شبكة النبأ: العولمة بالمفهوم
والمنظور الأمريكي.. تعرف العولمة بالمفهوم الأمريكي من إنها "هيمنة"
الهيمنة الأمريكية للمنطقة والعالم بأسره، فهي تعني تعميم نمط حضاري
معين، ومن الناحية الأيديولوجية تعني إرادة الهيمنة على العالم أي
أمركة العالم، والعمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً بعينه، وهو
الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، على بلدان العالم أجمع، فهي بهذا
التعريف تكون العولمة دعوة إلى تبنى إيديولوجية معينة تعبر عن إرادة
الهيمنة الأمريكية على العالم.
ولعل المفكر الأمريكي "فرانسيس فوكوياما" صاحب كتاب "نهاية التاريخ"
يعبر عن هذا الاتجاه فهو يرى أن نهاية الحرب الباردة تمثل المحصلة
النهائية للمعركة الإيديولوجية التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية
بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وهي الحقبة التي تم
فيها هيمنة التكنولوجيا الأمريكية على عموم المنطقة وأخذت هذه الهيمنة
تتوسع يوما بعد أخر لتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من جعل العالم
بقبضتها وخصوصا من الجانب الاقتصادي.
ففي جوانب أخرى نجد أن العولمة هي بحد ذاتها ظاهرة اقتصادية فريدة
من نوعها، فقد عرفها الصندوق الدولي بأنها: (التعاون الاقتصادي
المتنامي لمجموع دول العالم والذي يحتّمه ازدياد حجم التعامل بالسلع
والخدمات وتنوعها عبر الحدود إضافة إلى رؤوس الأموال الدولية والانتشار
المتسارع للتقنية في أرجاء العالم كله).. وكذلك عرفها "روبنز ريكابيرو"
الأمين العام لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والنمو بأنها: (العملية
التي تملي على المنتجين والمستثمرين التصرف وكأن الاقتصاد العالمي
يتكون من سوق واحدة ومنطقة إنتاج واحدة مقسمة إلى مناطق اقتصادية وليس
إلى اقتصاديات وطنية مرتبطة بعلاقات تجارية واستثمارية).. كما عرفها
احد المختصين الأمريكيين من إنها: (اندماج أسواق العالم في سوق التجارة
والاستثمارات المباشرة، وانتقال الأموال والقوى العاملة والثقافات ضمن
إطار من رأسمالية حرية الأسواق، مع خضوع العالم لقوى السوق العالمية،
مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية وإلى الانحسار الكبير في سيادة
الدولة، وأن العنصر الأساسي في هذه الظاهرة هي الشركات الرأسمالية
الضخمة متخطية القوميات). ويقول عنها "جيمس روزناو": (العولمة علاقة
بين مستويات متعددة للتحليل الاقتصاد، السياسة، الثقافة، الايديولوجيا،
وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج، تداخل الصناعات عبر الحدود، انتشار أسواق
التويل، تماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول، نتائج الصراع بين
المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة) وعرفها بعض المختصين من إنها:
(الاتجاه المتنامي الذي يصبح به العالم نسبياً كرة اجتماعية بلا حدود،
أي أن الحدود الجغرافية لا يعتبر بها حيث يصبح العالم أكثر اتصالاً مما
يجعل الحياة الاجتماعية متداخلة بين الأمم)..
فهم يرونَ أن العولمة شكلا جديدا من أشكال النشاط، فهي امتداد طبيعي
لانسياب المعارف ويسر تداولها تم فيه الانتقال بشكل حاسم من الرأسمالية
الصناعية إلى المفهوم ما بعد الصناعي للعلاقات الصناعية.. بينما تجد
آخرون يقولون عنها: (زيادة درجة الارتباط المتبادل بين المجتمعات
الإنسانية من خلال عمليات انتقال السلع ورؤوس الأموال وتقنيات الإنتاج
والأشخاص والمعلومات).
بدأ التفرد الأمريكي والهيمنة الامريكية في الساحة الدولية بعد
انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث نشأت العولمة الامريكية بانفراط عقد
الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى ووحيدة في العالم، وقد ولد هذا الانفراد
لدى الإدارات الأمريكية، ودوائر صنع القرار في أروقتها، شعورا بالغطرسة
والهيمنة على دول العالم، بعد فقدان القوى العظمى في المنطقة قوتها،
فشعرت الولايات المتحدة انها بلا منافس وبلا ند، لذا ترعرعت في ظل هذه
الأوضاع نزعة العولمة، ورافقها مسعى أمريكي محموم، لفرض النموذج
الأمريكي على العالم، من واقع وهم القوة، التي تمظهرت، في واقع الحال
الأمريكي، القوة الاقتصادية والترسانة العسكرية المتفوقة و التفوق
العلمي والتكنولوجي وكذلك ثورة الاتصال والمعلوماتية، وقد أغرت عناصر
القوة المذكورة، صانعي القرار في الإدارة الأمريكية، في مختلف قنوات
ومراكز صنع القرار، على الاندفاع، في كل الاتجاهات، لفرض النموذج
الأمريكي، على العالم، بذريعة الإصلاحات الديمقراطية، تارة، وبذريعة
حقوق الإنسان، تارة أخرى.
ومن الجدير بالذكر إن العولمة الأمريكية ليست وليدة اليوم أو الأمس..؟
بل هي عملية تاريخية قديمة مرت عبر الزمن بمراحل ترجع إلى بداية القرن
الخامس عشر إلى زمن النهضة الأوروبية الحديثة حيث نشأت المجتمعات
القومية، وحتى هتلر أيضا طمع بعولمة العالم من خلال خطابه أمام الرايخ
الثالث: (سوف تستخدم الاشتراكية الدولية ثورتها لإقامة نظام عالمي جديد)
وايضا نجدها في "كتابات الطبقة المستنيرة" في عام 1780: (من الضروري أن
نقيم إمبراطورية عالمية تحكم العالم كله).
فبدأت العولمة ببزوغ ظاهرة الدولة القومية عندما حلت الدولة محل
الإقطاعية، مما زاد في توسيع نطاق السوق ليشمل الأمة بأسرها بعد أن كان
محدوداً بحدود المقاطعة، وذهب بعض الباحثين إلى أن نشأة العولمة كان في
النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، إلا
أنها في السنوات الأخيرة شهدت تنامياً سريعاً، فقد نشأت ظاهرة العولمة
وتنامت في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي حالياً في أوج الحركة
فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن نسمع أو نقرأ عن اندماج شركات كبرى، أو
انتزاع شركة أمريكية كبرى على شركة أخرى، فأن أمريكا لها دعوة لإقامة
حكومة عالمية، ونظام مالي عالمي موحد والتخلص من السيادة القومية كما
إنها بدأت في الخطاب السياسي الغربي منذ فترة طويلة.. ومن خلال ما تقدم
يمكن أن يقال في مفهوم العولمة الأمريكية: أنها صياغة إيديولوجية
للحضارة الأمريكية من فكر وثقافة وسلوك واقتصاد وسياسة للسيطرة على
العالم أجمع باستخدام الوسائل الإعلامية والوسائل الالكترونية الحديثة،
والشركات الرأسمالية الكبرى لتطبيق هذه الحضارة وتعميمها على العالم.
كما نجد إن العولمة الأمريكية قد ركزت على عدة نواحي منها التجارية
والاقتصادية والتي بطبيعة حالها تجاوزت حدود الدولة مما يتضمن زوال
سيادة الدولة، حيث أن كل عامل من عوامل الإنتاج تقريباً ينتقل بدون جهد
من إجراءات تصدير واستيراد أو حواجز جمركية، فهي سوق عولمة واحدة لا
أحد يسيطر عليها كشبكة الإنترنت العالمية وشركات إنتاج البيتزا
والهامبرجر والبيبسي كولا، التي أصبحت عنوانا واحدا في جميع دول
العالم.
أما فيما يتعلق بالإعلام الأمريكي فأن أمريكا تتطلع إلى احتواء معظم
الصحف والفضائيات والإذاعات المحلية ببوتقتها الأمريكية، وذلك من خلال
التفرد بمصادر المعلومات وتدفق المعلومات الهائل وحقها في التحكم في
أجهزة البث القوية كيفما تشاء وبالصورة التي تراها مناسبة، مما يجعل
وسائل الإعلام الضعيفة تتهاوى على أرض نظام العولمة الجديد، وذلك لأن
تلك الوسائل تحتضن جمهوراً ضئيلا بسبب ضعف إمكاناتها المادية وقدرتها
على تغطية الأحداث الدولية بسرعة، الأمر الذي يجعل الجمهور العالمي
الذهاب إلى التغطية العالمية السريعة وإلى التكنولوجيا الأمريكية
المهيمنة على سواه من التكنولوجيا العربية المتخلفة.
وخلاصة القول في هذا الباب أن مصطلح العولمة او الهيمنة الأمريكية
منشأه غربي أمريكي، وطبيعته غربية أمريكية، والقصد من هذه الهيمنة
والعولمة هي تعميم فكره وثقافته ومنتوجاته على دول العالم، فهي ليست
نتاج تفاعل حضاري بين الحضارة الأمريكية والحضارة الشرقية وقد انصهرت
في بوتقة واحدة، بل هي عملية سيطرة، سيطرة قطب واحد على العالم ينشر
فكره وثقافته مستخدمة قوته الرأسمالية لخدمة مصالحه وتوجهاته
وأيدلوجياته، فهذه النزعة كما اشرنا انها تاريخية تملكت العديد من
الشخصيات والقادة والدول للاستيلاء على العالم ولكن بطريقة نموذجيه
متحضرة يرضى بها المُستـَعمَر ويهلل لها، بل ويتخذ من هذه الهيمنة
الامريكية المتسترة بلباس العولمة مطلب للتقدم. وختاما نستشهد بقول
"بات روبرتسون": (لم يعد النظام العالمي الجديد مجرد نظرية، لقد أصبح
وكأنه إنجيل). |