أزمة منطقة اليورو ومخاطر التفكك

المحرر الاقتصادي

 

شبكة النبأ: يعرب محللون اقتصاديون عن ثقتهم في ان ينهي زعماء الاتحاد الاوروبي الموضوع المتعلق بالوضع المالي والحوكمة في منطقة اليورو. بينما يترقب المستثمرون حلا لازمة اليورو، فيما اشار خبراء اقتصاديون الى وجود ثلاث مخارج للأزمة.

واستقر اليورو قرب أعلى مستوى في ستة أسابيع أمام الدولار يوم الثلاثاء مدعوما بتوقعات بأن يقدم زعماء أوروبا خطة مقنعة لاحتواء أزمة ديون منطقة اليورو. وانخفض اليورو 0.1 بالمئة الى 1.3914 دولار ليظل قرب أعلى مستوى في ستة أسابيع البالغ 1.3957 دولار. لكن محللين قالوا ان المستثمرين سيحتاجون نتيجة ايجابية من القمة حتى يمكن دفع اليورو ليتجاوز مستوى 1.40 دولار بينما يتركه مستواه المرتفع الحالي عرضة لموجة بيع في حال خيبت القمة الامال. واستقر الدولار عند 76.09 ين ياباني قرب مستوى قياسي منخفض يبلغ 78ر 75 ين سجله أواخر الاسبوع الماضي على منصة التعاملات الالكترونية اي.بي.اس.

وبلغ مؤشر الدولار الذي يقيس قيمة العملة أمام سلة عملات 76.141 مقتربا من أدنى مستوى في ستة أسابيع البالغ 75.985 الذي سجله الاسبوع الماضي، وقال رئيس مجلس الاتحاد الاوروبي هيرمان فان رومبوي عقب اختتام قمة زعماء الدول الاعضاء بالتكتل الاوروبي أن الجميع يتفق على حاجتنا الى برنامج منسق لاعادة رسملة البنوك وتحسين تمويلها.

واضاف فان رومبوي احرز وزراء المالية تقدما طيبا بشأن تلك القضية وسيتمكنون من الانتهاء من التفاصيل الاربعاء المقبل وفي الاجتماع اللاحق لزعماء الدول الـ27 (الاعضاء بالاتحاد الاوروبي) الذي قررت عقده.

ومن جانبه، أوضح رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروسو خلال المؤتمر الصحافي المشترك أن القمة دعته الى تقديم تقرير اعده بشأن النمو. ولفت الى أن الفكرة كانت لاظهار كيف يمكننا استرجاع بعض من التريليوني يورو التي خسرناها في النمو بسبب الازمة المالية.

واعرب عن إعتقاده بأننا في وضع طيب لاحراز تقدم حتى يمكننا الانتهاء من عملنا الاربعاء المقبل وبالتحديد بالاتفاق بشأن اليونان والبنوك وآلية الاستقرار المالي الاوروبية.

وأوضح زعماء الاتحاد الاوروبي في ختام قمتهم أنهم قاموا ايضا بتحديد موقف التكتل لقمة مجموعة العشرين التي ستعقد في فرنسا الشهر المقبل باعطاء الاولوية للحفاظ على الاستقرار المالي واستعادة النمو.

المستثمرون وحل الأزمة

واظهرت البورصات ان المستثمرين قرروا الثقة بقدرة الاوروبيين على التوصل الى حل لازمة الديون التي تعصف بمنطقة اليورو رغم ان القمة الاوروبية التي عقدت في بروكسل الاحد لم تنجح في تذليل كل الخلافات بين اعضاء الاتحاد.

وفتحت البورصات الاوروبية على ارتفاع لكن بدون حماسة، مواكبة في ذلك الاتجاه الذي سلكته البورصات الاسيوية بعد قمة قادة الاتحاد الاوروبي ثم منطقة اليورو في عاصمة الاتحاد الاوروبي.

وادت قمة الاحد الى رسم الخطوط العريضة لخطة انقاذ منطقة اليورو، وكما كان متوقعا سيدفع دائنو اليونان اكثر مما كان مرتقبا حتى الان وستعاد رسلمة المصارف الاوروبية وتعزيز الصندوق الاروروبي للانقاذ المالي رغم ان الاجراءات لم تتضح بعد.

ويرى كارستن برزيسكي من اي.ان.جي. انه لم يتبين اي عامل جديد ولا نتيجة جديدة من قمة بروكسل بينما رأت باركلايز كابيتال ان نتائج القمة لا تشكل ولو حتى اختراقا جزئيا.

لكن المستثمرين تحدوهم امال كبيرة كما يرى محللو كومرزبنك، لان الدول المعنية ابدت ثقتها في التوصل الى حل شامل الاربعاء المقبل موعد القمة المقبلة. وقد كانت توقعاتهم من اجتماعات نهاية الاسبوع ضئيلة جدا، حتى ان نسبة خيبة الامل باتت محدودة بعدما تحولت الامال الى قمة الاربعاء.

ومع بداية هذا الاسبوع الحاسم بالنسبة لاوروبا جهد المسؤولون في اثارة الامال، واعرب وزير المالية الفرنسي فرانسوا باروان عن يقينه في ان القادة الاوربيين سيتوصلون الى اتفاق شامل.

وعقد رئيس الحكومة الايطالية سيلفيو برلوسكوني، الذي ضغط عليه شركاؤه للقيام بمزيد من الاصلاحات في بلاده، اجتماعا طارئا لمجلس الوزراء الاثنين للانطلاق في اصلاح نظام التقاعد.

ويؤرق احتمال امتداد عدوى الازمة الى ايطاليا، ثالث اقتصاد في منطقة اليورو، القادة الاوروبيين، ولمواجهة هذا الاحتمال فانهم لا يزالون يبحثون في كيفية زيادة فعالية وسائل عملهم عبر تعزيز قدرات صندوق الانقاذ المالي الذي انشئ السنة الماضية.

ويظل تعزيز هذه الالية النقطة المركزية التي يجب تسويتها قبل الاربعاء عندما يتوقع ان تعرض المستشارة الالمانية انغيلا ميركل صباحا الخطوط العريضة لحل امام النواب قبل التوجه الى بروكسل.

وقد استبعد الخيار الذي طرحته باريس، التي كانت تريد خلال الايام الاخيرة ان يتولى اعادة التمويل البنك المركزي الاوروبي، وهو مطلب رفضته برلين والبنك المركزي الاوروبي بشدة.

وتشكل ازالة هذا الاختلاف الكبير، الذي قال عنه كاتبو الافتتاحيات في الصحف الفرنسية والالمانية الاثنين ان ميركل ضغطت فيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، تقدما صغيرا.

ويبقى على الطاولة خياران يمكن اللجوء اليهما سويا، وذلك عبر تعزيز صندوق الانقاذ المالي الاوروبي وجعله يعمل كطرف تأمين لديون الدول التي تواجه صعوبات بموازاة توفير حل يمر بتمويلات خارجية ومن مستثمرين اجانب وصندوق النقد الدولي.

وعلق جيل مويك المحلل في داتش بنك بأن هذه الصيغة ستكون مواتية جدا للسوق، مشددا في الوقت نفسه على الصعوبات التي تتضمنها حيث تستدعي اشراك قوى اخرى وفي مقدمها الصين، في انقاذ العملة الموحدة ما يشكل اقرارا من الاوروبيين باخفاق سياسي.

وهو واقع يكاد يفرض نفسه بينما تزداد الخلافات من كل جهة، حيث ان المحرك الفرنسي-الالماني الذي يستند عليه كل شيء في منطقة اليورو يبدو شبه معطل، بينما يحتج بقية اعضاء منطقة اليورو على سيطرة باريس وبرلين على عملية اتخاذ القرار في حين تبدي الدول غير الاعضاء في منطقة اليورو وفي مقدمتها بريطانيا استياءها من نزعة باقي الدول الاعضاء في المنطقة في اتخاذ قرارات بدون استشارتها.

ثلاثة مخارج

وكتب المستشار الاقتصادي للحكومة الفرنسية جان بيسانس فيري قائلا إن أزمة الديون اليونانية تعمق القلق من تفكك منطقة اليورو، وأشار إلى أن هناك ثلاثة مؤشرات تدعم هذه المخاوف. وأوضح فيري أن أول المؤشرات هو أن المؤسسات المالية الأوروبية التي تتمتع بوضع مالي جيد أصبحت تفضل -منذ يوليو/تموز الماضي- إيداع أموالها في البنك المركزي الأوروبي بدلا من إقراضها للمصارف التجارية، وهو وضع شبيه بما حدث في أزمة 2007-2008. وأكد أن ثمة أسبابا وجيهة للقلق رغم أن المصارف في الولايات المتحدة وأوروبا ما زال بعضها يقرض بعضا.

وثاني المؤشرات يتمثل في كون معدلات الفائدة التي تتقاضاها المصارف على الأموال التي تقدمها للمقترضين في دول جنوب أوروبا أعلى منها في نظيراتها في شمال القارة، وهو ما يعمق ويعقد أزمة الاقتصاديات المأزومة ويزيد في تشظي السوق الأوروبية التي يفترض أنها موحدة. وبدلا من محاربة هذا التوجه، فإن سلطات الرقابة المالية والمصرفية في شمال أوروبا تعزز هذه الظاهرة من خلال سعيها إلى الحد من انكشاف مؤسساتها المالية للمصارف في جنوب القارة.

أما المؤشر الثالث فيبرز أن المستثمرين الدوليين لم يعودوا ينظرون إلى السندات الحكومية في دول جنوب أوروبا بنفس الثقة التي يتعاملون بها مع السندات الحكومية في شمال القارة. هذا التوجه يعكس حجم الخطورة التي ينطوي عليها الاستثمار في السندات الأوروبية الجنوبية، ويمثل تحولا جوهريا في مزاج المستثمر. وإذا ما استمر هذا النمط الإقراضي تجاه دول جنوب أوروبا، فإن الملاءة المالية لاقتصادات هذه الأقطار وقدرتها على التعافي ستعاني.

واعتبر المستشار الاقتصادي قرار مسؤولي منطقة اليورو لإصلاح الرقابة على الحكومات والمصارف وزيادة رأسمال صندوق الاستقرار المالي الأوروبي، تحركا هاما، لكنه نصف خطوة. فإذا كان هذا القرار مهما بوصفه يحاصر نيران الأزمة، فإن القضية المركزية تكمن في الحاجة إلى بناء اتحاد نقدي أكثر صرامة ومتانة.

وأشار إلى أن التشطي المتنامي في جسد منطقة اليورو سببه الأساسي الاعتمادية المتبادلة بين المصارف والحكومات. فالمصارف واقعة تحت تهديد أزمات الديون السيادية، لأنها تملك كما كبيرا من سندات حكومات بلدانها، والحكومات عرضة لمخاطر الأزمات المصرفية لأن هذه الحكومات مسؤولة عن إنقاذ مؤسساتها المالية الوطنية. وكل فصل من فصول الأزمة الراهنة يجسد المأزق الناجم عن هذا الاعتماد المتبادل.

في المقابل أبرز المقال ثلاثة مخارج ممكنة لهذا الوضع. الأول يعتمد على تدخل البنك المركزي لمحاصرة أي خطر يهدد سوق الديون السيادية. فميزانية الحكومة البريطانية أسوأ من ميزانية نظيرتها الإسبانية، لكن قدرة البنك المركزي البريطاني على منع المضاربات على ديون المملكة المتحدة يكفي لطمأنة المستثمرين.

أما البنك المركزي الأوروبي الذي تنتمي إليه إسبانيا فليست لديه هذه الصلاحية، وحينما حاول القيام بهذا الدور مع إيطاليا وإسبانيا، قوبل بمعارضة قوية داخلية. وصندوق الاستقرار المالي الأوروبي الذي أنشئ مؤخرا يمكن أن يلعب هذا الدور، لكن هامش حركته محدود، لأن منحه هذه الصلاحية سيثير معارضة ألمانيا على الأقل لأسباب دستورية.

المخرج الثاني يكمن في تقوية المصارف من خلال زيادة رساميلها وإزالة الجدران التنظيمية التي تعزل المصارف الوطنية الأوروبية بعضها عن بعض بهدف الحد من تعرضها لمخاطر الإفلاس تحت وطأة الديون السيادية.

والقيام بهذه الخطوة سيدعم منطقة اليورو، لكن قادة أوروبا قد لا يملكون الجرأة الكافية لتنبي مثل هذه الخطة بالكامل، وهذه القضية ستتضح حينما تكشف تفاصيل برنامج زيادة رساميل المصارف.

المخرج الثالث يتمثل في تقليص المخاطر السيادية  عبر إقامة نظام رقابة وضمانات متبادلة بين دول منطقة اليورو.

هذا الإجراء قد يكون بمنزلة اتحاد مالي، وقد يكون مخولا إصدار سندات يورو. ويعد هذا الخيار من الناحية السياسية صعبا للغاية للدول الكافلة والدول المكفولة، لكنه قد يكون هو العملي من بين هذه المخارج. وخلص فيري إلى أن هذه المخارج يكمل بعضها بعضا بصورة جزئية. وحتى لو لم يتبن إلا واحد منها، فإنها تظل خطوة إيجابية.

لكن في النهاية، يظل التحدي الذي يواجه القارة الأوروبية هو قدرتها على قول وفعل ما يجدد مصداقيتها في نظر الأسواق التي تمدها بالقروض وأسباب الحياة المالية.

معضلة التعامل مع الديون

ويبحث المسئولون الأوروبيون وعبر مشاورات مكثفة فرص عرض مساعدة مالية مباشرة لايطاليا وعبر صندوق الإنقاذ الأوروبي لتجنيبها روما مخاطر تفشي أزمة الديون السيادية.

وذكرت مصادر دبلوماسية أوروبية في بروكسل ان خطة لتفعيل الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي الخاص بإدارة ديون الدول المتعثرة يجري الإعداد لها لشراء الديون الايطالية ومنع المضاربة عليها وتسجيل إرتفاع كبير في أحجام الفائدة المترتبة عنها. وتبلغ ديون ايطاليا 1900 مليار يورو وتعد ايطاليا ثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو سيعتبر دخولها في دوامة أزمة حادة بمثابة تطور خطير في الأزمة الأوروبية.

وتعرض رئيس الوزراء الايطالي سيليفو برلسكوني يوم الأحد الماضي خلال قمة منطقة اليورو الى انتقادات مفتوحة من قبل عدد من شركائه وخاصة ألمانيا وفرنسا وأثارت تلك الانتقادات ردود فعل سلبية واسعة في ايطاليا وحالة تذمر عكستها وسائل الإعلام واتهم برلسكوني فرنسا وألمانيا بالسعي للتستر على متاعب مؤسساتها المصرفية المتضرر الأول من أزمة الديون.

وتريد الدول الأوروبية ان يبادر رئيس الحكومة الايطالية باتخاذ تدابير صارمة وتقشفية إضافية وهو ما ترفضه مكونات التحالف الحكومي في روما والتي تهدد بنسف هذا التحالف .

ويقول الدبلوماسيون في بروكسل ان تمكين ايطاليا من مخصصات صندوق الاستقرار المالي الأوروبي سيكون بمثابة رسالة للمتعاملين الماليين مفادها ان منطقة اليورو جادة في سعيها قف تفشي عدوى الديون من اليونان الى دول أخرى وقال أولي رهين مفوض شؤون النقد الأوروبي اليوم إن كافة التدابير ستتخذ لجعل صندوق الإنقاذ الأوروبي قادرا على تحمل أية صدمات متوقعة وقال رهين ان تفاصيل التحرك النهائي بشان حزمة التدابير المطروحة أمام القمة يجري التحضير لها من قبل الفنيين.

وتشمل الإجراءات غلق ملف ديون اليونان وإعادة رسملة المصارف وتعزيز قوة الردع الخاصة بصندوق الاستقرار المالي وأخيرا الاتفاق على إطار جديد من الحوكمة الاقتصادية الأوروبية.

وتواجه الدول الأوروبية خلافات جوهرية في الملفات الأربعة بسبب أوضاعها المالية الداخلية ولكنها تتعرض لضغوط كبيرة من أسواق المال ومن الرأي العام الأوروبي تدفعها إلى بلورة حل ولو مؤقت في هذه المرحلة.

وتعمل المستشارة الألمانية مركيل على الحصول يوم غد على موافقة برلمانية في برلين لخطة تعزيز صندوق الاستقرار المالي الأوروبي قبل التوجه الى بروكسل لتتفاوض حول تفصيله مع بقية الشركاء الأوروبيين. ويجري تداول العديد من المضاربات في العاصمة البلجيكية ومن بينها إرساء صندوقين لتمويل الديون الأول عبر مساهمات الدول الأعضاء والثاني بإشراك القطاع الخاص..كما ان المشاورات الأوروبية الحالية تشمل إلية إعادة رسملة المصارف والتخلي عن جزء كبير من ديون اليونان.

ويردد الدبلوماسيون ان غالبية المصارف الأوروبية ترفض حاليا ان تتجاوز نسبة تخليها عن ديون اليونان الأربعين في المائة..كما إن عدة مصارف ترفض إعادة رسملتها وتعتبر إنها تمتلك المخصصات المالية الكافية لمواجهة الأزمة وهو موقف لا تتقاسمه الحكومات.

و يوجد طرح آخر مقابل يدعو إلى تمكين صندوق النقد الدولي من صلاحيات أوسع في إدارة الديون الأوروبية عبر رفع الصندوق من حجم مساهمات الدول الأعضاء داخله وجمع مخصصات مالية تمكنه من الخل في لأوروبا.

وقال مانوال باروزو رئيس المفوضية الأوروبية ان دول الاتحاد الأوروبي المنتمية إلى منطقة اليورو وغير المنتمية لها تعد المساهم الأول في صندوق النقد الدولي ولكن بعض المحللين يرى إن الدول الناشئة داخل صندوق النقد الدولي مثل الصين التي تمتلك احتياطيا كبيرا من اليورو مؤهلة إلى القيام بدور مباشر في أزمةالديون الأوروبية ولكن أي صفقة فعلية قد لا يتم تسجليها سوى خلال لقاء مجموعة العشرين بداية نوفمبر المقبل في مدينة كان الفرنسية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/تشرين الأول/2011 - 28/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م