ملامح الإستراتيجية القطرية بعد فضيحة وضاح خنفر؟

إعداد: مركز الرافدين للبحوث والدراسات الإستراتيجية

 

شبكة النبأ: قناة الجزيرة محطة فضائية قطرية، انطلق بثها في شهر أبريل من سنة 1996م، بدعم من الحكومة القطرية، وبميزانية تجاوزت 50 مليون دولار أمريكي، كان الهدف المعلن من إنشاء المحطة هو إيجاد فضائية ناطقة باللغة العربية مستقلة وتنقل الخبر بحيادية وشفافية ومصداقية، بعد ان كانت هذه القناة الفرع العربي من هيئة الاذاعة البريطانية في قطر، واستحدثت قناة الجزيرة القطرية، على نفس المعدات والتجهيزات لقناة بي بي سي البريطانية.

واصبحت قناة الجزيرة في غضون سنوات قليلة أكبر قناة إخبارية عربية من ناحية الإنتشار، واحتلت المرتبة الاولى في المشاهدة في العالم العربي، وكانت سبباً قوياً في إنطلاق قنوات فضائية اخبارية منافسة لها مثل قناة العربية السعودية، وقناة النيل الاخبارية المصرية، وقناة العالم الايرانية.

السؤال الذي يفرض نفسه ما الذي يجعل دولة يبلغ طولها 160 كيلومتراً وعرضها تسعين تملك كل هذا النفوذ وهل كل هذا جزء من نفوذ يتعاظم أم أن الأمر لا يعدو كونه فقاعة إذا أخذ في الإعتبار حجم قطر الجغرافي.

الحديث عن النفوذ القطري يستدعي الموافقة على وجوده بينما إنكاره وإلحاقه بغيره ووصمه بالتبعية أمر غير واقعي او علمي، بل أننا وببساطة نرى أن النفوذ تطور من الوصف الذي يضعه عالم الإجتماع ماكس فيبر لمعنى النفوذ وعلى أنه نفوذ مخصص لتنفيذ رغبات شخصية والامر هنا يتعلق برغبة الامير القطري في ان تلعب بلاده دورا مهما وأن تنفذ مشاريعها الإستثمارية وان تقف بقوة مع القضايا التي يؤمن بها بصفته قوميا عربيا وهذا الأمر قد تحقق وأوجد الامير لبلاده نفوذا إقتصاديا في دول كثيرة ولا يمكن إغفال قطر كلاعب استثماري وأيضا قائد في مجال الطاقة لمخزونها الكبير من الغاز المهم للعالم الصناعي.

فنفوذ قطر عبر آلتها الاعلامية يصل إلى أن هذا النفوذ إن تكلم أثر وإن صمت أثر أيضا، وتلك هي أسمى درجات القوة والنفوذ حسب تعريفات مدارس عنيت بدراسة النفوذ وطرقه. وقد يكون للعالم انتوني غيدنز رؤيته التي تنطبق على قراءة مشهد النفوذ القطري حيث أن عملية النفوذ أصبحت معقدة لدى القطريين ففيها يمتزج المال والثروة بالقدرة على التنفيذ والتخطيط بالمساندة الإعلامية والاستعمال الذكي لها وبالعلاقات الدبلوماسية التي تحتاج إلى جيش من الدبلوماسيين لكن لمهارة القائمين عليها ولإستخدامهم لشبكات سياسية ذات طابع ديني او قومي تمكن القطريين من لعب أدوارهم ونشر نفوذهم بسرعة ويمكننا فهم ذلك عبر دراسة علاقتهم مع حركات الإخوان المسلمين وإستخدامهم لها وأيضا لضمهم شتات القوميين العرب إلى شبكتهم السياسية ومساندتهم لهم عبر مشاريع في لبنان او سوريا او حتى مصر

المعادلة القطرية للحصول على نفوذ كبير تتضمن "المال + الإعلام + المرونة السياسية". فبعيدا عن الذراع الإستثمارية القوية التي توفر لقطر قوة في الغرب والشرق هناك أذرع نفوذ قطرية أخرى تثير جدلا أهمها قناة الجزيرة التي قضت مضجع الأنظمة العربية فساعدت عبر التحشيد والعداء الواضح والإنحياز للشارع لا للقصور في إسقاط أنظمة عربية وفي الوقت التي تتفنن وتبدع فيه وسائل الاعلام القطرية في انتقاد زين العابدين بن علي الرئيس التونسي السابق على بقائه في الحكم اكثر من عشرين عاما يتمتع الأمير القطري بعدم تداول السلطة ويقترب رئيس وزرائه من عشرين عاما في الوزارة دون ان يتيح للشباب القطري المشاركة في الحكم. وفي الزمان الذي يرى فيه الإعلام القطري وخاصة الجزيرة أن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح لا يرغب في الرحيل عن الحكم، لا يتمتع القطريون بحقهم في اختيار حاكمهم عبر صناديق الإقتراع حتى لو عشقوا أميرهم وهاموا حبا فيه بسبب خدماته لبلاده وانتشالها من حالة الجمود السياسي التي عاشته في زمان حكم الأب المغيب عن الإعلام حاليا.

قناة الجزيرة و وثائق "ويكيليكس"

اما ما ذكر حول الجزيرة في وثائق "ويكيليكس" فقد ظهرت فيها 7 وثائق عن قطر، نشر منها 5 وثائق وحجب وثيقتين؟ بعد تفاوض القيادة القطرية مع إدارة الموقع، الذى طلب مبالغ ضخمة حتى لا يتم نشر تلك الوثائق ! وعلى الرغم من أن الموقع التزم بسريه الوثيقتين بعد أن حصل على الثمن من القطريين!!، إلا أنه تم تسريبهما إلى عدد من وسائل الإعلام، أهمها جريدة الكارديان البريطانية، والتى نشرتهما على موقعها،وكانت الاولى تنص ان قناة الجزيرة تمثل الركن الاساس على خريطة التحرك السياسى لدولة قطر، ودورها فى رسم ملامح السياسة الخارجية لهذه الدويلة الصغيرة الطامحة الى لعب دور اقلمي وعالمي كبير!!

تتحدث الوثيقة التى حملت رقم 432 عن اللقاء بين الشيخ حمد بن جاسم بن جبر ال ثاني مع كادر قناة الجزيرة، والذى شرح فية الامير القطري الى معدين الاخبار ومنتجين التقارير الاخبارية، والبرامج الوثائقية في الجزيرة عن السياسة الخارجية القطرية، وأشار فى مجمل تحليله إلى كون الجزيرة أداة فى يد القطريين يستخدمونها كيفما يشاءون وفي خدمة مصالحهم الخاصة فقط على حساب اي طراف أخر!.

أما الوثيقة الثانية وحملت رقم 677 فقد تعلقت بتقييم شامل الى سياسة قطر الخارجية، وتطرق التقييم إلى دور قناة الجزيرة فى منظومة السياسة القطرية الخارجية وفي تدخلها بالشؤون الداخلية للبلدان العربية مثل العراق ومصر ولبنان وفلسطين والسودان وتونس والجزائر وسائر البدان العربية.

وأشارت الوثيقتان إلى أن النظام القطرى يستخدم دائماً قناة الجزيرة فى تصفيه حساباته مع خصومه العرب! وأنه نجح في أكثر من مرة فى إشعال الفتن فى عدد كبير من العواصم العربية عندما توترت العلاقات مع الدوحة من خلال اطلاق العنان الى هذا البوق الاعلامي الرسمي ومجموعات المهرجين المقتاتين على تهريجهم ضد خصوم قطر في العالم العربي، وكل من يرفض دور قطر كدولة عظمى في المنطقة والعالم.

ونشر موقع "ويكليكس" المشهور وثائق جديدة تتعلق بتعاون مدير شبكة قناة "الجزيرة" وضاح خنفر مع الاستخبارات العسكرية الأمريكية يتعلق بماهية الاخبار التي تنشرها القناة القطرية، اذ كانت ترسل له برقيات شهرية تحمل ملاحظاتها على بعض الاخبار التي تنشرها القناة والتي تثير قلق الجانب الامريكي، كما كشفت الوثائق عن مقابلة جرت بين وضاح خنفر ومسؤول الشؤون العامة في الاستخبارات العسكرية الامريكية وذلك بمقر السفارة الأمريكية بالدوحة يوم 19 أكتوبر/تشرين الاول عام 2005.

وبينت الوثائق ان وضاح خنفر بحث مع مسؤول الاستخبارات العسكرية "DIA" المواضيع المقلقة المنشورة في موقع القناة وان خنفر أحضر ردا مكتوبا على البنود المذكورة في التقارير المرسلة له في اشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر من عام 2005، وانه تعهد بتقديم ردود مكتوبة اخرى ردا على دواعي القلق الامركي مؤكدا للمسؤول أن أحدث المواضيع التي تثير قلق واشنطن في موقع القناة قد تم تشذيبها وتهدئة لهجتها وانه سوف يزيلها خلال يومين او ثلاثة.

واشارت الوثائق الى ان المسؤول الامريكي اشتكى لخنفر من بث القناة في شهر سبتمبر/ايلول من ذلك العام انباء مزعجة معتبرا انه مازالت هناك مشاكل فيما يتعلق بازدواجية المصادر في العراق واستخدام الاشرطة التي تتحدث خلالها شخصيات تعتبرها الولايات المتحدة ارهابية بالاضافة الى نشر صور تظهر اراقة الدماء.

وبرر خنفر ذلك بان قناة "الجزيرة" لا تستطيع موازنة تعليق او موقف صدر عن شخص واحد ضد الولايات المتحدة فورا ولكنها ستعوض ذلك فيما بعد في نفس البرنامج او خلال نفس الفترة. كما اكد انه لا يسمح لأي موظف في القناة باستخدام لغة مشحونة ضد الولايات المتحدة.

وذكر موقع ويكليكس" في الوثائق ان المسؤول الأمريكي عبر كذلك عن انزعاج بلاده من بعض التغطيات الإخبارية الخاصة بالعراق، قائلا، "نرى على الموقع صورة أوراق ملطخة بالدماء ومثقبة بالرصاص، ويضغط المشاهد على ثقوب الرصاص للوصول إلى شهود عيان مفترضين يصفون العمليات العسكرية الأخيرة بالبشعة في العراق".

ورد ختفر على ذلك قائلا: "أنه بناء على وعد سابق منه لمسؤول الشؤون العامة، فقد اطلع على الموضوع وأزال صورتين" تخصان طفلين مصابين على أسرة المستشفى وامرأة مصابة في وجهها إصابة بالغة.

كما تعهد بازالة شهادة طبيب في التغطية تشير إلى استخدام القوات الامريكية غازا ساما ضد السكان في مدينة تلعفر العراقية بسبب اعتبار المسؤول ان "شكل الموضوع يشير الى صحافة محرضة ومثيرة للتساؤل".

وذكرت الوثائق أن خنفر طلب من المشرفين على موقع الجزيرة ارسال مسودات للمواد التي ينوون نشرها اليه قبل نشرها. وأكد خنفر للمسؤول الامني الامريكي "لا أقول إن مثل هذه الأشياء لن تتكرر على الموقع، ولكنها عملية تعلم مستمرة".

وتشير الوثائق إلى طلب خنفر الاتفاق على طريقة معينة لإرسال برقيات مكتب الاستخبارات الأمريكية اليه وذلك لانه (خنفر) وجد احداها في جهاز الفاكس مما قد يسهل إطلاع الآخرين في القناة عليها.

بعد أقل من شهر على وثيقة ويكيليكس استقالة خنفر!!

وقد أفادت مصادر مطلعة في "الجزيرة" أنه تم تعيين الشيخ أحمد بن جاسم بن محمد آل ثاني، وهو مدير مؤسسة قطر للغاز، مديراً عاماً لشبكة الجزيرة خلفا لخنفر. وتجدر الإشارة إلى أن الكثير من الانتقادات وجهت أخيراً إلى "الازدواجية" التي تعاملت بها القناة القطرية في تغطيتها للتحركات الشعبية التي تجري في عدد من البلدان العربية.

وقال خنفر نفسه إن سبب الاستقالة يعود إلى أنه قدم "كل ما لديه" خلال 8 سنوات في المنصب، وأضاف أن قراره جاء "إفساحا للمجال أمام قيادات جديدة لتولي المسؤولية". وأكد خنفر رسالته مؤكداً أن "الجزيرة قوية بمنهجها وثابتة بانتماء أبنائها(...) لا تتغير بتغير موظف ولا مدير، ومصلحة المؤسسات كمصالح الدول تحتاج إلى تداول وتعاقب، فتحاً لرؤى جديدة، واستجلاباً لأفكار مبدعة".

تحويل قناة الجزيرة إلى مؤسسة خاصة ذات نفع عام؟

عينت إدارة قناة الجزيرة القطرية، الشيخ "أحمد بن جاسم آل ثاني" مديرا عاما جديدا خلفا للفلسطيني الأصل "وضاح خنفر"، ويأتي ذلك بعد أقل من شهر من نشر موقع "ويكيليكس" برقية دبلوماسية صادرة عن السفارة الأميركية في قطر تشير إلى أن خنفر وافق على التخفيف من حدة بعض المواد التي نشرتها الجزيرة في موقعها على الإنترنت بعد قيام مسؤولة العلاقات العامة في السفارة بانتقادها خلال لقاء معه في الدوحة.

كما لمحت البرقية ذاتها، التي يعود تاريخها إلى أكتوبر 2005، إلى وجود نوع من التفاهم بين الولايات المتحدة والجزيرة حول مضمون ما تبثه ومن ناحيتها، كشفت قناة الجزيرة القطرية بعد تعيين مدير عام جديد لها عن ملامح خططها التوسعية مستقبلا في ظل تحويلها إلى "مؤسسة خاصة ذات نفع عام" مشيرة إلى أنها تستعد "للدخول بفاعلية كلاعب رئيسي على الصعيد الدولي".

وأكد بيان على "صدور قرار مؤخرا بتحويلها إلى مؤسسة خاصة ذات نفع عام؛ بهدف تطوير هياكلها لتلائم التوسع الكبير"، كما جاء تعيين مدير جديد "في إطار تأهيلها مؤسسيا للدخول بفعالية كلاعب رئيس على الصعيد الدولي".

وقد عينت إدارة القناة الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني مديرا عاما جديدا خلفا للفلسطيني الأصل وضاح خنفر، وستكون الشبكة، بحسب النظام الاساسي الجديد، "مؤسسة خاصة ذات نفع عام لها شخصية معنوية وذمة مالية مستقلة وتتمتع بالأهلية الكاملة للتصرف"، تقدر بحوالي 150 مليون دولار.

يضاف إلى ذلك "الإيرادات التي تحققها من ممارسة أنشطتها وعوائد استثمار مالها والقروض التي تعقدها مع الغير والإعانات المالية والمزايا العينية التي تخصصها لها الدولة والهبات والوصايا والتبرعات و المنح".

وقال مصدر قانوني في الشبكة إنها "لن تكون شركة بالمعنى التجاري، فلن يكون لها مالك أو ملاك ولن تطرح لها أسهم في البورصة، كما ينص النظام المالي للشبكة على أن "يكون للمؤسسة صندوق للاحتياطي العام يخصص له سنويا 10% من صافي الأرباح إلى أن يصبح الرصيد مساويا لرأس المال.

وأعلن البيان أن "إدارة الشبكة تتطلع إلى دخول مرحلة جديدة، خصوصا وأنها بصدد التحول إلى خدمة تلفزيونية وإلكترونية دولية متعددة اللغات ومن المنتظر خلال الشهور القادمة إطلاق قناتي تركيا والبلقان.

مواقف الجزيرة اتجاة العراق والربيع العربي؟

الازدواجية التي اتبعتها الجزيرة في تغطية الثورات في العربية، مثلا عمليات الفبركة التي قدمتها الجزيرة في تغطيتها لاحداث الربيع العربي، فبعدما عمدت الجزيرة على فبركة مئات من الافلام للعمليات الارهابية التي تقوم بها الحركات الارهابية الوهمية للمخابرات الاقليمية الخليجية في العراق، كذلك شاهدنا نفس العمليات المفبركة حول الثورة اللبية والسورية، والاتصالات المشبوهة مع شاهد عيان التي تفبركها الجزيرة غالبا، والتي لاقت صداها على شاشة الجزيرة القطرية، الى صمتها المطبق وانحيازها التام الى جانب النظام القمعي في البحرين، وكذلك دور شيخ البلاط الامري القطري الدكتور القرضاوي الذي تميز بجاهزيته في اصدار الفتاوي ضد اي طرف لا تريده قطر، وان اغرب ما طرحه هذا الشيخ تقسيمه الثورات العربية حسب التوجة الطائفي، فقد جرد البحرنيون من حق التغيير والمطالبة بحقوقهم،لانهم شيعة انتفضوا على نظام سني، ويرسم صورة طائفية قاتمه لثورة البحرين متناغمة مع توجهات امراء دول الخليج، الى فتياه ضد النظام العلوي في سوريا الى الفتاوي الغريبة التي اصدرها بعدم الخروج على ولاة الامر حكام الخليج وعلى الشعب الخليجي عدم الخروج بمظاهرات ضد شيوخهم وملوكهم.

فهل ياترى نرى تحولا اعلاميا حقيقا بعيدا عن نهجها الاعلامي السابق في المزيدات وأثارة الفتن وتأجيج الصراعات المذهبية، بعد تغيير مديرها الفلسطيني وضاح خنفر وتسلم الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني مديرا عاما جديدا؟

--------------------------------------------------------

المصادر:

1- دولة قطر العظمى دولة القناة وقناة الدولة- علي حسن الشيخ حبيب

2- الفرنسية.

3- وكالة روسيا اليوم.

4- صحيفة المدا.

5-الجزيرة نت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/أيلول/2011 - 28/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م