البلاء الذي حل في العالم العربي ومعه ايضا بعض الدول الاسلامية
المجاورة له، هو ارهاب مزدوج قل نظيره في التاريخ سواء من ناحية
الوسائل الدموية البشعة المستخدمة او استغلال النصوص الدينية
والاجتماعية لغرض التبرير الفاسد وتنفيذ الاجندة الشيطانية!...فبالرغم
من وقوع العديد من الامم الاخرى في محنة الارهاب الحكومي المتعدد
الجوانب والقدرات الا ان واقعنا مختلف بعد سيطرة زمر تسلقت على السلطة
واستبدت بها مستخدمة اجهزتها الامنية والعسكرية وبدون ادنى شعور وطني
او ديني او حتى انساني يحدها في ارهاب شعوبها بمختلف الوسائل الوحشية
المستحدثة لغرض اخضاعها وفقا لرغباتها الحيوانية، والاختلاف انها لم
تمر بمحنة الارهاب المزدوج الذي مارسته ايضا بعض قوى المعارضة!...
في العادة تبذل قوى المعارضة ايا كانت توجهاتها، اقصى درجات
الالتزام والتودد والتزلف نحو شعوبها بغية الحصول على الدعم واسقاط
خصومها المتسلطين وتولي زمام الامور لتغيير الواقع المفروض لواقع افضل
يتلائم مع منهجها، الا ان الكثير من قوى المعارضة في العالم العربي سقط
في مستنقع الارهاب الاهلي! وكأن الاستبداد الحكومي لم يكن كافيا في
صيانة المحنة الواقعة حتى يمكن مضاعفتها من خلال توجيه المزيد من
الطاقات والجهود لانزال اكبر الخسائر الممكنة في الارواح والممتلكات
العامة تحت ستار مكثف من الشعارات الفارغة والتي تستغل الدين غالبا
كستار او احيانا القومية كأيديولوجية مستحدثة لغير المتدينين!.
منذ انتهاء حرب 1973، استفحل امر الارهاب الحكومي المبرمج في العالم
العربي واشتدت وطأته على الجميع بدرجات مخيفة لم تكن موجودة من قبل بعد
ان ازدادت واردات النفط نتيجة لتصحيح الاسعار آنذاك ومستغلة حالة
المصالح المشتركة مع الغرب والشرق! ولم تنتهي تلك الحالة الشاذة
السائدة الا في عام 2011 مع ظهور الثورات المعاصرة التي ازاحت تراثا
ضخما من الارهاب والقمع والاستعباد!...
ومع تلك الشدة اخذت حالة السكون الهادئة تسود على البلاد المنكوبة
واصبح امر الرفض والتمرد محرما وشاذا الا لمن يحمل مقدراته الغير
متيسرة! ومع تلك الحالة ظهرت الى السطح جماعات المعارضة التكفيرية التي
لها تاريخ عريق في الاجرام من خلال الاعتقاد الفاسد حسب التأويل الهزيل
للنصوص الدينية والتاريخية، وهي ترفض كل شيء مخالفا لها بسبب اعلان
حالة الجهاد من قبلهم على الطبقات المستضعفة والمحرومة تحت ستار محاربة
الحكومة!...ومع ازدياد حالة الصراع الدموي بين الجانبين (الحكومة
والمعارضة) وبخاصة في عقد التسعينات بعد زوال ادعاء الاحتلال السوفييتي
لأفغانستان (لا ادري لماذا فلسطين غائبة عنهم؟!) فقد ظهر اسلوب
الانتقام والتدمير المبرمج ضد المدنيين المخالفين دينيا او مذهبيا او
سياسيا او حتى ثقافيا، بل والاغرب من ذلك ان تلك الحرب العبثية ارتفعت
وتيرتها بالمقارنة مع صراعها مع الحكم لتكون سمة خاصة بالجماعات
التكفيرية التي اكتفت بحالة من الهدنة النسبية الاحادية الجانب لتتفرغ
لحربها الاخرى!.
الغريب في الامر ان الوسائل والاسس النظرية والعملية المستخدمة من
قبل الطرفين هي متقاربة ومستخدمة كل ادلة الاسناد الزائفة! فاذا كانت
الاجهزة الامنية العربية فاقدة بالمطلق لكل مواصفات الوطنية والفروسية
والخلق الرفيع الا ما ندر في فرض الارادة الحكومية الغاشمة على الشعب
دون ادنى خجل من حالة الاستهتار بالكرامة الانسانية والاخلاق العامة،
فقد انتقلت تلك الصفات النقيضة للخلق الديني او السوي الى الجماعات
التكفيرية او بالأحرى كامنة في عقول وصدور اتباعها من الجهلاء
المتخلفين ولكن الامر يحتاج الى طاقة لتفجر ذلك الحقد والكره والتنفير
حتى على اصحابها، والامر لا يحتاج الى طاقة كبيرة بل هي شرارة بسيطة
تستمد من التاريخ الدموي وقودا حيويا!...
الامر برمته لايحتاج سوى الى القليل من الادلة العملية للدلالة على
مستوى الانحدار الفظيع المتصف بالوحشية البهيمية بل اردأ منها بكثير
والتي كان متأملا انها سوف تخمد الى درجة الاندثار الكلي كلما تقدم
الزمن بنا ولكن الواقع اثبت العكس بالرغم من حالة التطور التكنولوجي
الذي استخدم هو الاخر لأغراض غير في غير محلها!.
سقط بين مخالب الاجهزة الامنية عددا غير محدود من الابرياء مستخدمة
كافة الوسائل الاجرامية المتاحة التي ابتدعتها عقولهم الخاوية! وملفات
منظمات حقوق الانسان تحتفظ بنصيب وافر ولكنه بسيط من ثروة الوثائق
والادلة النقلية والحسية، وعليه فأن امر المعاقبة والمراقبة مفروضة
بحكم الواقع المأساوي السائد لغرض منع تكرار تلك الانتهاكات الخطيرة
لحقوق الانسان الاساسية فيما لو حصل تغييرا ما، وفي الجانب الاخر كان
للجماعات الارهابية التكفيرية دورا رئيسيا في ادامة الصراع مع البسطاء
بغية زرع حالة الخوف والرعب في قلوب الجميع في بادرة تنم عن فقدان
المقدرة العقلية والاخلاقية للتمييز بين مختلف الاعمال!...
ففي افغانستان على سبيل المثال، كان لحركة طالبان المتخلفة
المتحالفة مع القاعدة، دورا رئيسيا في مختلف الاعمال الاجرامية التي لا
تراعي حرمة احد! وكانت البداية مع ظهور الحركة عام 1994عندما حاول زعيم
حزب الوحدة الاسلامية مزاري التفاوض معهم كرغبة في التعرف على حركة
جديدة يقودها انصاف متعلمين عن قرب، وكان الرد قتله غدرا وخيانة بطريقة
وحشية اكملت برمي جسده من الطائرة! وكانت بالفعل بادرة شؤم على البلاد
بأكلمها ولم تستطع التخلص منه، وهي علامة على الاستغلال الامثل لكافة
الوسائل للوصول الى الغايات المنتهية بنشوة السلطة دون ادنى اهتمام
للتعاليم الدينية والاخلاقية الصريحة في تحريم كل الاعمال الشريرة حتى
لو كانت الغايات مثالية وسامية!
وكذلك كانت هنالك عمليات الاغتيال الجبانة والتفنن بطرق القتل
المتعددة والفاقدة لأدنى شروط الصراع المتعارف عليه اخلاقيا والذي يبرر
استخدام تلك الوسائل الجبانة من قبل دعاة حكم ديني متخلف ضد قائد عسكري
فذ مثل احمد شاه مسعود او الرئيس المعتزل برهان الدين رباني عن طريق
الاغتيال او خطف الابرياء وقتلهم بدم بارد ناهيك عن ارهاب الامنين، وهي
نتيجة طبيعية للجهل المركب الخاوي، ولان الجريمة الاولى لم تؤدي الى دق
جرس الانذار فان الجرائم استمرت بوتيرة اعلى ولم تتوقف بسبب عدم تحرك
القوى العظمى والاقليمية لتطبيق مبدأ العدالة كون تلك الوقائع لا تمثل
خطرا على مصالحها حتى وقع المحذور في ايلول(سبتمبر)2001 فحصل تغير نسبي
لواقع مستجد وليس تلبية دعوات القضاء على السرطان الارهابي.
وانتقل الحال الى العراق بعد سقوط الارهاب البعثي كنتيجة طبيعية
لحالة الفلتان الامني بسبب انهيار الدولة واستغلال وضع الطائفة السنية
وهي المتحكم السابق في ضرب المكونات الاخرى دون ادنى مراعاة للمصلحة
الوطنية والعيش المشترك...فكان ظهور تلك الجماعات الارهابية التكفيرية
التي لها امتدادات اقليمية والتي استغلت وجود عدد كبير من المجرمين
والقتلة والمنحرفين ومن يناصرهم من اتباع النظام البعثي السابق، فسارعت
الى احتوائهم بغية اشراكهم في الحرب التكفيرية المعلنة على كل
المخالفين ولو كانوا فئات لا حول لهم ولا قوة! فكانت النتيجة المرعبة
التي ادت الى سقوط عدد كبير من الضحايا، لم يستطع التحالف الدولي ولا
الحكومات الجديدة المتعاقبة والمنقسمة على ذاتها في انصافهم وانقاذهم
او معاقبة المجرمين بنفس المستوى الذي يردع جرائمهم المروعة التي لم
تخطر في بال مجرم من قبل والتي لم يسلم من شرورها حتى وصلت الى من
كانوا مناصرين لهم فانقلبت الطاولة عليهم! ولم تحدث اي عملية مراجعة او
تقييم لكل الاعمال الوحشية من قبل الكثيرين غير المشاركين بسبب غياب
العقل النقدي الحر المستند على اسس منطقية قادرة على البحث واستكشاف
المجهول بشجاعة لا تقف عن منعطفات الطائفية او تجهيل اللاوعي!.
الجرائم الوحشية التي ارتكبتها العصابات الارهابية التكفيرية من قتل
وتهجير لا يمكن نسيانها او السكوت عنها والتي تدل على المستوى البهيمي
المنحط الذي وصل اليه المشاركون واعوانهم حتى يفتخروا بها، بل الواجب
الديني والاخلاقي والانساني يفرض التزاما صريحا ليس فقط بالرفض المطلق
لها بل ومحاربة ينابيع التكفير والتجهيل التي سادت ولم تندثر بكافة
الوسائل الشرعية والقانونية!.
لقد حان الوقت للتحرر من كل وسائل واساليب الاقناع والخداع والتزييف
الارهابي التكفيري التي مورست طويلا!. |