العلم والمعرفة والفهم السياسي.. عوامل قيادية حاسمة

رؤى من فكر الامام الشيرازي

شبكة النبأ: السياسة في عالم اليوم تستدعي قادة أذكياء، يفهمون السياسة وأسرارها فهما كاملا، ويتعاملون مع الطرف الآخر، وفقا لفهمهم السياسي الذي ينبغي أن يكون تاما ومتميزا في آن، والسبب الجوهري هنا، أن الخلل السياسي الذي قد يعاني منه القائد، سيقود الشعب أو الامة التي يقودها نحو مسارات خاطئة، فتقع مرغمة في حواضن الجهل والتخلف، والحروب العشوائية التي تنتج عن الفهم السياسي المختلّ للقائد.

من شروط القيادة

لذا يُعدّ الفهم السياسي، من أهم الشروط التي يجب أن يتحلى بها الانسان الذي يرغب بالتصدي لفن القيادة، ولهذا غالبا ما تفشل الامم والشعوب بتحقيق اهدافها في التطور والارتقاء، اذا كان قادتها قاصرين عن التعامل السياسي الناجح مع الآخر، سواءا كان في الداخل أو الخارج، ومن سوء الحظ أن يتصدر قيادة الشعب، حاكم لا يتحلى بالفهم السياسي، فيصل الى دفة الحكم بالقوة، كما يحدث في الانقلابات العسكرية وما شابه، حيث تسيطر زمرة من الاشخاص بقوة السلاح على مقدرات الشعب، يقودهم انسان أهوج وقاصر في فهم السياسة، لتصبح مصائر الناس وحياتهم، مرهونة بغباء القائد السياسي، الذي سيدفع بهم الى البؤس والعوز والحرمان، حتى لو كانوا من أغنى شعوب الارض، كما حدث ويحدث مع العراق الذي يعد من أغنى دول العالم، لكن نسبة كبيرة من شعبه تعيش تحت خط الفقر، والسبب هو القادة الذين لا يفقهون فن السياسة، بل لايفهمون في معظم شؤون الحياة، ولا يجهدون أنفسهم في تحصيل المعرفة والفهم السياسي.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفهم السياسي) عن الفهم: إن (الفهم، بصورة عامة هو: الإدراك والعلم والمعرفة. وواسطة هذه المعرفة والعلم هي العقل، أي إن الإنسان بواسطة عقله يفهم الأشياء، ومن هذا الباب نجد أن بعض الناس الذين يملكون عقلاً سليماً لهم نبوغ في مختلف مجالات الحياة؛ وذلك لرجاحة عقلهم،وحسن تعاملهم مع القضايا والأحداث،التي تدور حولهم، بينما نجد البعض الآخر لا يمتلك هذه الخاصية، التي هي – الفهم- أو المعرفة والفطنة، إما لخلل عقلي، وهذا خارج عن إرادة الإنسان وإمكانه عادةً، أو لتقصير منه، وذلك لعدم تحصيله للعلوم والمعارف ومعرفته بالأوضاع التي توصله إلى الفهم والإدراك).

الفهم ضرورة للجميع

هكذا يكون الفهم ضرورة لا مفر منها، إذا اراد الانسان أن ينجح في حياته، فكيف به اذا كان قائدا لشؤون الشعب؟ إن الفهم العام لمفاصل الحياة مطلوب من لدن الجميع، وفي حالة فشل احدهم بتحصيل هذا الفهم العام، فإنه حتما سيبقى قابعا في أسفل درجات الحياة، حيث التخلف والجهل، والمعاناة من الفوضى والمرض والعوز المزمن، إذ بخلافه يكون الانسان فاهما وعارفا بشؤون حياته وحياة الآخرين، ويكون عارفا بسبل التعامل مع الجميع بصورة تؤدي به الى النجاح، بعد أن يجهد نفسه في تحقيق نسبة عالية من الفهم، بجهوده في الاطلاع على المعارف والعلوم وما شابه.

لذا يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه نفسه: (بإمكان الإنسان أن يصبح فاهماً، وبإمكانه أن يكون كثير العلم والإدراك، وذلك بجده واجتهاده، وأيضاً بيده أن يصبح أبلهاً أو بليداً أو شخصاً عادياً لا يهتم ولا يعي لما يجري حوله من القضايا والأحداث، وهذا يعتبر نقصاً للإنسان؛ لأن العلم كمال وتركه نقص).

واذا كانت اهمية الفهم والمعرفة على هذه الدرجة الهامة بالنسبة للانسان العادي، فكيف سيكون الامر مع القائد السياسي؟ وما هي أهمية فهمه وتحصيله للعلم والمعرفة عموما، وللسياسة وتوابعها خصوصا؟

السياسة قديمة قِدم الانسان

إن الامر الواضح في هذا المجال، أن جهل القائد السياسي في شؤون السياسة، إنما يُعد بمثابة الكارثة على الشعب الذي يقوده، بل من سمات القيادة أن يكون القائد فاهما لشؤون الحياة كافة، ومن أهمها أن يتقن فن السياسة ويفهمه تمام الفهم لأنه ليس علما حديثا أو غير قابل للفهم، فالسياسة كما يؤكد الامام الشيرازي في الكتاب نفسه: (ليست من العلوم الحديثة، بل لعلها وجدت بوجود الإنسان في هذه المعمورة، وبواسطتها ينظم الإنسان حياته. وكل إنسان يحتاج إلى السياسة، وفي جميع المجالات، سياسة مع نفسه، سياسة في تعامله وتعايشه مع عائلته، سياسة مع صديقه، سياسة مع عدوه، وسياسة مع جميع أفراد المجتمع).

وطالما أن الجميع يحتاج الى فهم السياسة، حتى الانسان العادي، لكي يدير علاقاته مع الآخرين بصورة جيدة، فإنه من باب أولى وأصحّ أن يكون القائد أكثر فهما من الانسان العادي بأضعاف، ليس في فهم السياسة وحدها، بل في فهم مجالات الحياة كافة على نحو جيد، والسبب أن الفهم الشامل يفتح للقائد آفاقا واسعة من الرؤى، وأساليب التفكير، والتعامل مع القضايا التي تواجهه في الداخل أو الخارج، لأن السياسة كما سبق القول، لا تعني شؤون السلطة والحكم فحسب، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: (إن السياسة لا تنحصر بأمور الملك والرئاسة فحسب؛ بل تتدخل في جميع مجالات الحياة، حتى بالنسبة لذات الإنسان نفسه، فهو محتاج إلى السياسة في إدارة شؤون حياته، كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: من ساس نفسه أدرك السياسة.

لذا لابد من البحث عن الوسائل، والسبل التي تدفع بالقادة وعموم الناس، نحو المعرفة الشاملة، والمعرفة المتخصصة أيضا، بمعنى لا يصح أن يكتفي القائد، بمعرفة السياسة، ولا يصح أن يكتفي العالم الاقتصادي بالاقتصاد، وغير صحيح أن يبقى رجل الدين أسيرا للعلوم الدينية، وينطبق هذا على الجميع، وكلما تضخمّت المسؤولية، كلما ازدادت الحاجة للمعرفة المتخصصة والمعرفة العامة، ومن اهم سبل تحصيل المعرفة في السياسة وسواها، زيادة الوعي والتثقيف المتواصل.

من وسائل تحصيل المعرفة

يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور سابقا (من أهم مقومات الفهم السياسي هو: التثقيف والتوعية)... ولهذا لابد أن يلجأ القادة الى تحصيل المعرفة، من خلال قراءة تجارب الشعوب والامم الاخرة، لاسيما تجارب القادة الناجحين في قيادتهم لشعوبهم وأممهم، واذا كان التعليم يصعب على الناس العاديين احيانا، بسبب قلة المال وصعوبة الظروف وما شابه، فإن القائد متاح له الوصول الى التعليم الارقى والافضل، بسبب قدرته على تذليل المعوقات المادية او غيرها.

لذلك يضيف الامام الشيرازي قائلا في الكتاب نفسه: (إذا أردنا المعرفة والحصول على الفهم السياسي، فعلينا بالجهاد الفكري والجهاد العلمي ضد الجهل، وبكل الوسائل المتاحة المشروعة، بالقلم واللسان، وبمختلف الوسائل العصرية).

إذن فهذه القضية التي تتعلق بادراك ومعرفة القائد السياسي لتخصصه وللحياة كافة، تتطلب مجهودا فرديا وجمعيا متواصلا، ولا ينبغي أن يتصدر القيادة أناس لا يرغبون بتطوير قدراتهم المعرفية نتيجة لكسلهم، لأن القيادة مسؤولية شعب أو أمة كاملة، وهي تتطلب قادة أذكياء يفهمون السياسة ويفهمون الحياة برمتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الأول/2011 - 12/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م