بعد أن غيبتها الحرب... عراقيون يحيون عاداتهم القديمة ويستقطبون جديدها

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يجهد العراقيون بفطرتهم المعهودة الى استعادة الق بلادهم الذي سرقته سنوات الحرب الطويلة والاقتتال الداخلي الذي أعقبها، خصوصا فيما يتعلق بإحياء التقاليد والموروث الشعبي الى جانب الفلكلور والعادات التي كان يتصف بها السكان.

فبعد ان عم الهدوء النسبي في معظم أجراء تلك الدولة، وتبلور مظاهر الأمن في العديد من مناطق بغداد، برزت الكثير من السلوكيات التي حجبتها الظروف القاهرة التي عانى من المجتمع العراقي، في دلالة على استعادة الأمل بإحيائها مجددا خلال الفترة القادمة، بعد أن حضرت الجماعات المتشددة العديد من الممارسات الشعبية وقامت بالتضييق عليها وتحريم الكثير منها بذرائع شتى.

سحر نساء بغداد

حيث يسعى مركز للتجميل، في ظاهرة جديدة بدأت تنتشر في بغداد، الى اعادة "السحر" إلى النساء العراقيات اللواتي عانين ظروفا صعبة على مدى ثلاثة عقود بسبب الحروب والحصار والتطرف الديني.

ويعتبر المركز الذي يستخدم احدث اساليب التكنولجيا الحديثة في عمليات التجميل، الأكبر. ويسعى مديره الى جذب الخبرات والكفاءات للعمل مجددا في هذه المهنة التي كانت محفوفة بالمخاطر بسبب تدهور الاوضاع الامنية في البلاد.

فيقول علي بلبل "نجري الان اتصالات مع كل الخبرات العراقية التي غادرت الى خارج البلاد على اثر التهديدات وندعوها للعودة والعمل هنا". ونجح بلبل الذي عمل في مجال التجميل لاكثر من ثلاثين عاما في اقناع ثلاثة من المغتربين العراقيين في سوريا للعودة مجددا.

واكد علي الذي بدأ فعليا العمل بمشروعه الحديث، على كثرة الحجوزات وذلك بسبب قلة هذه المشاريع في البلاد.

يشار الى ان فكرة مراكز التجميل لم تكن معروفة في العراق، وكانت تقتصر على صالونات لتصفيف الشعر اغلق العديد منها بين عامي 2006 و 2008 على اثر تهديدات من مجموعات متطرفة تعارض فكرة تجميل النساء في الصالونات.

ويضم المركز الذي يقع في شارع ابو نؤاس في الكرادة على عدد كبير من الخدمات الطبية والرياضية ابرزها علاجات لحب الشباب والكلف والنمش وازالة الشعر الزائد وتشقق الجلد بالليزر والبوتكس، كما يضم اجهزة رياضية وأخرى لتكسير الشحوم وتذويبها بالإضافة الى قص الشعر وصبغه والتبرج. بحسب فرانس برس.

وبحسب مدير المركز، فهو الاول من نوعه الذي يمتاز بجميع وسائل العناية ويضم متخصصين في كل المجالات. ويقول بلبل "لدينا حمام جاكوزي وتدليك مع كادر نسائي ورجالي على حد سواء". كذلك نجد في المركز خدمات رسم وازالة الأوشام (التاتو) والرسم بالحنة.

من جهتها تقول جنة البعاج رئيسة قسم التجميل "الناس بدأوا يتغيرون ويبحثون عن الجمال وعما هو جديد". وتؤكد جنة التي عادت قبل ايام الى البلاد بعد اربع سنوات قضتها متنقلة بين سوريا والخليج واليونان وتركيا على اثر تلقيها تهديدات بالقتل، "المرأة العراقية اضطهدت في الثمانينات بسبب الحرب العراقية الايرانية ولم تهتم بنفسها ابدا بسبب انشغال الرجال بالحرب، فضلا عن المشاكل التي كانت تواجههن في المنزل مع الاطفال والمسؤوليات". واضافت "وظلمت النساء مرة اخرى، بسبب الحصار الذي فرض بعد عام 1991 بسبب العوز والفقر وبعد عام 2003 بسبب تدهور الاوضاع الامنية.

وتقول هذه السيدة وهي ام لفتاتين وثلاثة صبيان يعيشون في سوريا حتى الساعة "ما الذي رأته المرأة العراقية. هن فتحن اعينهن على معاناة المعيشة حتى كبرن". وتضيف جنة التي عملت كباحثة اجتماعية لست سنوات "اعتقد ان الوضع الامني في البلاد تغير واصبح مختلفا كثيرا عما كان عليه. وحتى لو لم يكن كذلك، فانا قررت العودة للعمل في بلدي على الرغم من كل التحديات". وتلفت جنة إلى ان المرأة العراقية "تفتقد الدلال. هذا المركز متكامل وجميع افراد الفريق العامل متفقون على ارضائها من كل النواحي". واضافت سنحرص من خلال عملنا على إضفاء الجمال حتى على النساء اللواتي يفتقرن إليه".

واتفق خبير التجميل ستار كاظم الذي لم يغادر البلاد على الرغم من التهديدات، مع زميلته. فقال "الى متى نخاف من التهديد؟ الى متى؟ التهديد لا يستهدفنا فحسب. اهل الفن في العراق كانوا مهددين".

وقال انتهت هذه المرحلة والدليل أن هناك محاولة لايقاظ فتنة جديدة. لكنهم لا يستطعيون لان العالم كله يعرف مخططاتهم تلك". وابدى ثقته بالوضع السياسي في البلاد قائلا ان "الحكومة نهضت والقوات الامنية باتت أكثر احترافا من السابق، ولا يمكن لتلك الأيام ان تعود". ويضم المركز قسما خاصا بتجميل العرائس واخر للعناية بالبشرة.

وتقول صبا الحسين مسؤولة القسم الطبي في المركز انه "للمرة الاولى تستيطع المرأة معالجة الشعر غير المرغوب به بواسطة الليزر، بالإضافة إلى عمليات تكسير الشحوم وغيرها من العمليات بالوسائل الحديثة". وتؤكد ان "جميع هذه العمليات تجري تحت اشراف طبي واختصاصيين محترفين".

وينوي المركز الذي افتتح في شارع ابو نؤاس ابرز شوراع العاصمة الذي بدأت الحياة تدب به مؤخرا، الى توسيع نشاطه وتجهيز وتزيين سيارات مواكب الزفاف.

يشار الى ان معظم مواكب الزفاف في بغداد كانت تمر في هذا الشارع في تقليد متعارف عليه. لكن هذا التقليد تلاشى بسبب الاوضاع الامنية التي عاشتها البلاد.

سكان البصرة يحيون نزهات القوارب البحرية

الى ذلك يستطيع سكان وزوار مدينة البصرة الساحلية في جنوب العراق حاليا أن يستأنفوا نزهات القوارب في ممر شط العرب المائي. تسمى قوارب النزهة في البصرة العشاري وهي مصنوعة من الخشب وكانت تستحدم قديما في نقل البضائع والركاب في شط العرب وخليج العشار. وذكر رجل يملك أحد قوارب العشاري أن تلك القوارب في سبيلها للاندثار.

وقال عباس صالح "البلم العشاري ينظرب (يتأثر سلباً) اذا بقى بهذا الشكل. يعني شغل مالها.. ينظرب. يعني شغلتها قديمة ومثل ما تقول صار تراثي يوم عن يوم صار ينقرض.. صار بالاول هواي (كثير) وهسة (الان) قلن يوم عن يوم.. يقلن سنة عن سنة يقلن."

لكن سكان البصرة يستخدمون قوارب العشاري حاليا في النزهات المائية وخصوصا أن المدينة تفتقر الى أماكن الترفيه والتسلية. وقال شاب من السكان يدعى علي خزعل "الناس تحاول قدر الامكان أن تفرح أو تتجول.. تغير أجواء. ودائماً تلقى الناس تغير الجو بأي وسيلة. فهذه احدى الوسائل أنه الناس تتجول به وتفرح بها." بحسب رويترز.

وكانت البصرة يوما مركزا للمسلحين الشيعة وشهدت حملة أمنية عام 2008 لانفاذ القانون في المدينة التي ينظر اليها على أنها مركز اقتصادي حيوي في العراق. والبصرة مركز جذب للاستثمارات الاجنبية خصوصا في حقولها النفطية الكبيرة.

فنانو الهيب هوب

من جانب آخر قفزت مجموعة من الشبان العراقيين يرتدون حليا ذهبية وملابس رياضية من فوق سور أحد المتنزهات العامة في مدينة البصرة في جنوب العراق للتدرب على بعض الحركات الراقصة.

والمجموعة هي فرقة لموسيقى الراب ويقولون ان ما يقابلون به من سوء فهم وعداء يدفعهم للتنقل دائما بين الاماكن العامة لممارسة هذا الفن. وقال رغيد رعد عضو فرقة الراب "هذا الفن الهيب هوب هو فن عالمي غربي احنة نحاول أن نطوره الى فن يحكي عن واقعنا. نعمل قصص وحركات جسدية تطرح الواقع خاصتنا. نرسم رقصة ونتخيل مشكلة ونحل هذه المشكلة بالرقص." وأضاف "جئنا لهذه الاماكن العامة نتمرن بيها لاننا لا نملك اماكن خاصة بينا. حاولنا ان نحصل على قاعة لكننا لم نحصل على دعم من اي احد لذلك جئنا لهذه الاماكن. كل يوم نتمرن في مكان والسبب مضايقات من الجيش واصحاب الاماكن التي نتمرن فيها فاتفقنا ان نتمرن كل يوم في مكان الى ان نحصل على مكان مناسب حتى الناس ما تدري بينا وين. ننتقل من مكان الى مكان لان هذا الشي منتقد والاغلبية لا تحبه."

ويرى أعضاء الفرقة أن هذا الفن وسيلة جديدة يشرحون من خلالها معاناة العراقيين. ويشعر أعضاء بالفرقة أن هيمنة الموسيقى التقليدية على الاذواق دفعتهم الى التوجه الى جامعة البصرة من أجل العثور على جمهور يتعاطف معهم.

وقال حسن طارق العضو في فرقة الراب بينما كانت تؤدي عرضا في المركز الثقافي في جامعة البصرة "انتقادات من خارج الجامعة والكل ينظر الينا بصورة صغيرة ولا احد يفهم ماذا هو عملنا. لما اجينة (جئنا) للجامعة كان هناك ناس تفهم ماذا نفعل.. لان الناس هنا مثقفون الحمد لله والشكر احنة جاي نوصل صورة وهم يفهمونا."

وقال رئيس المركز الدكتور ناصر عبد علي ان دعم المركز لموسيقى الهيب هوب يأتي في اطار جهود أوسع لجذب ودمج اذواق شبابية متنوعة. وأضاف "حاولنا كسب هؤلاء الشباب بكافة الثقافات والابداعات الفنية والثقافية من ضمنها هذه الفرقة فرقة الهيب هوب. لكن احنة حولناها الى فرقة الحركات التعبيرية للجسد وهناك مدربين خاصيين في هذه الفرقة لتغيير امكانياتهم واستخدامهم في المسرحيات والاوبريتات التي سيقدمها المركز الثقافي خلال الايام القادمة."

ويؤدي مغنو الراب العراقيون باللغة الانجليزية. ويقولون ان اختيار هذه اللغة يرجع الى أنهم يرغبون في نقل معاناة العراقيين الى الغرب.

التدفق على المنطقة الكردية

من جانبها تسافر شان عبد الله أحمد الى أربيل في شمال العراق مرة واحدة في الشهر على الاقل حتى تتمكن ابنتها الشابة من التسوق من أحدث خطوط الازياء والتجول بحرية داخل حديقة ترفيهية دونما خوف من القنابل.

وتقع أربيل في قلب المنطقة الكردية شبه المستقلة وهي ملاذ امن للعراقيين الباحثين عن الترفيه بعد أكثر من ثماني سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.

وتفتخر عاصمة المحافظة التي تسمى أربيل أيضا بأنها تتيح فرصة للتسوق من منتجات المصممين في العديد من مراكز التسوق كما أن فيها قلعة اربيل وهي احدى أقدم المدن التي ظلت مأهولة في العالم.

وقالت شان التي تعيش في تكريت مسقط رأس الديكتاتور العراقي الراحل صدام الذي أطاح به الغزو في 2003 "انها أشبه بعراق مستقل." وأضافت وهي تجلس مع زوجها وابنتها عند سفح القلعة وهم ينعمون برذاذ بارد من احدى النافورات العديدة المضاءة في المنطقة "أرجاء العراق الاخرى ليس فيها كهرباء أو ماء. ليس فيها سوى القنابل." ووافقتها في الرأي ابنتها رسان التي تبلغ من العمر 14 عاما. وقالت "الحال هنا أفضل بكثير. نحن أكثر حرية .. يمكننا أن نمشي أو أن نذهب الى أي مكان. في تكريت يومي يتمثل في الذهاب من المدرسة الى البيت والمذاكرة ثم النوم." وأضافت "هنا أحب التسوق والذهاب الى الحديقة الترفيهية."

وتتمتع المنطقة الكردية بالاستقلال فعليا منذ 20 عاما ولم تتأثر كثيرا بأحدث حرب تشهدها البلاد. والاستثمار الاجنبي مستقر مما يسمح بتطوير مراكز تسوق أنيقة وفنادق خمس نجوم ومراكز رياضية بل وحلبة مغطاة للتزحلق على الجليد.

وقال مولوي جبار المدير العام للسياحة في كردستان العراق ان 152 ألف شخص زاروا الاقليم الكردي خلال عطلة عيد الفطر التي تستمر ثلاثة أيام منهم 99 ألفا زاروا محافظة اربيل. وأضاف جبار أن 143 ألفا من العدد الاجمالي هم عراقيون من أنحاء أخرى من العراق و9000 جاءوا من ايران أو تركيا.

وقال "الطاقة الاستيعابية للفنادق والنزل في كردستان نحو 50 ألف سرير. ونظرا للضغط الشديد تم استقبال عدد غير مسبوق من الزائرين وتسكينهم في مخيمات سياحية أقيمت في شقلاوة شمالي اربيل وفي اربيل نفسها."

وأحد العوامل الرئيسية التي تجذب العراقيين الذين سئموا الحرب الى اربيل هو الامن. وكانت اخر مرة شهدت المدينة تفجيرا في مايو ايار 2007 ولا توجد في المدينة جدران مقاومة للتفجيرات ونقاط تفتيش كتلك المنتشرة في أنحاء العاصمة العراقية بغداد.

ولا يزال العراق يبني قوات الشرطة والجيش لمواجهة الميليشيات الشيعية وأعمال العنف التي تشنها جماعات سنية في الوقت الذي تستعد فيه القوات الامريكية لمغادرة البلاد بحلول نهاية ديسمبر كانون الاول. وتوجد في المنطقة الكردية أيضا قوات البشمركة.

وكانت حدود كردستان الجبلية في الاونة الاخيرة هدفا لضربات جوية تركية وقصف من ايران وكلاهما يستهدف مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذين يحاربون من أجل اقامة دولة كردية مستقلة. لكن اربيل التي تبعد عن الحدود مسيرة بضع ساعات بالسيارة لم تتأثر بتلك الهجمات.

وتجتذب اربيل بطابعها الذي يجمع بين القديم والحديث الصغار والكبار معا اذ تتجاور المساجد مع حديقة تضم ألعابا ترفيهية. وقال شاهين أحمد خالد وهو مسعف مساعد من كركوك اصطحب عائلته الى اربيل للاحتفال بالعيد "جئنا الى هنا بحثا عن البهجة." وأضاف "اربيل أكثر أمانا وأفضل للسياحة. يمكن القيام بأنشطة أكثر."

وقال بعض العراقيين ان الاضطرابات الاقليمية دفعتهم أيضا الى تغيير خطط السفر الى بلدان مجاورة. وأدت موجة من الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في أنحاء الشرق الاوسط وشمال افريقيا هذا العام الى اندلاع حرب في ليبيا وحملة عنيفة شنها النظام الحاكم في سوريا أودت بحياة 2000 شخص بحسب الامم المتحدة.

وقال عزيز عباس (50 عاما) وهو موظف في وزارة التعليم العالي من سامراء يزور اربيل "أحيانا نذهب الى تركيا والى سوريا.. لكن في سوريا الوضع الامني سيء لذلك قمنا بالتغيير. بدلا من الذهاب الى سوريا جئنا الى هنا."

ولم يكن العراق نفسه بمعزل عن الاحتجاجات. فقد خرج متظاهرون الى الشوارع في وقت سابق من العام الجاري للمطالبة بالوظائف والاحتجاج على ضعف الخدمات. واندلعت مظاهرات في السليمانية قال المشاركون فيها انهم يريدون وضع حد للفساد والحكم المطلق وقد قوبلت بقوة كبيرة من جانب الحكومة الكردية الاقليمية. وكانت الاحتجاجات محدودة في اربيل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/تشرين الأول/2011 - 26/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م