الحرية في الإسلام وطغاة العصر الراهن!

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: يفسر لنا سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) مفردة ومعنى الطاغوت، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الحرية في الاسلام) موضحا بأن (الطاغوت من الطغيان وهو التجاوز عن الحدّ)، والحد هنا هو حد الله تعالى، والذي تتفرع منه جميع الحدود المتعارف عليها، في أحكام الشرع، وفي السنن والاعراف والاخلاق المتفق عليها عموما.

ولا ينحصر التحجيم وكبت الحريات، على أفعال الناس وأعمالهم المحتلفة، بل هناك طغيان فكري، يرفض الفكر الواعي المتحرر ويقارعه، كونه يقف الى جانب السلطان، ويؤازره في انتهاكاته ضد الشعب، متجاوزا بذلك حدود الله تعالى، يقول  سماحة المرجع الشيرازي  في كتابه المذكور بهذا الخصوص: (يستعمل الطغيان في الفكر أيضاً، ويراد به عادةً المناهج المنحرفة عن سبيل الله تعالى، ومن هنا تُطلق كلمة الطاغوت على مَن كان في قمة الفكر المنحرف).

جرائم الطغاة

فالحاكم الطاغية هو كل من حاول التجاوز على الحدود المتعارفة، والمتفق عليها، ضمن الضوابط الدينية والعرفية والاخلاقية، أما بخصوص السياسة، فهناك حريات وحقوق وواجبات، تدركها الدساتير لتنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، شريطة أن تحظى بالقبول الشعبي الواعي، وما عداها فهي دساتير شكلية، يدبجها كتَبَة الحكام الطغاة، كغطاء لجرائمهم البشعة ضد شعوبهم.

والتجارب التي لا تزال ساخنة، تؤكد لنا أن الحكام الطغاة لا يعترفون بالدستور، ولا بالحريات الفردية او الجماعية، ودائما يعتقدون بأنهم على صواب، حتى لو أدت قراراتهم الفردية الى الخراب الشامل لحياة الشعوب، هذا ما قام به طغاة الغرب والشرق، فلم تخلو جهات الارض منهم على مر التأريخ، فهذا (لينين لينين ـ رئيس جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وأمين سرّ الحزب الشيوعي السوفيتي ـ يقتل ويشرّد وحده في عصر الحرية والتقدّم خمسة ملايين إنسان من أجل تطبيق مادّة قانونية واحدة من قانون المزارع الجماعية في الاتّحاد السوفياتي السابق!!) كما يذكر لنا سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه.

لا إكراه في الدين

من ناحية أخرى، ليس هناك حالة إكراه في الدين الاسلامي، ولا ينبغي أن تكون، إذ يذكر لنا سماحة المرجع الشيرازي، في كتابه (الحرية في الاسلام) قائلا بهذا الصدد: (من أصول الإسلام المسلّمة والمؤكّدة مسألة حرية اختيار الدين؛ قال تعالى: لا إكراه في الدين). أما الحال مع طغاة العصر فهو يختلف تماما، هناك مسار واحد يفرضونه على الشعوب، وهو أن تسير الناس في طريقهم ومسارهم، من دون رأي أو صوت معارض، وإلا فإن القصاص، أرواحهم وأملاكهم وأبناءهم، وبهذا تنتهك الحريات أيما انتهاك، وتصادر الآراء أيما مصادرة، بينما في الاسلام والحكومات الاسلامية التي خلدها التأريخ في حلقاتها المشرقة، لا تجاوز على حرية الفرد، يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على هذا الجانب قائلا: (ليكن معلوماً ـ قبل كلّ شيء ـ أنّ الإسلام وحده هو دين الحرّية. فحتّى المدارس والمبادئ الأخرى التي ظهرت منذ قرون وما زالت ترفع شعار الحرّية لا واقع للحرية فيها سوى الاسم. أمّا الإسلام فهو دين الحريات مبدأً وشعاراً، وقولاً وعملاً).

أنت حر في الاسلام

لهذا لا يعترف الاسلام، بالحكام الذين يتجاوزون على الحريات، ويضربون حولها الاسوار الشاهقة، إذ يرى الاسلام، أن الوضع الطبيعي لحركة الناس، والاشياء، والحياة برمتها، ينبغي أن تحكمه الحرية، شريطة عدم الاضرار بالغير، يذكر لنا سماحة المرجع الشيرازي، حول هذا الموضوع في كتابه نفسه: (يقول الإسلام: اعمل ما تشاء، فلك حرية العمل شريطة أن لا تضرّ غيرك).

وهكذا يمكن أن تنتظم الحياة، وفقا لهذا القانون الاسلامي، لتصبح حاضنة ملائمة للفرد والجماعة، بل لشعوب العالم أجمع، لتعيش في اجواء الحرية، التي لايحكمها حاكم او طغيان، سوى شرط لا يرفضه عاقل، وهو أن لا تضر غيرك عندما تمارس حرياتك المتعارف والمتفق عليها.

بل ينبئنا التأريخ، أن النبي الاكرم -صلى الله عليه وآله وسلم-، وهو قائد الدولة الاسلامية في نشأتها الاولى، قدم انموذجا للقائد المتحرر والمتسامح مع الجميع، حتى مع أعدائه الذين ظلموه، وتجاوزوا عليه وعلى ذويه واصحابه الاطهار، إذ نقرأ في كتاب المرجع الشيرازي بهذا الصدد: (هكذا روى التاريخ عن سلوك نبينا صلى الله عليه وآله: يحاربه قومه مع ما يعرفونه من صدقه وأمانته ونبله وكرم أخلاقه، بمختلف أنواع الحروب القاسية ويطردونه من موطنه ومسقط رأسه، ثم يتركهم أحراراً وما يختارون من دين وطريقة حياة؟!).

نموذج الحاكم الاسلامي

ويتكرر منهج التحرر، في حكومة علي بن أبي طالب –عليه السلام-، فنجد النموذج الامثل للحاكم الذي يرعى شعبه، ويساعدهم على معرفة حقوقهم والعمل بحرياتهم، بعيدا عن القسر والظلم والاجبار، تحت ضغط المصالح السلطوية، التي غالبا ما تعمي بصيرة الطغاة، بل التسامح والنصح والتوجيه يشمل حتى المعادين للحكومة الاسلامية، وهنا تتضح بجلاء تام أجواء الحرية، التي كانت تعم العلاقات المتبادلة بين الحكومة والشعب او الافراد، فهم احرار في آرائهم تماما، ما لم يلجأوا الى القوة والسيف.

يذكر لنا سماحة المرجع الشيرازي، قائلا في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (ها هو الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه قد كان مبتلىً بأشخاص ذوي نفسيات وضيعة تردّ عليه وتقطع كلامه وتجادله بالباطل بل حتى تتطاول عليه، وهو مع ذلك لا يأمر بقتلهم وسجنهم ونحو ذلك، وهو الحاكم الأعلى الذي بايعته الأمّة قاطبة ناهيك عن كونه مُنَصّباً من قِبل رسول الله صلى الله عليه وآله وبأمر من العليّ القدير، بل كان يجيبهم ويترك لهم حريّة العقيدة ما لم يتآمروا ويلجأوا إلى استعمال القوّة والسيف).

الحق وطغاة العصر

على خلاف ذلك، ينحرف الطغاة عن جادة الحق، وهم يعرفونه حق المعرفة، لكنهم يتمسكون بالباطل، تحت ضغط اطماعهم، ومصالحهم ونفوسهم المصابة بالضعف والهوان، وهم يعطون بذلك صورة واضحة عن قمع الحريات ومصادرة الآراء، حماية لعروشهم التي ستهتز وتسقط عاجلا أم آجلا، كما تخبرنا بذلك أحداث التأريخ والوقائع الحاضرة أيضا.                                     

ومع ذلك ينسى طغاة العصر أو يتناسون، مصيرهم الذي ينتظرهم، فهم مهددون بالسقوط في الدنيا، ومحاسَبون على جرائمهم في الآخرة، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص:  (إنّ من عرف الحقّ ولم يترك الباطل فإنّ مصيره يوم القيامة إلى جهنّم وبئس المصير. أمّا في الدنيا ف‍ـ ـ لا إكراه في الدين- ليتمّ الامتحان ويُعرف الطالح من الصالح، ويُميّز الخبيث من الطيّب).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/تشرين الأول/2011 - 8/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م