الآفاق واسعة امام التحليل والابداع معا.

ولو سألنا كم من مدارسنا، بأساتذتها ومدرسيها ومعلميها وحتى أكاديمييها، تعلم طلبتها على فتح الافاق أمام الابداع والتحليل، وتتخلى عن العادات التعليمية التي اكل عليها الدهر وشرب، وهنا ليس المعني بهذا الامر مناهج التدريس ومضامينها فحسب، وانما طرق التدريس وكيفية ايصال المعلومات، الى اذهان الطلاب وكيفية تدريبهم على التحليل المتعدد الجوانب والمسارات؟.

إن الجواب واضح قطعا، فلقد باتت العملية التربوية والتعليمية معروفة للجميع، وهي عبارة عن اجترار لمناهج مكررة، وامتداد لطرق تدريس ساكنة، تفتقر الى التحفيز الذهني وتعد قارّة وساكنة، قياسا الى الفتوحات العلمية الكبيرة التي حدثت في عدد من بلدان العالم الحديثة، حيث باتت المدارس هي الحاضنة الأم، لإنتاج العقول العلمية والإبداعية الكبيرة، التي تصب في البناء الحداثوي الهام.

لذلك لابد للمعنيين سواءا الوزارات المعنية، او المؤسسات الرسمية والاهلية، التي تهتم بالتعليم، وتدخل كطرف أساس في تحمل مسؤولية انتاج اجيال عقلية مبدعة ومتطورة، أن تأخذ على عاتقها مهمة تطوير العملية التدريسية، ونقلها من حالتها الروتينية الساكنة، الى آفاق التجديد وتوسيع المدارك وفتح الآفاق واسعة أمام الطاقات الشبابية الهائلة، التي تتدفق سنويا بمئات الآلاف، على المدارس والجامعات وسواها، وبهذا تكون مهمة المدرسة او الجامعة، قد انتمت الى العالم الجديد الذي بات يرفض اجترار الماضي، في الجوانب التعليمية او التربوية عموما.

ويبقى دور الدولة كبيرا بل اساسيا في هذا المجال، إذ لابد أن تحدث قفزة كبيرة في مجال تطوير الطاقات التعليمية، على مستوى المدارس او الجامعات، من خلال عمليات التوأمة التي تتم بين مدارسنا وكلياتنا، وبين مثيلاتها في العالم المتطور، لنقل التجارب المتطورة في هذا المجال الى مدارسنا وجامعاتنا.

والخطوة الاهم في هذا المجال، اقامة الدورات الناجحة في مجال التطوير التعليمي والتربوي، كذلك الحال ارسال بعثات متواصلة للكادر التدريسي، الى الدول المتطورة لاكتساب طرق التعليم الناجحة، من خلال اكتساب الخبرات الهامة في هذا المجال، علما ان الموارد والأموال اللازمة متوفرة، ولا عذر للجهات المعنية بهذا الأمر، حين تتحجج بعدم وفرة الأموال او سواها من الأعذار.

وثمة خطوات إجرائية بالغة الأهمية في هذا الصدد، تتمثل بضرورة تحديث المناهج العلمية والإنسانية، وتطويرها جديا بما يتلاءم والوعي الكبير، الذي توصل إليه العقل في العصر الراهن، وبهذا لابد أن تتحول المدرسة والجامعة، من عملها اليومي السنوي الروتيني، الى حيز الإبداع وصنع العقول التي تكون قادرة على التفكير المنتج والتحليل الناجح، ولها القدرة على التجديد والتطوير الدائم، لحيثيات الحياة كافة، وبهذا تكون المدرسة عاملا مساعدا على تطوير الحياة، بدلا من جعلها ذات طابع روتيني رتيب، من خلال آلية التعليم المكررة، وطرق التدريس القديمة.

يتطلب الأمر دراسة شاملة من لدن الوزارات المعنية، ومن لدن المعنيين في هذا الميدان الهام، وذلك من أجل نقل العملية التربوية التعليمية الى النجاح والمعاصرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/تشرين الثاني/2011 - 5/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م