أيهما حجر العثرة.. المالكي أم علاوي؟

مهند حبيب السماوي

تترعرع هذه الأيام في البيئة السياسية العراقية الخصبة، وبسبب حالة انعدام الثقة وغياب المنهج الموحد بين الفرقاء، نبتة التصريحات المتشنجة غير المسؤولة من قبل أعضاء التيارات والأحزاب والكتل البرلمانية الذين يديرون، بكل أسى وحزن، دفة العملية السياسية في العراق المتأرجحة في أكثر جوانبها في بندول الشك المتبادل والمصالح الشخصية والانهيار المتوقع والخداع المستمر والفساد المستشري في أوصال الدولة العراقية.

القيام باستقراء موضوعي ومسح نزيه وقراءة حقيقية للتصريحات التي يتفوه بها سياسيو العراق في الفترة الحالية الحرجة سوف يقودنا الى ساحل كمً هائل ومتنوع لايخلو الكثير منه من السذاجة والتفاهة وعدم المسؤولية ويدل دلالة قاطعة على ان اعداء العملية السياسية في العراق، ليسوا دائما من خارج محيطها الجغرافي والفكري بل ان الكثير منهم يحفر بيده الآثمتين، سواء شعر بذلك ام لم يشعر، قبر هذه العملية التي تحتاج الى عملية اخرى لتصحيح مساراتها.

تصريحات جديدة لعضو جبهة الحوار الوطني والنائب عن ائتلاف العراقية السيد حامد المطلك هي التي استفزني للكتابة حولها مع ان غيره من التصريحات لا يُعدم سببا وجيها وملحاً للكتابة عليه وعنه وبأساليب مختلفة بعضها نقدية جادة واخرى تهكمية مستفزة.

ففي تصريح للوكالة الاخبارية للانباء بتاريخ 18-9-2011، قال حامد المطلك، وهو في محل تشخيص اسباب الازمة في العملية السياسية التي يعتبر تشنج العلاقة بين القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون احد اكبر تجلياتها، ان" زعيم ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء نوري المالكي بات عائقا وحجر عثرة امام اي تقارب قد يحصل بين كتلته ودولة القانون".

وهو بذلك، يُلقي، من جهة اولى، بكرة اسباب الخلاف بين ائتلاف دولة القانون والقائمة العراقية في ملعب السيد المالكي شخصيا ويُحمله مسؤولية ذلك، كما انه، من جهة ثانية، يحاول ان يُظهر وجود خلاف بين اعضاء ائتلاف دولة القانون ورئيسه السيد نوري المالكي، في حين ان هذا الامر غير صحيح خصوصا مع التذكير بان اغلب اعضاء دولة القانون الذين لديهم مقاعد في البرلمان قد جاءوا الى هذا البرلمان وجلسوا على كرسيه بأصوات المالكي نفسه او بالتفافهم تحت لوائه.

وقبل خمسة ايام من هذا التصريح أي في 13 -9-2011 كان لدى المطلك تصريح آخر يختلف في مضمونه عن هذا التصريح السابق، حيث أكد المطلك انذاك لوكالة كل العراق [أين]،" استمرار الخلافات بين القائمة العراقية ودولة القانون"، مشيرا الى ان " مصلحة البلد غائبة عن الجميع من خلال ابتعاد الكتلتين عن الوعود التي قطعوها للشعب قبل الانتخابات".

وهو في هذا التصريح لا يأتي على ذكر نوري المالكي ولايعده حجرة العثرة او سبب الخلاف، وقد عزز رأيه هذا ايضا بتصريح ثالث لوكالة كل العراق [أين] في 22-9-2011 تحدث فيه عن ان " استمرار ائتلاف دولة القانون بنهج الاقصاء والتهميش وتنصله عن تنفيذ الاتفاقات السياسية وغيرها من الأسباب هي من دفعت زعيم القائمة العراقية أياد علاوي الى ادلاء التصريحات الاخيرة ". عازيا اسباب ذلك الى " عدم احترام الاتفاقات السياسية التي جاءت ضمن مبادرة اربيل وتمخضت عنها تشكيل الحكومة الحالية".

هذه التصريحات ال" مطلكية" تحاول ان تجد سببا لهذا الخلاف المحتدم بين القائمة العراقية وائتلاف دولة القانون الذي يشل بدوره اوصال العملية السياسية ويوقف عجلة تقدمها ويعرقل أي عملية تقدم او ازدهار يمكن ان يحدث فيها، وهو في تصريحه هذا يحاول تبسيط المشكلة من حيث ربطها بشخصية وارادة المالكي التي تمنع " اي تقارب قد يحصل بين كتلته ودولة القانون" على حد تعبيره.

فالبحث عن السبب الذي يقف حاجزا بين العراقية ودولة القانون لايمكن ان نجده في شخص السيد المالكي ولا حتى في شخص الدكتور اياد علاوي فلو تخيلنا جدلا القائمتين بدون علاوي والمالكي فلا اظن ان احد يستطيع ان يجزم ان الطرق سوف تتعبد بينهما ولا يمكن ان نتصور بان الخلاف سوف يستحيل الى اتفاق وود وتناسق في الفكر والمنهج والفلسفة التي تحملها وتتبناها كل من الكتلتين.

وقد كان السيد نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي على حق الى درجة كبيرة بل يمكن هضم وفهم تصريحه اكثر من تصريح السيد المطلك حينما قال في 8-آب -2011 بأن " الخلاف بين العراقية ودولة القانون ليس شخصياً كما يحاول البعض أن يختزله بل الحقيقة أنه خلاف فلسفي حول إدارة الدولة وتوصيفها، وهذا هو أصل الخلاف".

نعم انها الحقيقة... فالخلاف بين هاتين القائمتين هو خلاف فلسفي يتعلق بالمنهج التي يمكن ان تُدار بها الدولة العراقية والطريقة التي بموجبها يمكن ان تسير هذه الدولة نحو غاياتها المنشودة التي تصب، كما هو المفترض، في مصلحة المواطن العراقي.

هذا الخلاف الفلسفي جاء نتيجة لاختلاف البيئات الناخبة السوسيولوجية التي قدمت للبرلمان هؤلاء الاعضاء وتشكلت على اثر ذلك تلك القوائم، فلا يختلف المالكي وعلاوي فقط في كيفية ادارة الدولة وتحقيق المصالحة والموقف من الاجتثاث فحسب، بل ان بقية اعضاء كلا القائمتين ايضا يختلفون في شتى المسائل ولدرجة كبيرة.

بل ان من انتخب علاوي من جهة ومن منح صوته للمالكي من جهة اخرى يختلفان أيضا فيما بينهما، بمستوى كبير، في الكثير من القضايا الجوهرية وليست الثانوية التي تتعلق بالبلد، ولا يمكن، وفي وقت قريب ووفقا للمعطيات المتوفرة لدينا، ان تُحل تلك الخلافات التي اعتبرها متجذرة في بنية الناخب وبيئته.

فلا احد يمكن ان يصدق بان وجهة نظر ابن الموصل الذي انتخب علاوي او الهاشمي او من يمثلها تطابق نظرة ابن بابل ممن منح صوته للمالكي او من يمثله، فهنالك بون شاسع بين رؤيتين لدى كل منها طريقة مختلفة ومنهج مغاير في ادارة الدولة بغض النظر عمن تكون نظريته صحيحة وصالحة لان تكون منهاج وبرنامج عمل صائب لبناء الدولة العراقية.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/أيلول/2011 - 28/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م