سادة النوم الطويل... لسان النميمة ويوتيوب

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: قبل ظهور الايدز ومعرفة مدى فتكه بالمصابين به، وخاصة في افريقيا حيث انتشار الجهل والفقر والكثافة السكانية، كانت تفتك بالبشر هناك جملة من الامراض مثل الملاريا والكوليرا ومرض ايبولا اضافة الى الصراعات والحروب.. وكان هناك ايضا ما يعرف بمرض النوم الذي تسببه ذبابة (التسي تسي) والتي قرانا عنها كثيرا في مناهجنا الدراسية قبل العام 2003 والتي خضعت لكثير من التغييرات كما يقول قادة التغيير في مؤسساتنا التربوية والتعليمية.

الا انه تغيير لم يشمل عقول او قلوب قادة التغيير هذا... قبل ايام وبعد توزيع المناهج الدراسية الجديدة مظهرا ومحتوى شاهدت احد المعلمين وهو يمارس (الكيك بوكس) مع احد طلاب الثاني الابتدائي اي ان الطالب بعمر سبع سنوات لا اكثر.

لم نكن نعاني من ارق او قلة نوم قبل العام 2003 فالجري واللهاث خلف لقمة العيش منذ خيوط الفجر الاولى وحتى ساعة متأخرة عن الغروب لم تكن تترك للملايين المحصورة بين تحصيل الرغيف اليومي وبين مطرقة الاستبداد من فسحة او سهر او تامل في سماوات الليل الصافية.

كانت الملايين رقودا في ليل طويل ونهارات اطول منها لا يصحون الا على اصوات الانفجارات وجثث العائدين من جبهات القتال او على اصوات المخبرين من رجال الامن يتسلقون اسطح المنازل بحثا عن ساهرين يفكرون في مآلات وبدائل سعيدة.. او هاربين من جحيم القتل والموت المجاني.

النائم عادة ما يغيب عن الوعي ويبرز عنده نشاط من نوع اخر هو نشاط الاحلام وغالبا ما كانت تنشط في ساعات ذلك النوم الطويل الكوابيس والتي يسميها العراقيون (الييثوم) تحريفا عن كلمة (الجاثوم).

لم يكن النائمون على وعي بما تقوده اليهم شرور الطغيان، فالامن مستتب وهو جزء من امن متكامل لمنظومة السلطان الامنية.. والعمل موجود مع الادمان عليه حد الانتحار.. ومكرمات القائد الضرورة لاتنتهي. فمن كيلو غرام عدس زيادة في الحصة التموينية لشهر رمضان الى دجاجة هدية لكل عائلة الى 250 غرام من السكر لصنع الكليجة في الاعياد.. الى غير ذلك.. الراعي يسمن قطيعه.. وتبا لكل هراء وتفاهات المثقفين.

يذكر ماركس ان الفقر ليس هو السبب في الثورات بل هو (وعي الفقر) وهو وعي كنا نفتقد اليه ولازلنا.. ليس على مستوى الفقر وحده بل على جميع المستويات الاخرى..

كنا نفتقد الى وعي الحرية لاننا لم نذقها يوما ولاننا انشغلنا برقادنا اللذيذ وغيبوبتنا الطويلة.. انه رقاد العبيد.

سادة النوم الطويل، العراقيون الذي علموا العالم الكتابة والقراءة لم يمتلكوا القدرة على التغيير، تغيير عادات نومهم او تغيير واقعهم او تغيير قائدهم الضرورة ليصحوا فجاة من رقادهم الطويل على الدبابات الامريكية وهي تدك مواقع الحمايات الحصينة ولتسقط تمثال القائد الضرورة في ساحة الفردوس وحتى في الصور التي نقلتها لنا الفضائيات لحظة اسقاط التمثال كان الناس الذين يطلون من شرفات الشقق تبدوا عليهم اثار النعاس من نوم طويل بين مكذب لما يراه امامه وبين محاولة تصديق ما يحدث.. ليعودوا بعد فورة الاستيقاظ المفاجيء الى رقاد جديد فقدوا فيه وعيهم مرة اخرى.. فلا ملفات الفساد المستشري ولا المحاصصات او التوافقات ولا السجالات او الصراعات المتفجرة بين وقت واخر قادرة على إيقاظهم.

ينشغلون بين رقدة واخرى في الحديث عن الدولار النفطي او ماتبقى من الحصة التموينية او بزيادات جديدة على الرواتب او بساعة اضافية من الكهرباء الوطنية... اللعنة.. دعوا سادة النوم الطويل في رقادهم وغيبوبتهم.. صراخنا لا يفيد.

لسان النميمة... يوتيوب

فضيحة.. واحدة من الكلمات الجديدة – القديمة التي اصبحت تتردد على السنة العراقيين بعد الانفجار الاعلامي بكثرة لم يتعودوها وبعد انفتاحهم على وسائط الانفوميديا الجديدة بشكل غير مسبوق (الانترنت) والشبكات الاجتماعية فيه (الفيس بوك – نويتر) ومواقع تحميل وعرض الافلام المصورة (اليوتيوب).

الاشاعة هي مدار اهتمام الناس والتركيز عليها في احاديثهم اليومية... هل سمعت؟

وياخذ المتكلم بالحديث عن اخر ماسمعه من مصادر موثوقة وتأخذ انت بدورك الحديث عما سمعته من هذا المصدر الجديد الموثوق كل الثقة لاخرين.. تبدا كلامك بهذه اللازمة الشهيرة: هل سمعت؟... لكن هناك بعد واسع بين ما سمعته وما يمكن ان تراه.

لم تكن الاشاعة على مستوى الحدث السياسي او الاقتصادي العراقي معززة بما يؤكدها من صور او اصوات، في مجتمعات الخوف والرعب تزدهر الاشاعات وتنتشر لانها تجد تربتها الخصبة في ذلك الخوف وتكون حتى الاشاعات غير القابلة للتصديق مناطا لتصديق الناس واعتقادهم بحدوثها فعلا.

حدثني احدهم ان احد اصدقاء والده ايام الحصار على العراق قد اخبره بان مادة الاسمنت التي بنيت بها القصور الرئاسية كان يضاف اليها البيض لتقويتها.. نعم بيض المائدة لا غيره.. وكانت حاويات كبيرة وكثيرة تدخل الى مواقع بناء تلك القصور ليخلطوا هذا البيض مع الاسمنت للحصول على خلطة سحرية لا تقهر.. كان محدثي على قناعة تامة بصدق ما رواه مصدره الموثوق، ونسيت في غمرة اندهاشي ان اساله هل كان البيض يخلط بقشره او بدونه؟

المهم كان ينقص الاشاعة في حديث الناس تعزيزها بالصورة او الصوت.. بعدها وفي غمرة الارتماء في احضان كل جديد من سلع ووسائل اصبحت تلك الاشاعة لا تنقصها المصداقية رغم التحويرات العديدة التي تضاف اليها احيانا.

الاشاعة الان هي حدث واقع يتلقفه المتلقي عبر الايميل او البلوتوث او من خلال اليوتيوب.. واصبح السؤال يطرح بصيغة جديدة: هل رايت؟ الرؤية اصبحت تسبق السمع رغم تواجدهما في الحدث الواحد.

ما كان اشاعة في السابق اصبح فضيحة على مد الابصار والاسماع، والناس تحب ان تشاهد فضائح الاخرين ومنهم من لا يتردد ان يكون منظورا اليه في ارتكاب فعل فضائحي يقربه من الشهرة والاشهار على رؤوس الاشهاد.. كل فضيحة يعمل عليها لسان النميمة تكرارا مستمرا عبر ارسالها بوسائط التواصل الى اكثر من طرف في مشارق الارض ومغاربها.

كانت النميمة سابقا بصوت هامس بين اثنين يتواجدان في مكان واحد واصبحت الان بين الجميع وبالصوت والصورة وبأعلى الاصوات.. جربوا اليوتيوب ولكن لا تشاركوه النميمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/تشرين الأول/2011 - 25/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م