إعمار العراق... مشاريع متواضعة وآمال محبطة

شبكة النبأ: أفشلت الاوضاع السياسية والأمنية المتردية في العراق كل التصريحات التي توقع اصحابها بنجاح مسيرة الاعمار في وقت قريب مما استدعى ذلك دوائر الدولة ان  تدعم سلامة موقفها بخصوص مسيرة الاعمار في العراق وفيما يتعلق بعمل الشركات الدولية والتي تعزف عن القدوم الى العراق بحجة هشاشة الوضع الامني وغياب قانون الاستثمار. وقال بعض المحللين ان الحكومة غارقة في التمنيات وترفض الاقرار بأن نقص التمويل والقدرات الفنية واستمرار العنف من العوامل التي تضع حدا للتنمية والاستثمارات الاجنبية.

وان النمو السكاني والاكتظاظ والتحضر والقضايا الناجمة عن التهجير الداخلي، كل هذه الظروف تسهم جميعها في تدهور ظروف السكن ونمو الطلب على المساكن في العراق. فان 57 % من سكان المناطق الحضرية الفقيرة يعيشون في ظروف مشابهة، و 37 % من المنازل في المدن في العراق تعاني ازدحاما مماثلا، وسط عجز عن توفير بنية تحتية قادرة على تلبية الطلب المتزايد.

الحلم بمشروعات

تخطط الحكومة العراقية لاقامة خط قطارات سريعة بمليارات الدولارات ينافس قطار اليابان السريع المسمى بالطلقة. لكن المشروع استقبل بتشكك من جانب العديد من العراقيين الذين يجدون صعوبة في الحصول حتى على احتياجاتهم الاساسية من الكهرباء.

ومشروع السكك الحديدية الذي يتكلف عشرة مليارات دولار ويربط بغداد بمحافظات الجنوب هو الاحدث في سلسلة مقترحات ضخمة للبنية الاساسية عرضتها الحكومة العراقية في محاولة لاعادة اعمار الدولة العضو في منظمة أوبك بعد سنوات الحرب.

ويحتاج العراق للتنمية في جميع أجزاء البلاد حيث يتراكم الحطام وتكثر المباني المهدمة بعد مرور أكثر من ثماني سنوات على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

ويواجه أغلب سكان العراق الذين يعانون من نقص الوظائف وتشغلهم حصص الغذاء والامن نقصا حادا في المياه ولا تصلهم الكهرباء الا بضع ساعات في اليوم.

وشوارع بغداد تحتاج لرصف وتمتلئ بحفر نتجت عن انفجارات وجدران أقيمت لحماية المباني من التفجير. وقال أحمد صالح وهو مهندس معماري الحكومة لا يمكنها حتى اقامة مشروعات أسهل بكثير من خط السكك الحديدية. وأضاف طريق المطار الذي يتحدثون عنه منذ ثلاث سنوات مازال في حالة سيئة.

وتراجع العنف بدرجة كبيرة منذ أن بلغ الصراع الطائفي ذروته في عامي 2006 و2007 لكن هجمات وتفجيرات واغتيالات شبه يومية مازالت تجعل التكلفة الامنية جزءا كبيرا من تكاليف الاستثمار الاجنبي.

وفي حين تتدفق الاستثمارات النفطية على البلاد يشكو المستثمرون في قطاعات أخرى من البيروقراطية. ويساعد الصراع السياسي داخل الحكومة في تعطيل المشروعات في مجالات مثل الكهرباء والاتصالات.

وقال يحي الكبيسي المحلل بالمركز العراقي للدراسات الاستراتيجية ان هذه المشروعات يصعب تنفيذها على أرض الواقع وانها مجرد أحلام وتمنيات لمسؤولي الحكومة.

واعادة بناء طرق العراق ونظام المواصلات أمر حيوي بالنسبة للشركات الاجنبية لنقل المعدات في الوقت الذي يجري فيه تطوير قطاع النفط.

ويأمل العراق الذي تضم أراضيه ثالث أكبر احتياطيات نفطية في العالم في اعادة اعمار البلاد باستخدام ايرادات النفط التي تمثل أكثر من 95 بالمئة من دخل الدولة.

لكن العراق لديه القليل من المواصلات العامة ويعتمد أساسا على سيارات الاجرة والحافلات الصغيرة وخطوط سكك حديدية متهالكة تربط بين المحافظات.

وقال مسؤول من وزارة المواصلات ان بغداد وقعت مذكرة تفاهم مع مجموعة ألستوم الهندسية الفرنسية في يونيو حزيران لبناء خط سكك حديدية بطول 650 كيلومترا وقطار سريع.

وتم كذلك توقيع اتفاق أولي لبناء خط لمترو فوق الارض في بغداد مقابل 1.5 مليار دولار مع ألستوم كذلك في مايو أيار الماضي. ومن المتوقع أن يستكمل الجزء الاول من المشروع في 2014.

ومن المشروعات الضخمة كذلك مشروع حي مدينة الصدر الذي يتضمن خطة لبناء 150 ألف شقة سكنية ومتاجر وساحات ودور عرض سينمائي على مدى عشر سنوات. وأعلن عن المشروع لاول مرة في عام 2008 لكن العراق لم يمنح الصفقة لاحد بعد.

وتقول الحكومة ان مشروعات مثل القطار السريع ومترو المدينة ممكنة وألقت باللوم في بطء التنفيذ على نقص في الميزانية.

وقال وزير التخطيط العراقي علي الشكري ان المشروعات التي عرضتها الوزارات جادة وقابلة للتحقيق. وأضاف ان خططها وتكاليفها المقدرة جاهزة لكن المشكلة التي تواجهها جميع الوزارات هي التمويل. وبلغت ميزانية العراق لهذا العام 82.6 مليار دولار محسوبة على أساس سعر متوسط للنفط عند 76.50 دولار للبرميل وعجز قدره 13.4 مليار.

ووضعت وزارة المالية ميزانية لعام 2012 بلغ حجمها 98.3 مليار دولار على أساس سعر نفط عند 85 دولارا للبرميل وبعجز 13.7 مليار دولار. ومازالت تنتظر موافقة مجلس الوزراء والبرلمان. وقال الشكري ان الحكومة تميل الى عقود تقسم فيها المدفوعات على فترة زمنية طويلة بفائدة من أجل المضي قدما في تنفيذ مثل هذه المشروعات.

وتتطلع بغداد كذلك الى شبكة مترو أنفاق. وتجددت خطط مترو الانفاق التي ترجع الى ثمانينيات القرن الماضي قبل نحو ثلاث سنوات وحتى الان لم يستكمل بعد تصميم المترو.

وقال صابر العيساوي رئيس بلدية بغداد ان جزءا من ميزانية 2012 تم توجيهه لتمويل المترو الذي تقدر تكلفته بما بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار ودعا الى التحلي بالصبر قائلا ان مشروعات البنية الاساسية تأخذ وقتا طويلا على مستوى العالم.

وأضاف أن التحضير للمشروعات الكبيرة حتى في الدول المتقدمة يستغرق ما بين ثلاث أو أربع أو خمس سنوات مؤكدا أنها مسألة وقت.

موازنة عام 2012

من جانبها تعمل الحكومة العراقية على مشروع موازنة للعام 2012 بزيادة 36% مقارنة مع موازنة 2011، كما اعلن مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي في بيان الاحد.

وقال البيان ان الحكومة بحثت مشروع قانون موازنة 2012 التي تبلغ 131 تريليون دينار (111 مليار دولار)، اي 36% اكثر من موازنة 2011. بحسب فرانس برس

وتبلغ العائدات المتوقعة 107,7 تريليون دينار (91,27 مليار دولار) وستتم تغطية العجز من مبالغ لم تنفق في 2011 ومن زيادة انتاج النفط وقروض من السوقين الداخلية والدولية، بحسب البيان الذي لم يعط مزيدا من التوضيحات.

وسيحصل بند تحسين الوضع الامني والقدرات العسكرية على نسبة 15% تقريبا من موازنة 2012 (16,94 مليار دولار)، وستخصص 12,71 مليار دولار للمساعدات الاجتماعية. في حين ستحصل التربية على 8,9 مليارات دولار وقطاعا الطاقة والصناعة على 4,24 مليارات دولار.

لكن الحكومة لم تحدد سعر برميل النفط الذي اعتمدته اثناء وضع توقعات موازنتها. ويجني العراق العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) القسم الاكبر من عائداته من النفط.

مشكلة اسكان كبيرة

وفي قصة تتعلق بالوضع الاقتصادي وما يخص مسيرة الاعمار حيث يتكدس باسم عودة واسرته المكونة من ثمانية افراد منذ سنين في شقة من غرفتين متداعيتين تقع في احد مباني الحكومة السابقة وسط بغداد، لانهم لا يملكون مكانا اخر للعيش فيه، في هذا البلد الذي يعاني نقصا كبيرا في وحدات الاسكان.

ظروف العيش البائسة هذه في مبنى كان تابعا لوزارة الدفاع في عهد صدام حسين في منطقة المسبح حولته العائلات الفقيرة الى مجمع سكني، هي صورة مصغرة لمشكلة اوسع نطاقا تتمثل بالنقص الحاد في المساكن في هذا البلد الغني بالنفط.

وكان عودة (43 عاما) سائق سيارة الاجرة يعيش مع اسرته في مدينة الصدر في بغداد، لكن منزله دمر خلال الحرب. وفي العام 2005، دفع 1400 دولار في مقابل ايجار شقة مكونة فعليا من غرفة واحدة، قام بتجزئتها بقواطع الى غرفتي معيشة ومطبخ وحمام ويعيش منذ ذلك الوقت مع زوجته وثلاثة من بناته وشقيقة ووالديه. تنام الاسرة على فرشات صغيرة يقومون برفعها وحصرها في مكان خلال النهار للحصول على مساحة للحركة.

وعلى احد الجدران علقت صورة لجبال مغطاة بالثلوج الى جانب تلال خضراء، وهي تتناقض بشكل صارخ مع اوضاع الاسرة المزرية. ويقول عودة صاحب الشعر والشارب الاسود السميك وقد ارتدى دشداشة سمراء عندما استيقظ في الصباح اشعر بالم بعنقي كوني لا اجد مكانا اضع فيه رأسي ولا استطيع النوم بشكل مناسب.

ويؤكد ان العيش مع سبعة اشخاص اخرين ايضا يضع قيودا على علاقته الحميمة مع زوجته كما ان صغر مساحة ليس مكانا مناسبا يكبر فيها الاولاد عىل حد قوله. بحسب فرانس برس

ويضيف اريد ان يدرس اولادي وينجحوا وان يحصلوا على مستقبل افضل متسائلا ما هو مستقبلهم اذا بقينا هنا؟ ويطاب عودة الدولة بالمساعدة للحصول على مكان افضل للعيش فيه.

والمشاكل التي يعانيها المبنى ليس لها حدود، فالى جانب الاكتظاظ هناك مشاكل الكهرباء والمولدات والمياه. كذلك تنبعث داخل المبنى روائح المجاري. ويقول عودة ان سكان المبنى يجمعون المال من القاطنين بين فترة واخرى لازالة النفايات.

وكان الكثير من الفقراء شغلوا عددا كبيرا من مباني الحكومة التي تقع في افضل مناطق بغداد وحولوها الى مجمعات سكنية فيما تقف الحكومة الحالية عاجزة عن معالجة اوضاعهم.

وعلى الرغم من ان شاغلي المباني لا يدفعون ايجارا يذكر، الا ان الجميع لا يرغب بالعيش فيها بسبب نقص الخدمات. الا انه لا تتافر لهم خيارات اخرى بسبب غلاء بدلات الايجار.

ويقول ديفيد اوبري خبير الاسكان في برنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية في العراق ان العراق يواجه نقصا كبيرا في وحدات السكن، ويكافح لمعالجتها.

من جانبه، قال رئيس هيئة الاستثمار الوطنية سامي الاعرجي ان توفير وحدات سكنية في البلاد هي اولى الاولويات لكن مشاريع الاسكان تأخذ سنوات حتى تنجز.

وفي حين يؤكد اوبري ان العراق بحاجة الى مليوني وحدة سكنية بحلول العام 2016، تعتزم السلطات بناء مليون وحدة سكنية جديدة خلال الاعوام المقبلة.

لكن مع ذلك يبقى الحصول على وحدة سكنية صعب المنال، من دون ان تقدم الحكومة معونة للفقراء للحصول عليها. ويقول عبد الصداح جابر وهو جندي متقاعد في الستين من عمره ان عدد الاسر التي تقطن في المبنى يبلغ 26 اسرة. ويوضح المبنى كان مشغولا لفترة طويلة من احد دوائر وزارة الدفاع، لكن بعد انهيار النظام السابق، اخليت ولم تستعدها الحكومة.

ويواجه جابر مثل باقي سكان المبنى ظروفا صعبة، فهو يعيش في شقة صغيرة في الطابق الارضي مع زوجتيه وابنه وولده. ويقول جابر اتقاضى 250 الف دينار (213 دولار) راتبا تقاعديا شهريا ونحن خمسة اشخاص نعيش في مكان صغير جدا. ويؤكد انه ليس بالسهل ان نعيش هنا نظرا لنقص المياه والخدمات ومشاكل المجاري. ويعبر عن امله ان تقوم الحكومة بتجيهزهم بمساكن تؤمن لهم ظروفا افضل.

بدوره، يؤكد خالد كوزي شايع (47) عاما احد سكان المبنى الذي يقطنه مع اثنين من اولاده وزوجته، ليس بامكاني دفع ايجار للعيش في مكان اخر.

ويوضح انا عامل بناء ولا يمكني دفع ايجار مسكن، لذلك اعيش في غرفة واحدة في هذا المبنى.

وتحتل اريكة زرقاء قديمة وعدد من الخزائن المتهالكة جزءا كبيرا من مساحة الشقة.

ويقول شايع كل شيء صعب، فعندما يزورني ضيف، اواجه احراجا كبيرا، فليس لدي مكان لاستقباله. ويضيف امنيتي ان يكون لي متر واحد ملكي في العراق للعيش به مع عائلتي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/أيلول/2011 - 26/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م