تركيا وإسرائيل... من أزمة مرمره الى الصراع على غاز المتوسط

شبكة النبأ: في 8 أيلول/سبتمبر، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لقناة "الجزيرة" إن حكومته قد اتخذت خطوات لمنع إسرائيل من استغلال أحادي الجانب للموارد الطبيعية في البحر المتوسط. وذكر، "لقد بدأت إسرائيل تعلن أن لديها الحق في العمل في مناطق اقتصادية حصرية في البحر الأبيض المتوسط"، مستشهداً على ما يبدو بالخطط الإسرائيلية للاستفادة من احتياطيات الغاز المكتشفة حديثاً بالقرب من شواطئ البحر. وقد حذر بقوله "لن تكون إسرائيل المالك لهذا الحق."

وفي تصريحات أخرى قال أردوغان إن البحرية التركية سوف تحمي سفن المساعدة المتجهة إلى غزة في المستقبل لكي تمنع تكرار حادثة الأسطول من عام 2010 التي قتلت فيها قوات المغاوير الإسرائيلية تسعة ناشطين كانوا يحاولون كسر الحصار. وقد أتت تلك الملاحظات بعد أيام فقط من صدور تقرير الأمم المتحدة الذي يدين مقتل الناشطين ويبرر الحصار الذي فرضته إسرائيل، وهو القرار الذي دفع أنقرة إلى تخفيض العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بصورة جذرية وتجميد تعاونهما العسكري والتجاري الكبير.

وبحلول 9 أيلول/سبتمبر، بدت كلتا الحكومتين تتراجعان عن المواجهة حول أية قافلة مساعدات إنسانية مستقبلية. وقد ورد في الأخبار أن مسؤولاً تركياً قد قال بأنه قد تم "تحريف" كلام أردوغان وأن أقواله قد نُقلت "خارج سياقها" بينما نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقرير لوسائل الإعلام نُسب إلى مكتب وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان حول احتمال دعم "حزب العمال الكردستاني" الإرهابي في صراعه مع تركيا. وحتى مع ذلك، فإن قضية حقوق الغاز الطبيعي بالقرب من شواطئ البحر التي قد تكون أكثر إشكالية، تهدد الوضع بصورة كبيرة.

يقول سايمون هندرسون في تحليله الأخير المنشور في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن ميثاق الأمم المتحدة حول "قانون البحار" يمنح كل بلد الحق في استغلال الموارد في "منطقة اقتصادية حصرية" لمسافة 200 ميل بحري من سواحله، لكن اتفاقيات الحدود البحرية مع الدول المجاورة (بما فيها دول الجيران القريبة من شواطئ البحر الواقعة على مسافة أقل من 400 ميل بحري) لا تزال بحاجة إلى التفاوض بشأنها. وقد ظهرت هذه المشكلة على الواجهة في شرق البحر المتوسط بعد اكتشاف إسرائيل احتياطيات غاز ضخمة تحت البحر يُقدر أنها تتجاوز مستويات الاستهلاك الحالية بعدة مرات. وتفرض مثل هذا المكتشفات كبيرة الحجم احتمالية تحقيق استقلال هائل في مجال الطاقة وفوائض من المحتمل أن تكون للتصدير.

إلا أن مصر المجاورة هي بالفعل لاعب رئيسي في السوق الدولية للغاز الطبيعي، في حين يعتبر من الناحية الجيولوجية بأن للبنان وقبرص على الأرجح احتياطيات كبيرة من الغاز بالقرب من شواطئ البحر الخاصة بهما. ومن المقرر أن يبدأ أول تنقيب استكشافي في قبرص في الشهر المقبل - وهو تطور يمكن أن يُسفر عن خطاب أكثر تهديداً من جانب أنقرة.

دور نزاع قبرص

وبرى سايمون انه على الرغم من أن تصريحات أردوغان في 8 أيلول/سبتمبر قد مزجت بين قضيتي الغاز وحصار غزة إلا أن المفتاح الحقيقي لفهم خصام تركيا الحالي مع إسرائيل هو النزاع غير المحسوم على قبرص. ففي الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانت التوترات في الجزيرة - بين الطائفة الناطقة باليونانية التي تدعمها أثينا والأخرى الناطقة بالتركية المدعومة من قبل أنقرة - غالباً ما تبدو بأنها تشكل خطراً أكبر على السلام الإقليمي من الاختلافات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومنذ عام 1974، عندما أرسلت تركيا قواتها إلى الجزيرة لدعم الطائفة القبرصية التركية ومنع أي اتحاد بين القبارصة اليونان الذين يشكلون الأغلبية وبين اليونان، انقسمت الجزيرة وتدخلت قوات الأمم المتحدة للتوسط بين الجانبين.

وقد فشلت محاولات متكررة لتحقيق المصالحة. وبدعم أنقرة أقام القبارصة الأتراك "الجمهورية التركية لشمال قبرص" المستقلة نظرياً، والتي تعززت بوجود أكثر من 30000 جندي تركي. غير أنه باستثناء تركيا لم تعترف أية دولة أخرى بهذه الجمهورية - وهي حقيقة لا تزال تثير حفيظة أنقرة. وفي الوقت نفسه، أصبحت جمهورية قبرص ذات الأغلبية اليونانية عضواً في الاتحاد الأوروبي وتعتبر ممثلة للجزيرة كلها.

ويتابع، أما الاكتشافات الأخيرة للغاز الطبيعي تحت قاع البحر في شرق البحر الأبيض المتوسط فقد دفعت أنقرة على ما يبدو إلى تجديد حملتها الدبلوماسية لصالح القبارصة الأتراك. ويقال إن أردوغان قد صرح الأسبوع الماضي بأن "تركيا كضامنة لـ 'الجمهورية التركية لشمال قبرص' قد اتخذت خطوات في منطقة (الموارد القريبة من شاطئ البحر)، وسوف تنشد حقها بحزم في مراقبة المياه الدولية في شرق البحر المتوسط." ومثل هذه السياسة يمكن أن تضع تركيا في نزاع مع جميع الحكومات الساحلية في المنطقة، من جمهورية قبرص إلى إسرائيل ولبنان ومصر وسوريا:

• قبرص. أنقرة غاضبة من توقيع جمهورية قبرص على اتفاقية حدود بحرية مع لبنان وأخرى مع إسرائيل. وفي عام 2008، قيل إن البحرية التركية قد اقتربت بشكل خطر من سفن كانت تقوم بمسوحات زلزالية في مياه قبرص مما أثار الذعر في واشنطن. وفي 8 أيلول/سبتمبر، أصدرت الحكومة القبرصية اليونانية بياناً احتجت فيه على ادعاء أنقرة بأن خطط الجزيرة لاستكشاف واستغلال الاحتياطيات القريبة من شاطئ البحر لا تتفق مع القانون الدولي ولا تُسهل حل المشكلة القبرصية. وأضاف المتحدث الرسمي بأن "مشكلة قبرص لا يمكن حلها عن طريق التهديدات."

وينوه سايمون الى ان من المرجح أن يزداد غضب أنقرة تجاه قبرص بعد تموز/يوليو 2012 عندما تتولى الجزيرة رئاسة الاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر. وعلى الرغم من أن تركيا قد قلصت بالفعل من حماسها للانضمام إلى الاتحاد إلا أنها ربما تنزعج بسبب الهيبة والنفوذ الدبلوماسي المعزز الذي ستمنحه رئاسة الاتحاد الأوروبي إلى قبرص. وفي الحقيقة فقد قالت أنقرة إنها سوف تُجمد علاقاتها مع الاتحاد خلال تلك الفترة.

• إسرائيل. تسبب اكتشاف حقل غاز هائل في عام 2010 على مقربة من الحدود البحرية الإسرائيلية القبرصية، قيام تفاؤل بإمكانية إيجاد وفرة مماثلة في "بلوك 12" المجاور والذي يقع في المياه القبرصية. ومن بين طرق استغلال مثل تلك الاحتياطيات إقامة منشأة غاز طبيعي مسال لغرض التصدير في قبرص على أن يتم تشغيلها بصورة مشتركة مع إسرائيل. غير أن تركيا قد أدانت بالفعل هذه الفكرة.

• لبنان. ما يزال على البرلمان اللبناني أن يصادق على اتفاقية الحدود البحرية الموقعة مع قبرص، ويعود ذلك جزئياً لأن بيروت لا توافق على الاتفاق الموقع بين قبرص وإسرائيل والحدود البحرية التي يتضمنها بين إسرائيل ولبنان. وقد اتهمت إيران ووكيلها «حزب الله» إسرائيل بالاستيلاء على حقول الغاز البحري اللبنانية على الرغم من أي من الاكتشافات الإسرائيلية التي تمت حتى الآن ليست قريبة بأي شكل من الأشكال من الخط المتنازع عليه. وربما قد يغري أنقرة - التي تتعاطف بالفعل مع «حزب الله» - اتخاذ جانب معين في هذا النزاع على الرغم من القلق تجاه استغلال لبنان للموارد البحرية الخاصة بها.

• مصر. لدى القاهرة بالفعل اتفاقية حدود بحرية مع قبرص كانت قد وقعت في عام 2003 وتم التصديق عليها في عام 2004، وكذلك اتفاقية إطار لتسوية ملكية الموارد العابرة لخط الوسط. إن رغبة أنقرة في إقامة علاقات جيدة مع مصر ربما تفوق على الأرجح أي قلق قد يكون لديها حول هذه الاتفاقية. ولم يشر أردوغان قط نحو هذه القضية خلال زيارته للقاهرة في الثاني عشر من أيلول/سبتمبر.

• سوريا. كونها دولة منتجة للنفط والغاز فمن المتوقع أن تنظر سوريا إلى المناطق القريبة من شواطئ البحر [الخاصة بها] من أجل الحصول على احتياطيات في وقت ما في المستقبل. وبالإضافة إلى الاتفاق البحري مع قبرص ستحتاج دمشق أيضاً إلى رسم خط قريب من شواطئ البحر مع تركيا. وسيكون ذلك إشكالياً بسبب محافظة هاتاي التركية [لواء الأسكندرون]، التي هي شبه جزيرة ذات أراض ساحلية كانت دمشق تعتبرها في الماضي أرضاً سورية. وعلى الرغم من أن الرئيس بشار الأسد كان قد أعلن خلال زيارة قام بها إلى تركيا عام 2004 بأن هذه القضية قد تم حلها إلا أنه لم تُعطَ أية تفاصيل، ويواصل التلفزيون السوري تقديم النشرة الجوية للمنطقة كما لو كانت جزءاً من سوريا.

السياسة الأمريكية

ويشير سايمون في تحليله الى ان لدى واشنطن مصلحة قوية في بلدان شرق البحر المتوسط التي تكتشف وتستغل الاحتياطيات القريبة من شواطئ البحر. فعلى سبيل المثال تقود شركة "نوبل إينرجي" - التي مقرها هيوستون - عمليات التنقيب في كلٍّ من المياه الإسرائيلية والقبرصية. وسوف تستفيد السياسة الأمريكية جيداً من خلال التوصل إلى حل سلمي للنزاع في قبرص والذي يتحول بسرعة إلى عائق آخر أمام تطلعات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وبناءاً على ذلك، يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يؤكدوا لأنقرة أن لهجتها مؤخراً لا تتوافق مع تمييزها كشريك دبلوماسي مهم للولايات المتحدة وأوروبا. وقد أتت تصريحات أردوغان الأخيرة بعد وقت قصير من موافقة تركيا على طلب واشنطن باستضافة محطة رادار تهدف إلى التحذير من إطلاق محتمل لصواريخ إيرانية ضد أوروبا و - في المستقبل - الولايات المتحدة. ولا يمكن السماح لأنقرة بالتمتع بمزايا العلاقة القوية مع واشنطن وفي الوقت نفسه تقوم بتقويض الأهداف الأمريكية في شرق البحر المتوسط.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/أيلول/2011 - 22/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م