هل عرف الغربيون أخيرا مخاطر عولمتهم؟

رؤى من فكر الإمام الشيرازي

شبكة النبأ: التأسيس الخاطئ سينتهي الى نتائج خاطئة، قانون لا أحد يمكنه عدم التسليم به، وعولمة الغرب بُنيَت على أسس خاطئة، وأفدح اخطائها، أنها أدارت ظهرها للجانب الروحي وتمسكت بالمادية التي حولتها الى حالة من الصراع الخطير جول الكسب المادي بكل السبل المتاحة، لهذا تنكّرت العولمة الغربية لفطرة الانسان وميوله الى الخير مع بحثه وتطلعه الدائم الى النمو والتطور.

هذا الجنوح المادي الخطير للعولمة، أثر تأثيرا بالغا، على الحسنات الكبيرة التي انطوى عليها جانبها الايجابي، وأبرز الوجه البشع للعولمة باعتبارها لهاث متواصل ومحموم نحو المال والكسب والربح المادي بغض النظر عن الوسائل المستخدَمة، المهم هو الكسب وتكديس المال والثروات، وما يحدث بعد ذلك من مآس وحرمان وجوع عالمي ليس من شأن العولمة ولا تريد أن تهتم أو تتنبّه إليه.

مادية العولمة الغربية

هذا الحال يؤكده الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه الثمين الموسوم بـ (الفقه العولمة)، حين يقول بهذا الخصوص: (عادة ينظر الغرب إلى الأشياء كلها من الجانب المادي فقط كما إنه لا يهتم بالإنسان كمحور في هذا الكون، ولذلك جاءت عولمته التي طرح فكرتها وحاول تطبيق نظريتها في العالم خالية من المعنويات، ومن الاهتمام بالإنسان، وإنما تتمحور عولمته حول الاقتصاد والماديات، وترى التنمية والنمو الاقتصادي للبعض فقط هو كل شيء حتى وإن كان ذلك على حساب سعادة الإنسان بل وحياته أيضاً).

نعم إن عولمة العصر أهملت سعادة الانسان، ووضعت أولويات بديلة لسعادته، تتلخص بالثراء الفاحش لقلة من الافراد والشركات، على حساب أغلبية الجنس البشري، لهذا كانت نتائج الفقر وخيمة، وانتجت أمراضا وجهلا لا حدود له، فيما يتنعّم قلة بموارد وثروات الارض، بقوة العولمة الغربية التي كبلّت البشرية بطوق من القوانين التي استماتت من اجل نشر مبادئ حرية السوق وما شابه من اجل جمع الارباح والثروات وتحويل العالم اجمع الى مستهلك متأثر بثقافة الغرب الاستهلاكية حصرا، ليسود النموذج الغربي في العالم كله.

انتشار النزعة الاستهلاكية

لهذا يحذر الامام الشيرازي بكتابه المذكور نفسه من نتائج العولمة، فيقول في هذا المجال: (على أثر – الجوهر المادي للعولمة الغربية- نتج الفقر والحرمان، والجهل والمرض، والحرب والدمار، فملايين الجائعين، وملايين المرضى، وملايين الأميين، وملايين المعوّقين، وملايين المشرّدين والمهجّرين، وما إلى ذلك من المآسي والويلات المترتبة على مادية الغرب ومادية عولمته).

وبهذا تتضح خطورة العولمة الغربية ليس على العالم بل على الغربيين أنفسهم، لذا بدأت حالة من التململ والضجر من سوء الاوضاع الاقتصادية، وحدثت أزمات مالية أثقلت كاهل الطبقات الوسطى والفقراء، نتيجة لسوء الاستخدام السيّئ للعولمة الغربية، وهكذا بدأت بوادر التغيير تتنامى، وتظهر الى الوجود، وبدأ مفكرون وعقلاء من الغرب يدرسون التأثيرات الخطيرة للعولمة عليهم، فيما يكسب قلة من الافراد والشركات مليارات الدولارات، ترى الاوضاع المعيشية تتدهور شيئا فشيئا.

علامات التغيير الغربي

لقد أشّر الامام الشيرازي قبل عشر سنوات من الآن، ارهاصات التغيير التي تحدث في الغرب ضد العولمة، لأنها تكشّفت على حقيقتها من حيث الاهداف الربحية المادية البحتة التي اهملت قيم الانسان بصورة تامة وتمسكت بالربح المادي الصرف، لهذا أخذت حالات التذمر والتفكير بالتغيير تتنامى في الغرب، وقد أشار الامام الشيرازي لبوادر هذا التغيير في كتابه (الفقه العولمة) منذ سنوات طويلة حين قال: (لعل ظواهر الأحداث تدل على أن الغرب أعم من أمريكا وأوروبا، في حال تغير سريع، ربما لا تمر عشر سنوات إلا ويحصل التغيير).

واضاف الامام قائلا في كتابه نفسه: (إن عقلاء الغرب منزعجون جداً من السلبيات التي أدت إليها الحضارة الغربية، وهم يفكرون في العلاج الجدي لها).

وكان الامام الشيرازي قد عزا اسباب تدهور الاوضاع في الغرب، الى العولمة التي تمخضت عن سلسلة من الظواهر والسلبيات، التي أثقلت كاهل الناس في الغرب، ومن مظاهر تلك السلبيات، كما أكدها الامام في كتابه المذكور: (الفراغ الروحي، فإن المادة لا تملأ الروح، كما أن الكنيسة الخاوية عن المعنويات اللازمة لا تتمكن من أن تسد هذا الفراغ الحاصل، وقد قالوا: فاقد الشيء لا يعطيه).

فوضى الجنس

ومن اخطار العولمة، أنها نشرت منظومة سلوك مدمرة بين الغربيين وغيرهم، تتمثل بنشر حالة من الفوضى الجنسية، التي تتجاوز كل حدود الاخلاق او الاعراف الاجتماعية، وقدسية التناسل البشري، وهي بهذا تحاول أن تفكك القيم والضوابط التي تحكم الجنس وتجعله في خدمة الانسان بدلا من أن يكون عبء عليه، يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: عملت العولمة على نشر (الفوضى في أمور الجنس، فإن ذلك يوجب انزعاجاً للأعزب والمعيل، وللمتدين وغير المتدين، حيث يحرم الإنسان من دفء العائلة ويصرفه عن تربية الأجيال الصالحة، مضافاً إلى ما يسببه من الأمراض الجسدية والنفسية كالقلق والكآبة وما إلى ذلك).

ومن عيوب العولمة ايضا، الاخطاء الادارية التي ضاعفت من حرمان الاغلبية من الناس، إذ يؤكد الامام الشيرازي على أن العولمة أنتجت: (التضخم والروتين الإداري على حساب حرمان الناس، فإن كل موظف يقلل من حريات الناس بقدره، نعم بعض الموظفين ممن يحتاج إليهم، ولكن البعض الآخر وهم الأكثر الأكثر في نظام الغرب الحالي، يوجب خنق الحياة،  فزيادة الموظفين إلى حيث واحد لكل خمسة عشر، توجب كبت الحريات وإهدار الأموال والأوقات، وكثرة الرشاوى وتأخير العمران كما هو واضح، ومن هنا تريد الشعوب التخلص من هذا التضخم إلى المقدار الضروري فحسب).

العولمة وتفسخ المجتمع

فيما تسبب هذا النظام الحياتي المتفسخ بسلسلة من النواقص والمتاعب الصحية التي رافقت حياة المجتمع الدولي عموما والغرب خصوصا، حيث تسببت أخطاء العولمة والقائمون عليها بـ (انعدام الصحة وتفشي الأمراض بصورة مدهشة، مما لم يكن له نظير في تاريخ العالم الإنساني، ولا شك أن هذه الأمراض هي وليدة الحضارة المنحرفة، ولا فرق في انعدام الصحة الجسدية والنفسية، مما هي نتيجة القلق والجشع وحب السيطرة، وما أشبه).كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي، الذي أشر الى حالة التعالي التي يعيشها الغرب على حساب الآخرين، فالغربيون يعدون انفسهم من افضل الاقوام البشرية، مما اصابهم ذلك بـ (الغرور الذي أوجب لبعض الغربيين أن يخطط لتحطيم الإنسان الذي لا يكون من عرقه وقومه ودينه وجنسه ووطنه، بينما المعيار في الإسلام هو الإنسان بما هو إنسان، وقد أراد الإسلام الارتفاع والتعالي ومكارم الأخلاق لجميع الناس). كما أكد الامام.

الذي أكد على نتيجة كان قد تنبأ بها قبل اكثر من عشر سنوات بخصوص الوضع المعيشي الغربي والاحتجاجات وما شابه، والمآسي التي تتعرض لها شعوب الارض لاسيما الفقيرة والنامية منها، حين قال في كتابه (الفقه العولمة): (لذا أخذ علماء الغرب يفكرون في نجاة البشر من هذه المآسي).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/تشرين الأول/2011 - 26/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م