كما المدرسون لا يعيبهم أنهم لا يصلحون لإدارة البلاد عسكريا وكما
الأطباء لا يصلحون لإدارة البلاد تعليميا فإن العسكر لا يصلحون لإدارة
البلاد مدنيا، وإن صلحوا عسكريا كمهنة أصيله لهم - يستثنى من ذلك
الفلتات الإنسانية التى لا يقاس عليها حين تقعد القواعد - وهذا أمر لا
يعيب كل فئة فكل ميسر لما خلق له ولكلِ مؤهلاته ولكل خصائصه دون تهوين
ودون تهويل.
وليس الطعن فى تلك القدرات طعنا عاما فى التخصص الدقيق والمهمة
الأصيلة التى توكل بالعسكر كلا كلا وإنما قراءة الواقع وقراءة إدارة
الأزمات تؤكد بيقين أن عسكرنا لا يصلحون لإدارة البلاد ولا أحد فوق
النقد طالما كان بأدواته التى لا تنفك عنه وفى ميدانه الحقيقى.
إن كل عاقل محب لوطنه لا يرتضى أبدا أن تتلوث يد الجيش – حقيقة أو
اتهاما- بدماء المصريين، والمصريون ليسوا عجزة أن يردوا الصاع صاعين
لمن ينفصل عنهم ويؤثر مصالح فلول النظام البائد بالتباطؤ أو بالتواطؤ
ولنا فى مبارك آية وقيادات المجلس العسكرى غير الجيش كما قيادات وزارة
الصحة ليسوا الأطباء أو قيادات وزارة التعليم ليسوا المدرسين وهكذا.
وليس لقائل أن يقول إن فئة ما محصنة ضد الفساد والتلوث فبعض أصحاب
الأنبياء استبدت بهم الدنيا وركنوا إليها وانظروا إن شئتم تفسير قوله
تعالى "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا
فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ
* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى
الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن
تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ
الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ
كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ * مَن
يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ ) الأعراف 175-178
وما بعض العسكر عن هذا ببعيد.
ولقائل أن يقول ما الذى يدفعك لكتابة ذلك؟ وما الذى يدفعك لإصدار
تلك الأحكام بأن العسكر لا يصلحون لإدارة البلاد ؟
الحق أن إدارتهم للفترة الانتقالية للبلاد منذ خلع مبارك فبراير
2011 وحتى كتابة هذه السطور تدفعنا إلى أحد استنتاجين إما اتهام النيات
وهذا يربأ عنه ذو المروءة حتى يتوافر دليل وإما اتهامهم بسوء الإدارة
والانفراد بقرارات لا تصب سوى فى إثارة الفوضى والاضطرابات كما فى
إدارة ملف الأجور (ما كان ينبغى أن تتوسع الدولة فى مداعبة أحلام
الفقراء حتى تودى بهم فى مهالك غلاء الأسعار وتأجيل رفع الرواتب) وكما
فى ملف إدارة وزارة الصحة ووزارة التعليم العالى وقيادات النظام السابق
الجامعية وكما فى إدارة أزمة الإضرابات الفئوية حتى صار أسهل شيء لي
ذراع الحكومة، فضلا عن أزمات أخر.
ويتجلى الفشل فى إدارة الملف الأمنى الذى لم تستطع دولة بحجم مصر أن
توقف هذا الفلتان المقصود والمدروس وقد نالت الاتهامات فيه رموز الحكم
البائد والحاضر لولا أن القوم لا يعقلون.
وأخيرا أقول: إن حسن الظن – فقط وأخلاقيا- يدعونى لعدم اتهام النيات
ويدفع المرء دفعا لمطالبة العسكر بتسريع وتيرة نقل السلطة للمدنيين عبر
إجراء انتخابات مجدولة زمنيا على أن تكون فى فترة قريبة وأن يحسن
الاستماع إلى صوت الضمير فيما يخص مصلحة الوطن وأن يسخر إمكانياته
وقدراته فى تصحيح مسار الملف الأمنى وأن يستقبل النقد الموجه له على
أنه لصالح مصر الذى ائتمنه الشعب عليها فليؤد الأمانة إلى أهلها فهم –
وليس هو- أحق الناس بها...
وليتذكر أن دماء شهدائنا لم تجف بعد ولن تجف حتى يشعر أهلنا جميعا
بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ولو على مراحل زمنية شريطة أن
يكون هناك بصيص نور لا يمنعه هنا من ظننا بهم – يوما- خيرا. |