شوارب واحتلال... وحج نيابي

عن الرجولة والفساد والسياسة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لم يعد يدهشني ما يمكن ان اسمعه او ان اراه كل يوم في بلدي من ناسه، صغارا وكبارا، نساءا ورجالا، شيبا وشبابا، اقول لم يعد يدهشني اي شيء حتى لو كان يقترب الى حدود الاستحالة في التحقق او التوقع او اللا منطق او الغرائبية او الهلوسة او فنطازيا الخيال العلمي، لا شيء يخضع للمنطق في اقوالنا او سلوكنا.

كثيرا ما تعجبت لأصحاب السيارات وهم يحتفظون بالاوراق البيضاء والتي تحمل كتابات باللغة الانجليزية وتلصق عادة على زجاج السيارة، حين اتساءل متعجبا يأتيني الجواب بان هذه اللواصق الكتابية تؤدي الى خسارة لبائع السيارة مبلغا بين المائة والمائتي دولار لانها تدل على ان السيارة لازالت جديدة حتى لو مضى عليها سنوات.

وكثيرا ما تعجبت على تهافت الناس على احد باعة اللبن في الشورجة الذي يسد نفسك بمجرد النظر الى وجهه وملابسه ويديه، وتصاب بالغثيان لرؤية اقداحه واناء لبنه الكبير.

وكثيرا ما تعجبت من اقبال الناس على صاحب احدى بسطيات الطعام الذي تحيط به بركة من المياه الآسنة، وكثيرا ما قال لي من ياكلون لديه ان وجباته نظيفة وطعمها لذيذ.

وكثيرا ما تعجبت من اصحاب السيارات وهم يتركون التراب عليها لفترة طويلة وهم بقودونها في الشوارع دليلا على حداثتها وانها حسب تعبيرهم (بلادي) اي من المصنع الى السائق... العجب مع تكرار ما لا يتعجب منه يضع حدا لعجبك ودهشتك.. لا تتعجب ولا تندهش وانت ترى كل شيء يسير بالمقلوب.

آخر ما طرق اذني حين كنت انتظر دوري عند حلاق المحلة وكان احد الشباب ويبلغ واحدا وعشرين عاما تحت يده السريعة ولسانه الثرثار.. اراد الحلاق ان يترك الشعر القليل النابت على شفته اي شاربه الصغير.. طلب منه ان يحفه بالموسى قائلا له: لن اطيل شاربي حتى يخرج الاحتلال.. ظن الحلاق انه يمزح معه لكنه اخبره انه وعد قطعه على نفسه.

كنت اود ان اساله عن اي احتلال يتحدث ؟ عن الاحتلال الامريكي ام الاحتلال الوطني تحت العديد من المسميات ؟ ام احتلال المباني الحكومية من قبل الاحزاب والاشخاص ؟ ام احتلال الدور والقصور من فبل المتنفذين ؟ ام غيرها من احتلالات واختلالات في الجسد السياسي والاجتماعي العراقي.

آثرت الصمت لاني شعرت باني سأبدو غير معقول في كلامي، وسوف لن يفهم مااقوله او الاصح اني لا افهم ما يحدث من حولي، سالت نفسي عن علاقة الشارب بالاحتلال مثلما تساءلت قبل سنوات قليلة عن علاقة اسلاك المولدات الكهربائية بالاستعمار حين سمعت احدهم وهو يطلق رايا عجيبا حول تلك العلاقة المزعومة والمتوهمة.

ربما بدات الان افهم تلك العلاقة بين الاسلاك والاستعمار بعد ان سمعت هذا الشاب يقرن شاربه بالاحتلال... هل قلت الاحتلال ام اقصد الاختلال، بالنقطة على الخاء؟

نحن نعاني من اختلال لا تنفع معه كل العلاجات الطبية او الروحانية التي اوجدها البشر او اوجدتها الديانات الالهية والوضعية وجميع الفلسفات الشرقية منها والغربية، نعاني اختلالا في وظائفنا الجسدية، واختلالا في وظائفنا العاطفية، واختلالا في وظائفنا العقلية.

اختلال يبدا من القيادات على كثرتها ولا ينتهي عند القواعد على وفرتها، هذه الاختلالات في الوظائف والسلوك لا يسلم منها جاهل او متعلم.. رغم انعدام الفروق بين الاثنين في زمننا الراهن.

المفكر زعما والسياسي وهما يمارس تقلباته بين لحظة واخرى..من منظّر بعثي، وداع الى وحدة قومية، الى متطرف عروبي، الى منادي بدولة كردية مستقلة، السياسي اللقيط، من مجاهل المنفى الى معلوم الوطن، لا ينفك متنكرا لكل شعارات تلك المنافي.. فالوطن بخيراته تفاحة نيوتن، لكنها سقطت في الجيب هذه المرة، والجيب يتسع للمليارات، بعد ان كانت تسرح فيه ربما في ساعة سعد تلك السنوات سنتات قليلة او جنيهات استرلينية اقل، او ربما كارت ال (غرين فود) او معونات العاطلين عن العمل.

السياسي الاخرس والعيّ اصبح خطيبا مفوها، لله درّ فوه، كما تقول العرب في لغتهم التي كانت جميلة، واصبحت على لسانه قبيحة، سمجة، مبتذلة لكثرة الاستعارات من الاخرين في غير محل الاستعارة، فكل حديثه (انها اجندة سياسية) او انها (ممارسة للاقصاء والتهميش) او غير ذلك.

النائب الهمام وما اكثر الهمم لدى نوابنا تتوزع اهتماماتهم بين العقود التجارية وحصة العقد وفي اي بنك عربي او اجنبي يتم ايداعها وبين ترشيحات الحج المبرور في موسم الحج هذا، لا اعجب وانا اسمع عن موضة جديدة للحج هي موضة (الحج النيابي) حيث تعلق جلسات البرلمان لان العشرات من النواب يتوجهون الى الديار المقدسة في رحلة حج (خمس نجوم).

لا اعجب ايضا حين اسمع ان احدهم قد دفع عشرة الاف دولار لادراج اسمه في قوائم الحج الاخيرة والتي جاءت بعد الزيادة في اعداد الحجيج الممنوحة للعراق.

عشرة الاف دولار.. لمن تم دفعها؟ وكيف يمكن ان يطلق على مثل هذه الرحلة رحلة حج مبرور، والمبلغ لا يمكن ان يسمى بغير اسمه وهو الرشوة؟

كان الحديث النبوي الشريف يقول (الراشي والمرتشي كلاهما في النار) اصبح اليوم وبعد تحويره في مفارقات الحج النيابي (الراشي والمرتشي كلاهما في رحلة الحج)... هل يمكن لنا اخراج اي احتلال ونحن ما نحن عليه من اختلال في الضمائر وفي النفوس وفي العقول وفي القلوب وفي المدارك؟

بين الاحتلال والاختلال ربما نقطة واحدة، وبين المدارك والمهالك ربما حرف واحد، لكن بيننا وبين العودة الى وعينا والى رشدنا سنوات ضوئية ربما غاب عن اينشتاين حساب عددها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/تشرين الأول/2011 - 28/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م