العراق وأمريكا... عقدة الاتفاق المأزوم

 

شبكة النبأ: قبل أسابيع من اعتزام القوات الامريكية الانسحاب من العراق ظهر خلاف بين النخبة السياسية العراقية وواشنطن بشأن ما اذا كان يمكن لجنود أمريكيين البقاء كمدربين.. فبغداد ترفض منح أي حصانة قانونية للقوات الامريكية بينما تقول واشنطن ان هذا يعني عدم التوصل الى اتفاق.

ودون تحول في موقف العراق فان أي اتفاق من المرجح أن يكون عبارة عن حل وسط. فالتأزم السياسي في العراق والمعارضة الشعبية الامريكية للحرب وعدم توفر الوقت الكافي للتوصل الى اتفاق سيضطر الاطراف الى القبول باتفاق من شأنه ترك بضع مئات من الجنود الامريكيين في العراق.

تعذر الاتفاق

فقد قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان قوات أمريكية ستبقى في اطار بعثة صغيرة تابعة لحلف شمال الاطلسي أو كجزء من برنامج تدريب عسكري قائم فعلا تابع للسفارة الامريكية من شأنه منح القوات الامريكية حماية قانونية.

وأعطت القيادة السياسية الضوء الاخضر للمالكي للتفاوض لكن دون حصانة وهي قضية حساسة كانت ستتطلب مساومات صعبة داخل حكومته الهشة وهزيمة محتملة في البرلمان.

لكن واشنطن تبدو عازفة عن قبول الخيارات وتصر على أن القوات الامريكية ستحتاج الى حماية كاملة أو على الاقل ضمانات على ان أي عرض عراقي من شأنه تحقيق النتيجة ذاتها.

وقال ستيفن بيدل من مجلس العلاقات الخارجية "لا يمكن أن أتصور أن توافق الولايات المتحدة على سلطة عراقية قضائية شاملة... اذا كان الامر يتعلق بأكثر من محاولة للضغط واذا أصروا على هذا.. فاني أعتقد أن الولايات المتحدة سترفض البقاء أصلا." بحسب رويترز.

وبعد أكثر من ثماني سنوات من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والذي أطاح بالرئيس العراقي صدام حسين يوجد 41 ألف جندي امريكي في العراق أغلبهم من القوات التي تقدم المشورة للقوات العراقية منذ انتهاء العمليات القتالية في العام الماضي.

وفي حين أن العنف تراجع منذ أوج الصراع الطائفي في البلاد في 2006 و2007 فما زال العراق يعاني من هجمات يومية من مسلحين متحالفين مع القاعدة ومن ميليشيات شيعية.

ويقر بعض الزعماء العراقيين بشكل غير معلن بأنهم يفضلون وجود قوات أمريكية كضمان في بلد ما زالت تستعر فيه التوترات الطائفية كما أن هناك خلافا بين العرب والاكراد حول السيطرة على الثروة النفطية في شمال العراق.

لكن رجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر هو وحده الذي يعارض صراحة استمرار الوجود الامريكي. وكان جيش المهدي التابع له يحارب يوما القوات الامريكية لكنه الان حليف سياسي رئيسي للمالكي. وتزيد معارضته للقوات الامريكية من تعقيد موقف الزعماء العراقيين. ويقول المالكي ان العراق يحتاج لاقل من 3400 جندي وهو العدد الذي اقترحته الولايات المتحدة. لكن بدائله لا تترك خيارات تذكر لواشنطن.

ولدى مكتب التعاون الامني بالعراق التابع للسفارة الامريكية مدربون تشملهم بالفعل الحصانة الدبلوماسية كجزء من وزارة الخارجية. وربما يكون الحاق المزيد من العسكريين بزيهم العسكري بهذه القوة هو أكثر الخيارات ملاءمة لكن من المرجح أن تكون الاعداد محدودة.

وقال سامي العسكري وهو نائب بالبرلمان العراقي وحليف للمالكي انه بموجب هذا الاتفاق سيكون العدد 200 أو 300 فقط وأضاف أن الامريكيين ليس أمامهم خيار اخر وأن البديل الوحيد هو انسحاب القوات الامريكية تماما.

وتمثل الحصانة للقوات الامريكية قضية حساسة لكثير من العراقيين الذين يتذكرون الانتهاكات التي ارتكبها جنود ومتعاقدون أمريكيون خلال أسوأ سنوات الحرب. لكن جنودا أمريكيين في دول أخرى تكفلهم نفس الحماية القانونية التي تريدها واشنطن في العراق.

وبموجب الاتفاق الحالي يخضع الجنود الامريكيون للسلطة القضائية الامريكية في جرائم معينة ترتكتب أثناء الخدمة. كما أن ادراج القوات الامريكية ضمن بعثة التدريب الصغيرة التابعة لحلف شمال الاطلسي في العراق يمكن أن يتيح للامريكيين الحماية القانونية. لكن ذلك الخيار له مشكلاته الخاصة.

اذ ان الحلف له اقل من 200 فرد يعملون في التدريب بمجالات مثل الشرطة والتمويل والامداد في المهمة التي من المقرر أن تنتهي عام 2013 . ويبحث نواب عراقيون الان مشروع قانون لتوسيع برنامج حلف شمال الاطلسي والسماح ببقاء بعض القوات الامريكية.

لكن ذلك ربما لا يكون كافيا بالنسبة لواشنطن وربما يواجه مقاومة من دول حلف شمال الاطلسي تحسبا من أن يتسبب هذا في تحول العداء الذي تلقاه القوات الامريكية الى مهمة حلف شمال الاطلسي الاقل ظهورا.

وقال ديفيد ماك وهو باحث في معهد الشرق الاوسط وسفير أمريكي سابق "من المرجح أن يجد ذلك الكثير من الناس هنا (في أمريكا) أقل طمأنة مما لو كان أفرادنا العسكريون جزءا من البعثة الدبلوماسية الامريكية."

ويقول مسؤولون عراقيون وأمريكيون ان القوات المسلحة العراقية أكثر قدرة الان على احتواء العمليات المستمرة التي يشنها المسلحون. لكنهم يقرون بأن الجيش ما زال يحتاج الى تدريب في مجالات مثل الدفاع الجوي والامدادات وجمع المعلومات.

وحتى بدون المدربين العسكريين سيتوجه المئات من المدنيين الامريكيين الى العراق لمساعدة القوات العراقية على التدرب على استخدام معدات مثل المقاتلات اف-16 .

ويرى البعض في واشنطن أن الوجود الامريكي القوي في العراق ضروري للاستقرار ويمثل حماية من نفوذ ايران. ويقول متشددون أمريكيون في مجال الدفاع مثل جون مكين انه ستكون هناك حاجة الى وجود عشرة الاف جندي اخر في العراق.

لكن التحول في موقف بغداد يبدو صعبا الآن. اذ ان العملية السياسية العراقية تعاني الان من خلافات بين الكتل الشيعية والسنية والكردية التي تتألف منها الحكومة. وعندما تفاوضت الولايات المتحدة مع العراق حول اتفاقيتهما الامنية عام 2008 استمرت المحادثات لمدة عام تقريبا. ومن القضايا التي عقدت المفاوضات سيادة العراق والحصانة للقوات الامريكية وموعد الانسحاب قبل التوقيع على اتفاقية أمنية نهائية.

وقالت جالا رياني في اي.اتش.اس جلوبال انسايت "من شبه المؤكد ان تبقى القوات الامريكية... لكن التفاصيل ما زالت مهمة لطمأنة الشعب العراقي والاطراف المعنية."

قرار مؤجل

من جهتها نفت ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما تقريرا اخباريا بانها اتخذت قرارا نهائيا بسحب كل القوات الامريكية تقريبا من العراق بحلول موعد نهائي للانسحاب في نهاية العام. ونفى كل من البيت الابيض ووزارة الدفاع تقريرا لوكالة اسوشييتدبرس نقل عن مسؤولين امريكيين لم تنشر اسماءهم قولهم انهم تخلوا تماما عن فكرة احتمال الاحتفاظ بقوة كبيرة في العراق كمدربين لقوات الامن العراقية بعد 2011 .

ولكن ادارة اوباما تصر على انه لم يتم التوصل لقرار بشأن علاقة التدريب مع العراق او عدد الجنود الامريكيين الذين قد يبقون بعد الموعد النهائي في 31 ديسمبر كانون الاول اذا كان اي منهم سيبقى اصلا. وقال تقرير اسوشييتدبرس ان نحو 160 جنديا فقط ملحقين بالسفارة الامريكية في بغداد سيبقون.

وقال تومي فيتور المتحدث باسم البيت الابيض ان"الرئيس اوباما اوضح مرارا اننا متلزمون بالحفاظ على اتفاقنا مع الحكومة العراقية على سحب كل قواتنا بحلول نهاية هذا العام.

"في الوقت نفسه نقوم ببناء شراكة شاملة مع العراق بموجب اتفاقية الاطار الاستراتيجي تشمل علاقة امنية قوية والمناقشات مع العراقيين بشأن طبيعة هذه العلاقة مستمرة."

واصدرت وزارة الدفاع الامريكية بيانا شبه متطابق ولكن المتحدث جورج ليتل قال ايضا ان "الاشارات التي تتحدث عن التوصل لقرار نهائي بشان علاقتنا التدريبية مع الحكومة العراقية خطأ."

حلف الاطلسي

في حين قال مشرعون عراقيون انهم يدرسون اتفاقا لتوسيع مهمة التدريب التي يضطلع بها حلف شمال الاطلسي قد يسمح لقوات أمريكية بالبقاء كمدربين عسكريين بعد الموعد النهائي للانسحاب نهاية العام الجاري مع منحهم نوع الحماية القانونية التي طلبتها واشنطن.

وتعقدت المفاوضات بشأن ابقاء قوات أمريكية في العراق لتدريب قواته الامنية بمسائل تتعلق بما اذا كانت حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ستمنح القوات الامريكية حصانة من المحاكمة في البلاد.

وواجهت الخطط الرامية للابقاء على وجود عسكري أمريكي بعد مرور ثمانية أعوام على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين معارضة شديدة من رجل الدين المعادي لامريكا مقتدى الصدر وهو حليف رئيسي في البرلمان لحكومة المالكي الائتلافية.

وقال مشرعون إن البرلمان يناقش مشروع قانون قد يسمح للقوات الامريكية بالعمل مع بعثة حلف الاطلسي مما يسمح لهم بالخضوع للولاية القانونية الامريكية اذا ارتكبوا جرائم معينة في أوقات الخدمة أو داخل القواعد. بحسب رويترز.

وقال سامي العسكري وهو مشرع كبير في ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي لرويترز ان الخيار المطروح على الطاولة هو أن يعملوا بموجب الاتفاق مع حلف الاطلسي. وأضاف أن الخيارات الاخرى المطروحة هي الاعتماد على دول أخرى للتدريب ولكن الخيار الاكثر عملية هو الاعتماد على حلف الاطلسي لانه يعمل بالفعل في العراق ولديه الخبرة التي تحتاج اليها القوات العراقية.

وطرح مشروع القانون للقراءة الاولى فقط وسيطرح قريبا للقراءة الثانية قبل أن يناقشه المشرعون ويصوتون عليه. ولم يتضح ما اذا كانت واشنطن ودول أخرى في الحلف سترحب بهذا الترتيب.

وقال متحدث ان السفارة الامريكية في بغداد لم يكن لديها تعليق على الفور.

ويقول مسؤولون أمريكيون انهم يريدون النوع نفسه من الحماية القانونية التي يتمتعون بها بموجب الاتفاق الامني الحالي مع العراق.

ويقترح مشروع قانون حلف الاطلسي الذي قدمته لجنة الدفاع والامن بالبرلمان العراقي أن يحاكم المدربون الاجانب أمام النظم القضائية لدولهم في حال ارتكاب جرائم معينة أثناء الخدمة وداخل أو خارج قواعد ومناطق للعمل متفق عليها.

ولكن سيكون للحكومة العراقية ولاية قضائية على مدربي حلف الاطلسي في حالة ارتكاب جرائم معينة خارج المنشات والاماكن المتفق عليها أثناء الخدمة.

قال المشرع كاظم الشمري من قائمة العراقية ان الامريكيين سيستفيدون مئة بالمئة من هذا الاتفاق وان الولايات المتحدة جزء من الحلف وأحد زعمائه البارزين. ويقترح مشروع القانون تشكيل لجنة مشتركة للبت في بعض الجرائم. وستتشكل اللجنة من عسكريين ومدنيين وتجتمع تحت مظلة حلف الاطلسي.

تأجيل انسحاب الجيش من المدن

الى ذلك أعلن قاسم الموسوي قائد العمليات العسكرية في العاصمة العراقية بغداد أن الجيش العراقي قرر تأجيل انسحاب قواته من المدن العراقية الذي كان مقررا نهاية هذا العام. ويأتي هذا التأجيل إقرارا بأنه حتى بعد أربعة أعوام من تضاؤل أعمال العنف في البلاد فإن الشرطة لم تزل غير قادرة بمفردها على بسط الأمن في المدن.

وقال الموسوي "لقد بدأنا تسليم السلطات للشرطة في بعض المناطق، لكن في غيرها لا يمكننا ذلك لأن وزارة الداخلية لا تزال بحاجة إلى دعم الجيش العراقي. وهي غير قادرة الآن، وغير قادرة بنهاية عام 2011".

ويمكن أن تشعر بوجود الجيش العراقي في جميع المدن العراقية حيث ترى الجنود بخوذاتهم والستر الواقية من الرصاص يحملون رشاشات "إيه كيه ـ 47" عند نقاط التفتيش وفي العربات المدرعة من طراز "همر".

وتلقى الجيش العراقي معظم ما حصل عليه من تدريب ودعم من القوات الأمريكية ويعتبر أشد قدرة على المنافسة من الشرطة. فيما عانت الشرطة ـ التي يعمل أفرادها عادة في نفس المناطق ـ من اختراقات عدة من قبل الجماعات المسلحة، ويسود اقتناع بأنها أقل حماسا لملاحقة الخارجين عن القانون من الجيش.

فرنسا والصين وروسيا مستعدة لتدريب القوات العراقية

على صعيد متصل كشف المتحدث باسم التيار الصدري الشيخ صلاح العبيدي السبت عن استعداد فرنسا والصين وروسيا لتدريب القوات العراقية بدلا عن الخبراء الاميركيين مؤكدا سعي مقتدى الصدر للبحث عن بديل عن الاميركيين.

وقال العبيدي "هناك الكثير من الدول تنظر للاحتلال الاميركي للعراق بانه السبب الرئيسي في تأخير (تقديم) مساعداتها للعراق والتقدم باي خطوة تجاه العراق سواء في الاعمار او تسليح الجنود واعطاء الخبرات".

واكد ان "فرنسا وروسيا والصين ابدت استعدادها لتقديم ذلك، من خلال لقاءاتنا مع سفرائهم الا ان مطالبهم لم تجد تجاوبا من المسؤولين العراقيين ولم يعطوا فرصة" لتقديم المساعدة. واضاف "استطيع ان اجزم ان هذه الدول ستحتل صدارة القائمة التي سيتم التحرك عليها في الاتصالات التي سيجريها سماحة السيد (مقتدى) الصدر". وتابع كما "انه سيتحرك على اكثر من جهة لايجاد بدائل عن المدربين الاميركيين في العراق". بحسسب فرانس برس.

فيما اكد مقتدى الصدر مرارا رفضه للوجود الاميركي حتى ما يتمثل بخبراء لتدريب قوات الامن العراقية. ولوح الصدر في 17 اب/اغسطس بالحرب في حال قررت القوات الاميركية تمديد بقائها الى ما بعد نهاية العام الحالي، رافضا الدخول في مفاوضات مباشرة او غير مباشرة حول هذه المسالة.

وكان الصدر اكد في بيان سابق، ان القوات الاميركية التي ستبقى في البلاد بعد موعد الانسحاب المقرر بنهاية 2011، حتى وان كانت للتدريب، ستعامل على انها قوات "محتلة" يجب مواجهتها "بالمقاومة العسكرية". وشكل الصدر عام 2008 لواء "اليوم الموعود" كقوة سرية منتخبة من عناصر جيش المهدي لمقاتلة القوات الاميركية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/تشرين الأول/2011 - 20/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م