
شبكة النبأ: في خضم التحولات المهمة
التي يشهدها الشأن السياسي في العراق، تتبلور العديد من الإشكاليات
والعقبات التي قد تعرق تلك الدولة في مسيرتها نحو بر الأمان خلال
الفترة المقبلة، سيما أن الكثير من هواجس القلق تخيم على هذه المرحلة
وما سيخلفه الفراغ السياسي والعسكري لما بعد الانسحاب الكامل للقوات
الأمريكية نهاية العام الجاري.
وأبرز ما يثير تلك الهواجس هو تفاقم الصراع الدولي والإقليمي على
الساحة العراقية، خصوصا ان ما يعزز من تلك التوقعات وجود العديد من
الأدوات والمفاتيح داخل النظام السياسي العراقي والتي تملكها بعض الدول
الإقليمية التي لا تشعر بالارتياح تجاه العملية السياسية القائمة أو
الحكومة الحالية بحسب ما يراه اغلب المراقبين.
فيما تشكل النزاعات المحلية الى جانب وجود بعض الجماعات المسلحة
تهديدا جديا لمواطني تلك الدولة ومؤسساتها على حد سواء، حيث لفتت
الانقسامات السياسية الكبيرة وجود شرخ واسع بين قادة العملية السياسية،
فضلا عن التصعيد الأخير للعمليات الارهابية التي وقعت مؤخرا.
التدخل الإيراني
فقد يرى عدد من المحللين انه في الوقت التي تعتزم الولايات المتحدة
الاميركية سحب قواتها التي بقى منها 39 الفا من العراق، ان ايران خصمها
اللدود ستسعى الى زيادة نفوذها في اروقة السلطة في بغداد.
وكانت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون حذرت ايران من
التدخلات الايرانية بعد ساعات من اعلان الرئيس باراك اوباما ان واشنطن
ستسحب قواتها من هذا البلد في نهاية العام بعد اكثر من ثماني سنوات على
الغزو الاميركي في 2003.
وتتهم واشنطن باستمرار مجموعات شيعية مدعومة من ايران بالوقوف وراء
اعتداءات في العراق بينما يتهم المسؤولون الاميركيون طهران بالتدخل في
شؤون الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة. لكن العراق وايران، اللذين
كانا عدوين قبل العام 2003 وخاضا حربا استمرت ثماني سنين بين العامين
1980-1988، باتت تربطهما علاقات ثنائية جيدة، ولديهما تعاون في مجال
التجارة والسياحة وخصوصا الدينية.
ورأى الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ان انسحاب القوات الاميركية
من العراق "سيؤدي الى تغيير في العلاقات" بين طهران وبغداد. ولم يحدد
نوع التغيير الذي يتوقعه. واضاف "اعتقد انه امر جيد وكان يفترض ان يحصل
منذ فترة طويلة".
واعتبر احمدي نجاد انه "لو حصل (الانسحاب) قبل سبع او ثماني سنوات،
لكان سقط عدد اقل من القتلى العراقيين والجنود الاميركيين". وقال علي
الصفار المحلل السياسي الذي يعمل في منظمة "ايكونميست انتليجنت يونت"
ومقرها في لندن، ان "التدخل الايراني بصورة عامة في الوقت الحالي كبير
وواسع المدى وخصوصا في المناطق الجنوبية". واضاف ان "ايران عملت ومنذ
العام 2003، على عدم وضع بيضها في سلة واحدة (توسيع دائرة نفوذها على
جهات مختلفة)، وها هي تجني ثمار هذه السياسة الان". واضاف الصفار "مع
عملية الانسحاب، سيتضاءل النفوذ الاميركي، واعتقد ان ايران عبر حلفائها،
وكذلك الدول العربية المجاورة للعراق عبر المرشحين المقبولين لديهم،
ستسعى للتدخل وتعزيز وضع الاحزاب السياسية المفضلة لدى كل جانب".
ويأتي الامر الذي اصدره اوباما بسحب الجنود الاميركيين البالغ عددهم
39 الفا من العراق بحلول 31 كانون الاول/ديسمبر، بعد حرب دموية شهدت
مقتل عشرات الآلاف من العراقيين واكثر من 4400 جندي اميركي وكلفت مئات
المليارات من الدولارات.
وسيكون ملء هذا الفراغ من خلال السفارة الاميركية في بغداد والتي
تعد الاكبر في العالم، ومن خلال القنصليات الاميركية في البصرة واربيل
عاصمة اقليم كردستان. وسيبقى اقل من 200 جندي ضمن مهمة حماية السفارة
ومكاتب التعاون الامني والتي هي مسؤولة عن المبيعات العسكرية ومهمات
تدريب محدودة على الرغم ان وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا قال ان
واشنطن تتفاوض مع العراق بعد العام 2011 حول نشر كتيبة تدريبية في
العراق.
واثار قرار الانسحاب الكامل من العراق غضب الجمهوريين في الولايات
المتحدة الذين رأوا ان هذه الخطوة ستعزز نفوذ ايران في البلد المجاور
لها. وكانت حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي قد تشكلت اخيرا بعد انضمام
الكتلة الصدرية الموالية لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الي ينظر اليه
كمقرب من ايران، بعد جمود استمر اشهرا عدة اثر الانتخابات التي جرت في
مارس/اذار 2010.
وحل المالكي الذي شكل في بداية الامر كتلة متعددة الطوائف ثانيا في
الانتخابات الامر الذي دعاه الى التحالف مع كتلة شيعة لتشكيل الحكومة.
ويرى مسؤولون عسكريون اميركيون ان ايران قامت بتدريب ودعم جماعات شيعية
لتتولى بدورها استهداف القوات الاميركية في المحافظات الجنوبية، الامر
الذي تنفيه طهران.
من جانبه، قال رايدر فيسر المحلل السياسي ورئيس تحرير موقع يعنى
بشؤون العراق، ان "المبدأ الاساسي للسياسة الايرانية في العراق هو ان
تكون هناك حكومة ائتلافية يهيمن عليها الاسلاميون الشيعة". ورأى انه
"علاوة على ذلك، فان ايران نجحت في تحديد معالم السياسة العراقية من
خلال رئيس وزراء يعتمد على تحالف شيعي طائفي، وما دامت السياسة
العراقية محصورة في تعريف طائفي فان ايران سيكون لها اليد الطولى". وقد
يدفع عدم الاستقرار في سوريا الحليف الاستراتيجي في المنطقة لايران --
حيث ادى العنف ضد المتظاهرين الى مقتل اكثر من 3000 شخص -- بطهران
للتركيز على العراق.
بدوره، رأى احسان الشمري استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، ان
"التدخلات الايرانية في العراق ستستمر بعد الانسحاب الاميركي وهذا
الامر واضح من خلال وجود خشية اميركية من احتواء العراق من قبل ايران".
بحسب رويترز.
واكد انه "بعد الانسحاب سيكون النفوذ الايراني طاغيا لان ايران
ستركز على العراق اكثر من اي مكان اخر وخصوصا انها قد تخسر سوريا".
واضاف ان "التدخل الايراني قد يكون سلبيا اذا انحرف العراق عن المواقف
الايرانية وبالعكس ما يعني ان طبيعة التدخل تعتمد على المصالح
الايرانية".
واتفق فيسر مع الشمري قائلا "اذا كان الهدف حتى الان هو كبح النفوذ
الاميركي، فالهدف المقبل سيكون هو التأكد من ان الحكومة العراقية سوف
لن تتوقف عن الاعتماد على طهران". واضاف "العراق سيكون مهما بصورة
مضاعفة بالنسبة للايرانيين، وخصوصا اذا فقدوا ارضيتهم في سوريا".
كلينتون تشدد
تعهدت الولايات المتحدة بالحفاظ على علاقات امنية قوية مع العراق في
السنوات القادمة على الرغم من الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية، وقالت
وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لقناة (ان.بي.سي) "يجب الا
يسئ أحد تقدير عزم أمريكا والتزامها بالمساعدة في دعم الديمقراطية
العراقية. "لقد دفعنا ثمنا غاليا لمنح العراقيين هذه الفرصة." واضافت
كلينتون يجب ألا يساور احد أي شك في الالتزام الأمريكي تجاه العراق
خاصة إيران المجاورة. واعرب وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا عن ثقته
في ان العراق سيكون قادرا على التعامل مع اي تهديد للمتشددين الذين
تدعمهم إيران بعد الانسحاب الأمريكي.
والعلاقات بين إيران والولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية
متوترة بالفعل بسبب طموحات طهران النووية وحذرت كلينتون طهران من
محاولة فرض اي نفوذ لها في العراق. وقالت كلينتون لقناة (سي.ان.ان) من
اوزبكستان "ستكون ايران مخطئة في حساباتها بشدة اذا لم تنظر الى
المنطقة بأسرها ولوجودنا في العديد من دول المنطقة."
وقالت كلينتون في مقابلة مع قناة فوكس نيوز ان العراق "دولة مستقلة
ذات سيادة لدينا معها علاقات جيدة جدا. ونتوقع مواصلة العلاقة الامنية
الجيدة لسنوات عديدة قادمة." واضافت "ما اتفقنا عليه هو بعثة دعم
وتدريب مثل بعثات كثيرة لنا تنتشر في دول من الاردن الى كولومبيا وسوف
نواصل العمل مع العراقيين. كما سيكون لنا وجود دبلوماسي قوي جدا."
وقالت كلينتون لقناة (ايه.بي.سي) "ولذلك ..لا.. لن تكون لنا قواعد
في العراق. لكن لدينا قواعد في مناطق اخرى."
وقال بانيتا ان العراق سيكون قادرا على تولي شؤونه واشار الى ان
الولايات المتحدة ستحتفظ بنحو 40 الف جندي في المنطقة من بينهم 23 الفا
في الكويت. ولا يشمل هذا العدد القوات الامريكية التي تقاتل في
افغانستان. واضاف بانيتا للصحفيين بعد اجتماع مع وزراء دفاع دول جنوب
شرق اسيا في منتجع بالي الاندونيسي "لقد طور العراق نفسه قوة فعالة
قادرة على التعامل مع هذه التهديدات."
وقال "ما شهدناه في السابق عندما كانت لدينا مخاوف بشأن ما تفعله
ايران هو ان العراق نفسه قام بعمليات ضد الجماعات الشيعية المتطرفة ...
لقد قاموا بها بالتزامن مع دعمنا ونعتقد انهم قاموا بعمل جيد. وسوف
يواصلون القيام بذلك."
حملة لإعتقال بقايا البعث
من جانب آخر قال مسؤولون كبار ان السلطات العراقية اعتقلت ما لا يقل
عن 240 من اعضاء سابقين بحزب البعث المحظور وضباط عسكريين سابقين فيما
يتصل بمؤامرة للاستيلاء على السلطة بعد انسحاب القوات الامريكية من
العراق في نهاية العام.
وفي حين وصف بضعة مسؤولين الاعتقالات بانها احباط لمؤامرة محددة قال
اخرون انها اجراء وقائي قبل الانسحاب الامريكي الذي سيكتمل بعد حوالي
تسع سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والذي أطاح بالرئيس
السابق صدام حسين في 2003 .
ودأب مسؤولون بالحكومة العراقية على ابداء مخاوف من أن البعثيين قد
يحاولون استعادة السيطرة على السلطة عندما ترحل القوات الامريكية.
وأبلغ اللواء حسين كمال نائب وزير الداخلية العراقي لشؤون الاستخبارات
"ألقينا القبض على مجموعة تنتمي لحزب البعث السابق كانت تخطط لاطلاق
اعمال تخريب وتمرد للاطاحة بالعملية السياسية في البلاد بعد انسحاب
القوات الامريكية."
وقال كمال ان تقارير للمخابرات تشير الي ان أكثر من 300 مشتبه به
يتنمون لمجموعة كانت تنشط في ارجاء العراق بما في ذلك محافظات بغداد
والنجف والناصرية وواسط ونينوي وديالى وكركوك والانبار. واضاف قائلا "مازلنا
نتابع هذه المجموعة الخطيرة.. نحن نعمل على تحييد هذه الشبكة التي لها
فروع في ارجاء العراق." وامتنع عن تقديم اي تفاصيل عن المؤامرة.
وقد تزيد هذه الحملة من استعداء السنة الذين يراود الكثيرون منهم
شكوك عميقة في حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي التي يقودها الشيعة.
وأدانت كتلة العراقية -وهي ائتلاف علماني يؤيده كثير من السنة ويشارك
في الحكومة الائتلافية التي يرأسها المالكي- حملة الاعتقالات.
وقال نائب رئيس الوزراء صالح المطلك -وهو شخصية سنية بارزة وأحد
زعماء العراقية- "خلق أزمة في هذا الوقت ليس في مصلحة البلاد ... مثل
هذا الشيء سيعرقل الانسحاب الامريكي من العراق." بحسب رويترز.
وقال مصدر مطلع في العراقية ان زعماء الكتلة ناقشوا في اجتماع
امكانية الانسحاب من الحكومة لكنهم قرروا بعد الاجتماع مع مبعوث
للمالكي الاكتفاء الان بمراقبة حملة الاعتقالات.
وقال مسؤولون امنيون كبار انه منذ بدأ اعتقال مسؤولين سابقين بالبعث
وضباط كبار سابقين بالجيش في وقت سابق القي القبض على ما لا يقل عن 240
شخصا منهم 33 في محافظة صلاح الدين و33 في ديالى و60 في كركوك و40 في
البصرة وثمانية في واسط و27 في الناصرية و56 في بابل.
وقال مسؤولون باجهزة الامن والشرطة ان المالكي اصدر أوامر اعتقال
بحق 350 عضوا سابقا بحزب البعث. وقال عبد الله الدوري وهو نقيب بشرطة
تكريت "ألقينا القبض على 33 عضوا سابقا بحزب البعث بعد تلقي معلومات
مخابرات بانهم كانوا ينظمون اجتماعات سرية مؤخرا... انه اجراء وقائي
لمنع أي تحركات محتملة لاستعادة انشطة البعث."
وقال مصدر قريب من المالكي ان تقارير المخابرات كشفت عن مؤامرة خطط
لها مجموعة من الاعضاء السابقين بالبعث للاستيلاء على السلطة بعد
انسحاب القوات الامريكية.
الوضع الامني لن يتاثر
في سياق متصل اعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي السبت ان
تاكيد الرئيس الاميركي باراك اوباما انسحاب القوات الاميركية مع نهاية
السنة يشكل فرصة "تاريخية" للعراق مشددا على ان هذا الانسحاب لن يؤثر
في الوضع الامني في البلاد.
وقال المالكي في مؤتمر صحافي "لا خوف على انفلات الاوضاع الامنية
بعد انسحاب القوات الاميركية". واضاف ان "القوات الاميركية كانت نادرا
ما يطلب منها المساعدة في مجالي الاستخبارات والنقل وان قواتنا كانت
تشرف على الاوضاع منذ توقيع الاتفاقية الامنية في عام 2008".
واكد ان "الاتفاق يعد مناسبة تاريخية للشعب العراقي (...) وان
قواتنا اصبحت قادرة على ضبط الاوضاع الامنية". وتراجعت اعمال العنف في
شكل ملحوظ في العراق خلال الاعوام الاربعة الاخيرة بعدما بلغت ذروتها
خلال العامين 2006 و2007، لكن الاعتداءات مستمرة. وفي ايلول/سبتمبر
الفائت، قتل 185 عراقيا في هجمات مقابل 230 قتيلا في اب/اغسطس وفق
احصاءات رسمية.
وفي شان التدخلات الخارجية، قال المالكي "لا يوجد من يفكر ان يخترق
العراق" مشيرا الى ان "السياسة المعتمدة في العراق لا تعطي فرصة لاي
جهة ان تخترق اجواءنا". واكد المالكي "سوف لن نشهد اي قاعدة عسكرية
اميركية في العراق، ما دام الاتفاق جرى في اطار اتفاقية سحب القوات ولن
يكون هناك اي وجود اميركي". واشار المالكي الى انه بالانسحاب الاميركي
"طوينا صفحة كان يحكمها العسكر لننتقل الى مرحلة جديدة مبنية على
التعاون الدبلوماسي".
واكد رئيس الوزراء العراقي ان العراق قرر عدم منح حصانة للمدربين
الاميركيين، لكنه اشار الى ان قضية بقاء مدربين ستبرم ضمن عقود شراء
السلاح ولا يحتاج الامر الى موافقة برلمانية.
واوضح المالكي "حينما طرح موضوع الحصانة وابلغ الجانب العراقي انه
لن يبقى جندي الا بحصانة وكان الجواب العراقي بالرفض، توقف البحث في
موضوع العدد والمكان واليات التدريب". واضاف "ولما حسم الموضوع بدأت
القوات الاميركية بالانسحاب الحقيقي ولم يبق الا ثلاثين الف جندي، لذا
تخلينا عن ذلك واتجهنا الى التدريب بلا حصانة". بحسب فرانس برس.
واكد ان "الجانب الاميركي توقف بعد الرفض العراقي، بتقديم المقترحات
بالاعداد واليات التدريب". واضاف ان "قضية المدربين ستوضع في عقود شراء
السلاح، كشيء اساسي لذلك سيكون الموضوع سهلا، لكن على اي قاعدة تكون،
هذا هو موضوع النقاش".
واعرب عراقيون عن سرورهم السبت باعلان الانسحاب الاميركي، وذلك بعد
ثمانية اعوام من الحرب واعمال العنف التي تلت سقوط نظام صدام حسين
العام 2003. لكنهم ابدوا خشيتهم من تجدد النزاعات الطائفية ومحاولات
زعزعة استقرار البلاد من جانب دول مجاورة مثل سوريا وايران. ووجهت
وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون السبت تحذيرا ضمنيا الى ايران
من اي تدخل في الشؤون العراقية.
كردستان آمنة
في سياق متصل قال رئيس اقليم كردستان العراقي شبه المستقل مسعود
البرزاني ان كردستان لن تتأثر برحيل القوات الامريكية عن العراق لكنه
اعرب عن قلقه بخصوص بقية انحاء العراق. وكانت تعليقات البرزاني اول رد
فعل رسمي من جانب السلطات الكردية بعد ان قال الرئيس الامريكي باراك
اوباما يوم الجمعة ان القوات الامريكية ستغادر العراق في 31 ديسمبر
كانون الاول كما ينص اتفاق امني ثنائي بين الولايات المتحدة والعراق.
وكان الاكراد يؤيدون بقاء القوات الامريكية في العراق بعد الموعد
النهائي المقرر لانسحابها في نهاية العام الجاري محذرين من امكانية
وقوع مشكلات في المناطق المتنازع عليها بين الاكراد والحكومة المركزية
العراقية.
وقال البرزاني خلال زيارة الى مدينة كركوك المتنازع عليها "البعض
يتصور ان الوضع سيسوء بعد انسحاب الامريكان. "عدم وجودهم لا يفرق شيء
في ما يتعلق باقليم كردستان. الكل يعلم انه لا توجد قوات امريكية في
اقليم كردستان."
وينظر لكركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها في شمال العراق
باعتبارها نقاط اشتعال محتملة للصراع بعد انسحاب القوات الامريكية بعد
الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003 والذي اطاح بصدام
حسين.
وفي كركوك يعيش خليط مضطرب من الاكراد والعرب والتركمان فوق احد
اكبر الاحتياطيات النفطية في العالم. وتخضع المدينة لحماية دوريات
مشتركة من قوات الامن الكردية وقوات الامن العراقية في اطار برنامج
تجريبي اعده الجيش الامريكي.
وتخضع المدينة التي اعتبرت لفترة طويلة قنبلة موقوتة رسميا لحماية
الحكومة المركزية في بغداد. لكن البرزاني تعهد متحدثا الى حاكم كركوك
ومسؤولين محليين بأن المدينة ستكون مؤمنة بشكل جيد بعد رحيل القوات
الامريكية.
وقال "لن نسمح للارهاب ان يتصور انه كركوك اصبحت ساحة مفتوحة من اجل
تنفيذ عمليات ارهابية." وتمتعت كردستان العراقية بما يشبه الاستقلال
تحت حماية غربية منذ نهاية حرب الخليج الاولى عام 1991 وشهدت درجة من
الامن افضل نسبيا من بقية انحاء العراق التي وقعت في صراع طائفي وتمرد
عنيف بعد الغزو.
لكن البرزاني اعرب عن قلقه بشأن الامن في بقية العراق الغارق في
اعمال تفجير وهجمات يومية تقوم بها الجماعات السنية والشيعية المتمردة.
وقال "على حد علمنا ان سمائنا مكشوفه وحدودنا البحرية غير محمية
بالكامل وحدودنا البرية غير محمية بالكامل فيجب دراسة الوضع الامني
بصورة معمقة من اجل منع حدوث اي خرق امني."
منح الحصانة عرقلت الاتفاق
من جهتها ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية نقلا عن رئيس الوزراء
العراقي نوري المالكي أن القوات الاميركية ستغادر العراق بعد حوالي
تسعة اعوام من الغزو، لأن بغداد رفضت المطالب الأميركية بأن يتمتع
الجنود الاميركيون الذين سيبقون بالحصانة ضد الملاحقة أو الدعاوى
القانونية.
ويتضح من تصريحات المالكي، أن العراق هو الذي رفض السماح لقوات
أميركية بالبقاء وفقا للشروط الأميركية. وقبل يوم من تلك التعليقات،
امتدح الرئيس الاميركي باراك اوباما انسحاب قواته معتبرا إياه نتيجة
لتعهده - بعد وقت قصير من تسلمه منصبه عام 2009- بإنهاء الحرب التي
وصفها ذات مرة بانها "حمقاء".
وقال المالكي في مؤتمر صحافي في بغداد: "عندما طلب الأميركيون
الحصانة، رد الجانب العراقي أن هذا مستحيل. وتوقفت المناقشات حول عدد
المدربين وأماكن التدريب. الآن حسمت مسألة الحصانة ولن تمنح الحصانة،
ولذا بدأ الانسحاب".
وأخبر المالكي المراسلين أنه ما يزال يرغب في المساعدة الاميركية
لتدريب القوات العراقية على استخدام أسلحة وتجهيزات عسكرية تبلغ قيمتها
مليارات الدولارات ستشتريها بغداد من الولايات المتحدة. لكنه لم يقل ما
إذا كان المدربون الأميركيون سيكونون بمثابة قوات عاملة ميدانيا، وأضاف
إن أي حصانة قد تمنح لهم سيتم التفاوض بخصوصها في المستقبل.
وسيبقى 160 جنديا اميركيا في سفارة الولايات المتحدة ببغداد
للمساعدة في الإشراف عل خطط التدريب- وهي مهمة شائعة في معظم المراكز
الدبلوماسية في أرجاء العالم.
وقال مايكل أوهانلون، وهو خبير في معهد "بروكينغز" بواشنطن، إن
استمرار العنف في العراق كان دوما نوعا من التهديد، سواء بقيت قوات
أميركية هناك أم لا. وأضاف أوهانلون الذي كان عضوا في مجموعة من
المسؤولين في إدارة بوش والأكاديميين طالبوا اوباما بإبقاء قوة عسكرية
أميركية صلبة في العراق: "لكن من الصحيح ان وتيرة العنف قد تزيد في
غياب العون الأميركي في مجالات الاستخبارات والعمليات الخاصة. وفضلا عن
هذا فأنا أخشى بالفعل أن خطر حرب اهلية ماثلة سيتصاعد نتيجة لقرار
الانسحاب، كما أن شمال العراق سيصبح مشحونا بالتوترات".
تدريب الشرطة بئر تختفي فيه الاموال
الى ذلك وجهت هيئة رقابة أمريكية انتقادات لاذعة الى برنامج تديره
وزارة الخارجية لتدريب الشرطة العراقية، ووصفت البرنامج بأنه قد يتحول
الى بئر بلا قعر لابتلاع الاموال الامريكية. وقالت الهيئة ان 12
بالمائة من الاموال المخصصة لهذا الغرض قد تم صرفها فعليا على تدريب
الشرطة العراقية خلال العام الجاري. واشارت الى ان البرنامج بحاجة الى
دعم الحكومة العراقية.
وتتولى وزارة الخارجية الامريكية الاشراف على برنامج تدريب الشرطة
العراقية في الوقت فيما كانت وزارة الدفاع كانت تقوم بهذه المهمة حتى
اوائل الشهر الجاري. وجاء في تقرير المفتش الامريكي لبرنامج اعادة
اعمار العراق ان الخارجية لا تملك برنامجا لتقييم قدرات الشرطة
العراقية سواء في الوقت الراهن ام مستقبلا.
ويقول التقرير ان برنامج تدريب الشرطة العراقية قد يصبح حفرة لا
نهاية لها تبتلع الاموال الامريكية اذا لم تكن هناك اهدافا وخططا محددة
واجراءات تقييم لهذا البرنامج .
كما نقل التقرير عن نائب وزير الداخلية العراقي عدنان الاسدي ان
العراق ليس بحاجة الى هذا البرنامج ولن يطالب به. واضاف الاسدي ما هي
الفائدة الملموسة لهذا البرنامج؟ اغلب الاموال المخصصة لهذا البرنامج
تصرف على السكن والامن والدعم والفائدة التي تحصل عليها وزارة الداخلية
العراقية تكاد لا تذكر هذا اذا تم تنفيذ الخطة والبرنامج .
كما لفت التقرير الى النفقات الباهظة للبرنامح وارتفاع الكلفة حيث
وصلت كلفة المدرب الواحد الى 6.2 مليون دولار سنويا بينما كان سابقا
3.9 مليون. واشار التقرير الى ان وزارة الخارجية الامريكية لم تتعاون
تماما مع مفتشي البرنامج.
وحسب التقرير الهيئة انفقت الولايات المتحدة ثمانية مليارات دولار
على برنامج تدريب الشرطة العراقية منذ الغزو الامريكي للعراق عام 2003
والذي تم بموجبه تدريب 412 الف رجل شرطة وامن حتى نهاية 2010. |