اكتشافات جديدة... من رحلة الإنسان لمعرفة ماضيه

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: ساهمت الاكتشافات التي قام بها علماء الآثار والتاريخ عبر الزمن في فتح أبواب معرفية جديدة لم يكونوا قد أدركوا كنوزها وخفاياها من قبل، حيث توجد هناك الكثير من الخفايا والاحجيات التي كانت مبهمة وعصيه على الإنسان حتى وقت قريب من العصر الحالي، وهو يحاول حل أسرار الماضين والتزود من مناهلهم ألمعرفيه من خلال فهم طريقة حياتهم، وعملهم والكيفية التي تم بها بناء حضاراتهم وما وصلوا إليه من تطور ورقي في شتى الفنون والعلوم، إذ إن نتاج الحاضر هو امتداد لجهود الماضي، كما إن عجلة صناعة الحياة مرت بادوار متنوعة وعصور مختلفة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدم علمي كبير فاق السحر في السرعة والتنوع.

أوسترالوبيثيكوس مالابا

حيث أظهرت دراسة أن الأوسترالوبيثيكوس الذي عاش في كهوف مالابا كان يتسلق الأشجار كالقرد وكان يملك أيضا أصابع مرنة طويلة مكنته من صنع الأدو، في حين كان العلماء حتى الآن يعتقدون أن هومو هابيليس (الانسان الماهر) هو أول من صنع الأدوات، وتوصل العلماء إلى هذا الاكتشاف الذي نشرته مجلة "ساينس" الأميركية والذي شارك فيه نحو ثمانين عالما من كافة أنحاء العالم بعدما أجروا دراسة معمقة على هيكلين عظميين متحجرين من القردة العليا أسلاف الانسان، يعودان إلى 1،9 ملايين سنة عثر عليهما في جنوب افريقيا سنة 2008، وأشارت الدراسة أن هذين الهيكلين العظميين العائدين إلى امرأة وصبي من نوع أوسترالوبيثيكوس واللذين عثر عليهما في كهوف مالابا، يمتلكان إبهام طويل جدا وأصابع قوية استعملاها ربما لصنع الأدوات، على الرغم من أن دماغهما بحجم دماغ قرد كبير، وكان العلماء يعتقدون حتى الآن أن سلف الانسان الأول الذي تمكن من صنع الأدوات هو هومو هابيليس، وذلك استنادا إلى سلسلة من عظام اليد تعود إلى 1،75 مليون سنة عثر عليها في تنزاني، وتقول ترايسي كيفيل من معهد "ماكس بلانك" الألماني للأنتروبولجيا التطورية في لايبسيغ إن عظام اليد لدى أوسترالوبيثيكوس مالابا "تضم مزيجا غريبا من السمات لم نكن لنتصور وجودها في يد واحدة". بحسب فرانس برس.

وتضيف كيفيل التي شاركت في الدراسة "هناك إبهام طويل والغريب أن هذا الابهام أطول من إبهام الانسان الحديث، والمعصم قادر على تحمل أوزان كبيرة قد يكون حملها عند استعمال الادوات"، إلى ذلك تأتي الأصابع طويلة ورفيعة قادرة على الامساك بالأشياء "بقبضة قوية"، وتشير الباحثة إلى أن "هذا المزيج من الأشكال يدفعنا إلى الاعتقاد أن أوسترالوبيثيكوس مالابا كان يستخم يديه لتسلق الأشجار ولكنه كان بارعا أيضا في صنع الأدوات الحجرية"، أما برنارد زيبفل من جامعة ويتواترسراند في جنوب افريقيا فيقول "لو لم تكن العظام ملتصقة ببعضها البعض، لقال فريق الباحثين أنها تعود إلى أنواع مختلفة"، وشملت الدراسة أيضا أجزاء أخرى من جسم أوسترالوبيثيكوس مالابا، منها الدماغ وهو صغير ولكن متطور والحوض الذي يشهد على وضعية الوقوف، بالإضافة إلى القدمين والوركين التي "تجمع سمات القردة الكبيرة وسمات الانسان في تركيب بنيوي واحد"، على ما يقول كبير الباحثين لي بيرجر، وقال البروفيسور لي برغر من جامعة ويتوايترسراند في جوهانسبورغ أنه تم التوصل إلى هذه النتائج بعد "تشريح كافة الأعضاء الحيوية التي تميز الجنس البشري".

وأضاف لي برغر أنه من" المحتمل أن يكون هذان المخلوقان قد نشأ كل على حدة ولكن من غير المحتمل أنهما نشأ سويا دون وضع فرضية أنهما مرحلة مبكرة من جنس البشر"، وإذا صحت هذه النظرية فإنها ستستبعد كافة النظريات الأخرى بشأن نشأة وتطور الجنس البشري، وترجح الدراسة أن مخ هذين المخلوقين أكثر تطورا من مخلوقات أخرى إضافة إلى اليدين والأسنان وأطرافهما التي تشير إلى أنهما كان في الغالب يمشيان على القدمين، وبغض النظر عن صحة هذه النظرية، ما يجب الانتباه إليه أن الحفريتين تتميزان بمزيج من الملامح قديمة وحديثة، وأثار هذا الاكتشاف ردود فعل كثيرة بين أوساط العلماء فقد قال البروفيسور وليام هاركورت سميث من المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي في نيويورك إنه من المؤكد "أن سلالة واحدة من هاتين الحفريتين أدت إلى نشأة أول جنس بشري"، من جانبه قال البروفيسور كريس سترينغر من متحف التاريخ الطبيعي في لندن إن "هذه ليست نهاية القصة، فهناك حفريات أخرى لمخلوقات عثر عليها تشابهت مع ميزات الجنس البشري ولكنها تم الشكف عن أنها تحولت إلى جنس آكلي اللحوم"، وأضاف سترينغر "السؤال الآن هو هل يمكن العثور عل حفريات أخرى من هذا الموقع تتميز بملامح الجنس البشري".

رجل الجليد

في سياق متصل ساهم صيف حار وذوبان في كتلة جليدية ومرور متسلقي جبال المانيين في جبال الالب الايطالية عند الحدود مع النمسا قبل عشرين عاما في احدى اهم الاكتشافات في تاريخ علم الاحاثة مع العثور على أوتزي "رجل الجليد" وهي مومياء تعود الى اكثر من خمسة الاف سنة، ورصد هلموت واريكا سيمون في 19 ايلول/سبتمبر 1991 خلال رحلة لهما على ارتفاع 3210 متار على كتلة فال سينال الجليدية التي شهدت ذوبان كبيرا بعد صيف حار، الجزء الاعلى من المومياء الخارج من بين الجليد، وتبين ان الامر لا يتعلق بجثة شخص وقع ضحية حادث يعود الى سنوات قليلة بل بمومياء رجل توفي قبل 5100 سنة تقريبا لا تزال محفوظة بشكل ملفت، وقد سمي لاحقا اوتزي بسبب العثور عليه في وادي اوتز (اوتزتال)، والاكتشاف كان مثيرا للغاية، فهذه من اقدم المومياوات في العالم والاهم ان عملية التحنيط الطبيعية من خلال المياه والجليد الذي غطى الجثة سريعا بعد الوفاة، سمحت بالمحافظة على الجثة بشكل جيد جدا من خلال احتباس رطوبة الخلايا مما سهل الابحاث العلمية، فتبين علميا ان طول اوتزي كان بحدود 1،60 مترا ووزنه حوالى 50 كيلوغراما وهي قامة طبيعية في تلك الحقبة، كان شعره بنيا ومتموجا وكان على الارجح يرخي لحية، واشارت فحوصات الحمض النووي "دي ان ايه" اجراها خصوصا عالم الوراثة في توبينغن (جنوب غرب المانيا) كارستن بوش الى ان عينيه كانتا بنيتي اللون، وفي الذكرى العشرين لاكتشاف المومياء سينشر عالم الوراثة هذا معلومات جديدة حول اوتزي ولا سيما حول وضعه الصحي، يذكر ان مومياء اوتزي وتمثال يمثل اوتزي عندما كان على قيد الحياة موجودان في متحف الاثار في التو اديدجي في بولزانو (شمال ايطاليا) الذي يكرس حتى منتصف كانون الثاني/يناير معرضا موقتا حول المومياء عارضا اخر نتائج الفحوصات العلمية. بحسب فرانس برس.

وفي تموز/يوليو الماضي كشف الخبراء الذين حللوا محتوى امعائه ان اوتزي تناول لحم عنزة برية على الارجح قبيل وفاته التي حصلت في الربيع نظرا الى غبار الطلع الذي عثر عليه في جسمه، وعثر قرب المومياء على ملابس ومعدات ومؤن محفوظة بشكل ملفت ما يشير الى انه كان رجلا مهما على الارجح، وقد تأكد العلماء ان الرجل توفي من جرح تسبب به سهم اصاب كتفه الايسر واثار نزيفا قويا ادى الى موته السريع، الا ان التحاليل لم تكشف كل شيء بعد عن قصة هذا الرجل المشوقة الذي عاش في مرحلة ما قبل التاريخ، ولا يزال العلماء يتساءلون مثلا ما إذا كان قد توفي على مرتفعات اوتزتال او في مكان اخر وإذا ما كان قد دفن ام ل، وهذا الاكتشاف اثار حماسة في عالم الاحاثة لكنه اثار ضجة ايضا في المحاكم، فالى جانب الخلاف بين النمسا وايطاليا حول نسب اوتزي الذي عثر عليه على بعد عشرات الامتار من الحدود من الجانب الايطالي، فان الخلاف بين مقاطعة بولزانو الايطالية والزوجين الالمانيين استمرت لسنوات، واقرت محكمة ايطالية في 2000 ب "الحق الرسمي" لهلموت واريكا سيمون على الاكتشاف الا ان العائلة لم تتمكن الا في العام 2010 من الحصول على مكافأة قدرها 175 الف يورو.

جماجم متحجرة

فيما عثر على جمجمة متحجرة لـ"قرد كبير" (اوغاندبيتيكوس ماجور) تعود الى حوالى مليون سنة، للمرة الاولى على سفح بركان في اوغندا وعرضت في باريس من قبل مكتشفيها الفرنسيين، وسبق للفريق الذي يعمل في المنطقة منذ 25 عاما ان عثر على اجزاء من هذا القرد ساكن الاشجار الذي كان يعيش على سفوح بركان ناباك (شمال شرق اوغندا) لكنها المرة الأولى التي يقع فيها على جمجمة شبه كاملة وفي حالة حفظ جيدة، واوضحت بريجيت سينوت عالمة الاحاثة في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس حيث عرضت على الصحافيين هذا الاكتشاف الذي تم في 18 تموز/يوليو الماضي مع زملاء اوغنديين، "نعرف ان الامر يتعلق بقرد بالغ شاب لان انيابه قوية الا ان اضراسه الطاحنة ليس مستهلكة كثيرا"، وقال مارتن بيكفورد احد المكتشفين ان هذا القرد "عاش فعلا قبل مرحلة الانتقال بين القردة الكبرى الحالية والانسان"، وتبين للعلماء حتى الان ان في هذه الجمجمة تجويفات موجودة لدى قردة اورانغ-اوتان الحديثة وقردة اخرى كبيرة في منطقة الاورو-اسيوية وليس لدى الشامبانزه والغوريلا. بحسب فرانس برس.

جريمة قتل غامضة

بدورها أضافت بيانات جديدة المزيد من الغموض على لغز جريمة قتل جماعية عمرها 65 مليون عام، راحت ضحيتها الديناصورات على كوكب الأرض، فبحسب البيانات التي كشفتها وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا،" والتي جمعها برنامج "مستكشف المسح بالأشعة تحت الحمراء،" فإن هناك المزيد من الشك في نظرية أطلقت عام 2007، والتي حملت مسؤولية وفاة الديناصورات إلى شظايا كويكبات تسمى "بابتستينا،" تقع بين المريخ والمشتري، و"بابتستينا،" هذا كان كويكبا ضخما اصطدم بصخرة أخرى في الفضاء منذ ملايين السنين،  وتطايرت شظايا كل منها بحجم جبل في اتجاهات مختلفة، وافترض العلماء أن إحدى تلك الشظايا سقطت في خليج المكسيك، ما أدى إلى نهاية سلالة الزواحف على الأرض، غير ليندلي جونسون، الرئيس التنفيذي لبرنامج الأجسام القريبة من الأرض في ناسا قالت إن تلك النظرية الآن مستبعدة، مضيفة "مع ضوء الأشعة تحت الحمراء، كان برنامج المستكشف قادرا على الحصول على تقديرات أكثر دقة"، وضوء الأشعة تحت الحمراء هو إشعاع كهرومغناطيسي يحس به البشر على شكل حرارة، وعن طريق إعادة بناء ما حدث فعلا منذ ملايين السنين، تبين أن "بابتستينا" تفجر قبل نحو 15 مليون سنة من انقراض الديناصورات، ووجد العلماء شظايا "بابتستينا" لم تكن على ما يبدو في مكان قريب من مسرح الجريمة، لأنه من المرجح أن يستغرق وصولها إلى تلك المناطق في الفضاء ملايين السنين، وقاس فريق من العلماء حجم وكمية ضوء الشمس المنعكس من نحو 12 ألف كويكب، بما في ذلك 1056 كويكبا من مجموعة "بابتستينا،" لمعرفة كم من الوقت استغرق هذه الكويكبات للوصول إلى مواقعها الحالية. بحسب سي ان ان.

رسومات الكهوف

الى ذلك أظهر بحث جديد، أن الكبار في حقبة ما قبل التاريخ، كانوا يشجعون الأطفال من عمر ثلاثة سنوات على الرسم على جدران الكهوف قبل 13000 سنة مضت، والدراسة لجامعة كامبريدج تلقي ضوءا جديدا على حياة الأطفال والفن القديم الذي حققوه خلال فترة ما قبل التاريخ في مجمع كهوف "روفيغانا،" الفرنسية، المعروفة باسم كهف المائة ماموث.وفي حين أن الكهوف تشتهر برسومات تصور حيوانات مثل الماموث، والثيران، والخيول، ركز البحث الجديد على الآلاف من الخطوط التي صنعها الناس على طول الجدران الطينية في جميع أنحاء مجمع الكهوف الذي يبلغ طوله نحو خمسة أميال، واستطاع علماء الآثار في كامبريدج تحديد عمر وجنس الأطفال الذين قاموا برسم أشكال بسيطة معروفة باسم "آثار الأصابع، عن طريق قياس عرض الخطوط الغائرة، وتحديد الأصابع الثلاث الوسطى. بحسب سي ان ان.

وقال عالم الآثار في جامعة كامبريدج جيس كوني "لقد وجدنا علامات لأطفال تتراوح أعمارهم بين ثلاث وسبع سنوات، وكنا قادرين على تحديد أربعة أطفال عن طريق مطابقة بصماتهم"، وحقيقة أن علماء الآثار لم يجدوا مكانا واحدا في علامات غائرة تركها الكبار، توحي بأن هناك حدود قليلة بين البالغين والأطفال فيما يتعلق بالأنشطة في ثقافة عصور ما قبل التاريخ، وفقا لكوني، ولم يقتصر الأمر على جعل تشجيع الكبار للأطفال فنيا، إذ يقول كوني إن حقيقة العثور على علامات غائرة تركها الأطفال على سقوف بعض غرف الكهوف، تعني أن الكبار حفزوهم على ممارسة الفن، ورفعوهم إلى المناطق التي لم يتمكنوا من الوصول إليه، وأضاف يقول "بعض العلامات الغائرة التي تركها الأطفال كانت مرتفعة على الجدران وعلى السقوف، بحيث يجب أن يكون أحد ما قد حملهم ورفعهم كي يصلوا إلى تلك الأماكن، أو ربما تسلقوا على أكتاف شخص ما".

فستان يعود الى 5900 سنة

الى ذلك اعلن علماء آثار في ارمينيا انهم عثروا على بقايا فستان امرأة خيط قبل 5900 سنة تقريب، وقال مدير معهد الاثار والسلالات في الاكاديمية الارمنية للعلوم بافيل افيتيسيان "هو النموذج الوحيد المصنوع من القماش بهذا القدم"، وقد تم العثور على اجزاء من هذا الفستان المتعدد الالوان خلال حفريات في كهوف في جنوب ارمينيا الواقعة في منطقة القوقاز الجنوبي، وسبق هذا الاكتشاف، الاعلان عن اكتشافين في الفترة الاخيرة في المنطقة ذاتها تناولا حذاء جلديا قدم على انه الاقدم في العالم (5500 سنة) واقدم كرم عنب يعود الى 6100 سنة، وقد قام علماء في جامعة كاليفورنيا بتأريخ بقايا الفستان واعادوه الى ارمينيا للتو على ما اوضح افيتيسيان، واضاف "ما ان نتوصل الى جمع كل اجزاء الفستان سنتمكن عندها من معرفة كيف كانت ملابس النساء في القرن التاسع والثلاثين قبل المسيح"، واشار افيتيسيان الى احتمال التوصل الى اكتشافات اخرى قريبا خصوصا وان الحفريات في هذه الكهوف لا تزال في بداياته، وختم يقول "انا على ثقة ان الكثير من المفاجات بانتظارنا".بحسب فرانس برس.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/تشرين الأول/2011 - 11/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م