ظاهرة العنف المدرسي... سادية أم توجيه؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: ها نحن نبدأ عاما دراسيا جديدا، تثقل كاهله معوقات تربوية كثيرة، منها ما يُنسَب حدوثه للمؤسسة التعليمية الرسمية، ومنها ما يتحمل مسؤوليته، تأريخ متواصل من العنف المدرسي غير المبرر بأي حال من الاحوال.

قبل أيام دخل طفل صغير في السادسة من عمره، الى المدرسة، دخل هذا العالم الجديد الذي يتوجس منه الطفل، والذي لم يقتنع به إلا بعد محاولات إقناع شاقة من لدن الأب والأم، يخطو الطفل الى بواية المدرسة بتثاقل وخشية وتردد، إنه عالم لم يعتد عليه سابقا، حيث كان عالمه البيت فقط، وبعض الاطفال الصغار في الشارع القريب، أما الآن فهو يشق طريقا آخر، يختلف عن البيت وأطفال المنطقة التي يسكنها، فهناك مئات الاطفال في ساحة المدرسة، وعشرات منهم يتكدسون في صف، هو أحدهم، إنه يكاد يبكي من الخوف ويتلفت يمينا وشمالا، ضجيج الاطفال وغرابة الواقع الجديد تدفعه للهروب من المدرسة في يومه الاول.

إذن هو طفل صغير يُفاجأ بعالم جديد يجهله، لذا لابد أن تكون هناك علامات وكلمات وسلوكيات تطمئن الطفل، كي يتقبّل عالمه الجديد وينسجم معه، ولا أحد غير المعلم يستطيع أن يزرع بذور الامان والاطمئنان في عقلية الطفل، لكن أحد المعلمين يدخل الصف كالمارد العملاق، وهو يحمل هراوة كتلك التي يحملها (مكافحو الشغب) ويخطو في الصف وكأنه سلطان زمانه، فيما يحملق في عينيه ووجهه وجسده الطويل، أطفال صغار دخلوا هذا العالم الجديد (المدرسة) لأول مرة.

المعلم لسبب ما (مهما كان) يتقدم نحو الطفل، يأخذ كفّه الصغيره، ويفرد الاصابع الصغيرة ايضا ليضع قلم رصاص ما بين السبابة والبنصر من جهة والوسطى من جهة اخرى ويضغط على اصابع كف الطفل حتى يبكي بكاءا مريرا متواصلا، يعود الطفل الى أهله مصابا بكآبة واضحة، ومصدوما في أول يوم بعالمه الجديد، أما المعلم فهو لا يفكر ولا يعرف بل ولا يخطر في باله، أنه بهذه العقوبة وضع أول لطخة سوداء في الصفحة البيضاء لرحلة الطفل الطويلة مع الحياة.

لم يفكر المعلم أن هذا الطفل هو قاعدة المجتمع المستقبلية، ولا يعرف أنه بعقوبته لهذا الطفل، قد يصنع إنسانا قاسيا أو ضعيفا خائفا، فصناعة إنسان مختّل من هذا الطفل واردة جدا، وبهذا يكون المجتمع قد فقد جزءا من قاعدة بنائه الرصينة، وقد يتكرر هذا الاسلوب التربوي (السادي) مع طفل آخر وآخر، وهكذا بدلا من أن يسهم التعليم بصناعة شخصيات حيوية فاعلة لمجتمع حيوي فاعل، فإنه – التعليم والمعلم- من دون أن يقصد، يسهم في بناء مجتمع ضعيف متردد خائف، أو قاسي قد يتحول الى طاغية، وفي كلا الحالتين، فإن بعض المعلمين قد يشترك في صناعة مجتمع معقّد مريض، بدلا من أن يصنع مجتمعا حيويا مستقرا متطورا.

إن السلطة الابوية التي ترافق الطفل في مراحله المبكرة في البيت، ثم تتجدد بصورة أقوى في المدرسة -المرحلة الابتدائية- غالبا ما تمسخ شخصية الطفل، لأنها تفشل في الموازنة بين أهمية التربية المتوازنة، وعدم استخدام العنف مع الاطفال، لذا فإن العنف المدرسي بجميع أشكاله وأساليبه، مرفوض تماما، والسبب أنه يسهم بترسيخ الضعف والخوف والتردد والقسوة في شخصية الطفل.

المطلوب بوضوح تام، أن يبتعد المعلمون عن منهج العنف بصورة قاطعة، وأن يتم توجيه الطلاب وتعليمهم والسيطرة على المشاغبين منهم بأساليب بعيدة عن العنف المتوارث عبر الاجيال، وأول خطوة في ذلك هو منع العصا تماما وإخراجها من المدارس كليا، وذلك بقرار قطعي وواضح وملزم من لدن وزارة التربية او الجهة المعنية بذلك، إذ يُمنع على المعلمين كافة حمل الهراوة او اي نوع من انواع العصا، على أن تقوم الجهات المعنية ايضا بإدخال المعلمين في دورات متواصلة لتدعيم المنهج التربوي، سواء داخل البلد او خارجه.

لا بأس أن نأخذ من تجارب الدول الاخرى في هذا المجال، كما أننا ينبغي أن لا نتغاضى عن الدور المهم للاسرة في هذا المجال، إذ لابد أن يكون الطفل متوازنا في سلوكه، ومنضبطا، لاسيما أن قلة المدارس تتسبب بوضع عشرات الطلاب الصغار في صف واحد، فيكون العدد أضعاف ما يستوعبه الصف، لهذا السبب تصبح عملية التعليم صعبة إن لم نقل مستحيلة، بسبب زحام الطلاب، لتزداد فرص الشغب والضجيج الى اقصاها.

ولكن يبقى العنف من لدن المعلمين تجاه الاطفال غير مبرر، ولا مقبول، مهما كانت الدواعي لذلك، ولابد من انتهاج اساليب بديلة اكثر تحضرا، وإسهاما في صناعة شخصية متوازنة، تسهم في صناعة مجتمع منتج مستقر، ومتطور في آن، وهنا يتأكد لنا أن المعلم ودرجة ثقافته ووعيه، هو أول العوامل التي تحد من العنف ضد الطلاب الصغار، ثم يأتي دور القوانين والضوابط التي تحد من هذا الاسلوب الذي أكل عليه الدهر، كي نضمن مجتمعا منتجا ومتوازنا في الحاضر والمستقبل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/تشرين الأول/2011 - 11/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م