انهيار الأمن الغذائي والحنين إلى الثورة الخضراء

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: بعد أن شهد العالم في أواخر ستينات القرن الماضي "ثورة خضراء" أنعشت أمال الفقراء قبل الأغنياء بحياة أكثر رخاءً وسعةً، مذكرة بسنوات الخير التي عاشتها مصر في عهد النبي "يوسف الصديق"، والتي سرعان ما ذابت على وقع خطى سنوات القحط العجاف، ليصحوا العالم من حلمه على واقع مرير يحتاج إلى أكثر من وقفة وتأمل ودراسة.

ويبدوا إن المتغيرات التي ساقت الأوضاع إلى هذه الانحدارات الخطيرة والتي جعلت العالم والإنسانية جمعاء تعيد النظر من جديد في مدى جدية إجراءاتها أمام تهديد الجوع وسلامة أمنها الغذائي، حيث يقع القسم الأكبر منها على عاتق الإنسان نفسه، فقد أدت سنوات الإهمال الشديد للبيئة وقلة التعاون الدولي في مجال الغداء وغيرها العشرات من الأسباب إلى هذا الانقلاب الكبير بعد أن جفت ينابيع الثورة الخضراء.

إلى صناديق القمامة

حيث حذرت منظمة الاغذية والزراعة "الفاو" التابعة للامم المتحدة من أن حوالي ثلث الطعام المنتج في العالم للاستهلاك الادمي وهو حوالي 3ر1 مليار طن يفقد أو يهدر، وذلك على الرغم من توالي التقارير عن ارتفاع أسعار الغذاء بما يهدد بحدوث مجاعات في الدول الأكثر فقر، وأشارت الفاو ومقرها روما إلى نتائج تقرير يحمل عنوان "“فاقد الغذاء العالمي وهدر الغذاء " الذي جرى بتكليف من المعهد السويدي للغذاء والتكنولوجيا الاحيائية لانقاذ الغذاء وهو هيئة دولية، وتوصلت الدراسة أيضا إلى أن الدول الصناعية والنامية تبدد نفس كميات الغذاء تقريبا وهي 670 طنا و630 مليون طن على التوالي، وفرق التقرير بين ما أسماه بـ "فاقد الغذاء" و"هدر الغذاء"، ووجد التقرير أن فاقد الغذاء الذي يحدث في الانتاج والحصاد وما بعد الحصاد والمراحل المعالجة يعد أمرا في غاية الاهمية بالنسبة للدول النامية بسبب سوء البنية التحتية والمستويات الضئيلة للتكنولوجيا وقلة الاستثمارات في أنظمة إنتاج الغذاء، وعلى النقيض من ذلك فإن هدر الغذاء يمثل مشكلة كبرى في الدول الصناعية الناجمة وهو في الغالب الاعم يحدث من قبل عن تجار التجزئة والمستهلكين الذين يلقون طعاما صالحا للاكل تماما في سلات القمامة.

ويتوقَّع تقرير صدر حديثا بين منظمة التعاون الاقتصادي والمنظمة "فاو"، المعنوّن "توقعات الزراعة، 2010 - 2019" إرتفاع متوسّط أسعار القمح والحبوب الخشنة على مدى السنوات الـعشر القادمة بحدودٍ تتراوح فعلياً بين 15 - 40 بالمائة مقارنةً بمستوياتها السائدة خلال الفترة 1997 - 2006 "بعد احتساب عامل التضخم"، وفي حين سترتفع الأسعار الحقيقية للزيوت النباتية، حسب المقدَّر بنحو 40 بالمائة، يُرجَّح أن أسعار منتجات الألبان ستسجِّل ارتفاعاً مماثلاً بمقدار 16 - 45 بالمائة قياساً على نفس الفترة، وأعلن البنك الدولي أن أسعار المواد الغذائية العالمية قد ارتفعت بنسبة قاربت مستوياتها المسجلة في عام 2008 فضلاً عن استمرار تقلبها، مما يدفع المزيد من المواطنين على مستوى العالم إلى براثن الفقر، ويعد الشعور بالجوع بشكل اختياري أمرا عاديا، لكن أن يكون المرء مضطرا لذلك فهو أمر خطير ويحتاج لمعرفة الأسباب، فارتفاع أسعار الغذاء عالميا يجعل المواطنين غير قادرين على الحصول على ما يكفيهم من الغذاء، وتمثل أسعار الغذاء المرتفعة والمتقلبة أكبر خطر على الفقراء حول العالم حسب ما أكد رئيس مجموعة البنك الدولي روبرت زوليك، وتطرق زوليك إلى ارتفاع أسعار الغذاء في بعض دول المنطقة التي شهدت احتجاجات شعبية هذا العام، لكنه لم يربط بين تلك الاحتجاجات وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وقال "لم تكن أسعار الغذاء هي السبب وراء الأزمات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فآخر متابعتنا للموقف أشارت إلى ارتفاع أسعار الغذاء مرتين في كل من مصر وسوريا"، وتبدو تلك المشكلة أشد وطأة في عدد من الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء، حيث يعني ارتفاع أسعار المواد الغذائية نقصها ومن ثم مشاكل صحية كما أوضح بيتر جيرانياما عضو رابطة الزراعيين الأفارقة في الشتات، وقال جيرانياما "كنتيجة لذلك يبدأ الناس في تناول أقل عدد من الوجبات ربما وجبة واحده يوميا وتعلمون ما يحدث بشأن التغذية والنظام الصحي لأنك في هذه الحالة لا تتعامل مع مواطنين جياع فقط وإنما تواجه بعض القضايا الصحية الناجمة عن عدم حصولهم على الغذاء"، وأرجع الخبراء ارتفاع أسعار الغذاء إلى عدة أمور مثل ارتفاع أسعار الوقود جراء الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وسوء الأحوال الجوية في البلدان الرئيسية المصدرة للحبوب إضافة إلى فرض قيود على الصادرات الغذائية، وانتقد جيرانياما أسلوب تعامل المنتجين الذي يفاقم الأزمة "كان من الأفضل لهم إنتاج ما يكفي للبيع ولكنهم في معظم الأماكن لا ينتجون إلا ما يكفي استهلاكهم الخاص، ومن اللافت أن منتجي الغذاء لا يملكون طعاما كافيا لأنفسهم".

بريطانيا تهدد بترك الفاو

فيما قالت بريطانيا انها يمكن ان تترك احدى وكالات الامم المتحدة التي تكافح الجوع ما لم تحسن اداءها "غير الفعال"، ويأتي التهديد بالانسحاب من منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة "الفاو" في اعقاب مراجعة بريطانية لمساعدة خارجية امرت بها الحكومة الائتلافية التي تولت السلطة منذ تسعة اشهر والتي تدير واحدة من اكبر ميزانيات المساعدة في العالم، وعلى النقيض فان الحكومة التي يتزعمها المحافظين قالت انها ستزيد من دعمها لبرنامج الاغذية العالمي الوكالة الشقيقة للفاو التي اتسم اداؤها بالفاعلية، ويقدم برنامج الاغذية العالمي مساعدة غذائية طارئة بعد حروب او كوارث طبيعية فيما تعمل الفاو على مدى طويل اكثر وتساعد دولا في تحسين ممارستها الزراعية والتغذية، وقالت وزارة التنمية الدولية انها ستركز على التعامل مع سوء التغذية وضمان ان اشخاص اكثر في دول فقيرة لديها ما يكفي من الطعام في وقت يتسبب فيها ارتفاع اسعار الغذاء في صعوبات للملايين، وتعد ميزانية المساعدة السنوية البريطانية والبالغة 6.5 مليار جنيه استرليني "10.48 مليار دولار امريكي" احدى المجالات القليلة التي لم تشملها تخفيضات الانفاق العام الحادة التي تهدف الى كبح عجز قياسي في الميزانية خلال فترة السلم، وتنفق بريطانيا قرابة اربعة مليارات جنيه سنويا على مساعدة ثنائية و2.5 مليار اخرين خلال منظمات دولية مثل الفاو وبرنامج الاغذية العالمي ولديها شكوك في اداء الفاو، وتراجع بريطانيا فاعلية كلا النوعين من المساعدة.

تحذير اممي

الى ذلك حذر وزير الزراعة الفرنسي الامم المتحدة من اندلاع اعمال شغب حول العالم بسبب زيادات حادة في اسعار الغذاء على غرار تلك التي حدثت قبل ثلاث سنوات، وكان برونو لومير يتحدث في الجمعية العامة بعدما اعلنت منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة "الفاو" في وقت سابق ان مؤشر اسعار الغذاء في يناير كانون الثاني ليصل الى أعلى مستوى مسجل، ومعلنا ان تقلبات اسعار الغذاء "لا يمكن احتمالها" بالنسبة للمنتجين والمستهلكين على السواء، قال لومير "انها تعرضنا مرة اخرى لخطر اعمال شغب من جانب الجوعى مثل تلك التي شهدها عدد من الدول في 2008"، وفي ذلك الوقت اندلعت اعمال شغب في دول في انحاء متفرقة من العالم مثل مصر والكاميرون وهايتي، وكان لومير يحدد للجمعية العامة جدول الاعمال الذي تقترحه فرنسا لمجموعة العشرين التي تضم أكبر الاقتصاديات المتقدمة والصاعدة والتي تتولى رئاستها حالي، ومن بين اهداف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي السيطرة على اسعار السلع الاساسية المتقلبة، ويلقى باللوم في زيادات الاسعار على تقلبات الاحوال الجوية وزيادة عدد السكان وفقدان اراض زراعية لكن لومير قال انها تتفاقهم بسبب المضاربات ونقص المعلومات بشأن مخزونات السلع الاساسية وقرارات مفاجئة لدول بوقف الصادرات. بحسب رويترز.

وقال الوزير "الذي نشرت البعثة الفرنسية لدى الامم المتحدة كلمته التي القاها في جلسة مغلقة للجمعية العامة" ان باريس تقترح سلسلة اجراءات من بينها استثمارات عامة في الزراعة حول العالم وتشجيع استثمارات القطاع الخاص، وتعهدت قمة مجموعة الثماني للدول الصناعية الكبرى التي عقدت في لاكويلا بايطاليا في 2009 بجمع 20 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات لتعزيز تطوير الزراعة لكن مسؤولين فرنسيين قالوا انه تم صرف حوالي ملياري دولار فقط مع امل ضئيل في صرف المزيد في الاجل القصير بينما تقلص الدول المتقدمة ميزانياته، وقال لومير ان هناك حاجة ايضا إلي تنظيم اسواق السلع الاولية الدولية لكنه اضاف ان هذا يعني تطوير عملياتها وليس "مقاتلة السوق"، "نحن لا نرغب في العودة الى اقتصاد زراعي موجه"، وقال لومير في مؤتمر صحفي ان الولايات المتحدة قطعت بالفعل شوطا بعيدا في تنظيم السوق من خلال قانون دود-فرانك الذي بدأ سريانه العام الماضي والذي يتضمن بنودا غير موجودة حتى الان في الاتحاد الاوروبي.

الجوع يهدد باكستان

على صعيد اخر يشعر سليم الدين، 35 عاماً، بالسعادة اليوم، فقد تمكن هذا المتسول المعاق الذي يعيش في مدينة لاهور شمال شرق باكستان، من شراء بعض العدس المطبوخ وست فطائر لأسرته المكونة من ستة أشخاص، ويتحدث عن ذلك بقوله "سنقيم وليمة اليوم، فنحن عادة نتقاسم فطيرتين أو ثلاث فطائر في أحسن الأحوال، ولكن أحدهم أعطاني اليوم ورقة من فئة 100 روبية "1.17 دولاراً"، مكنتني بالإضافة إلى القليل من النقود المعدنية الأخرى، من شراء وجبة حقيقية"، ويشكل المتسولون، مثل سليم، الوجه الأكثر وضوحاً للجوع والفقر في البلاد، وبالرغم من أن عددهم غير معروف بدقة، إلا أنه يُقدَّر بعدة ملايين، وفقاً لتقارير وسائل الإعلام، ويميل هذا الرقم إلى الارتفاع أكثر في المدن الكبرى قبل شهر رمضان، الذي بدأ في 2 أغسطس، حيث يصبح الناس خلاله أكثر سخاءً وميلاً للعطاء، ولا تنعكس حالة انعدام الأمن الغذائي في المتسولين فقط، فوفقاً لتقرير صادر في عام 2010 عن معهد سياسات التنمية المستدامة (SDPI)، الواقع مقره في إسلام أباد، بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، يعاني 48.6 بالمائة من سكان باكستان البالغ عددهم 165 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي. بحسب ايرين.

وقد ذكر التقرير أن "الأمن الغذائي في باكستان شهد تدهوراً منذ عام 2003، فالظروف اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي غير كافية في 61 بالمائة من المقاطعات "وهو ما يشكل 80 مقاطعة من أصل 131 مقاطعة"، ويمثل هذا زيادة حادة عن النسبة المسجلة في عام 2003، عندما كانت الظروف اللازمة لتحقيق الأمن الغذائي غير كافية في 45 بالمائة من المقاطعات (54 مقاطعة من أصل 120 مقاطعة)"، وأضاف التقرير أن حالة الأمن الغذائي الأسوأ (67.7 ٪) توجد في المناطق القبلية التابعة للحكومة الاتحادية، وهي المناطق الواقعة على طول الحدود الباكستانية الأفغانية والتي تعاني من صراعات مسلحة، تليها ولاية بلوشستان (61.2 بالمائة)، "وعلى الرغم من صعوبة إيجاد دليل مادي حاسم، فإن التداخل القوي بين انعدام الأمن الغذائي والصراعات المسلحة يدل على وجود صلة كبيرة محتملة بينهما"، وفي هذا السياق، قال رئيس معهد سياسات التنمية المستدامة، عبد القيوم سوليري، لوسائل الإعلام أن "الفقر والجوع يشكلان مصدر قلق أمني بسبب الصلة القوية بين الأمن الغذائي والجوع والفقر وقابلية التعرض للكوارث".

المجاعة في الصومال

في سياق متصل قالت الامم المتحدة إن المجاعة قد انتشرت في ست مناطق من أصل ثماني مناطق في جنوب الصومال حيث يواجه 750 الف شخص خطر الموت جوعا ويموت مئات الاشخاص يوميا رغم تكثيف مساعدات الاغاثة، وقال مارك بودين منسق الامم المتحدة الانساني للصومال "جرى اعلان منطقة باي بأكملها منطقة مجاعة"، وباي هي سادس منطقة صومالية تنزلق الى المجاعة منذ اعلان الامم المتحدة المجاعة في البلاد التي مزقتها الحرب في يوليو تموز والتي تركت اربعة ملايين صومالي أو 53 بالمئة من السكان غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية، وقالت جرين مولوني كبيرة المستشاريين الفنيين لوحدة تحليل الامن الغذائي والتغذية بالامم المتحدة ان مئات الاشخاص يموتون كل يوم ونصفهم على الاقل من الاطفال واضافت انها تتوقع ان تنزلق المناطق المتبقية من جنوب الصومال الى المجاعة بحلول نهاية العام، وقالت مولوني "يبلغ معدل سوء التغذية (بين الاطفال) في منطقة باي 58 بالمئة، هذا معدل قياسي من سوء التغذية الحاد"، ولا يتسنى لوكالات الاغاثة الا توصيل المساعدات الغذائية الى مليون من هؤلاء الجوعى لان حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تسيطر على معظم مناطق الجنوب لن تسمح بدخول شحنات المواد الغذائية، وبدلا من ذلك تستخدم الوكالات القسائم الغذائية والنقدية التي يمكن للاسر الجائعة مبادلتها بالسلع في الاسواق المحلية، وقال بودين "التركيز على حصول الناس على الغذاء سيساعد على استقرار الوضع أكثر من مجرد النظر كليا في توزيع المواد الغذائية كحل"، والصومال في بؤرة أزمة الجوع في منطقة القرن الافريقي التي تؤثر على أكثر من 13 مليون نسمة، وفي حين يتوقع حصاد ضعيف من المحاصيل في يناير كانون الثاني في أعقاب هطول الامطار في أكتوبر تشرين الاول فان الوضع من غير المحتمل أن يتحسن لحين الحصاد الرئيسي في أغسطس اب عام 2012. بحسب رويترز.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة عن انتشار المجاعة في المزيد من مناطق جنوب ووسط الصومال، تشير تقارير واردة من العاصمة مقديشو إلى أن معاناة النازحين بسبب الجفاف، ومعظمهم من النساء والأطفال، تتفاقم أكثر فأكثر، في ظل أخبار عن إعاقة القوات الحكومية وميليشيا حركة الشباب لعمليات توزيع المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة كل منهم، وفي هذا السياق، قال سعدي محمد علي، مدير الشؤون الإدارية والمالية بوزارة تنمية المرأة وشؤون الأسرة، أن "معظم الواصلين إلى مقديشو هم من النساء والأطفال بسبب اضطرار معظم الرجال للبقاء في المناطق الواقعة تحت سيطرة حركة الشباب نتيجة خوفهم من التعرض للاعتقال من قبل القوات الحكومية بدعوى دعمهم لتلك الحركة، كما أن حركة الشباب نفسها كثيراً ما تمنع الرجال من الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة"، وفي السياق نفسه، أخبرت أم لخمسة أطفال أن حركة الشباب قتلت زوجها رمياً بالرصاص في 27 يوليو بالقرب من أفغوي "بعد رفضه الانصياع لأوامرها بعدم مرافقة أسرته، لقد تركوني وحيدة دون معيل، أعيش في الشوارع دون مأوى أو طعام أو مياه، وأدعو الله أن يقدم لي العون"، من جهته، علق علي بري هيرسي، والمعروف أيضاً باسم علي غاب، قائد فرقة الشرطة المركزية في مقديشو، على ذلك بقوله "إن واجبنا بالطبع هو ضمان الأمن في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة مثل مقديشو، لذلك فنحن نلقي القبض على الأشخاص المشتبه بهم ونحيلهم إلى المحاكمة، وحتى الآن، ألقينا القبض على عدة أشخاص كانوا يرافقون النازحين وأحلناهم إلى وكالة الاستخبارات للتحقيق في مزاعم كونهم جزءاً من حركة الشباب، وسيمثلون أمام القضاء فور استكمال التحقيقات"، كما نفى هيرسي الإدعاءات الخاصة بتحويل الحكومة لمسار المساعدات الغذائية، مؤكداً على عدم تدخل الشرطة في توزيع المساعدات واقتصارها على "تأمين مخيمات النازحين"، وهو ما يتناقض مع تصريح أحد النازحين باستيلاء القوات الحكومية على المساعدات الغذائية التي تقدمها منظمات الإغاثة.  

أداة جديدة للقياس

بدوره يقول ماكسيمو توريرو، مدير قسم المؤسسات والتجارة والأسواق في المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء، أن أداة جديدة لقياس تقلبات أسعار الغذاء في الأسواق الزراعية العالمية قد تساعد البلدان الفقيرة ووكالات الإغاثة مثل برنامج الأغذية العالمي في اتخاذ قرارات بشأن مكان وتوقيت شراء المواد الغذائية، فقد تم تطوير أداة الإنذار المبكر NEXQ من قبل المعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء، وهي قائمة على النمذجة الاقتصادية المتطورة التي تقدم تقييمات يومية لتقلبات الأسعار لأربعة محاصيل رئيسية هي القمح الصلب والقمح اللين والذرة الصفراء وفول الصويا لمساعدة المحللين على توقع تقلبات الأسعار، ويستخدم النموذج البيانات اليومية لأسعار الحبوب منذ عام 1970 لرصد ما إذا كانت تلك الأسعار قد تحركت من مستوى الأسعار الطبيعية المتوقعة ولأي مدى حدث ذلك، وقال توريرو أن "ما تفعله الأداة هو أنها تقدم بيانات محدثة عما إذا كنا في فترة تقلبات مفرطة بناءً على الأسعار العالمية المقبلة التي سيتم نقلها إلى البلدان النامية في الأيام أو حتى الأسابيع التالية"، وكتب حومي خراس وهو زميل في معهد بروكينجز في إحدى مقالات الرأي أن تقلب الأسعار أو "التغيرات السريعة وغير المتوقعة في أسعار الغذاء هي ما يسبب خسائر في الأسواق والسياسة والاستقرار الاجتماعي وليس التوجهات الهيكلية الطويلة الأجل في أسعار المواد الغذائية التي يمكن أن نستعد لها ونتكيف معه، وأوضح أن "السبب الوحيد في أن أسعار الغذاء آخذه في الارتفاع بصورة كبيرة هذا العام "2011" هو أن الأسعار انخفضت بسرعة كبيرة بعدما وصلت إلى ذروتها في عام 2008، إذ يمكن للزيادة السريعة والانخفاض السريع في أسعار الغذاء خلق مثل هذه المشاكل". بحسب ايرين.

وقال توريرو أنه يمكن لأداة الإنذار المبكر أن تساعد صانعي السياسات وغيرهم من العاملين في مجال تحسين الأمن الغذائي على "اتخاذ قرارات مستنيرة حول ما إذا كان سيتم الإفراج عن المخزونات من احتياطيات الحبوب الطارئة ومتى سيتم ذلك"، وأضاف أنه قد تم تطوير الأداة من أجل دعم اثنتين من توصيات خطة عمل تقلب أسعار الغذاء والزراعة التي وضعها وزراء زراعة الدول العشرين الكبرى يوم 23 يونيو في باريس، ويجني المضاربون أموالاً من فهم وتوفير التأمين ضد تقلب الأسعار، فالمضاربون أنفسهم لا يسببون تقلب الأسعار إلا في ظل ظروف غريبة جد، وكان أحد قرارات وزراء الدول العشرين إنشاء نظام معلومات حول السوق الزراعية لفتح المجال أمام الأسواق الغذائية والزراعية لتبادل البيانات وتحسين المعلومات الغذائية، وقال توريرو أن أداة الإنذار المبكر سوف تغذي نظام معلومات السوق الزراعية، وقد عرض وزراء الدول العشرين الكبرى أيضاً دعم برنامج تجريبي لنظام يستهدف الاحتياطي الغذائي في الحالات الإنسانية الطارئة، ويقوم برنامج الأغذية العالمي وشركاؤه بإجراء دراسة جدوى ستنظر أيضاً في الدول المؤهلة للحصول على الاحتياطي المقترح، وقال توريرو أن أداة الإنذار المبكر ستدعم إدارة الاحتياطي المقترح عن طريق توفير آلية تحفيز عالمي ثابتة لفترات التقلبات الشديدة في الأسعار، وينبغي أن يساعد ذلك الأشخاص الذين يقومون بإدارة الاحتياطي على تحليل الدول الأكثر ضعفاً ووضع خطط للطوارئ على مستوى الدول، وتحويل الأسواق الآجلة إلى الرأسمالية المالية، بالإضافة إلى ضعف الشفافية في الأسواق وعدم كفاية المعلومات بشأن المستثمرين والتغيرات غير المتوقعة الناجمة عن أوضاع الأمن الغذائي الوطني وعمليات الشراء والاكتناز المذعورة كلها أمور ذكرت كأسباب جذرية للارتفاع السريع والضار في أسعار المواد الغذائية.

ولكن خراس من معهد بروكينجز أشار إلى أن التقلب "أمر متأصل في سوق المواد الغذائية" وهو ما يسبب المضاربة "وليس العكس"، وأضاف قائلاً "يجني المضاربون أموالاً من فهم وتوفير التأمين ضد تقلب الأسعار، فالمضاربون أنفسهم لا يسببون تقلب الأسعار إلا في ظل ظروف غريبة جداً"، ومن بين الحلول التي أدرجها فك الارتباط بين أسعار الغذاء وأسعار النفط، "فقد عمل النظام العالمي الحالي للغذاء بصورة جيدة في عالم أسعار الطاقة المستقرة والرخيصة الذي سمح بزراعة الغذاء في مواقع مركزة وبنقل الغذاء عبر مسافات واسعة لتلبية الطلب، وسيستمر هذا النظام في إعطائنا أسعار متقلبة طالما بقيت أسعار النفط متقلبة"، وأوضح خراس قائلاً "لن أراهن على عودة أسعار النفط المستقرة والرخيصة على المدى القريب، ولذلك فإن الحل يجب أن يكون في تغيير النظام الغذائي ليتكيف مع الاقتصاديات الجديدة للطاقة، وهذا يعني على الأرجح إنتاجاً واستهلاكاً أكثر تنوعاً ومحلية، واستخداماً أقل للأسمدة، وهدراً أقل للغذاء "20 بالمائة من جميع المواد الغذائية تفسد أثناء التخزين والنقل هذه الأيام"، ومن المفارقات أن الحركة التعاونية لتشجيع الغذاء العضوي والمحلي قد تجد أن قوى السوق هي أفضل صديق جديد لها".

فقراء اليمن والثورة

فمن جهته يجد عبد الكريم محمد، وهو سائق دراجة نارية يستخدمها كتاكسي، صعوبة متزايدة منذ الأشهر القليلة الماضية لشراء ما يكفي من الغذاء لأسرته المكونة من ثمانية أفراد، حيث قال من العاصمة صنعاء "قبل الثورة، كنت بحاجة إلى 500 ريال يمني (2.2 دولار) لشراء الخبز لجميع أفراد الأسرة، ولكن الآن لا يكفي حتى 1،000 ريال (4.4 دولار) للقيام بذلك، كما أنني نادراً ما أجد الوقود لدراجتي النارية"، وما يعنيه محمد بالثورة هو سلسلة الاحتجاجات التي عمت أرجاء البلاد وبدأت قبل نحو خمسة أشهر ضد حكم الرئيس علي عبدالله صالح والتي خلفت مئات الضحايا من المتظاهرين بين قتلى وجرحى، وشردت عشرات الآلاف من المدنيين، وقد أدت الاضطرابات إلى رفع الأسعار، حيث أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن  سعر الخبز ارتفع بنسبة 50 بالمائة في الأشهر القليلة الماضية، وهناك أيضاً قلق من أن العملة قد تنهار وتدفع بنسبة 15 بالمائة أخرى من اليمنيين تحت خط الفقر، وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في تقرير صدر في الأول من يوليو أن الإحصاءات تشير إلى أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص يعاني من انعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية، كما يعاني أكثر من 50 بالمائة من الأطفال من وقف النمو، ويتنبأ الاقتصاديون بأن الوضع قد يزداد سوءاً إذا نفذت الاحتياطات الغذائية في اليمن خلال الشهرين المقبلين وفشلت الحكومة في دفع رواتب الموظفين. بحسب ايرين.

ووفقاً لتحذيرات محمد الأفندي، رئيس المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية، "وهي منظمة غير ربحية"، "قد تؤدي ثورة الشباب الحالية إلى تمرد آخر من قبل الجياع"، وفي الأشهر القليلة الماضية، واجهت الكثير من الأسر الفقيرة تزايداً في سوء التغذية لأنها غير قادرة على شراء المواد الغذائية الضرورية، وفقاً لمركز بحثي محلي يُدعى مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، وعلى أطراف النزاع أن تأخذ في اعتبارها معاناة الفقراء، ولا شك أن الفقراء هم الذين يتحملون العبء الأكبر للاضطرابات السياسية في البلاد  وقال المركز في تقرير صدر يوم 4 يوليو أن تسعة ملايين يمني يواجهون صعوبة في تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية، "فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل دقيق القمح والسكر والحليب بنسب تتراوح بين 40 و60 بالمائة، في حين تسببت الاضطرابات الجارية في نقص لم يسبق له مثيل في إمدادات الوقود، الذي ازداد سعره بنسبة 900 بالمائة خلال الأشهر الخمسة الماضية"، ووجد برنامج الأغذية العالمي، في تقييم حديث، أن أربعاً من محافظات اليمن البالغ عددها 21 محافظة، وهي ريمة وعمران وحجة وإب، تعاني من أسوأ انعدام للأمن الغذائي"، وخلال مناقشات الفريق، تبين أن أسعار المواد الغذائية مرتفعة أكثر في المناطق الريفية، وذلك على الأرجح بسبب تكلفة النقل التي ارتفعت نظراً لندرة الوقود".

كما جاء في مذكرة إحاطة أعدها برنامج الأغذية العالمي في منتصف يونيو، وأضافت المذكرة أن "96 بالمائة من الأسر في اليمن مشترون صافون، لذا فإن أفقر الأسر هي الأكثر تضرراً من الزيادات الأخيرة في الأسعار، وقد اختار أفقر الناس الآن آليات المواجهة السلبية، مثل تخفيض عدد وجبات الطعام، وعدم استهلاك لحوم أو أسماك وحتى الصوم، ولأن العديد من اليمنيين ينفقون بالفعل ما بين 30 و35 بالمائة من دخلهم اليومي على الخبز، قد يصبح تحمل التضخم في أسعار الخبز عبئاً شاقاً على الأمن الغذائي لأفقر الأسر"، وقد نزح المزيد من الأشخاص مؤخراً في الجنوب، إذ يوجد حالياً أكثر من 15،610 نازحين في عدن، وحوالي 11،890 في لحج و15،000 غير مؤكدين في أبين، ويعتمد نحو 90 بالمائة من النازحين الموجودين في عدن على التبرعات التي تقدمها المجتمعات المضيفة لتلبية احتياجاتهم اليومية من الغذاء، وفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وتشير تقارير وسائل الاعلام إلى أن الاقتصاد اليمني خسر حوالي 5 مليارات دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الأزمة السياسية وأنه يتأرجح الآن على حافة الانهيار.

وقد تفاقم الوضع بسبب نقص الوقود الذي أصاب البلاد بالشلل، وقال أحمد عبد الوهاب، وهو خبير تغذية في صنعاء، أن نقص الغذاء المتزايد يعني انخفاض السعرات الحرارية لكثير من الناس، "ويؤدي انخفاض السعرات الحرارية إلى فقر الدم ويدمر الأعضاء الحيوية مثل الكلى والكبد والقلب، لأن الجسم يلجأ عادة إلى حرق الأنسجة العضلية، لو لم يكن لديه ما يكفي من السعرات الحرارية"، ودعا محمد البعداني، وهو تاجر قمح في صنعاء، إلى حل وسط بين الحزب الحاكم والمعارضة من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي وخفض أسعار المواد الغذائية، وأضاف أن "على أطراف النزاع أن تأخذ في اعتبارها معاناة الفقراء، ولا شك أن الفقراء هم الذين يتحملون العبء الأكبر للاضطرابات السياسية في البلاد".

المزيد من الفقراء في بنجلاديش

من جهة اخرى يبحث عدد متزايد من البنغاليين المقيمين في المناطق الحضرية والمثقلين بارتفاع أسعار المواد الغذائية عن المساعدة في ظل نظام السوق المفتوحة الحكومي، ففي إطار هذا البرنامج، يباع الأرز والسلع الأخرى بأقل من سعر السوق بما يقرب من 30 بالمائة، ويحق لكل أسرة أن تحصل على 5 كيلوغرامات من الأرز و3 كيلوغرامات من دقيق القمح، وتبيع الحكومة الأرز، وهو من المحاصيل الأساسية في البلاد، مباشرة إلى الفقراء كلما كان هناك نقص في الإمدادات وعندما تتجاوز الأسعار قدرتهم الشرائية، وقال شريف الزمان شريف، الأمين العام لمنظمة "ستيزين سوليداريتي"، وهي منظمة حقوقية وطنية، "يعتمد عدد متزايد من الناس الآن على نظام السوق المفتوحة الذي تديره الحكومة،" مشيراً إلى وجود طوابير أطول من العام الماضي، وقد تم بيع ما يقرب من 700،000 طن متري من الأرز، وهو أحد المحاصيل الأساسية، في إطار هذا البرنامج خلال الفترة من يناير إلى يونيو 2011، مقابل حوالي 260،000 طن متري خلال نفس الفترة من عام 2010، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، في الوقت نفسه، تم بيع 23،369 طناً مترياً من دقيق القمح خلال الفترة من يناير إلى يونيو 2011، مقابل لا شيء خلال نفس الفترة من عام 2010.

وبينما تدير الحكومة نظام السوق المفتوحة كل عام، اكتسب البرنامج أهمية إضافية في المدن الكبرى في بنجلاديش، حيث يكافح العديد من الفقراء في المناطق الحضرية من أجل التعايش مع ظروفهم الصعبة، من جهته، قال قاضي فاروق، رئيس جمعية المستهلكين في بنجلاديش، "نعرف حالات في دكا يضطر فيها الناس من الطبقة المتوسطة الدنيا وفقراء المناطق الحضرية إلى الابتعاد عن النظام الغذائي المتنوع أو الاقتراض، فضلاً عن العمل لساعات إضافية من أجل شراء المواد الغذائية"، وأضاف شريف المسؤول في منظمة "ستيزين سوليداريتي"، "لقد ازدادت حياة الفقراء في المناطق الحضرية من ذوي الدخل الثابت وحتى الطبقات المتوسطة التي تعيش في مدينة دكا، صعوبة بسبب موجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنقل والطاقة، فهم بالكاد يتمكنون من البقاء على قيد الحياة [ولا يوجد لديهم] حياة اجتماعية"، وقد بدأت الحكومة في منتصف يونيو بإرسال شاحنات محملة بالأرز ودقيق القمح المدعوم لبعض أفقر ضواحي المدينة لتوزيعها ضمن نظام السوق المفتوحة، ويرسل البرنامج 150 شاحنة يومياً، تبيع كل منها 3،000 كيلوغرام من الأرز بسعر مدعوم يبلغ 0.32 دولار للكيلوغرام الواحد في أحياء فقيرة مختارة، وستواصل القيام بذلك حتى تنخفض أسعار المواد الغذائية، وفقاً لبي دي ميترا، سكرتير وزارة الأغذية وإدارة الكوارث، كما ضاعفت الحكومة واردات الأرز إلى 1.2 مليون طن في السنة المالية المنتهية في يونيو لتهدئة الأسعار المحلية، بعد أن كانت قد حددت واردات الأرز بـ 600،000 طن متري في نوفمبر، وفقاً لتقارير إعلامية، أي ثلاثة أضعاف الكمية التي قدرتها وزارة الزراعة في وقت سابق. بحسب ايرين.

لكن رغم هذه الجهود، لا تزال أسعار المواد الغذائية تقترب من الأسعار التي سادت خلال ذروة أزمة الغذاء عام 2008، وعلى الرغم من أن أسعار الأرز قد انخفضت بنسبة تتراوح بين 3 و4 بالمائة منذ فبراير، إلا أنها لا تزال أعلى مما كانت عليه في يونيو 2010 بنسبة تتراوح بين 10 و15 بالمائة "حيث يبلغ سعرا الجملة والتجزئة 37 و41 سنتاً للكيلوغرام الواحد على التوالي"، وفقاً لعدد يونيو 2011 من النشرة نصف الشهرية التي تصدرها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة باسم "توقعات الغذاء والحبوب"، في الوقت نفسه، لا تزال أسعار المواد الغذائية الأخرى آخذة في الارتفاع، "فالتضخم في المواد الغذائية غير الأرز يتسارع، وهذا يؤدي إلى استمرار التضخم العام في أسعار الغذاء،" كما أفاد سيرو فيوريلو، القائم بأعمال ممثل الفاو في بنجلاديش، "وقد فرض ذلك ضغوطاً على القدرة الشرائية للفئات ذات الدخل الثابت"، واضطرت عائلة محمد عبد المنان إلى التخلي عن النظام الغذائي التقليدي نظراً لارتفاع تكاليف الغذاء، وعن ذلك قال "كان لدينا في العادة نظام غذائي غني من الأرز واللحوم والخضروات مرة واحدة في الأسبوع، لكننا منذ الأشهر الثلاثة الماضية نعيش على وجبات الطعام الأساسية بسبب ارتفاع الأسعار"، ويعتبر معدل سوء التغذية لدى الأطفال في بنجلاديش أحد أعلى المعدلات في العالم، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة، وارتفاع التكاليف يجبر الناس الآن على تقليص وجباتهم الغذائية والعمل لساعات أطول لمجرد تحمل نفقات الطعام، ويكسب عبد المنان 100 دولار شهرياً من عمله كساع لدى شركة للغزل والنسيج في المدينة وهو ينفق معظم راتبه على الطعام، وأضاف قائلاً "أشعر أنني يائس لأنني لم أعد أستطيع أن أوفر لأطفالي الغذاء الجيد".

ارتفاع أسعار الأرز

من جانبها أعلنت منظمة الأغذية و الزراعة بالأمم المتحدة (الفاو) إن أسعار استيراد الأرز بلغت 580 دولارا لكل طن في آب/أغسطس الماضي بارتفاع بنسبة 16 % عن مايو الماضي بسبب الطلب المتزايد و التغيرات المتوقعة لسياسة الدعم التايلاندي للمزارعين، وقالت الفاو في أحدث تقرير بشأن الموقف الغذائي في آسيا-الباسيفيك " الطلب القوى من الدول الموردة وتغيرات نظام دعم الأسعار في تايلاند هما السببان وراء الزيادة"، وبوجه عام تضع تايلاند التي تعد الدولة المصدرة الرئيسية في العالم للأرز على مدار الأربعة عقود الماضية مسار السعر في السوق العالمي، وقد تعهد حزب بويا تاى الذي فاز في الانتخابات العامة في الثالث من يوليو الماضي بدفع 15 ألف باهت (500 دولار) لمزارعي الأرز لكل طن من الأرز الأبيض و 30 ألف باهت ( 666 دولار ) للطن من الياسمين الحبوب المعطرة التي تشتهر بها تايلاند وذلك من أجل تعزيز عائدات الزراعة، ومن المقرر أن يبدأ تفعيل الدعم في السابع من أكتوبر المقبل عندما يبدأ المزارعون في حصد المحصول الأساسي لتايلاند لهذا العام، وأدت هذه الأنباء بشأن توقع زيادة السعر لتخزين الأرز في فيتنام التي تعد المنافس الرئيسي لتايلاند حيث ارتفع السعر المحلى للأزر في آب/أغسطس الماضي بنسبة 10 % مقارنة بأسعار يونيو الماضي، ويأتي تغيير السياسة في تايلاند في وقت ربما تواجه فيه نقصا في محصول الأرز الرئيسي بسبب الأمطار الغزيرة غير المعتادة، فقد أدت الفيضانات في شمال ووسط تايلاند لتدمير 528 ألف هيكتار من حقول الأرز على مدار الشهرين الماضيين بحسب تقديرات الفاو. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وقدر مركز كاسيكورن التايلاندي للأبحاث إن الفيضانات كبدت المزارعين خسائر تقدر بـ8 مليون باهت (266 مليون دولار ) هذا العام، وقال المركز إنه من المحتمل أن يؤدي نقص المحصول بالإضافة إلى سياسة الدعم الحكومي إلى ارتفاع أسعار الأرز خلال الربع الرابع من العام، فيما قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، إن مؤشرها لأسعار الغذاء العالمية ارتفع 1٪ على أساس شهري في يونيو الماضي، بعد أن أبطل ارتفاع قوي لأسعار السكر العالمية، مفعول تراجع أسعار الحبوب، وأضافت المنظمة في بيان لها أن المؤشر الذي يقيس التغيرات الشهرية في أسعار سلة من الحبوب وزيوت الطعام ومنتجات الألبان واللحوم والسكر بلغ 234 نقطة في المتوسط في يونيو الماضي، ورفعت «الفاو» توقعاتها لإنتاج الحبوب العالمي في 2011-2012 إلى نحو مليارين و313 مليون طن طن بزيادة 11 مليون طن عن توقعها السابق في 22 يونيو، و3.3٪ عن انتاج العام الماضي، بعد تعديلين متتاليين لتوقعات المحصول، والرقعة الزراعية في الولايات المتحدة عام.

الأسواق الحرة

من جانب اخر قال رئيس البنك الدولي، روبرت زوليك، إن «سياسة الأسواق الحرة تمثل حلاً لتقلبات أسعار الغذاء، وليس السياسات الحمائية، وإنه ينبغي لـ(مجموعة العشرين) أن تتخذ خطوات لإعطاء أولوية لتزويد الفقراء بالغذاء»، وكتب زوليك في مقال للرأي، من صحيفة «فاينانشال تايمز» يقول «الرد على تقلبات أسعار الغذاء ليس مقاضاة أو وقف عمل الأسواق، بل استخدامها بشكل أفضل»، وأضاف «بإعطاء القدرة للفقراء، يمكن لـ(مجموعة العشرين) اتخاذ خطوات عملية نحو ضمان إتاحة المواد الغذائية»، وقال إن «هناك حاجة إلى مزيد من العمل لتفهم العلاقة بين الأسعار الدولية والأسعار المحلية في الدول الفقيرة»، وأشار إلى أنه «في كمبوديا ارتفع السعر المحلي للأرز بمقدار الربع منذ منتصف ،2009 في حين أن الأسعار الدولية تراجعت بنسبة 15٪»، وأوضح أن «عوامل مثل تكاليف النقل وأنواع المحاصيل وأسعار الصرف يمكن أن تؤدي إلى اختلاف الأسعار المحلية عن الدولية»، واستطرد «يمكن استهداف السلع الأولية والدول الأكثر عرضة لخطر تقلبات الأسعار والعمل عليها»، ودعا زوليك أيضاً إلى مدونة سلوك دولية لاستثناء المعونات الغذائية الإنسانية من حظر الصادرات، وأشار إلى أن «قيود التصدير يمكن أن تفاقم تقلبات أسعار الغذاء، والوضع المثالي هو ألا تفرض الدول أي حظر على التصدير في ،2011 ويجب عليه، على الأقل، أن توافق على السماح بانتقال الإمدادات الغذائية للأغراض الإنسانية بشكل أكثر حرية». بحسب رويترز.

وطالب زوليك بتحسين الشفافية بشأن الإمدادات، وإصدار توقعات للأحوال الجوية لفترات أطول، وإيجاد احتياطات صغيرة من المواد الإنسانية في المناطق المعرضة للكوارث، وتقديم بدائل لحظر التصدير، إضافة إلى تثبيت الأسعار»، وبين أنه «ينبغي أيضاً دراسة منتجات لإدارة المخاطر، مثل التأمين الخاص بالأحوال الجوية أو التحوط بشأن أسعار الطاقة، لإبقاء تكاليف النقل والمدخلات مخفّضة»، وكانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو»، قالت، إن أسعار المواد الغذائية ارتفعت في ديسمبر الماضي لمستوى قياسي يتجاوز المستويات التي أثارت أعمال شغب في، 2008 مضيفة أن أسعار الحبوب الرئيسة من الممكن أن تواصل الصعود في ظل أنماط الأحوال الجوية غير المستقرة التي تدعو إلى القلق، وزاد مؤشر «الفاو»، الذي يقيس التغيرات الشهرية في أسعار سلة من المواد الغذائية تضم الحبوب، البذور الزيتية، منتجات الألبان، اللحوم والسكر، إلى أعلى قراءة له منذ بدء تسجيل البيانات عام،1990 وذلك للشهر السادس على التوالي، ليبلغ متوسطه 215 نقطة الشهر الماضي ارتفاعاً من 206 نقاط في نوفمبر الماضي، متجاوزاً المستوى المرتفع البالغ 213.5 نقطة الذي سجله في يونيو .2008 وارتفعت مؤشرات المنظمة للسكر واللحوم لمستويات قياسية جديدة، بينما سجل مؤشر أسعار الحبوب الذي يشمل أغذية أساسية مثل القمح والأرز والذرة أعلى مستوياته منذ أغسطس 2008.

للقضاء على الجوع في العالم

في سياق ذي صلة فان القضاء على الجوع في العالم يتطلب أرقاما كبيرة تصل إلى نحو 30 مليار دولار سنويا، هذا ما أعلن عنه المدير العام لمنظمة الاغذية والزراعة التابعة للامم المتحدة (الفاو) جاك ضيوف، وقال ضيوف في مؤتمر صحافي عقده مؤخراً في ايسبروك غرب النمسا عشية افتتاح مؤتمر اقليمي مخصص للوضع الزراعي في بلدان اوروبا وآسيا الوسطى، التي تشهد انظمتها مرحلة انتقالية، انه ينبغي بصورة عامة زيادة الاستثمارات في مجال التغذية من الان وحتى العام 2050 بنسبة 30 مليار دولار سنويا للتمكن من محاربة الجوع في العالم، ويضم مؤتمر اينسبروك اليوم الخميس وغدا الجمعة مندوبين من 44 دولة انتقالية في اوروبا وآسيا الوسطى وسيخصص للتنمية الزراعية في هذه المنطقة ووسائل الفاو لدعم البلدان الاكثر تأثرا بارتفاع اسعار المواد الغذائية، وذكر ضيوف بان المجتمع الدولي تعهد في قمة الفاو ضد الجوع في العالم التي عقدت في روما مطلع يونيو برصد سبعة مليارات يورو لمكافحة هذه الافة، وقال "بمعزل عن الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي فان مصارف التنمية والبنك الدولي قدمت ايضا دعمها"، واشار المسؤول الاممي الى ان اسعار السلع الغذائية التي تشهد ارتفاعا كبيرا منذ مدة يتوقع ان تبقى مرتفعة بسبب الطلب الكبير وضعف المخزونات في العالم والمحاصيل غير الكافية نتيجة التغيرات المناخية. بحسب فرانس برس.

طعام فى منزل القذافى

الى ذلك ذكرت صحيفة ذى صن البريطانية، أن الثوار الليبيين عثروا عند دخولهم منزل الرئيس معمر القذافى، بعد فراره، على طعام يكفى لإطعام 4 ملايين شخص، وقال الثوار "على الرغم من تجويع شعبه وجدنا جبالا من الطعام فى المسكن الخاص به، ويكفى هذا الطعام لسد حاجات سكان طرابلس البالغ عددهم 2 مليون من الطعام مرتين على الأقل"، كما وجد الثوار كمية ضخمة من الدواء تكفى الدولة بأكملها لمدة عام كامل، ومعملا لتكرير الوقود، وقال رئيس المجلس الوطنى الانتقالى، عبد الجليل مصطفى، للصحيفة "القذافى منع وصول هذه الإمدادات لليبيين عمدا حتى يعيشوا فى جوع "وتعهد" لن يكون هناك المزيد من المشاكل فى الطعام، أو المستلزمات الدوائية".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 29/أيلول/2011 - 30/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م