الأمية والتعليم... محنة العالم المتحضر

سباق حواجز وأجيال مضيعة

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: إن معركة التعليم ضد الجهل والتخلف والأمية والتي تدور لضاهى في صفوف الدراسة وأروقة المؤسسات والمعاهد والجامعات، ومنابر التعليم الأخرى، وتحت رحمة "أنظار المسئولين" وقراراتهم الحكومية في منح المنظومة التعليمية دفعة ترفدها بالحياة والتطور والرقي، أو إجهاضها وسلب روحها عبر تسييسها وطبخها في مطابخ "القائد الأوحد" لتبدوا مسخاً يمجد لراعي الجهل، وهو يرتدي حلة الدفاع عن العلم ومكافحة الجهل، ما زالت تراوح مكانها في بعض البلدان النامية "وخصوصاً بلدان الشرق الأوسط" برغم مرور عقود من الزمن على ارتفاع مستوى التعليم العالمي وتجاوز عشرات الدول عقبة الأمية بين مواطنيه، وبحسب أخر الإحصائيات الرسمية والصادرة من المنظمات الدولية، ويبدوا إن سياسة التعليم في العالم العربي قد تأثرت سلباً جراء الأحداث والتغيرات التي تمر بها والتي زادت من واقع بؤس التعليم فيه أسوة بالدول الأخرى.

الأمية تجتاح العراق

اذ كشفت عضو لجنة التربية والتعليم بالبرلمان العراقي النائب منى المعموري عن وجود مابين 5 الى 6 ملايين امي في العراق حاليا محذرة من تفشي ظاهرة تسرب التلاميذ من المدارس بسبب الظروف المعيشية والاجتماعية والامنية، وقالت المعموري، وهي نائب في كتلة التحالف الوطني الذي ينضوي ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي في تصريح، ان "أسبابا امنية واقتصادية واعراف اجتماعية تقف خلف تفشي ظاهرة الامية في العراق حاليا"، واضافت " هناك ما بين خمسة الى ستة ملايين امي في العراق حاليا غالبيتهم من النساء، يتركز معظمهم بالريف بسبب الأعراف الاجتماعية السائدة" هناك، واعتبرت أن هذه الارقام كبيرة جدا، مشيرة الى ان لجنة التربية والتعليم بمجلس النواب تناقش امكانية تطبيق قانون محو الأمية بعد نقاشات مع الجهات التربوية المعنية، واعترفت بتعثر الواقع التعلمي في العراق بشكل كبير انطلاقا من بناء المدرسة غير اللائق وانتهاء بالطالب نفسه، وكانت وزارة التخطيط العراقية أعلنت مؤخرا عن احصائية شاملة اظهرت ان عدد سكان البلاد تجاوز الـ31 مليون نسمة. يونايتد برس.

لبنان وخطوة نحو الامام

على صعيد مختلف وقبل سبع سنوات، بدأت خديجة أسعد تحفيظ القرآن الكريم للفتيات في قرية وادي جاموس اللبنانية النائية في منطقة عكار، بالمحافظة الشمالية دون أن تكون لديها أدنى فكرة عن مدى تأثير هذه المبادرة على مجتمعها الفقير في نهاية المطاف، وقد تحدثت عن تجربتها قائلة "اعتدت القيام بذلك في المنزل، وبعد أن زاد عدد النساء الأميات في وادي جاموس اللواتي قصدنني لتعليمهن القراءة، ذهبت لرؤية رئيس البلدية خضر عبد القادر عكاري، الذي خصص لنا غرفة في مبنى البلدية، وبدأ عددنا يكبر شيئاً فشيئ، تعرفت على مسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية في عكار، وحضرت دورة تدريبية لتعليم البالغين الأميين، وحصلت على بعض الكتب لاستخدامها في التدريس"، لم تتلق خديجة أي تعليم جامعي أو ثانوي، بل تعلمت القراءة فقط في المدارس الابتدائية، ومثل معظم الفتيات في قريتها، تزوجت في سن مبكرة، وقضت معظم وقتها في المنزل، وتبلغ خديجة الآن 42 عاماً ولم تصبح أماً بعد مما ولَّد لديها، حسب قولها، شعوراً بالعار في هذا المجتمع الريفي التقليدي وجعلها تسعى لتحقيق شيئ أكبر لنفسها ولنساء القرية، وقد كان هذا ما دفعها للتفكير في تأسيس منظمة غير حكومية في عام 2008 تحت اسم "جمعية الأسوة الحسنة"، وتحدثت خديجة عن هذه التجربة قائلة "لقد غيرت حياتي كلها وحياة النساء اللواتي لم يكن قادرات على القراءة قبل الالتحاق بالفصول الدراسية بالجمعية، إن حياة النساء صعبة للغاية في هذه المنطقة، فهن يقضين وقتهن في العمل في المنازل أو في الحقول، ولكن عندما تتعلم الفتاة كيف تقرأ، فإنها لا تقتصر فقط على الذهاب لقطف الزيتون في الحقول، بل تتغير آفاقها ويصبح بإمكانها القيام بوظائف أخرى داخل منزلها مثل الخياطة أو تصفيف الشعر أو التخصص في التجميل". بحسب ايرين.

وافتتحت خديجة أخيراً ورشة خياطة للمساعدة في تمويل برنامج محو الأمية وتقديم فرص للمزيد من نساء القرية للعمل خارج المنزل، وساعدها في ذلك أحد أشقائها الذي تبرع لها بالمكتب، وقد قامت جمعية الأسوة الحسنة  حتى الآن بتدريب 120 فتاة وإمرأة في القرية على القراءة، وفي نهاية عام 2009، زار وفد من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) القرية لتقييم مشاريع خاصة برعاية الطفل، وقرر الوفد مساعدة خديجة على إطلاق مبادرة لبيع الملابس المنتجة في ورشتها، مقابل استخدام العائدات لتمويل دورات خاصة للطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلم، وبعد عدة أشهر، التقت خديجة بلوكا بابيني، وهو مصور إيطالي يعمل في نيويورك وكان في مهمة في لبنان لصالح شركة الجينز التركية أورتا بلو، وبعد أن سمعت أورتابلو عن المشروع من بابيني، قررت الدخول في شراكة مع خديجة لتنفيذ مشروع جديد يتيح للنساء العاملات في جمعية الأسوة الحسنة تصنيع الزي المدرسي للأطفال في أفريقي، وتبرعت الشركة بـ 12 ماكينة خياطة جديدة وزودت النساء بقماش الجينز لتصنيع الزي المدرسي، وتم التبرع ببعضه لتلاميذ المدارس في القرية، وستقوم النساء خلال هذا الصيف بخياطة الزي المدرسي للطلاب في سيراليون، وتعلق خديجة على ما حققته قائلة "ليس لدي أطفال ولكنني أعرف أن ما أقوم به قد غير مجتمعي نحو الأفضل، إن الناس يعتبرونني أسوة لهم الآن، ومنذ أن بدأت العمل، وأنا أشعر بأنني بدأت حياة جديدة، فقد كنت أشعر بملل فظيع قبل ذلك.

ألمانيا تساعد مدارس غزة

من جهتها أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة "أونروا" أن ألمانيا قدمت تبرعا لها بقيمة 8ر2 مليون دولار لصالح برنامج التغذية المدرسي التابع للمنظمة الدولية، ونقل بيان صادر عن أونروا عن فيليبو جراندي المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة، تعبيره عن امتنانه لحكومة وشعب ألماني، وأضاف جراندي أن "هذا التبرع يعد جسرا بين الفئات الأكثر تهميشا في غزة وبين العالم الخارجي، إن برامج التغذية المدرسي التابعة لنا تعمل على توفير مصدر تغذية ورفاه يحتاج بشدة لهما الجيل القادم في أكثر من 200 مدرسة تابعة للأونروا في مختلف أرجاء قطاع غزة"، وفي حفل التوقيع، قال جوتس لنجنتال رئيس مكتب التمثيل الألماني لدى السلطة الفلسطينية "أشعر بالسعادة لقيام ألمانيا بالتبرع لبرنامج التغذية المدرسي، حيث أن الغذاء الصحي يشجع عملية التحصيل الأكاديمي"، وأضاف "أن الدلائل تثبت أن التغذية المناسبة تساعد الطلبة على التركيز في تحصيلهم المدرسي وعلى المداومة على الحضور للمدرسة يوميا، وإنني أعتقد وبقوة بأن التعليم الجيد هو واحد من أكثر الاستثمارات أهمية واستدامة لمستقبل جيد في فلسطين"، وستبلغ التبرعات الألمانية للأونروا في عام 2011 مبلغا يقترب من 26 مليون دولار، بما في ذلك مبلغ أربعة ملايين دولار من أجل إعادة بناء المدارس، وتقوم الأونروا بمساعدة ما يزيد عن مليون لاجئ فلسطيني في أرجاء قطاع غزة من خلال برامج التربية والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية وبرامج الطوارئ الأخرى، وكانت الأونروا وجهت مؤخراً مناشدة لتقديم مساعدة طارئة وعاجلة لها بقيمة 36 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الطارئة لقطاع غزة، وتعمل الأونروا في منطقة الشرق الأوسط على تقديم المساعدة لما يقارب خمسة ملايين لاجئ مسجلين لديها. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

التحول للغة العربية

من جهتها حظرت جماعة الشباب الصومالية تعليم اللغة الانجليزية في المدارس بمدينة كيسمايو الساحلية بجنوب البلاد التي تسيطر عليها وطالبت المعلمين بتعديل المناهج الدراسية لتشمل تدريس اللغة العربية والدراسات الاسلامية، ويظهر هذا التطور الاخير التباين بين المتمردين المتحالفين مع تنظيم القاعدة العازمين على فرض قوانين صارمة في المناطق التي يسيطرون عليها وبين قادة الصومال الذين وافقوا على اجراء انتخابات العام القادم حتى رغم عدم سيطرة الحكومة المدعومة من المجتمع الدولي على اي منطقة تقريبا خارج العاصمة، وتأتي التعليمات الجديدة الخاصة بالمدارس بعد ايام من اوامر اصدرها المتمردون الى اصحاب الشركات والمتاجر في ضواحي مقديشو بازالة الملصقات واللافتات المكتوبة باللغتين الانجليزية والصومالية واستبدالها بلوحات مكتوبة بالعربية، وقال معلمون في كيسمايو ان حركة الشباب امرت بتغيير المناهج الدراسية من بداية الشهر بعد اسبوع من الاجتماعات بين الجانبين، وقال محمود علي مدير مدرسة (محمد جاماك) الابتدائية والثانوية في كيسمايو "تعودنا على تدريس المناهج الكينية والسودانية والماليزية باللغة الانجليزية للطلاب حتى يستطيعوا استيعاب المواد عندما يلتحقون بالجامعة"، واضاف قائلا "لكن الان لا نستطيع التدريس لان علينا تغيير كل شئ بما في ذلك معلمينا الذين معظمهم من كينيا ولا يتحدثون العربية، وقد اعتدنا تدريس الادب الصومالي للطلاب، لا نعرف ماذا نفعل الان"، وتوجد نحو ست مدارس ثانوية في مدينة كيسمايو الساحلية تدرس المناهج باللغة الانجليزية بينما اغلب المدارس الابتدائية تدرس بالفعل باللغة العربية، وسعت حركة الشباب في الماضي الى تجنيد اطفال المدارس للانضمام الى حرب مقدسة ضد الحكومة الصومالية وحلفائه، وحظرت بالفعل تدريس اللغة الانجليزية والعلوم في اجزاء أخرى من جنوب الصومال، وفي بيان على موقع الحركة بالانترنت قال المتشددون انهم اقدموا على هذه الخطوة لانهم شعروا ان الطلاب يتعلمون قيما في المناهج المسيحية والهندوسية يقولون انها تخالف مبادئ الشريعة الاسلامية، وتعيش الصومال في حالة عدم استقرار منذ اطاحة امراء الحرب بالدكتاتور محمد سياد بري في عام 1991، وأودى القتال بحياة أكثر من 21 الفا منذ بدأت حركة الشباب عملياتها المسلحة في عام 2007. بحسب رويترز.

إعادة العصا إلى المدارس

من جانب آخر أظهر استطلاع جديد للرأي، أن نصف البريطانيين تقريباً يؤيدون إعادة استخدام العصا في المدارس، ووجد الاستطلاع أن خمس الأطفال البريطانيين يؤيدون أيضاً عودة العقاب البدني لمحاسبة الطلاب المشاغبين، وأن معظم الآباء والتلاميذ، على حد سواء، يؤيدون منح المعلمين صلاحية التعامل بقسوة مع الأطفال سيئي السلوك، وقال إن 93٪ من الآباء والأمهات و68٪ من الأطفال يعتقدون أن المعلمين بحاجة إلى التمتع بالمزيد من الصلاحيات في الفصول الدراسية، فيما يؤيد 91٪ من الآباء والأمهات و62٪ من الأطفال السماح للمعلمين بأن يكونوا أكثر صرامة حين يتعلق الأمر بالانضباط، وبيّن الاستطلاع أن 40٪ من أولياء الأمر، و14٪ من التلاميذ أيدوا استخدام العصا أو الصفع لمعاقبة الطلاب المشاغبين، فيما عارض هذا الإجراء 53٪ من أولياء الأمر و77٪ من الأطفال، وأشار إلى أن طرد الطلاب من صفوف الدراسة كان الطريقة الأكثر قبولاً في التعامل مع عدم الانضباط، واختاره 89٪ من أولياء الأمر و79٪ من الأطفال. بحسب يونايتد برس.

الكمبيوتر في المناهج الدراسية‏

الى ذلك أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة «مايكروسوفت» العملاقة للبرمجيات أن غالبية الطلاب والآباء والمعلمين في ألمانيا يرون أن تعلم سبل التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت ينبغي أن يكون جزءاً من المناهج الدراسية، واستطلعت الشركة آراء الطلاب حول هذا الشأن عبر الإنترنت وإحدى المجلات الشبابية، وسلمت «مايكروسوفت» المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، قائمة تضم 1500 رغبة حول هذا الأمر في معرض «سيبيت» الدولي لتكنولوجيا المعلومات بمدينة هانوفر غرب ألماني، كما أيد تلك المطالب استطلاع آخر أجراه معهد «تي.إن.إس» لأبحاث السوق، حيث أظهر الاستطلاع أن نحو 98٪ من التلاميذ و90٪ من الآباء ينتظرون أن يحصل التلاميذ على المعرفة المهمة بالكمبيوتر والإنترنت في المدارس، كما يرى 95.7٪ من المعلمين أن المدارس ملزمة بتدريب التلاميذ على تلك المهارات، حتى يكونوا قادرين على مواجهة تحديات المستقبل، وتبين من خلال الاستطلاع أن 86٪ من المعلمين يرون أن الإلمام بالكمبيوتر والإنترنت أهم من تعلم الأدب الكلاسيكي، مقابل 66.4٪ من الآباء والتلاميذ، في المقابل لايزال 61٪ من الطلاب في المدارس الألمانية لا يستخدمون الكمبيوتر والإنترنت في المدارس بشكل منتظم، ويعتبر 92.4٪ من المعلمين تلك الوسائل الإعلامية الجديدة مناسبة لزيادة الدافع لدى التلاميذ على التعلم. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

المطالبة بمجانية التعليم

من جهتهم خرج نحو 100 ألف طالب في شيلي في مسيرة اخترقت شوارع وسط العاصمة سانتياجو للمطالبة بمجانية التعليم وتحسين جودته، واشتبك مئات الأشخاص الملثمين مع الشرطة بالقرب من القصر الرئاسي حيث قاموا بتخريب الممتلكات الخاصة وإحراق إحدى السيارات، وأدان وزير داخلية شيلي رودريجو هينزبيتر هذا العنف الذي ربطه بالحركة الطلابية، وقال هينزبيتر "ليس الطلبة فقط هم من لهم حقوق، كل مواطني شيلي أيضا لهم حقوق، حان الوقت للطلبة كي يعيدوا النظر في مواقفهم، إنهم يدعون إلى مسيرات لا يستطيعون السيطرة عليها"، ونأى قادة الاحتجاجات الطلابية بأنفسهم عن هذا العنف، وقالت كاميليا فاليو، زعيمة طلابية باحدى الجامعات في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" "هؤلاء ليسوا نحن"، وخارج العاصمة، خرجت مسيرات مشابهة في فالبارايسو وكونسبثيون ولا سيرينا وكوبيابو، وفي وقت سابق، سار المتظاهرون بجوار مدرسة "داريو سالاس" حيث يضرب ثلاثة من القصر عن الطعام منذ 21 يوما تأييدا لمطالب الطلبة، اضافة إلى 29 من اطفال المدارس يضربون عن الطعام في كل انحاء شيلي، وبدأت احتجاجات الطلبة في شيلي قبل عدة أشهر وأدت بالفعل إلى تغيير أحد الوزراء في حكومة الرئيس سباستيان بينير، وتقوم معظم المدارس وكل الجامعات في شيلي بتحصيل رسوم شهرية، واعتقل حوالي 900 شخص وأصيب 90 ضابط شرطة خلال احتجاجات الطلبة الأخيرة، وخلال الأشهر الأخيرة، خرج مئات الآلاف إلى الشوارع تأييدا للحركة الطلابية التي اجتذبت احتجاجاتها أكبر عدد من المتظاهرين منذ انتهاء نظام الحكم الديكتاتوري العسكري في البلاد عام 1990. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

التجربة الماليزية

في السياق اته فان العلم نور يضيء طريق الأمم نحو التقدم والرقي، حقيقة يعلمها الجميع، فالدول المتقدمة في العالم كله لم تصل إلي ما وصلت إليه إلا عن طريق الاهتمام بالتعليم، وتوفير كافة الإمكانيات اللازمة له، ولأننا في مصر أهملنا التعليم طوال الثلاثين عاماً الماضية، واكتفينا بترديد عبارة «التعليم كالماء والهواء» دون العمل علي تفعيلها حقاً، وبالتالي أصبح لدينا تعليم هش، غير قادر علي بناء مجتمع ومن هنا تطورت كل الأمم من حولنا، بينما بقيت مصر في محلها بل تم تصنيفها ضمن دول العالم النامي وظلت هكذا، رغم أن هناك دولاً عديدة كانت معنا في نفس هذه المكانة، إلا أنها استطاعت أن تعبر هذه المرحلة، وتتقدم بفضل الاهتمام بالتعليم مثل ماليزيا التي كانت تمر بظروف مشابهة كما تمر به مصر، إلا أنها نجحت بفضل تجربتها الرائدة في الاهتمام بالتعليم أن تتقدم وتصبح واحدة من الدول المتقدمة، وفي بداية الألفية الجديدة بدأ اسم ماليزيا يلمع كالذهب وبدأ العالم كله يتحدث عن المارد الآسيوي الذي أصبح واحداً من أقوي النمور الاقتصادية التي يشار إليها بالبنان، ومن هنا بدأ البعض في دراستها دراسة واعية، تهدف إلي كشف سر هذا التحول الرهيب في وضعها الاقتصادي والتنموي، وكان السر وراء كل هذا هو التعليم، فالدولة لم تنم اقتصادياً بدون تعليم جيد، وهذه كانت هي الحقيقة التي وعاها جيداً مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي وبدأ بها في بناء دولته التي يباهي بها الأمم، خاصة أنها كانت تمر بظروف مماثلة لما تمر به مصر الآن، ولكن رئيس وزرائها الذي كان يحبها فعلاً، وكان له رؤية حقيقية لتطوير بلاده ونهضتها تمكن بالفعل من تحقيق هذه الرؤية، وكان التعليم من أهم وسائله لتحقيق هذه الرؤية التي نجحت في نقل ماليزيا من مصاف الدول النامية إلي الدول المتقدمة.

فحينما تولي مهاتير محمد رئاسة وزراء ماليزيا عام 1981 كانت دولة فقيرة يعيش حوالي 25٪ من سكانها تحت خط الفقر، ولكنه قرر إحداث نقلة حقيقية في بلاده، ومن هنا وضع خطة لتطويرها وتنميتها اعتمدت علي ثلاثة ركائز أساسية هي، وحدة البلاد، وتجنب الصراعات، والخلافات بين السكان الذين ينقسمون لثلاثة فئات وهم: المالايو ويمثلون 58٪ من السكان، والهنود 7٪، والصينيين 24٪، أما الركيزة الثانية، فكانت الاهتمام بالتعليم، والثالثة: هي التصنيع، ومن ذلك نجح مهاتير محمد في نقل بلاده من دولة زراعية فقيرة تعتمد علي تصدير بعض السلع البسيطة مثل المطاط والقصدير إلي دولة صناعية متقدمة، وبذلك تمكن خلال 22 عاماً قضاها في منصبه من القضاء على الفقر، ورفع متوسط الدخل من 1247 دولاراً في العام إلي 8862 دولاراً عام 2002، وانخفضت نسبة البطالة بين الماليزيين إلي 3٪ فقط، ولأن النهضة التعليمية هي ما يهمنا في هذا المجال فقد أولي مهاتير التعليم أهمية كبري حيث اهتم بجميع مراحله، فجعل مرحلة التعليم ما قبل المدرسة «رياض الأطفال» جزء من النظام الاتحادي للتعليم، واشترط أن تكون جميع دور رياض الأطفال مسجلة لدي وزارة التعليم، وملتزمة بمنهج تعليمي مقرر من الوزارة، كما تمت إضافة مواد دراسية تنمي المعاني الوطنية وتعزز روح الانتماء لدي تلاميذ المرحلة الابتدائية، وفي المرحلة الثانوية أصبحت العملية التعليمية شاملة، حيث يدرس الطالب بجانب العلوم والآداب مواد خاصة بالمجالات الفنية والمهنية التي تمنح الطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم، بالإضافة إلي إنشاء الكثير من معاهد التدريب المهني التي تستوعب طلاب المدارس الثانوية، وتؤهلهم لدخول سوق العمل في مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية.

ولأن الكمبيوتر واحداً من أهم المواد التكنولوجية التي يجب دراستها والاهتمام بها قامت الحكومة الماليزية عام 1996 بوضع خطة تنمية شاملة من أهم أهدافها إدخال الكمبيوتر والربط بشبكة الإنترنت في كل مدرسة، بل وفي كل فصل دراسي، حتي بلغت نسبة المدارس المرتبطة بشبكة الإنترنت عام 1999 تقدر  بـ 90٪ من المدارس الماليزية، كذلك تم إنشاء العديد من المدارس الذكية التي تساعد الطلاب علي دراسة التكنولوجيا واستيعاب التقنيات الحديثة من خلال مواد متخصصة في أنظمة التصنيع وشبكات الاتصال ونظم استخدام الطاقة النظيفة، جدير بالذكر أن الحكومة الماليزية جعلت عملية التعليم والتدريس في المدارس مرنة، بحيث تتناسب مع حاجة الطلاب وقدراتهم ومستوياتهم الدراسية المختلفة، أما إدارة المدرسة فيتم إسنادها إلي أحد القيادات التربوية البارزة، ويساعده فريق من الأساتذة من لديهم قدرات مهنية ممتازة، كما أتاحت الحكومة فرصة للطلاب للمشاركة في اختيار البرامج الدراسية بجانب حرص المدارس علي التنويع والتطوير في أساليب التدريس من خلال الرحلات العلمية والترفيهية، الأمر الأهم أن الحكومة الماليزية قامت بزيادة المخصصات المالية للتعليم بحيث أصبحت توجه له حوالي 24٪ من إجمالي النفقات الحكومية بحيث يتم إنفاق هذه المبالغ علي بناء مدارس جديدة، خاصة المدارس الفنية، وإنشاء معامل للعلوم والكمبيوتر ومنح قروض لمواصلة التعليم العالي داخل وخارج البلاد، وليس لإنفاقها علي المكافآت لكبار مستشاري الوزارة كما يحدث في مصر، كذلك جعلت الدولة التعليم إلزامياً وأصبح القانون الماليزي يعاقب الآباء الذين لا يرسلون أبناءهم إلي المدارس، بالإضافة إلي الاستفادة من نظم التعليم المتطور في الدول المتقدمة، حيث تم إنشاء أكثر من 400 معهد وكلية خاصة تقدم دراسات وبرامج تتواءم مع جامعات في الخارج.

وأتاحت الحكومة الفرصة للطلاب لاستكمال دراستهم في الخارج، بل وعملت الحكومة علي تقوية العلاقة بين مراكز البحوث والجامعات وبين القطاع الخاص، بحيث فتحت المجال لاستخدام أنشطة البحث العلمي لخدمة الأغراض التجارية، ومن ثم لم تعد الحكومة مطالبة بدعم الأنشطة البحثية بمفردها بل يشاركها في ذلك مؤسسات القطاع الخاص، وبذلك قضت علي مشكلة نقص الدعم الحكومي الموجه للبحث العلمي، ووجهت الدولة ما كان ينفق علي هذا المجال إلي التعليم من ناحية، وتمكنت المصانع الماليزية من تطوير إنتاجها وغزو الأسواق العالمية بمنتجات أكثر تقدماً وأحسن صنع، كذلك اهتمت الحكومة الماليزية بتعليم المرأة حتي إنها تقدم قروضاً بدون فوائد ليتمكن الآباء من تعليم بناتهن، ومنح الفقراء مساعدات مجانية، وبذلك تمكن مهاتير محمد من إحداث نهضة في بلاده خلال سنوات رئاسته للوزارة التي وصلت إلي 22 عاماً، قبل أن يتقدم باستقالته وإعلان اعتزاله للعمل السياسي في عام 2003 وحينما زار رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مصر في شهر يونيو الماضي "وخلال كلمته التي ألقاها أمام مؤتمر «استثمار، تشغيل، عي، حرية، عدالة اجتماعية»  الذي نظمه اتحاد الصناعات المصرية"  أكد أن مصر يمكنها أن تصبح واحدة من الدول المتقدمة بشرط الاهتمام بالتعليم والحد من البطالة وتشجيع الاستثمار ورفض الاقتراض من البنوك، وبنظرة تاريخية سريعة سنكتشف أن التجربة الماليزية لم تكن هي الأولي من نوعها ولكنها الأقوي في وقتنا الراهن، ولكن مصر كانت قد شهدت نهضة مماثلة في أوائل القرن التاسع عشر حينما تولي محمد علي حكم مصر وأولي رعايته للتعليم، وأرسل البعثات للدراسة في فرنسا، وتقدمت مصر بفضل هذه النظرية التنموية والنهضة العلمية، وقد ذكر المؤرخون أن التعليم كان أحد أهم الركائز الأساسية التي استند إليها محمد علي في بناء مصر الحديثة ومن ثم تمكن من بناء دولة متقدمة صناعياً وزراعياً وعلمياً، ولولا التدخلات الأوروبية ضد دولة محمد علي ومحاولات تحطيمها لكانت مصر الآن أقوي من كل هذه الدول نتيجة الثمار التي زرعها محمد علي إبان بناء دولته.

ويذكر أن التعليم كان دائماً هو وسيلة الارتقاء بمصر، ومن هنا أعطته ثورة 1952 أهمية خاصة ونادت بجعله كالماء والهواء، وتم تعيين الدكتور طه حسين وزيراً للمعارف العمومية، ولكن المتغيرات التي حدثت في تاريخ مصر بعد ثورة 1952 وحتي قيام ثورة 25 يناير 2011 كانت قد أفسدت كل شيء في مصر، بما في ذلك التعليم أيضاً، الذي أصبح ضرورة ليحصل الشاب علي شهادة يباهي به زملاءه، بينما يعمل في مجال قد يتعارض تماماً معها، وقد لا يجد عملاً من الأساس وهو حال ما يقرب من 8 ملايين شاب وفتاة حصلوا علي شهادات ولم يجدوا عملاً، وبذلك أصبح التعليم مجرد وجاهة اجتماعية وليس له علاقة بالحياة العملية، ومن ثم فإن تعليم ما بعد الثورة يحتاج لتنفيذ نموذج آخر يسعي لربط التعليم بسوق العمل، وجعل التعليم ضرورة قومية لخلق إنسان مصري ينتمي لبلده علي حق، ويعمل علي تنميتها ورقيها، ومن هنا طالب البعض بتطبيق النموذج الماليزي في الاهتمام بالتعليم لتنمية المجتمع كله.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/تشرين الأول/2011 - 3/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م