كم هي دؤوبة حركة البناء في بغداد، فعلى الرغم من كل ما يقال عن
الغلاء وصعوبة المعيشة إلا أن هناك من يعمّر ويبنى من القطاع الخاص
والعام.. فهذا يبني بيته وهذا يُعمّر وذاك يشطر بيته وعمارة ما يتم
إعمارها وتهيئتها للسكن أو لتأجيرها وعلى شاكلة تلك الأمور تمر المدينة
بنوبة مجنونة من العشوائية فأنت ما أن تمر بشارع من شوارعها حتى تلاحظ
تلك الحركة الدؤوبة المستمرة وبعشوائية وسوء تنظيم كبيرين فصاحب البناء
لا يروق له إلا في التجاوز على الشارع العام بوضع مواد البناء بشكل
يتنافى والآداب العامة أولاً والنظام المتبع عالمياً ثانياً.. فهو يغلق
الطريق أو يترك ممراً ضيقاً لمرور السابلة والسيارات وتستمر معاناة
الناس من تلك الحالات المتكررة في المحلات وفي الشوارع المهمة ولفترات
طويلة ومملة.
ففي بلدان العالم المتحضر هناك الكثير من حركات البناء الكبيرة
والتي تفوق قطعاً ما يجري لدينا وفي شوارع عالمية إلا أن الذي يمر في
تلك الشوارع لا يرى أثراً واحداً لهذا البناء فهو غير مؤثر بالمرة على
الطريق ولن يأخذ منه شبراً واحداً حتى ومساحة البناء مغطاة بسياج معدني
ملون يبعد الأنقاض المترتبة على البناء عن وصولها الشارع وتترك انطباعاً
مهماً عن إحترام القوانين وتقديم صورة جميلة للشارع وحتى إكمال البناء
وإظهاره بشكل أكثر جمالاً.
أما نحن في بغداد المجنونة جداً بعدم النظام والتنظيم نرى أن كل
منا يعمل وفق هواه ورغبته دون أدنى رؤية لما تخلفه تلك التصرفات
المشينة من إظهار المدينة بمنظر لا يليق ومكانتها العالية بين مدن
العالم و تزيد من التشويه الحاصل بها بعدما تسببت به أعمال التخريب
والتفجيرات الإرهابية التي طالت الكثير من تلك البنايات الكبيرة منذ
عام 2003 وحتى يومنا هذا، ناهيك عن قِدم الكثير منها.
لقد تسبب البناء الجديد والتعميّر في شوارع المدينة في إتلافها
وإظهارها بمنظر غير لائق فترى المياه تتسرب من تلك الأبنية دون إكتراث
من أولئك القائمين على العمل وبغياب الجهات الرقابية ومنح الإجازات
الخاصة بالبناء وأصبح المسرح خالياً إلا من أولئك الذين يمثلون أشد
المتسببين في دمار المدينة بجهلهم بقواعد البناء في الشوارع العامة
والمدن.
اليوم على أمانة العاصمة أن تشدد من رقابتها على تلك الحالات وأن
تضع شروطها الملزمة وفارضة العقوبات الشديدة بحق كل من يتسبب في أي
حالة من الحالات آنفة الذكر.
ناهيك عن أن الكثير من تلك الحالات تسببت في تشويه منظر المحلات حيث
أن صاحب البناء وعندما يتم عمله يبقي كمية، كومة، من مواد البناء في
الشارع أمام بيته وكأنها كنز لا يمكن التفريط به وتبقى تلك المواد
راكدة يمر عليها الصيف والشتاء وتنثرها الريح في الشوارع دون إحساس من
صاحبها وما تسببه من أذى للآخرين حتى لاعتادوا على تلك المظاهر وأصبحوا
غير آبهين بها بالمرة وبمناظرها القبيحة بقبح أخلاق فاعليها.
بين "خيال" بسماية و"واقع" جسر العلاوي
سنوات عديدة مرت والجميع يلاحظ سير العمل في مجسر العلاوي الشهير..
صيف وشتاء.. يمر ونحن نراقب العمل الذي يعجز وصف بطيء العمل فيه.. ففي
بعض الأحيان يعتقد الناس أن سبب التأخر يعود الى أن المجسر من ضمن
المناطق المتنازع عليه! والتي يجب ان تشرع بدستور!! إلا أن المشكلة
أننا لا نرى هناك أية أعلام تُرفع وأخرى تُنزَّل!
ترى كم سياسي وكم مسؤول حكومي "مؤثر" جداً يمرّ يومياً من وتحت هذا
المجسر فما هو السرّ الدفين في هذا التـأخير، أم انه الزجاج المظلل
الذي عمى الكثير من المسؤولين ان يروا هذا المجسر العظيم وهو يمد نفسه
ببطيء شديد.
فالأعياد تمر ونحن نرزح تحت وطأة الخراب الذي نرى أنه أصبح حتمياً
في بغداد وعلى الرغم من أهمية الساحة التي يمر بها المجّسر من حيث
كثافة العجلات التي تمر بها وفي أوقات الذروة بالذات وما تسببت به
الحفر وعدم التنظيم من أذية كبيرة لأصحاب السيارات نرى أن العمل متوقف
نسبياً فيه وعلى القائمين بالأمر أن يأمروا من أستلم مقاولة البناء أن
يباشر بفريق عمل مسائي للاستعجال في انجازه لكون المنطقة التي يمر بها
من المناطق الآمنة نسبياً ويمكن توفير الحماية للعاملين فيها بسهولة
ويسر.. والعمالة متوفرة وبأي رقم تريد والكلف لا أعتقد أن المقاول لم
يأخذ أضعاف أضعاف حقه فلماذا هذا التأخير.
لقد مللنا من تلك التصرفات والمتابعة العقيمة لمشاريع بسيطة نوعاً
ما ولم تعد لها صعوبة في بلدان العالم حيث أن مجسّر كهذا لن يستغرق من
الشركات المتخصصة سوى أشهر معدودة فكيف تم اختيار الشركة المنفذة له.
ثم أن هناك أمر مهم.. فجميعنا يطير فرحاً عندما يسمع بأن هناك مشروع
كبيراً سيتم إنجازه ومنها مشروع "بسماية" وهي أمل من آمال العراقيين
فالسكن والكهرباء أكثر طلباتهم في الوقت الحاضر بل وهي جُل اهتمامهم
والكثيرون فرحين بتلك المدينة الجميلة إلا أننا عندما ننظر الى
المجسرات التي انتشرت في بغداد و"المرمطة" التي تمر بها مرحلة انجازها
يقف الكثيرون حائرين أمام ما سيتم أنجازه من مشروع بسماية والفترة التي
سيتم إنجازه بها.. هذا إذا تخلص المشروع من ثعابين الفساد وآفاته
المنتشرة عند كل طريق وناصية تنتظر بشغف الى أخذ فرصتها فثعابين الفساد
تتكاثر وتتلاقح لتنتج لنا أنواع جديدة من الأفاع "المحصنة" التي لم تعد
أي أمصال قادرة على معالجة سميتّها.. لقد جاء المشروع الكبير في وقت
أثخن الفساد فينا ضرباته الموجعة وتنوعت أشكاله وطال فينا كل شيء..
طعامنا ودوائنا وهوائنا وسلاحنا وماءنا وكهربائنا.. فكيف ترانا سنتعامل
مع مشروع كبير ورائع مثل مشروع بسماية.
حيث يتراءى للناظر للإعلانات التي تعرضها الفضائيات أننا أمام نقلة
نوعية جديدة وحديثة في السكن، بعد أن تم تغيير فترة وحجم الأقساط، نجد
أنفسنا جميعاً مسؤولين عن نجاح هذا المشروع الكبير، الذي لازال رسماً
في الخيال، وعدم جعل هيئة الاستثمار تقاتل وحدها بل أن يتم تحشيد كل
المنظمات والهيئات الحكومية والرقابية والمستقلة أن تتابع عن كثب ما
يجري في المشروع وأن تقف على دقائق الأمور فيه وأن تضع خطاً من نار،
وليس خطاً أحمر، أمام من يحاول إفساده.
لنحاول أن نمد بإنجازه وإنجاز المجسرات، المعجزة، جسوراً من الثقة
مع أبناء شعبنا لكونهم مادة كل استثمار ونحن بحاجة لهم لدعم مشاريعنا
التي ننوي تقديمها لهم.. فما بين مجسّر العلاوي وبسماية شراكة كبيرة
وحقيقية لا يفهمها إلا كل ذي لب رشيد!
zzubaidi@gmail.com |