تتخذ الازمة السياسية في العراق نمطا مختلفا يسلك فيه السياسيين من
مسؤولين وبرلمانيين مسارات عجيبة بعيدة كل البعد عن قواعد البروتوكول
التي تفضي الى التقارب والتحالف او الانفراط والتباعد بين حكومة
ومعارضة دون الخلط بينهما، لكن ما نشهده اليوم هو اللجوء الى المناورة
التي تتخذ اشكالا غريبة تتقلب في اليوم الواحد؛ وتنقلب؛ اكثر من مرة،
لتديم اجواء الخلاف والازمة والتداخل المؤسسي؛ فلا نعرف من مع
الحكومة... ومن مع المعارضة.
وبعد يئس من الحلول على المستوى الثنائي بين الكتل السياسية، اتجهت
القيادات الى الاجتماعات المشتركة مثل اجتماع اربيل لكنه اصبح بحد ذاته
موضع خلاف لا اتفاق، وتلته بادرة اجتماعات قيادات الكتل السياسية التي
انطلقت قبل ثلاثة اشهر برعاية رئيس الجمهورية لاختزال اطراف الازمة،
لكن حتى هذه الاجتماعات التي تعقد بين فترة واخرى اصبحت مثار جدل
وتساؤلات كثيرة منها:
كيف يجلس الفرقاء السياسيين على طاولة واحدة دون الخروج بمشتركات
تنهي مسألة افتراقهم؟ بل كيف يتم الاتفاق على ملفات وترك ملفات شائكة
اخرى دون مراجعة رغم تكرار عقد الاجتماعات؟ او ما هي النتائج الملموسة
التي خرجت بها هذه الاجتماعات وصبت في مشروع انهاء الازمة السياسية؟.
ان جلوس الفرقاء على طاولة الحوار امر مشروع ولا يختلف عليه احد،
لكن ما هو غير مقبول جلوس ذات الفرقاء لأكثر من مرة دون الخروج بنتائج
عملية تصب في مصلحة انهاء الازمة السياسية وانعكاساتها السلبية على
مجمل الاوضاع العامة...
اما كيف يشكل الفرقاء حكومة ويجلسون على طاولة واحدة وندعوهم فرقاء؛
فان هذا تساؤل لن يجيب عنه سوى السياسيين انفسهم!!!.
ان ما يثير الحيرة ليس التساؤلات اعلاه فحسب بل اجتماعات الكتل
السياسية ايضا؛ التي كانت على ما يبدو من اجل مسائل معينة استلزمت
موافقة كافة الكتل عليها، ومنها الاجتماع الاخير الذي عقد مباشرة بعد
عودة رئيس الجمهورية من الولايات المتحدة واستجابة الكتل السياسية
السريعة لانعقاده بل والاتفاق على مضامينه المتعلقة ببقاء المدربين
الامريكان دون غيرها من القضايا الخلافية.
ما يؤشر على ذلك الاجتماع؛ انه جاء استجابة لرغبة خارجية بإقرار ملف
بقاء المدربين وموضوع حصانتهم... لترتسم علامات الاستفهام مرة اخرى
عندما نرى كتلنا السياسية؛ التي وصلت الى ما وصلت اليه بأصوات
الجماهير؛ تستجيب لفعل خارجي بردة فعل تنتج قرار واتفاق، بينما تبقي
الفعل الداخلي معلقا لأكثر من عام ونصف ولا تستجيب له بفعل سريع او
مبادرة حقيقية على الاقل انتصارا لمعاناة المواطن المتزامنة مع تدهور
الوضع الامني، فتسمي مثلا مرشحين للوزارات الامنية الشاغرة او تغطي
جزءا من الملف الخدمي المتعثر او حتى تنهي الخلافات الدائرة فيما
بينها.
طبعا لم يتحقق كل ذلك ولن يتحقق لسبب بسيط، ان الفرز اليوم لا
طائفيا ولا محاصصاتيا بل اصبح هرميا، وبالشكل التالي:
• مرجعيات دينية نفضت يدها من السياسيين، حينما اعلنت اغلاق ابوابها
امامهم وامتنعت علانية عن استقبالهم.
• حكومة عاجزة تعصف بها تناحرات الكتل السياسية، حسب وصف رئيس
الوزراء نفسه.
• شعب مغلوب على امره، فقد الثقة بالسياسيين وامكانياتهم في تغيير
حاله الى وضع افضل.
هذا المثلث بدأت اضلاعه تتباعد بشكل كبير بما يفصح عن حقيقة لا محال
واقعة، وهي ان الانتخابات القادمة ستفرز خارطة مغايرة تماما لما هو
موجود اليوم، وان الكتل البرلمانية والقيادات العاملة على الساحة
السياسية مدعوة اكثر من السابق للتفكير بجدية بهذا الامر، لان الوضع جد
خطير ليس على الواقع الحالي فحسب؛ بل على مستقبل البلد والعملية
السياسية والديمقراطية على حد سواء. |