استفحال الفقر... ظاهرة تهدد الاستقرار العالمي

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي تتصاعد وتيرة الاختراعات، والصناعات العملاقة في معظم دول العالم الصناعية، لاسيما الغربية منها، فإن ظاهرة الفقر تتصاعد بالتزامن مع هذه التطورات الصناعية الهائلة، وهو أمر يثير الاستغراب حقا، فبدلا من أن تقلل هذه المكتسبات البشرية الكبيرة في مجال الاقتصاد والصناعة عموما، حالات الفقر، وتجعل الانسانية أكثر تحررا ورفاهية، نجد أن الامر يختلف، حيث المجاعات تسود هنا وهناك، وحيث المرض يفتك بملايين الناس في افريقيا وغيرها، وحيث الجهل ينتشر بين ملايين اخرى، لا تزال تعيش في هامش الحياة، على الرغم مما حققه الانسان من تطور هائل وواضح للعيان في الميدان التقني وسواه، والسبب واضح تماما اذ أن الفقر لا يزال يتربص بالطبقات الاوسع من الناس المهمشين حكوميا.

في بحثه الذي يحمل عنوان (من السبل الاستراتيجية لمكافحة الفـقـر) يتساءل سماحة آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي عن الفقر قائلا: (ما هو الفقر؟ تعريفه: لكي نعرف مدى خطورة مشكلة الفقر يجب أن نقوم بتعريفه التعريف الصحيح الشمولي، فأن الفقر لا يعني الفقر المادي فحسب -كما يتوهمه عامة الناس- بل ان له شعاعا واسعاً ونطاقاً عريضاً إلى أبعد الحدود، فإن الفقر يعني الحاجة والحرمان).

وبهذا لم ينحصر الفقر بالجانب المادي، وحاجة الجسد للغذاء وما شابه، بل يتعداها الى الفقر الروحي الذي يعاني منه الفقراء، القابعين في قعر الجوع والجهل والمرض، بسبب قلة فرص العمل والتربية والتعليم، وما الى ذلك من عوامل تنهض بقيمة الانسان وتحافظ على كرامته.

ولعل الفقر كما هو متعارف عليه، لم يكن وليد مرحلة بعينها، فهو مرافق لمسيرة البشرية منذ نشأتها، حيث الحاجة الى الغذاء والتربية والتعليم وما الى ذلك، قائمة ودائمة ابدا، وطالما كان الغبن الحكومي موجودا، فإن فرص القضاء الكلي على الفقر أصبحت صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة، حيث تتربع مشكلة الفقر على قمة هرم المشاكل التي واجهتها الانسانية، عبر رحلتها الطويلة والشاقة، لهذا يؤكد سماحة آية الله السيد مرتضى الحسيني الشيرازي على:

(ان الفقر يعد أحد أهم التحديات التي واجهت البشرية على مر التاريخ، ويشكل هو والجهل والمرض وانعدام الأمن - السياسي والاجتماعي وغيرهما- الاضلاع الأربعة للتخلف والشقاء البشري، ولايزال الفقر يشكل الظاهرة الأخطر والهاجس الأكبر للبشرية رغم كل التطور العلمي وكل المخططات الاقتصادية المحلية والدولية).

ولعلنا في تحميلنا المسؤولية للجهات الرسمية الحكومية، لعدم قدرتها على معالجة الفقر، لا نغبن احدا من المسؤولين او ممن يتربع على عرش السلطة، ثم ينسى مسؤولياته ازاء شعبه، لاسيما الفقراء منهم، فغالبا ما ينسى هؤلاء الحكام شعوبهم ويتركونهم بمواجهة الفقر المدقع، من دون أن يبادروا لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، بطرق وخطط علمية عملية قادرة على الحد من آفة الفقر، على الشعب، ومنع اضرارها التي تحدق بعموم الناس، بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة، التي ينتهجها الحكام القمعيين أو الانانيين، إما لحماية سلطانهم ومصالحهم على حساب الشعب، وأما لجهلهم وتعنتهم في معالجة اقتصاد الدولة، وما يتعلق به من ادارة وتطوير وما شابه، ولن تنحصر أخطاء الحكام على شعوبهم فحسب، بل تتعدى ذلك الى العالم أجمع، حيث تحدث الازمات الاقتصادية الفتاكة بسبب السياسات الاقتصادية غير المتوازنة.

لذا نجد ان سماحة السيد مرتضى الحسيني الشيرازي، يقول في هذه الصدد ببحثه المذكور آنفا:

(إن من أكبر أسباب اللاتوازن الاقتصادي وشيوع الفقر ان الحكومات تميل إلى مساعدة المدن على استغلال الأرياف مما يسبب نزوح الكفاءات والخبرات من الأرياف للمدن نتيجة وجود فرص عمل أكثر، وراحة ورفاهية ومغريات أكثر في المدن، ويسبب ذلك كله ضعف الإنتاج الزراعي وشبهه وزيادة نسبة الفقر في الأرياف، وتخلف الأرياف علمياً وثقافياً أيضاً مما ينعكس بدوره على الاقتصاد).

وهكذا تتطلب ظاهرة الفقر معالجات جذرية، مع تعاون اقليمي ودولي، ناهيك عن وضع الخطط الاقتصادية المحلية التي تنتشل الفقراء من فقرهم، وذلك بتوفير فرص العمل واشاعة حالات التكافؤ، وحماية الكفاءات، إضافة الى جملة من الخطوات التنظيمية القادرة على نشر الوعي والعلم، بين الجميع، وهذا الامر هو بداية الطريق لتطويق ظاهرة الفقر الخطيرة والمزمنة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/تشرين الأول/2011 - 21/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م