يحاول الطالب والموظف اكمال داسته العليا عبر منفذ واحد في العراق،
وهذا المنفذ يشوبه العديد من العراقيل التي لا علاقة لها بتخصص المتقدم
للدراسات العليا وتجعل من مرحلة التقديم وحصول الموافقات الحلقة
الرئيسية في حين تجديد المناهج أو اعتماد البحوث أو مواكبة التقدم
العلمي والتقني لا يعطى الأولية في عملية تخريج طالب أو موظف ناجح
وفعال يمكن اعتماد البلد عليه.
وفي الوقت الذي نثمن الجهود التي تتبناها الجهات المعنية في موضوع
الدراسات العليا؛ لكن نقول أن العراق بحاجة إلى خلق جيل جديد من حملة
الدراسات العليا الذين سيتمكنون من قيادة البلد بدلا من الاعتماد على
الخبرات والمهارات الأخرى في المجالات: الاقتصادية، العسكرية،
الاجتماعية، العلمية، الإنسانية...الخ.
فلابد أن يؤهل كوادر المؤسسات الخدمية والإنتاجية ويكون فيها من
حملة الدراسات العليا الذين يناطون المناصب العليا والفخرية حتى نتمكن
من الاستعانة بهم في تطوير مؤسساتنا ودوائرنا بدلا من انتظار مجيء
القطار الذي فاتنا في المحطة السابقة.
بعبارة أخرى، نريد ان يكون في كل مؤسسة أو دائرة أو هيئة أو منظمة
من حملة الشهادات العليا، خصوصا الاختصاصات التطبيقية، لكي يستطيع
البلد النهوض والرقي وتمكين كوادره من الاستفادة من هؤلاء في حين لا
نجد عنصرا واحدا في اغلب المؤسسات الإنتاجية والخدمية بسبب
البيروقراطية والقوانين والضوابط.
دعونا نلاحظ البلدان التي مرت بأزمات عديدة تفوق في مداها وحجمها
أزماتنا واستطاعت أن تعتمد على سواعد أبنائها في بناء بلدهم الجريح.
نحن نريد فتح أبواب العلم والمعرفة مادام الشباب لديهم التوجه والقدرة
والاستعداد في خوض هذه المهام، ولنكن صريحين هنالك توجهات خارجية تعمل،
ليل ونهار، في سبيل اضعاف القدرات العراقية، لدى الشباب، الفكرية
والمعرفية ويهدفون إلى جعل الشاب العراقي أداة غير فعالة.
وفي كل عام نجد الآلاف من الشباب يتوجهون صوب وزارة التعليم العالي
والبحث والعلمي للحصول على دراسة عليا في مجال اختصاصهم فإذا بهم
يفاجئون، أصبح روتينا معروفا، بمحدودية المقاعد الدراسية، وضوابط
تستحدث كل عام تختلف بين الجامعات، خطط جامعية مختلفة، عدد المقاعد
الدراسية تختلف بين الجامعات، بيروقراطية مفرطة جدا، حاجة الجامعة من
هذا التخصص،...الخ.
ونود القول أن الشباب الذين يقدمون للدراسات العليا هم أبنائكم
وأولادكم قبل أن يكونوا طلابكم، ويحتاجون إلى الدعم الكافي والمتواصل
ومخرجاتهم ستكون في خدمة البلد. نرى ضرورة توسيع قاعدة القبول في
الدراسات العليا إلى العشرين والثلاثين مقعدا بدلا من مقعد أو مقعدين
في اختصاص ما، والحجة التي تتمسك بها وزارة التعليم هي: ندرة
الاختصاصات، قلة الأساتذة، محدودية المختبرات،...الخ. في حين يكون
الشباب الضحية لهذا البرنامج الذي لا يتغير فيه شيئا كون الجهات التي
تضع الضوابط لا تراعي الإنسان العراقي وما عاناه من فقر وجوع وحرمان
وتميز فئة على أخرى، وعلى سبيل المثال، لم تقبل طالبة في الدراسات
العليا في احدى الجامعات بسبب حصولها على درجة نجاح في الامتحان
التنافسي وقرينتها تفوقها ببوينت واحد، فالسؤال المهم: "هل البوينت هو
ما يحدد العلم لدى الطالب؟"
اذن نحن أمام صراع علمي يخوضه الطالب والموظف من اجل تطوير مهاراته
وخبراته الفكرية والعقلية وتواجهه مثل هذه العراقيل فنقول الزمن والوقت
بأيديكم أيها المعنيون بشؤون الدراسات العليا فلا تدعوا هذا الجيل
ينتظر حتى يمر به الوقت وبعدها يأتي جيل يبحث على القضاء على العلم
والمعرفة والوقوف ضد برامج محو الامية وتعزيز دور التطور الفكري
والعلمي ومحاربة العلم وأهل العلم كوننا في عصر الحداثة والتغيير!
فمسألة الاعتماد على جهة واحدة في كسب الشهادة العليا بات أمرا صعبا
كالذي يبني بيتا بعشرة سنوات... وبالتالي نريد ان تتبنى الوزارات تمكين
وتطوير كوادرها الدراية والهندسية والبيئية والقانونية والطبية والصحية
والتدريسية والتربوية من اجل الاعتماد عليهم في بناء جيل وبلد ومجتمع
متطور فكفانا الاعتماد على التكنولوجيا ونحن لا نجيد أساسيات استخدام
الحاسوب أو نتكلم بلغة الآخرين التي أصبحت الأم في البلدان المجاورة
والتي لم تعد تتناغم، الكثير منها، مع واقعنا الذي يتطلب وقفة جدية من
المعنيين والمسؤولين.
ففي حالة وجود خمسة في كل اختصاص من الإداريين والقانونين
والمهندسين والتربويين في دائرة ما من حملة الشهادات العليا، فسيكون
مردود ذلك على المواطن العراقي والمخرجات لفائدة الجميع. في حين نجد
المدرس يخدم أربعين عاما ويتقاعد بعنوان مدرس لماذا لا يكون أستاذا
والبلد فيه من الخيرات والموارد والأموال الكافية إلى بناء جامعات
تخصصية في الدراسات العليا بدلا من اشغال محاضر أو أستاذ عن طلبته كونه
يعمل في قسم ما، فيكون عليه عبء تدريس طلبة الدراسة الأولية والعليا،
ويكون التوافق صعبا جدا وعلى حساب الطرفين.
ونلاحظ الهجرة الكبيرة للطلبة والموظفين إلى بلدان: الهند، ماليزيا،
أمريكا، استراليا، أوكرانيا،...الخ بحثا عن جامعة تؤوي طلبتنا وشبابنا
وأجيالنا، وينفقون أموال طائلة في سبيل الحصول على الشهادة. كذلك، يوجد
البعض منهم يقضي وقتا طويلا في ايجاد قبول أو منحة أو بعثة للدراسة في
بلد ما وينفق الأموال الطائلة لقاء ذلك، في حين ان الحل بسيط جدا
استحداث برنامج الدراسات العليا عبر الوزارات ويكون البرنامج تحت اشراف
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الموقرة... ويتمكن أبناء البلد من
الاستعانة بالخبراء من المتقاعدين وحملة الشهادات العليا الذين لم يتم
تعينهم لتدريس كوادر الوزارات. وفي غضون ثلاثة سنوات سنشهد تحول نوعي
وكمي في الكفاءات والمهارات والبرامج والتقنيات لدى أبنائنا من الأجيال
الواعدة والكفاءة.
سيقلل هذا البرنامج "الدراسات العليا عبر الوزارات" الكاهل عن وزارة
التعليم العالي والبحث والعلمي، وسيمكن الملاكات العاملة في مؤسساتنا
الخدمية والإنتاجية من تطوير مهاراتها وخبراتها ونقلها إلى الآخرين من
خلال التوأمة العراقية بعراقية أخرى دون اللجوء إلى هدر الوقت والجهد
والمال.
بالإضافة، بالإمكان فتح جامعات تخصصية للدراسات العليا فقط في
العراق لتكون مسؤولة عن تخريج الأجيال النافعة إلى البلد، على الأقل
خمسة جامعات، لتكون ضياءا ونورا ومتنفسا للكوادر والطلبة الطموحة من
الأجيال السابقة واللاحقة، ونوجز فائدتها بما يلي:
1.) تقديم المساعدة الى المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في العراق
من خلال تخريج طاقات وقدرات من حملة الشهادات العليا؛
2.) تقلل الكاهل والعبء على أساتذة وزارة التعليم العالي والبحث
والعلمي من خلال توفير فرص عمل لاستقطاب الطاقات العلمية الخارجية، كما
تفعل الأمارات، وتعزيز التوأمة العلمية والفكرية والتطبيقية؛
3.) تشجيع الطاقات الشابة من الطلبة والكوادر العاملة في المؤسسات
الحكومية وغير الحكومية، التي تركت الدراسة بمجرد التعين أو التخرج،
على مواصلة العلم والدراسة والبحث؛
4.) تمكين الإنسان العراقي على فهم أهمية البحث والدراسة كونهما
الوسيلة لتنمية القدرات العقلية والفكرية؛
5.) جلب الخبرات الخارجية إلى البلد؛
6.) الاستفادة من مخرجات طلبتنا وكوادرنا والسعي لتقليل الاعتماد
على الخبرات والمهارات الخارجية؛
7.) تطوير البرامج المحلية والوطنية المعتمدة؛
8.) توفير فرص عمل لحملة الشهادات العليا؛
9.) تنمية الموارد البشرية وتطويرها وفق المناهج المعدة والمؤلفة
حديثا، ونرى الهند البلد الفقير لا يعتمد طلابه في الدراسات الأولية
والعليا على مناهج خارجية وإنما على مناهج محلية ووطنية مكتوبة بأنامل
أبناءه؛
10.) تعزيز مكانة العلم والمعرفة.
وأخيرا، هنالك حاجة ماسة إلى استحداث معاهد تخصصية، اللغات والحاسوب
والتقنيات الفنية، في كل محافظة ليكون بمثابة مركز تدريب وتطوير. ولدى
الباحث دراسة وافية حول أهمية، فائدة، مزايا، ضرورة،... استحداث مركز
تدريب وتطوير الملاكات في كل محافظة.
* باحث عراقي |