هل يحتاج العالم الى عولمة بديلة؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: للعولمة إيجابيات لا أحد يجرؤ على نكرانها، منها أنها طوت العالم في شاشة صغيرة متوحدة، لتجعله أمام مرأى الجميع، وكأن سكان الارض يسكنون في قرية واحدة، يطلعون على بعضهم البعض، ويتشاورون ويتناقلون المعلومات والخبرات، ويتعلم بعضهم من بعض كل شيء، في العلوم والفنون والآداب والتقانات الحديثة، كان للعولمة دورها الكبير والمشهود، ولكن لم يتوقف الامر عند هذا الحد، فمن جهة اخرى هناك مساوئ، قد ترقى الى الحروب أحيانا.

الاقتصاد المعولم، تسبب في أزمات مالية متكررة، لاسيما في السنوات الاخيرة، هذه الازمات لها وقود وخسائر وضحايا كثير وكبيرة، مجملها ما يتعرض له العدد الأكبر من سكان الارض، أولئك الذين لا شأن لهم بصنع القرار، الحكومات وافرادها لو جمعناهم، لم يشكلو سوى النسبة الاقل، ولو اضفنا لهم الاثرياء والمافيات والشركات التي تتحكم بالاقتصاد العالمي، تبقى النسبة هي الاقل بكثير من النسبة الاكبر التي تضم مليارات النفوس، وهي تكابد شظف العيش وأخطار المرض والحرمان، في وقت يتنعم أصحاب العولمة بثرائهم الفاحش.

احتجاجات (وول ستريت) التي امتدت الى ما يقارب أو يفوق 300 مدينة اوربية وغيرها، نتيجة حتمية لإفرازات العولمة في جانبها السيّئ، فالفقر ينشب أنيابه في طبقات شعبية واسعة، ويتنامى ويمتد ويتسع، بسبب اللهاث المحموم لاثرياء العالم وراء الثراء الفاحش، بغض النظر عما يسببه ذلك من عوز مستفحل، ونواقص جمة تطال حياة الاغلبية من سكان الارض.

العالم ليس بحاجة الى عولمة لا انسانية بشعة، ولا يريد عولمة اربابها يتخلون عن الضمير الانساني المناصر للانسان في محن الحياة الكثيرة والكبيرة، لذا خرج المحتجون ليفضحوا التواطئ بين الحكام والاثرياء، وليكشفوا المافيات التي تسيطر على الاقتصاد العالمي وتسيّره وفقا لأهوائها ومصالحها، وهم قلة تريد أن تستحوذ الى الابد على مقدرات الشعوب.

هي إذن محاولة جادة وحقيقية لتغيير المنهج الاقتصادي العالمي الراهن، وهي صرخة لتغيير العولمة الراهنة الى عولمة اكثر رحمة ورأفة بالانسان، عولمة تبقي على الفضائل الجمة التي تجعل من سكان الارض شعبا واحدا متحابا متوادّا، يتبادل الخبرات والتعاون والتضامن في المحن أو في سواها.

وطالما ان الغرب هو المستفيد الاكبر من العولمة الاقتصادية، كي يجعل العالم اجمع في قبضته وتحت رحمته، فإن الدعوة الى عولمة تبدو غير مستساغة ولا مقبولة، لاسيما أن الامكانات غير متاحة للشرق ودول العالم النامي عموما، بيد أن الغرب نفسه خرج محتجا على نفسه، وعلى قادة العولمة الاقتصادية، وعلى أثرياء العالم المتحكمين بالاقتصاد العالمي، وهذا مؤشر واضح عن صحوة التغيير الحاصل في بنية المجتمع الغربي وتطلعاته نحو نمط او منظومة حياتية أفضل.

وفي الاجابة عن السؤال الذي يطرحه عنوان هذه الكلمة، فإن العالم فعلا يحتاج الى عولمة بديلة، عولمة انسانية، عولمة تحول بين الاقتصاد والجشع وتجعله في خدمة الفقراء اولا، وتفرق بين الربح والاستحواذ، والتسلط واستخدام وسائل القوة الاقتصادية لجمع الاموال، وتركيزها لدى أفرد وشركات قليلة وإن كانت كبرى، فيما يتلظى الغالبية العظمى من سكان الارض تحت وطأة الحرمان والجهل والمرض، إن عولمة الراهن في جانبها المسيء، عولمة أفراد وشركات تحاول أن تدجن سكان الارض وتروضهم للقبول بالادنى، فيما تستحوذ هي على كل شيء.

ولكن شرارة الاحتجاجات السلمية ضد الشركات الكبرى، وضد الاقتصاد العالمي المريض، التي انطلقت في الغرب نفسه، دليل غني جدا، يؤكد الصحوة الانسانية والانتصار الى النهج الانساني السليم، ويرفض سواه رفضا قاطعا، لأنه لن يصب إلا في صالح أقلية (أفرادا وشركات) بالغت في ثرائها على حساب الاكثرية من شعوب العالم.

لهذا جاءت احتجاجات وول ستريت بمثابة الاشارة الواضحة، والتنبيه الاول من نوعه، للقائمين على الاقتصاد العالمي، عليكم بالتغيير نحو الافضل، أي لصالح عموم سكان الارض، وليس لصالحكم وأنتم لا تمثلون سوى نسبة هزيلة منهم.

هذا التغيير الذي ينطوي على دلالات كبيرة ومهمة، يحتاج الى إدامة وتطوير وتبنّ من لدن أخيار العالم أجمع، لاسيما المنظمات المعنية بمكافحة الفقر والعوز، وتلك التي تجهد نفسها في تثبيت حقوق الانسان في التربية والتعليم والعيش اللائق، من اجل الاستثمار الصحيح لشرارة التغيير العالمي نحو الافضل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/تشرين الأول/2011 - 24/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م