تفجيرات كربلاء... تنظيم إرهابي جديد يكمل ما بدأه في مجزرة النخيب

عشرات الضحايا وأداء امني مخيب للآمال

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: أثارت التفجيرات الأخيرة التي وقعت في مدينة كربلاء المقدسة الشكوك حول طبيعة العمليات الإرهابية في العراق، وأهداف الأجندات السياسية التي تقف ورائها، فضلا عن التنظيمات والخلايا التي خططت وقامت بارتكاب تلك العملية وما سبقها من استهداف لمسافرين في الصحراء من اهالي المدينة.

حيث نجح من يقف وراء تلك الأعمال ضرب المدينة المقدسة لدى المسلمين الشيعة في كافة أنحاء العالم في الصميم، لتكون الرسالة من ذلك مزدوجة وموجه الى أكثر من طرف معني بذلك، وعلى أكثر من صعيد سياسي وامني ودولي.

وعلى الرغم من ان اصابع الاتهام تشير الى تورط تنظيم القاعدة الارهابي في ارتكاب تلك الهجمات، الا ان بعض المحللين يشككون في الطرح الكلاسيكي للأجهزة الأمنية، خصوصا ان العراق والمنطقة يمران في فترة حرجة، ومنعطف طرق قادر على تغيير الخارطة السياسية في العراق وبعض دول الجوار. كما يلوح بعض المراقبين الى تورط جهات اقليمية ودولية في الترتيب لتلك الهجمات، مما يثير قلق ومخاوف العراقيين من عودة اعمال العنف الى ما كانت عليه قبل سنوات.

وسط كربلاء

فقد قتل 13 شخصا في العراق الاحد بينهم عشرة في سلسلة انفجارات بينها سيارة مفخخة وتفجير انتحاري بحزام ناسف وسط مدينة كربلاء جنوب بغداد، ادت الى سقوط عشرات الجرحى ايضا. وبين القتلى في تفجيرات كربلاء سبعة من عناصر الشرطة وبين الجرحى 28 شرطيا.

وقال الفريق عثمان الغانمي قائد عمليات الفرات الاوسط حيث تقع كربلاء في مؤتمر صحافي عقد في كربلاء بعد وقوع الحادث، ان "الانفجارات التي وقعت كانت عبوتين ناسفتين وسيارة مفخخة وانتحاريا بحزام ناسف، وادت الى مقتل عشرة واصابة 86 جريحا".

واوضح ان "سبعة من القتلى هم من عناصر الشرطة وهناك 28 جريحا من الشرطة اضافة الى خمسة من السجناء الاحداث الذين صودف وجودهم لدى وقوع الانفجارات، اما الضحايا الباقون فهم من المدنيين".

الى ذلك، دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ردا على التفجيرات الى رص الصفوف والامتناع عن التصريحات والتصرفات التي من شانها تحقيق اهداف المجرمين ودعاة الطائفية في اشعال الفتنة. وقال ان "هذه الجريمة الشنيعة تأتي إستكمالا لخطة الإرهابيين المندحرين في تحريك الفتنة". واضاف ان "التضحيات والجهود الكبيرة التي يبذلها أفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، لا يمكن أن تصرف الأنظار عن أي خلل أو إهمال أو تقصير يقع في بعض المواقع والأفراد".

واكد المالكي متابعة "التحقيق في هذا الخرق بكل جدية لتحديد موقع الخلل وإتخاذ ما يلزم ازاءه" متوعدا "بالضرب بحزم كل من يقف خلف هذه الجريمة وسابقتها جريمة النخيب لأنها تجمع بين الجريمة السياسية والانسانية".

بدوره، استنكر رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي "التفجيرات الاجرامية التي طالت المدنيين في محافظتي كربلاء والانبار وأسفرت عن أستشهاد وجرح العشرات من المواطنين الأبرياء". وشدد في بيان اصدره مكتبه "على ضرورة مضاعفة الجهود لمنع تكرار مثل هذه الحوادث".

وكلف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وفدا برئاسة نائبه حسين الشهرستاني لمتابعة التحقيق بشأن التفجيرات وقال مكتب رئيس الوزراء في بيان ان المالكي كلف وفدا برئاسة نائبه حسين الشهرستاني وبرفقته وزير الصحة مجيد حمد خليل ووزير البلديات عادل مهودر ووزير الدولة لشؤون المحافظات طورهان المفتي وعدد من نواب محافظة كربلاء لتفقد موقع الحادث. واضاف البيان ان الوفد وصل الى كربلاء مساء اليوم وشرع اعضاؤه في تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في التفجيرات.

وتحدث مدير صحة كربلاء الطبيب علاء حمودي في وقت سابق عن "مقتل تسعة اشخاص واصابة 99 اخرين بجروح في سلسلة انفجارات وقعت قرب دائرة الجوازات والجنسية وسط المدينة".

واكد مصدر في محافظة كربلاء (100 كلم جنوب) انفجار اربع عبوات ناسفة قرب دائرة الجنسية. وقال ضابط في شرطة كربلاء طلب عدم كشف اسمه ان "العبوة الاولى انفجرت حوالى التاسعة والنصف (06,30 تغ) اعقبتها ثلاثة انفجارات لدى تجمع الناس لاجلاء الضحايا".

لكن مصدرا امنيا آخر اكد وقوع انفجارين "الاول نجم عن عبوة لاصقة مثبة على سيارة لاحد موظفي الجوازات والجنسية انفجرت لدى دخوله الى داخل المبنى". واضاف ان الانفجار الثاني وقع "بعد دقائق خارج المبنى لدى تجمع قوات الامن". وقررت السلطات في كربلاء على اثر ذلك اغلاق مداخل مدينة كربلاء تحسبا لدخول سيارة مفخخة الى المدينة، بحسب مصادر امنية.

وقامت فرق الانقاذ بانتشال سبع ضحايا على الاقل من الانفجارات الثلاثة الاولى، فيما انتشلت طفلا ورجلا من الانفجارين الاخرين، وفقا للمصدر. وفرضت قوات الامن طوقا امنيا مشددا حول مكان الانفجارات، فيما واصلت اجهزة الدفاع المدني والاسعاف عملها لانقاذ الضحايا.

وتبعد دائرة الجنسية نحو مئتي متر عن مبنى المحافظة في وسط المدينة. وكربلاء المقدسة تضم مرقد الامام الحسين بن علي عليه السلام، ثالث الائمة المعصومين لدى الشيعة، واخيه العباس من المدن المقدسة لدى الشيعة في العالم، وتستقبل الاف الزائرين بشكل يومي.

من جهته اتهم محمد الموسوي رئيس مجلس محافظة كربلاء جماعات منتمية لتنظيم القاعدة بمسؤوليتها عن هجوم.

وهاجم مسلحون في وقت سابق من الشهر الجاري حافلتين تقلان زوارا متجهين الى كربلاء مما أسفر عن مقتل 22 رجلا كما أن انتحاريا استهدف زوارا شيعة أيضا قتل أربعة وأصاب 17 يوم الخميس.

وأثار الهجوم على الحافلتين في محافظة الانبار التي تسكنها أغلبية من السنة مخاوف بشأن تصاعد التوترات الطائفية مجددا. وأسفر العنف عن مقتل الالاف خلال الصراع الطائفي في البلاد.

واستهدف مسلحون هذا العام بشكل متزايد مباني حكومية محلية وقوات الامن في محاولة لزعزعة الحكومة العراقية الهشة المشكلة من كتل سياسية من السنة والشيعة والاكراد.

وكثيرا ما ينفذ مسلحون تفجيرا واحدا ثم يتبعونه بتفجيرات أخرى عندما تصل قوات الامن لمساعدة ضحايا التفجير الاول. وتسبب مقتل زعماء للجماعات العراقية التي تربطها صلات بتنظيم القاعدة وضغوط من القوات العراقية والامريكية في تقلص قوة هذه الجماعات. لكن مسؤولي امن يقولون ان هناك مؤشرات على أن المسلحين أعادوا تنظيم صفوفهم وانهم عادوا الى المعاقل السابقة.

وبعد أكثر من ثماني سنوات من الغزو الامريكي الذي أطاح بالديكتاتور صدام حسين من المقرر أن تنسحب باقي القوات الامريكية الموجودة في العراق بنهاية العام الجاري عندما تنتهي اتفاقية أمنية ثنائية مع العراق.

وبنهاية الشهر الجاري من المتوقع أن يكون حجم القوات الامريكية في العراق انخفض الى نحو 30 ألف جندي. وأغلب هؤلاء يشاركون في تقديم المشورة والمساعدة للقوات العراقية منذ انتهاء العمليات القتالية في العام الماضي.

ويقول مسؤولون عراقيون وأمريكيون ان قوات مسلحة محلية يمكن أن تحتوي أعمال العنف في البلاد لكن هناك عراقيين يرون أن بقاء جزء من القوات الامريكية يمثل ضمانا لاستقرار بلادهم بينما تسعى للتعافي من الحرب.

وتجري حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي محادثات مع مسؤولين أمريكيين بشأن ما اذا كان هناك أفراد أمريكيون سيبقون في العراق كمدربين بعد 2011 لكن تلك المفاوضات ما زالت في مراحلها الاولى.

استكمال لحادثة النخيب

فقد حمل عدد من سكان كربلاء الأحد الحكومة المحلية والقوات الأمنية مسؤولية التفجيرات التي هزّت مركز المدينة صباح اليوم، واعتبروا أن تكرار استهداف أبنائها كربلاء يعني عودة الطائفية للعراق.

وقال مواطن يدعى أبو سلوان إن "محافظة كربلاء قد تعرّضت لأكثر من أربعة تفجيرات... واكتفت القوات الأمنية بذكر أربعة فقط". وأضاف "نحمّل المسؤولين الأمنيين ما يحدث للمدينة من نكبات تريد زعزعة الأمن وإثارة النعرات الطائفية".

وبين أن "المسؤولين في الحكومة المحليّة شددوا من اجراءاتهم الأمنية حول بناية المحافظة ومجلسها وتركوا مثل هذه الدوائر الحكومية التي تشهد زحاماً شديدا بالمراجعين يومياً". بحسب وكالة كردستان.

وقال المواطن حيدر حسين إن "حادثة النخيب قد حدثت مساءً وبعيداً عن أعين المسؤولين والقوات الأمنية، أما مركز المدينة الذي تحصّنه قوات أمنية مشددة وعملية استهدافه في وضح النهار أمر ترك الريبة في نفوس سكان المدينة؟".

قيادي منشق يكشف عن تنظيما مسلحا جديدا

من جهته كشف القيادي السابق في تنظيم القاعدة الملا ناظم الجبوري، ان تنظيما مسلحا جديدا مرتبطا بتنظيم القاعدة، هو وراء التفجيرات التي ضربت مدينة كربلاء. ولفت إلى ان التنظيم الجديد مكون من بقايا جماعات مسلحة تعيش في المناطق الشيعية وتتعاطف مع تنظيم القاعدة.

وقال الجبوري، إن “تفجيرات في كربلاء ذات بعد استراتيجي للقاعدة وأهدافها النوعية، وتستهدف الشيعة بشكل أساسي، لكنها لم تنفذ بيد القاعدة”، مشيرا إلى أن “التفجيرات نفذت بأيدي تنظيم لم يعلن عنه بعد يدعى أنصار القاعدة”.

وأضاف الجبوري أن “أنصار القاعدة، هم مجموعة من المقاتلين والقادة الميدانيين العراقيين اللذين كانوا جزءً من بقايا أخرى تتواجد في مناطق ذات غالبية شيعية خصوصا جنوب بغداد وكربلاء والبصرة”، مبينا أن “أنصار القاعدة لديهم خلايا نائمة في تلك المناطق التي لا تتوفر للقاعدة فيها قواعد لوجستية وحصل تنسيق بين القاعدة وبينها، وانضووا تحت تنظيم القاعدة دون أن تعلن القاعدة عن ذلك، وأصبحوا أدوات ينفذون مشاريع القاعدة في مناطق لا تتواجد فيها القاعدة بقوة ولا توجد يد ضاربة لهم بها”.

وتابع الجبوري أن “أنصار القاعدة عراقيون وهم خلايا نائمة كانت في فصائل مسلحة أخرى، وهم لم يدخلوا في المصالحة الوطنية ووجدوا بابا للتعاون المشترك مع القاعدة”، مبينا أن “طبيعة المناطق التي يتواجدون فيها هي ذات غالبية شيعية جعل تنظيم القاعدة يستفيد منهم  ليستخدم خلاياهم النائمة مقابل ثمن عن هذه العمليات”، مؤكدا أن “تفجيرات الانبار مختلفة لأن المحافظة فيها تواجد للقاعدة وهي من نفذت تفجيرات الانبار دون الاستفادة من انصار القاعدة”.

وأشار الجبوري إلى أن “هجمات اليوم في محافظتي كربلاء والانبار ربما كادت أن تقع في أن تكون حرب طائفية بعد أحداث النخيب ولم تأتي هذه التفجيرات اعتباطا”، معربا عن اعتقاده أن “القاعدة تحاول بشكل حثيث أن تعيد ما يعرف بالاشتراك الطائفي أو إيجاد الوضع الذي كان عليه العراق في 2006 وهذا ماسيمهد لها عودة الحاضنة، لان الحاضنة في القاعدة كانت موجودة في المناطق السنية بسبب مسالة الصراع الطائفي الذي حصل في 2006، وعمليات اليوم سواء في الانبار او كربلاء هي محاولة جادة من القاعدة لإعادة تلك الحاضنة أليها وإعادة أماكن الوجود لها في ساحات سنية”.

ولفت الجبوري إلى أنه “مقتنع بأن تفجيرات اليوم جزء من سلسلة الوعيد التي هددت فيها القاعدة فيما يعرف بخطة حصاد الخير الثالثة التي توعدت بها بتوجيه 100 ضربة وخص فيها الضربات ذات البعد الطائفي”، معتبرا أن “تفجيرات كربلاء فيها جهد حثيث بأن تكون غالب عملياتها مؤثرة على الساسة الشيعة الموجودين في النظام الحاكم وتؤثر عليهم من خلال توجيه ضربات لقواعدهم الجماهيرية”.

وأكد الجبوري على أنه “من الصعب أن يعود العراقيون إلى المربع الأول، خصوصا بعد ما عاشوا معاناة 2006 و2007 وكذلك الظروف الموجودة على الساحة العراقية اليوم سواء من ضعف الميليشيات أو من ضعف القاعدة في مجملها لا تؤدي إلى الاحتدام الطائفي”.

الوضع الامني يتحسن بشكل عام رغم الخروقات

من جهتها أعلنت الولايات المتحدة على لسان سفارتها في بغداد ان الوضع الامني في العراق يتحسن بشكل عام رغم وجود بعض الخروقات. وذكرت السفارة الاميركية في بيان وزع ان واشنطن تؤمن بان قدرة المجاميع المتطرفة قد تقلصت بشكل واضح بالرغم من تمكنهم من احداث اضرار هنا وهناك. واضافت ان الوضع الامني في العراق تطور بشكل عام وخصوصا خلال العامين الاخيرين على الرغم من الحاجة لعمل الكثير معربة عن الثقة بان الشعب العراقي سيبقى ثابتا ضد العنف وسيستمر على طريق الاستقرار والازدهار.

واستنكرت السفارة وبشدة الاعتداءات الارهابية التي حصلت ضد المكاتب الحكومية في كربلاء معربة عن دعمها لجهود قوات الامن العراقية في اعتقال المسؤولين عن هذه الاعتداءات وتقديمهم للعدالة. وتابعت ان اعتداءات اليوم هي احدث افعال المتطرفين الرافضين للديمقراطية والذين يريدون دحر الحقوق و الحريات التي ضحى من اجلها العراقيون كثيرا.

استنكار

بدورها تستنكر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام العمل الجبان الذي استهدف المدنيين الأبرياء في الوقت الذي تطالب الحكومة المحلية في محافظة كربلاء المقدسة والأجهزة الأمنية بتحمل مسؤولية الحفاظ على امن وسلامة المواطنين.

متمنية في الوقت ذاته الشفاء العاجل للجرحى والمصابين، والصبر والسلوان لذوي الشهداء الذين سقطوا دون ذنب. يذكر أن موقع الانفجارات الأربع التي شهدتها المدينة كان على مقربة من مبنى مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، على مسافة لا تتجاوز 150 مترا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/أيلول/2011 - 27/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م