العراق والصراع المزدوج... السياسة والفساد

حملة أبطالها صغار موظفي الدولة لكشف ملفات الفساد على الانترنت

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يبدو ان الصراع السياسي القائم في العراق بين الكتل والاحزاب المشتركة في السلطة اتخذ منحى جديد قد ينعكس لاول مرة منذ انهيار النظام الديكتاتوري السابق لدى اجتياح القوات الامريكية وحليفاتها لتلك الدولة عام 2003.

حيث تحول السجال الدائر بين تلك الاحزاب والشخصيات البرلمانية الى شبه حرب مفتوحة، بعد تفاقم ظاهرة الفساد المالي والاداري بشكل غير مسبوق، وتورط العديد من تلك الجهات بملفات سرقة اموال بملايين الدولارات دون رادع بحسب معظم المراقبين.

فيما كان لاستقالة رئيس هيئة النزاهة (ارفع دائرة رقابية في العراق) مؤخرا، مثارا لتبادل الاتهامات والكشف عن بعض مكامن الفساد السياسي في الحكومة العراقية، بعد ان اتهم عضو في مجلس النواب عن تورط رئيس الوزراء شخصيا او الحلقة الضيقة المحيطة به في التستر على عمليات مشبوه على الصعيد المذكور، الى جانب انتهاج المالكي اسلوبا يمهد لترسيخ ظاهرة ديكتاتورية جديدة في العراق حسب قوله.

في حين بدا ذلك دافعا لحراك بعض صغار موظفي الدولة مؤخرا يهدف لشن حملة لكشف الفاسدين في مرافق الدولة، بعد ان تم تداول ملفات ووثائق تكشف عمليات فساد اداري واهمال لبعض كبار المسؤولين الحكوميين على موقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر.

رفع الحصانة عن نائب برلماني اتهم الحكومة بالفساد

فقد اعلن رئيس مجلس النواب العراقي اسامة النجيفي ان المجلس تسلم طلبا قضائيا برفع الحصانة عن النائب صباح الساعدي الذي اتهم رئيس الوزراء بانتهاج الدكتاتورية واسلوب الرئيس المخلوع صدام حسين. وقال النجيفي في مؤتمر صحافي ان "مجلس النواب تسلم طلبا من مجلس القضاء الاعلى برفع الحصانة عن النائب صباح الساعدي". واضاف ان "البرلمان سيتعامل مع الطلب بحسب النظام الداخلي".

واكد ان "مسالة رفع الحصانة عن أي نائب لابد من دراستها بعناية، ويجب التأكد بأنها ليست دعاوى كيدية أو استهداف سياسي". واشار الى ان هناك "لجنة مكلفة بدراسة هذا الطلب، وبعدها تقرر هيئة الرئاسة رفع الحصانة من عدمه".

واعلن النائب عن دولة القانون علي شلاه ان "مجلس القضاء الاعلى اصدر مذكرة اعتقال بحق النائب صباح الساعدي بتهمة تهديد السيادة والسلامة الوطنية للبلاد". وبحسب شلاه ان الساعدي سيقاضى وفقا للفقرة 226 من قانون العقوبات العراقي.

وينص القانون على عقوبة السجن لمدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة لمن اهان باحدى طرق علانية مجلس الامة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية.

واتهم الساعدي "رئيس الوزراء نوري المالكي بأنه ينتهج نفس نهج صدام حسين من خلال التهديد بالقتل واكبر دليل على ذلك ما حدث لهادي المهدي"، مضيفا ان "مصيرنا سيكون نفس مصير المهدي".

والمهدي الصحافي ومقدم برنامج اذاعي واحد المنسقين للاحتجاجات المطالبة بتحسين الخدمات، قتل بمسدس كاتم للصوت في منزله في الثامن من الشهر الجاري اي قبل يوم من انطلاق التظاهرة في التاسع من ايلول/سبتمبر. واعتبر الساعدي ان الهدف من اتهامه هو "كم الافواه وتوجيه رسالة الى جميع العاملين في مجال مكافحة الفساد بعد رحيم العكيلي". واكد انه "اذا استمرت هذا فان العراق لايعيش زمن الديمقراطية وانما في تاسيس للديكتاتورية".

وكان رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة قدم استقالته منتصف الشهر الجاري، الماضي بسبب ضغوط احزاب سياسية اتهمها بمحاولة التستر على اختلاس اموال، حسبما اعلن احد معاونيه رافضا كشف هويته.

الصدر يتهم المالكي وإيران

من جانبه اتهم زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر رئيس الوزراء نوري المالكي ببناء دكتاتورية جديدة وعبّر عن انزعاجه من صدور مذكرة اعتقال ضد النائب المستقل صباح الساعدي بتهمة القذف وسب المالكي.

ووجه أحد أنصار الصدر سؤالا له قال فيه "ذكرت بعض المصادر الاعلامية نقلا عن مصدر في مجلس الوزراء صدور أمر بإلقاء القبض على النائب المستقل الشيخ صباح الساعدي بتهمة تهديده السلامة الوطنية وان اصدار هذا الامر جاء بناء على شكوى من رئيس الوزراء العراقي. ان هذا وغيره يعطي صورة سيئة تعكس سوء الواقع السياسي في العراق.... فكيف لنا بالنهوض بهذا الواقع وعدم استخدام القانون والسلطة لتصفية الحسابات؟".

وقد اجاب الصدر قائلا "نعم قد ازعجنا هذا الخبر كثيرا... فأوجه كلامي الى الاخ رئيس الوزراء العراقي المحترم: قد تبين لنا وبعد عدة قضايا ومنها صدور أمر القاء القبض على الاخ صباح الساعدي وقبلها إقالة أو إستقالة رئيس هيئة النزاهة العامة وتصفية بعض الاعلاميين بمرأى من الحكومة... إن هذا ماهو الا بناء لدكتاتورية جديدة... فنحن لانريد صداما ولا صداما... فأهيب برئيس الوزراء الكف عن هذه الامور من أجل الحفاظ على سمعة العراق فالعمل السياسي مبني على الشركة لا على الاقصاء".

يذكر أن هيئة النزاهة مؤسسة حكومية رسمية مستقلة معنية بالنزاهة العامة ومكافحة الفساد أنشئت في العراق باسم مفوضيـة النزاهة العامة بموجب القانون الصادر عن مجلس الحكم العراقي السابق واعتبرها الدستور العراقي الدائم لعام 2005 إحدى الهيئات المستقلة وجعلها خاضعة لرقابة مجلس النواب وبدل اسمها إلى هيئة النزاهة وهي تهدف إلى منع الفساد ومكافحته ولها وسائلها القانونية في تحقيقه وتأدية وظيفتها وهي تقسم إلى جانبين، الأول قانوني والثاني تربوي إعلامي تثقيفي ويرأس الهيئة موظف بدرجة وزير يعينه رئيس الوزراء ولا تجوز إقالته إلا من مجلس النواب بالطريقة نفسها التي يقال بها الوزراء وللهيئة نائب واحد وتقوم بإصدار استبيان شهري يبين مؤشر تعاطي الرشوة في العراق.

وكان التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2011 قد ضم ثلاثة بلدان عربية بين البلدان العشرة "الأكثر فساداً" في العالم وهي الصومال والعراق والسودان كما أظهر أن الصومال احتل المركز الأول في الدول الأكثر فساداً تلته أفغانستان وميانمار ثم العراق والسودان وتركمانيا وأوزبكستان وتشاد وبوروندي وأنغولا.

المرجع المدرسي يحمل مجلس النواب مسؤولية الفساد

الى ذلك حمل المرجع الديني محمد تقي المدرسي، اعضاء مجلس النواب مسؤولية زيادة الفساد في مفاصل الى الدولة بسبب ضعفهم في الأداء الرقابي، داعيا البرلمان الى تحسين أداءه التشريعي والرقابي لرفع الحيف عن الشعب العراقي، بحسب بيان لمكتبه.

وأوضح البيان الذي تلقت شبكة النبأ المعلوماتية نسخه منه ان "المدرسي التقى بعدد من أعضاء مجلس النواب في مكتبه بمدينة كربلاء لمناقشة عمل البرلمان في المرحلة الراهنة"، مبينا ان "المرجع انتقد ضعف الأداء الرقابي الذي يمارسه البرلمان على مؤسسات الدولة وان هذا الضعف من شأنه أن يزيد حالات الفساد المالي والإداري والموجودة أصلاً في كافة مفاصل الدولة".

 واضاف ان "المدرسي شدد على ضرورة تحسين أداء البرلمان التشريعي والرقابي من خلال تكاتف كل الجهود ونبذ الخلافات بين الفرقاء السياسيين في سبيل النهوض بواقع الخدمات وتشريع قوانين لرفع الحيف عن الشعب العراقي".

والمرجع محمد تقي المدرسي هو احد مراجع الدين الشيعة الذي يتخذ من مدينة كربلاء المقدسة مقرا لحوزته التي يطلق عليها حوزة القائم.

كشف أسماء فاسدين

وفي تطور جديد بنفس القضية لوح نائب برلماني عراقي بارز باعلان اسماء الاحزاب والجهات التي تقف وراء ظاهرة الفساد، اذا لم تتحرك السلطات بسرعة لوضع حد لهذه الظاهرة في العراق، الذي يعتبر عند خبراء من اكثر بلدان العالم انتشارا للفساد.

وقال بهاء الاعرجي، النائب الشيعي ورئيس الكتلة الصدرية في البرلمان العراقي، وهو ايضا رئيس اللجنة البرلمانية لمكافحة الفساد، ان هناك "ملفات فيها كم كبير من الفساد، واذا لم تتخذ اجراءات قانونية، سنجد انفسنا مضطرين الى الكشف عن الاسماء والاموال والجهات التي تقف وراءها". واضاف الاعرجي ان هناك عشرة ملفات فساد بعينها منها صفقة لشراء اجهزة كشف عن متفجرات تحمل يدويا، ممنوعة من الاستخدام لخطورتها، وفشلت في احباط تفجيرات ضخمة في بغداد خلال السنوات الاخيرة.

وتردد ان تلك الاجهزة بيعت بمتوسط 16500 دولار و 60 ألف دولار، وانتشر استخدامها في العراق بعد ان اشترتها قوات الامن، بدون طائل او جدوى.

كما نوه الاعرجي الى جهود مولتها وزارة الخارجية لاعادة تأهيل وتحديث ستة فنادق عراقية استعدادا لاستقبال القمة العربية كان مقررا عقدها في العاصمة العراقية، لكنها أجلت لاحقا.

الا ان الاعرجي لم يفصح عن تفاصيل تلك الصفقة او طبيعة الفساد المزعوم فيها، وحجمه. يشار الى ان منظمة الشفافية الدولية تصنف العراق ضمن اكثر اربع بلدان فسادا في العالم.

فيما قال عضو بمجلس النواب، إن السبب الرئيس وراء تلكؤ المشاريع وزيادة نسب الفساد، يعود الى آلية إحالة المشاريع، مطالبا بإجراء تعديل على قوانين الاحالة لأنها لا تضمن حاليا التنفيذ وفق افضل المواصفات، كاشفا عن وجود موظفين يستغلون الخلل في القانون ليحصلوا على رشا.

وأوضح جواد الحسناوي عن التحالف الوطني انه "منذ سقوط النظام عام 2003 والعراق يشهد تنفيذ المئات من المشاريع، إلا انها لا تلبي طموح المواطن العراقي، كون اغلبها يتلكأ انجازه، أو تنجز بمواصفات ادنى من التي تمت الإحالة على أساسها". وأضاف: "هذا التلكؤ وعدم انجاز المشاريع وفق المواصفات المطلوبة تسبب بزيادة الفساد المالي والإداري والفساد ذاته تسبب بتلكؤ المشاريع"، مشددا ان على الحكومة المركزية والوزارات "إذا ما أرادت أن ينجح العمل اتخاذ واحد من طريقين، الأول تعديل قانون إحالة المشاريع بحيث يضمن التنفيذ او العقوبة، والثاني غلق منافذ الفساد المستغلة لقانون الإحالة الحالي الذي يفضي بقبول أوطأ العطاءات ودون دراسة المشاريع دراسة علمية من ناحية المواصفات". بحسب اصوات العراق.

وزاد: "وعلى الوزارات والدوائر القطاعية مراقبة تنفيذ المشاريع ميدانيا"، مشيرا ان على الوزارات أيضا "إبعاد كل الشركات التي أثبتت تلكؤها بالتنفيذ، ومعاقبة الموظفين الذين يثبت تورطهم في أعمال الإحالات والمناقصات غير السليمة"، كاشفا عن "وجود موظفين يستغلون الخلل في قانون الإحالات ليحصلوا على رشا"، مشددا على "ابعادهم من مواقعهم".

الوقف الشيعي

الى ذلك تحصلت شبكة النبأ المعلوماتية على ملف يكشف في طياته تورط رئيس الوقف الشيعي السيد صالح الحيدري بعملية اهمال متعمد يرتقي الى شبه الفساد في ملف اعادة بناء مرقد الحر الرياحي في مدينة كربلاء المقدسة، والذي يخضع لعملية اعمار منذ ما يوازي ست سنوات مضت.

وشهد المرقد خلال إعادة إعمار انهيار شامل خلال السنوات الماضية، تسبب بخسائر مادية كبيرة وجرح عدد من الأشخاص، فيما لا يزال الإعمار متعثرا الى هذا الوقت بسبب رفض ديوان الوقف الشيعي بإطلاق المناقصات المطلوبة للشركات بحسب بعض الشهود.

ويشير الملف الى قيام السيد صالح الحيدري كرئيس لجنة التحقيق في انهيار بناء المرقد بغض النظر عمن يقف الأشخاص الذين يقفون وراء انهيار البناء وإلصاق التهمه بمهندس لم يكن متواجد قبل وأثناء التشييد، وحتى بعد انهيار البناء لفترة طويلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/أيلول/2011 - 25/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م