مما لا شك فيه أن التراث الذي تركه المرجع الراحل السيد محمد
الحسيني الشيرازي لا يزال بحاجة إلى مزيد من الكشف والتحرير حتى يتعرف
العالم على هذه الشخصية العظيمة وما قدمته للبشرية من نتاج إنساني،
وحتى نساهم في تعريف الإسلام بصورة جاذبة تعيد صياغة الصورة الذهنية
النمطية عن الدين الإسلامي التي كان لبعض المسلمين - وللأسف - دور في
ترسيخها واستشرائها من حيث أرادوا أو لم يريدوا.
إن العمل على تظهير تراث الإمام الشيرازي من خلال الشرح والبسط
والتنقيب واستخراج النظريات واستلهام الرؤى والمدارسة والنقد وغيرها من
الأدوات ستشكل نوعا من الوفاء لصاحب العطاء الثر الذي انغمس في الحبر
انغماسا لا نكاد نجد له نظيرا.
لقد ساهم العديد من تلامذة الشهيد محمد باقر الصدر بعد رحيله في
التعريف بنتاجه المعرفي الفلسفي والفقهي والأصولي، مما أثرى الساحة
وأظهر للمهتمين والعالم إبداعات وابتكارات هذا العالم الفذ، كما هو
الحال في المنطق الذاتي ونظرية التزاحم الحفظي وغيرهما؛ وهذا ما نريده
أن يتحقق لنتاج السيد الشيرازي.
واحدة من أبرز المفردات التي ينبغي التركيز عليها في الخطاب الفكري
للسيد الشيرازي هي إنسانية ذلك الخطاب مما يجعله صالحا للنشر عالميا
وبكل اللغات. فالإنسان بما هو إنسان حاضر بقوة في مجمل نتاجاته. يقول
في كتابه «الصياغة الجديدة»: إن الإنسان يعيش على مفترق ثلاثة طرق
«أنا» و«نحن القوم أو العشيرة أو الوطن» و«نحن البشر»، ومن المعلوم أن
الإنسان ـ بحكم العقل والمنطق ـ يجب عليه اتباع الطريق الثالث، فإن
«أنا» وما يشتق منه «الأنانية» أفق ضيق إلى أبعد حد و«نحن الوطن أو
القوم أو ما أشبه» أيضاً أفق ضيق، وإن كان أوسع من الأفق السابق. أما
«نحن البشر» فإنه يعبر عن آفاق إنسانية واسعة رحبة.
وعندما يتحدث عن حدود العمل الإسلامي يقول: "لا حدود لعمل الحركة
«الإسلامية»، فهي تتحمل مسؤولية الإنقاذ أينما استوجب ذلك، فبالإضافة
إلى العمل الدؤوب الذي تقوم به الحركة باتجاه إقامة حكومة المسلمين
الواحدة، فهي تدافع عن حقوق الإنسان - كل إنسان - وتمد يد النصرة لجميع
مستضعفي العالم، وهذه المسؤولية شرعية وعقلية وعاطفية مع عدم وجود ما
يمنع ذلك".
ويظهر ذلك جليا في ثلاثيته التي كتبها نشدانا للتغيير، وهي «الصياغة
الجديدة، السبيل إلى إنهاض المسلمين، ممارسة التغيير»، كما يظهر أيضا
في كتبه الأخرى ذات المواضيع التي تهم الإنسان بشكل عام كالحرية
والعدالة والشورى مثلا.
وأعتقد أن لنظرته الإنسانية انعكاسا ما على مستوى الفتوى، وهو ما
يحتاج بالفعل إلى دراسات معمقة في هذا الصدد. وربما نستشهد لذلك «احتمالا»
بمخالفته للمشهور في مسألة المرتد الفطري حيث لا يرى فرقا بينه وبين
المرتد الملي من حيث ارتفاع الحكم الوضعي أي القتل عنه بعد التوبة،
ومخالفته المشهور أيضا في جواز أخذ الجزية من الكافر وليس الكتابي فقط.
لقد آن الأوان خصوصا مع حلول الذكرى العاشرة لرحيله أن يقوم تلامذته
خصوصا بالمساهمة الإيجابية في نشر فكره الإنساني الذي نرى بأن البشرية
أحوج ما تكون إليه. |