الامام جعفر الصادق... شمس العلم والمعرفة وسفينة من سفن النجاة

الذكرى السنوية لاستشهاده عليه السلام

شبكة النبأ: عظيم من عظماء الإسلام وشمس من شموس ال محمد(ص) ومعجزة من معاجز الخالق العظيم أفاض على الدنيا بشتى المعارف والعلوم و كان له الفضل الأول في تأسيس اكبر جامعة أسلامية عرفتها الدنيا والتي لازلت شواهدها قائمة حتى يومنا هذا وستستمر بضيائها الساطع لتنير للإنسانية دروب المعرفة واليقين.

ذلك هو الإمام أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين السجاد بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام).

أمه

وأمه فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وهي السيدة الجليلة النجيبة المكرمة المعروفة بأم فروه.

مولده

ولد الإمام الصادق سلام الله عليه في المدينة المنورة يوم الأثنين، السابع عشر من شهر ربيع الأول، وهو اليوم الذي وُلد فيه جده النبي (ص)، وكانت ولادة الإمام (ع) سنة ثلاثة وثمانين من الهجرة النبوية المباركة، وقيل سنة ثمانين للهجرة والقول الأول أشهر..

عمره وحياته

عاش (ع) خمساً وستين سنة على المشهور، أقام مع جده الإمام زين العابدين (ع) أثنتي عشر سنة، وبعده مع والده الإمام محمد الباقر (ع) تسع عشر سنة، وبعده في إمامته وخلافته أربعاً وثلاثين سنة.

ألقابه

لقب عليه السلام بعدة ألقاب كان منها الصادق والفاضل والطاهر والقائم والكامل والمنجي والكافل وأسمه جعفر وكنيته أبا عبدالله وأبو موسى وإليه ينسب الشيعة الجعفرية.

صفته

 كان علية السلام ليس بالطويل ولا بالقصير، أبيض الوجه، أزهر له لمعان كأنه السراج، أسود الشعر، جعده أشم الأنف قد انحسر الشعر عن جبينه فبدا مزهراً، وعلى خده خال أسود. وكان نقش خاتمه: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، أستغفر الله.

ملوك عصره

عاصر (ع) سبعة من طواغيت عصره، خمسة من طواغيت الأمويين وهم أخر طواغيت البيت الاموي وأثنان من طواغيت بني العباس.

فقد عاصر الإمام الصادق (ع) هشام بن عبدالملك، وبعده الوليد بن يزيد بن عبدالملك، ثم إبن عمه يزيد بن الوليد، وأخيه إبراهيم بن الوليد، ثم أبن عم أبيهما مروان بن محمد المعروف بالحمار الذي كان اخر ملوك بني امية، وقد انتهى عهد مروان بمقتله وبانتصار بني العباس، وبدء الحكم العباسي سنة 132من الهجرة النبوية المباركة.

أما طاغيتا بني العباس اللذان عاصرهما الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، فأولهما مؤسس الدولة العباسية، وهو أبو العباس ولُقب اول ملوك بني العباس بالسفاح لفرط جوره وظلمه وكثرة ما سفح من دم وقتل من الناس الكثيرين وقد دام حكمه أربع سنوات وثمانية أشهر.

اما الطاغية الثاني الذي عاصره الإمام الصادق (ع) بعد السفاح فهو أبو جعفر المنصور وكان استشهاد الإمام الصادق (ع) في السنة العاشرة من حكم ابي جعفر المنصور الذي استمر أثنتين وعشرين سنة إلا شهراً واحداً.

عبادته

قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي: أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وهو من عظماء أهل البيت وساداتهم (عليهم السلام)، ذو علوم جمة، وعبادة موفورة، وأوراد متواصلة، وزهادة بينة، وتلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستفتح عجائبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه، رؤيته تذكر الآخرة، واستماع كلامه يزهد في الدنيا والإقتداء به يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة، وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرية الرسالة.

 قال منصور الصيقل: حججت فمررت بالمدينة فأتيت قبر رسول الله (ص) فسلمت عليه، ثم التفت، فإذا أنا بأبي عبد الله (ع) ساجداً فجلست حتى مللت، ثم قل : لأسبحنّ ما دام ساجداً فقل: سبحان ربي وبحمده، أستغفر ربي وأتوب إليه ثلاثمائة مرة ونيفاً وستين مرة، فرفع رأسه ثم نهض فاتبعته وأنا أقول في نفسي: إن أذن لي فدخلت عليه، ثم قلت له: جعلت فداك أنتم تصنعون هكذا!! فكيف ينبغي لنا أن نصنع؟ فلمّا أن وقفت على الباب خرج إلي مصادف فقا : ادخل يا منصور، فدخلت فقال لي مبتدئاً، يا منصور إن أكثرتم أو قللتم فوالله ما يقبل إلا منكم.

وقد روي أن مولانا الصادق (عليه السلام) كان يتلو القرآن في صلاته، فغشي عليه فلما أفاق سئل: ما الذي أوجب ما انتهت حاله إليه؟ فقال ما معناه: ما زلت أكرر آيات القرآن حتى بلغت إلى حال كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها.

مقامه العلمي

كان (ع)، وكذا اباؤه وابناؤه المعصومون، القمة العليا والذروة القصوى في العلم والخلق معاً، وكان يضرب به المثل في الجمع بين الشرف والمعرفة، وفي الأخبار عنه (ع) أنه كان يحضر درسه اربعمائة رجل من وجوه المسلمين تلاميذ وعلماء ومجتهدين، وروي عنه وحدث من الثقات أربعة آلاف نفر، منهم مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة الذي كان من تلامذته والذي يقول ( لولا السنتان لهلك النعمان ) أي السنتين اللتين درسهما عند الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) وغيرهم. وكان عدد كبير من أعلام الفقهاء والصوفية يفتخرون بالنقل عنه، أمثال أبي يزيد، ومالك والشافعي وابن جريح وابراهيم بن ادهم، ومالك ابن دينار، بل أن مالك بن أنس كان يقول ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر، أفضل من جعفر الصادق (ع) فضلاً وعلماً وورعاً وعبادة ومناقشاته.

وقد اتّسم العصر الذي عاشه الإمام بظهور الحركات الفكرية، ووفور الآراء الاعتقادية الغربية إلى المجتمع الإسلامي، وأهمها عنده هي حركة الغلاة الهدّامة، الذين تطلّعت رؤوسهم في تلك العاصفة الهوجاء إلى بثْ روح التفرقة بين المسلمين، وترعرعت بنا ت أفكارهم في ذلك العصر ليقوموا بمهمّة الانتصار لمبادئهم التي قضى عليها الإسلام، فقد اغتنموا الفرصة في بثّ تلك الآراء الفاسدة في المجتمع الإسلامي، فكانوا يبثّون الأحاديث الكاذبة ويسندونها إلى حملة العلم من آل محمّد، ليغرّروا به العامّة، فكان المغيرة بن سعيد يدّعي الاتّصال بأبي جعفر الباقر، ويروي عنه الأحاديث الـمـكـذوبة, فأعلن الامام ‌الصادق(عليه السلام) كذبه والبراءة منه، وأعطى لأصحابه قاعدة في الأحاديث التي تروى عنه فقال: «لا تقبلوا عليناً حديثا إلا ما وافق القرآن والسنّة , أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة».

 ثم إن الإمام قام بهداية الأمّة إلى النهج الصواب في عصر تضاربت فيه الاراء والأفكار, و اشتعلت فيه نار الحرب بين الأمويّين ومعارضيهم من العباسيّين , ففي ‌تلك الظروف الصعبة و القاسية استغلّ الإمام الفرصة فـنـشر من أحاديث جدّه، وعلوم آبائه ما سارت به الركبان, وتربّى على يديه آلاف من المحدّثين والـفـقـهـاء ولـقـد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقاة على اختلاف آرائهم ومقالاتهم ـ فكانوا أربعة آلاف رجل وهذه سمة امتاز بها الإمام الصادق ‌عن غيره من الأئمّة ـ عليه وعليهم السلام.

وجـد الإمام (عليه السلام) أن أمر السنّة النبوية قد بدأ يأخذ اتّجاهات خطيرة ‌وانحرافات واضحة، فـعـمد (عليه السلام) للتصدّي لهذه الظاهرة الخطيرة , وتفنيد الآراء الدخيلة على الإسلام والتي تسرّب الكثير منها نتيجة الاحتكاك الفكري والعقائدي بين المسلمين وغيرهم.

وقد شكلت تلك الفترة تحدّيا خطيراً لوجود السنة النبوية، وخلطاً فاضحاً في كثير من ‌المعتقدات , لذا فإن الإمام (عليه السلام) كان بحقّ سفينة النجاة من هذا المعترك العسر.

إن علوم أهل البيت (عليهم السلام) متوارثة عن جدّهم المصطفى (صلى الله عليه وآله)، الذي أخذها عن الله تعالى بواسطة الأمين جبرئيل (عليه السلام)، فلا غرو أن تجد الأمة ضالّتها فيهم (عليهم السلام)، وتجد مرفأ الأمان في هذه اللجج العظيمة، ففي ذلك الوقت، حيث أخذ كلّ يحدّث عن مجاهيل ونكرات ورموز ضعيفة ومطعونة، أو أسانيد مشوّشة، تجد أن الإمام الصادق (صلى الله عليه وآله) يقول: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث علي بن أبي طالب، وحديث عليّ حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول الله عزّ وجلّ.

فتأسّست بذلك على يديه (عليه السلام) جامعة إسلامية كبرى تضمّ أكثر من أربعة آلاف عالم تخرّجوا على يديه، في علوم الدين والرياضيات والكيمياء، وحتى الطب. وكان جابر بن حيّان الكيميائي المشهور يبدأ مقالاته في هذا العلم بقوله: حدّثني سيّدي "جعفرُ بن محمدٍ الصادق (عليه السلام)".

كان الإمام الصادق (عليه السلام) يحترم العلماء المؤمنين ويشجّعهم ويوضّح لهم الطريق الصحيح للبحث والحوار لخدمة الدين وتعميق أساس الإيمان، وكان يشعر بالحزن لدى رؤيته المنحرفين الضالّين الذين يسعون إلى بلبلة عقائد الناس ونشر الضلال.

 واجتمع أربعة من هؤلاء الضالّين في مكة وراحوا يسخرون من الحُجّاج وهم يطوفون بالكعبة، ثم اتّفقوا على نقض القرآن بتأليف كتابٍ مثله، فتعهّد كلّ واحد منهم بربع القرآن، وقالوا ميعادنا العام القادم. ومرّ العام، واجتمعوا مرّة أخرى.

قال الأول: قضيت العام كلَّه أفكّر في هذه الآية: ((فلّما استيأسوا خلصوا نجيّاً)) وقد حيّرتني فصاحتها وبلاغتها.

قال الثاني: فكّرت في هذه الآية: ((يا أيها الناس ضُرِب مثلٌ فاستمعوا له إنّ الذين يدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له } فلم أقدر أن آتي بمثلها)).

وقال الثالث: وأنا فكّرت في هذه الآية: ((لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا)) فلم أستطع أن آتي بمثلها.

وقال الرابع: انه ليس من صنع البشر.

لقد قضيت العام كلّه أفكّر في هذه الآية: ((وقيل يا أرض ابلعي ماءكِ ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقُضي الأمر واستوت على الجوديّ وقيل بُعداً للقوم الظالمين)).

ومرّ بهم الإمام الصادق (عليه السلام) فنظَر إليهم وتلا قوله تعالى: ((لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً)).

من أقوال الإمام(ع)

قال(عليه السلام): المؤمن من لا يدارى ولا يمارى.

وقال(عليه السلام): من تطاطأ للسلطان تخطاه و من تطاول عليه أرداه.

وقال(عليه السلام): الاسترسال إلى الملوك من علامة النوك، و الحوائج فرص فخذوها عند اسفار الوجوه، ولا تعرضوا لها عند التعبيس و التقطيب.

وقال(عليه السلام): لو علم السىء الخلق انه يعذب نفسه لتسمح في خلقه.

وقال(عليه السلام): ما أربح امرؤ و أحجم عليه الرأى، وأعيت به الحيل، الا كان الرفق مفتاحه.

وقال(عليه السلام): آفة الدين العجب و الحسد و الفخر.

وقال(عليه السلام): من اعتدل يوماه فهو مغبون; ومن كان غده شر يوميه فهو مفتون، و من لم يتفقد النقصان في نفسه دام نقصه، و من دام نقصه فالموت خير له، و من أذنب من غير معتد كان للعفو اهلا.

وسئل(عليه السلام) عن الدقه; فقال (عليه السلام): منع اليسير وطلب الحقير وقال (عليه السلام): لا تكمل هيبة الشريف الا بالتواضع.

وقال(عليه السلام): من كان الحزم حارسه والصدق جليسه، عظمت بهجته وتمت مروته; ومن كان الهوى مالكه و العجز راحمه عاقاه عن السلامة وأسلماه إلى الهلكة.

وقال(عليه السلام): اطلبوا العلم ولو بخوض اللجج، وشق المهج.

وقال(عليه السلام): جاهل سخى أفضل من ناسك بخيل.

وقال(عليه السلام): ثلاثة لا يصيبون الا خيراً: اولو الصمت، وتاركو الشر، والمكثرون ذكر الله عزوجل، ورأس الحزم التواضع، فقال له بعضهم: وما التواضع؟ قال (عليه السلام): أن ترضى من المجلس بدون شرفك، و أن تسلم على من لقيت، و أن تترك المراء و ان كنت محقاً.

وسئل(عليه السلام): عن فضيلة لامير المؤمنين صلوات الله عليه و سلامه عليه لم يشركه فيها غيره، فقال (عليه السلام): فضل الاقربين بالسبق، وسبق الأبعدين بالقرابة.

وقال(عليه السلام): خذ من حسن الظن بطرف، تروج به امرك وتروح به قلبك.

وقال(عليه السلام): المؤمن الذى اذا غضب لم يخرجه غضبه من حق; واذا رضى لم يدخله رضاه في باطل، والذى اذا قدر لم يأخد اكثر ماله.

وقال(عليه السلام): امتحن اخاك عند نعمة تتجدد لك او نائبة تنوبك.

وقال(عليه السلام): من حق أخيك ان تحتم له الظلم في ثلاثة مواقف: عند الغضب، وعند الذلة; وعند الشهوة.

وقال(عليه السلام): من ظهر غضبه ظهر كيده، ومن قوى هواه ضعف حزمه.

وقال(عليه السلام): من أنصف من نفسه رضى حكماً لغيره.

وقال(عليه السلام): من لم يقدم الامتحان قبل الثقة، و الثقة قبل الانس أثمرت مروته ندماً.

وقال(عليه السلام): لا تبغ اخاك بعد القطعية وقيعة فيه، فتسد عليه طريق الرجوع اليك; و لعل التجارب أن ترده اليك.

وفاته

سمّه المنصور عليه لعنة الله، ودفن في البقيع وقيل لأن أبي جعفر المنصور لعنه الله لما لم يتمكن من قتله في بغداد أرسله إلى المدينة وبعث من خلفه سماً قتالاً إلى والي المدينة وأمره بأن يعطيه السم ويسقيه فأخذ الوالي عنباً وغمس السلك في السم ثم جذبه في العنب حتى صار مسموماً وسم الإمام روحي له الفدا بذلك العنب المسموم ومرض مرضاً شديداً ووقع في فراشه.

دفن (عليه السلام) في البقيع، مع أبيه الباقر، (صلوات الله عليهم أجمعين). وفي الثامن من شوال سنة 1344 هـ هدم الوهابيون قبر، وقبور بقية أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

تلك كانت سطور من حياة هذا الإمام العظيم وباختصار شديد فحياته (ع) كانت مليئة بالعطاء والعلم والمعرفة والحديث عنها يحتاج الى الآلاف الصفحات والكتب لتعرف عليها فالسلام علية يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/أيلول/2011 - 23/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م