فتح التقارب السعودي ـ المغربي في اطار فعاليات مجلس التعاون
الخليجي جدلا من نوع آخر يقترب من الاسفاف وينحدر الى مستوى التفاهة،
حيث انه تزامن مع قرار لجنة استقدام اليد العاملة بفتح باب استقدام
الخادمات المغربيات للعمل بالسعودية، خاصة بعد الضجة الاعلامية حول
العاملات الاندونيسيات وغيرهن، ممن تعرضن للمعاملة السيئة في البيوت
السعودية.
وصور بعض الكتاب ردة فعل النساء السعوديات وكأنهن يمانعن مثل هذا
الاستقدام للمغربيات خوفا وغيرة من منافسة قادمة، وتصدت كاتبات سعوديات
لتبديد هذه الصورة واستشهدن بتجربتهن مع الخادمات المغربيات طيلة عشرين
سنة حيث شهدن لهن بالامانة وحسن الخلق والتفاني في العمل والغيرة على
حرمة المنزل. واضطرت احدى الكاتبات ان تذكر جمهورها ان النساء
السعوديات يحتللن الموقع الثالث في الجمال العالمي وعندهن من الثقة
بالنفس ما يحصنهن تجاه خطر النساء القادمات ولن يعارضن قدومهن للعمل في
المنازل السعودية.
ما يثير الانتباه في مثل هذه المناظرات التافهة هو انحدار مستوى
الجدل والحوار الى الحضيض، حيث كشف هذا الجدل النقاب عن مكبوتات
المجتمع السعودي بنسائه ورجاله ونظرته الاستعلائية التي غذتها ثروة
نفطية حولت المرأة الى سلعة تقاس معطياتها حسب دراسات موثقة عن معايير
الجمال وتصنف على لائحة متصدرة المرتبة الثالثة، حسبما زعمت احدى
الكاتبات.
جاء النفط ليحرر بعض النساء من العمل المنزلي، الذي كان من حصة
المرأة ولا يزال في معظم دول العالم، الا ان المرأة السعودية وبفضل
النفط فقدت قدرتها وسلطتها في المنزل اولا عندما استقدمت الخادمة ومن
ثم فشلت في اختراق الاقتصاد حيث لا تزال مشاركتها من ادنى المستويات
ولا تتجاوز 12%، وتظل المرأة السعودية تحتل ادنى مرتبة على لائحة
الفجوة النسوية العالمية حسب معايير المشاركة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية. ومع الاسف تحولت ثرثرة النساء عن الخادمات ومشاكلهن الى
مادة صحافية دسمة تنشر على صفحات الجرائد المحلية مثبتة انحدار الفكر
والتوجه وانحراف الاولويات الى مستوى الخدم والغيرة ومعايير الجمال.
فمن جهة تصبح الخادمة المستقدمة مثارا لغيرة المرأة السعودية تهدد بها،
خاصة ان نسبة العنوسة فاقت كل المعايير والاحصائيات لتظهر لنا صورة
مجتمع دخل فعلا مرحلة ازمة زواج لاسباب اقتصادية بحتة واجتماعية صرفة.
في ظل هذا الوضع المزري تتصدر المرأة السعودية الدفاع عن معطياتها
الجمالية اولا وثقتها بنفسها ثانيا، حتى تعيد صياغة موقعها كسلعة
مرغوبة في سوق كبير يضم بالاضافة الى المغربيات عددا كبيرا من الجنسيات
العالمية المختلفة. فتضطر المرأة الى ان تذكر الجمهور باحصائيات الجمال
المزعومة وتكرس موقعها كخيار ممتاز في مركز تجاري كبير حيث تتكدس
البضاعة باسعار مختلفة وجودة متباينة.
ومع الاسف غاب عن هؤلاء الكتاب حراك المرأة المغربية ولم يتذكروا
سوى حسن خلق الخادمة، فأين كتاب السعودية عن انجازات المرأة المغربية
من مالكة الفاسي وفاطمة مرنيسي وسيدة ادريس ولطيفة جباري اللاتي تكللت
كتاباتهن ونشاطهن السياسي والاجتماعي بصدور مدونة الاحوال الشخصية
وتحسين وضعهن القانوني ومشاركتهن السياسية والاقتصادية.
أين نساء السعودية من انخراط المرأة المغربية بحركة التحرر والاحزاب
السياسية والحركة العمالية ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات محاربة
الفقر والتهميش في عشوائيات الدار البيضاء وغيرها، وربما من حسن حظ
المغربيات انهن لم يتحولن الى مرفهات يستقدمن الخادمات كنظيراتهن
السعوديات حيث كسبت الاولى معركة استلاب الذات التي لا تزال المرأة
السعودية تعاني منها. اثبتت المرأة المغربية بحراكها الطويل أنها مربية
وعاملة ومثقفة ومهاجرة كادحة، لها الحق في اقتسام الوطن وتحديد مصيره
ومصيرها ولم تكن يوما تقبل ان تحتل الدرجة الثانية والثالثة بناء على
معايير جمال مزعومة.
وان كانت المرأة السعودية لا تعرف الا الخادمة المغربية تدافع عن
خلقها وتفانيها في عملها فهذا من باب شهادة مغلوطة تنتقص من المرأة
السعودية ولا تزيد من قدر المرأة المغربية، حيث لا تحتاج هذه الاخيرة
مثل هذا الاطراء المحموم بعقدة المرأة السعودية، التي حتى هذه اللحظة
لا تزال حبيسة معايير رجولية فرضت عليها ولم تتحرر منها بعد طالما انها
لا تزال تتغنى بجمالها وعلى صفحات الجرائد المحلية وكأنها في مسلسل
دعائي من انتاج شركات العلاقات العامة والاعلانات.
وان اجبرت المرأة المغربية مجتمعها على تغير القوانين المتعلقة
بحقوقها فحتى هذه اللحظة لم تستطع المرأة السعودية ان تفرض حقها في
ابسط الامور، وهي قيادة السيارة فهي وعاملتها المغربية مضطرتان ان
تشتريا خدمات السائقين بينما تحلق المغربية في سماء وطنها لها حرية
التنقل والعمل في مجالات لا تزال المرأة السعودية تحلم بها. وان قدمت
المغربية خادمة الى السعودية فهي تأتي مضطرة تحت ضغط اقتصادها الذي لم
يوفر لها العمل، اما في الدولة النفطية فنعزل النساء ونكرس هامشيتهن
ونستقدم اليد العاملة الاجنبية من المنزل الى المدرسة مرورا بقطاعات
الصحة والاقتصاد حتى خلقنا شريحة كبيرة متعلمة عاطلة عن العمل لا تجد
التسلية الا في المراكز التجارية تحتسي القهوة وتستعرض جمالها وحجم
حقيبة يدها والكحل الذي يطمس عينيها تخترقها غمامة من العطر يلفها بعد
ان تتسلق بكعبها العالي درجات السمو والاستهلاك في دولة السوق المكتظة
بالاجساد العاطلة والنفسيات المحطمة. تبحث بعينيها عن عريس الغفلة
بينما تشتغل أناملها بطباعة الرسائل القصيرة علها تجد ما تصبو اليه وان
كتبت فهي تكتب متغنية بجمالها والاحصائيات العلمية المزعومة لتدافع عن
موقعها في سوق الجمال واسهمها في لوائح السلع.
لماذا شطحت المرأة المغربية وظلت نظيرتها السعودية تعاني من التهميش
واستلاب الذات؟ منهم من قال انها الوهابية والاسلام ومنهم من قال انها
القبلية وكلها سرديات فشلت في تفسير استمرارية التهميش، حيث ان الاسلام
وحده ليس عاملا حاسما في تحديد استمرارية الوضع النسوي السعودي وهو
عامل تشترك فيه مع ملايين من المسلمين الذين اثبتوا ان الاسلام اطار
لإنصاف المرأة وليس تهميشها، اما القبلية فهي ايضا قاصرة عن تفسير
الاستمرارية هذه حيث ان معظم الدول العربية فيها من القبلية
وبطريركيتها ما في السعودية.
اذاً اين هو العامل الحاكم في وضع المرأة السعودية؟ نعتقد ان هناك
عاملين مهمين اولهما الاقتصاد النفطي الذكوري الذي فشل في احتواء
المرأة كعاملة. وثانيا سياسة دولة تعتبر المرأة والحجر عليها جزءا من
شرعيتها الدينية.
تتمحور شرعية الدولة السعودية على مظاهر التدين وقشوره وان هي رفضت
بروز المرأة كعامل اقتصادي فعال في المجتمع فهذا من منطلق تقيدها
بشرعية تعتمد على التمويه وتظل المرأة رمزا مرئيا لهذا التمويه فان
اختلت شرعيتها الدينية نراها تزيد الحجر على المرأة لتختفي من المساحات
العامة، ولكنها مؤخرا وتحت ضغط دولي تبنت هذه الدولة ذاتها مشروع
التحديث والتنوير فاستغلت المرأة هذه المرة لتبرز وجها حضاريا متقدما
ينزع عن الدولة صفة التخلف. وبين النزعة الباحثة عن شرعية دينية
والاخرى المتهافتة على حداثة مزعومة تحولت المرأة الى رمز تستغله
الدولة في صراعها الطويل الباحث عن شرعية جديدة او قديمة، حسب تقلب
المعطيات السياسية، لذلك تأخرت المرأة السعودية عن ركب النساء في
العالم العربي وظلت رهينة شرعية الدولة وخططها السياسية.
وان كان للمرأة السعودية حظ في تجاوز تفاهات احاديث الخدم والخادمات
وخفايا واسرار مرتبات الجمال العالمية فعليها ان تبدأ بتنظيم نفسها في
حركة نسوية تكون جزءا لا يتجزأ من حركة سياسية مستقلة تحرر الرجل قبل
المرأة من السجن الكبير، وستجد في تراث المرأة المغربية نضالا طويلا
تتعلم منه ابجديات الحراك السياسي والعمل الجماعي وليس فنون طبخ الطاجن
بالبرقوق والسمك والخضار وتزيين الحلويات بالقرقاع تماما كما سال لعاب
احد كتاب الصحف السعودية على سيرة استقدام الخادمات المغربيات.
مع الاسف انحدر الخطاب النسوي السعودي الى منزلقات كان اجدر به ان
يتجنبها ويترفع عن الخوض بتفاصيلها، حيث كرس المرأة في موقف الشخصية
المهزوزة، التي تحاول ان تتجاوز تحييدها وتهميشها مستنجدة بجمالها
المزعوم وجاء دفاعها عن المرأة المغربية باهتا ينتقص من قيمة المرأة
المغربية الكادحة التي لا تحتاج الى شهادة حسن سلوك من سيدة القصر
المرفهة او سيدها الباحث دوما عن المرأة التي تشبع غرائز الجسد وليس
رفيق درب ينهض بفكره ويوصله الى آفاق بعيدة.
سقط الخطاب الصحافي السعودي بشقيه النسوي والذكوري على زند المرأة
المغربية العاملة والتي فضحت تفاهات مجتمع الرفاهية الآنية الذي تربى
على يد دولة الاستهلاك والهلاك.
* كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
القدس العربي |