أيهما أكثر سعادة، أنا أم قط نائم؟

هادي جلو مرعي

هل بالفعل، إن ما يحدث من نزعات نحو الجنس، وربما السلوكيات العدوانية يمثل تمردا على الحضارة الحالية التي تريد فصلنا عن البدايات الأولى للحياة على الأرض حين كان الإنسان يجد الإنسان قبالته، عارياً مثله، ويمكن للرجل أن يغازل المرأة ويسحبها الى مغارته ليضاجعها في فعل طبيعي لا تؤطره القوانين أو تعطله الأعراف والتقاليد المجتمعية التي تراكمت فيما بعد وتحولت الى قيود وأصفاد حول معاصم الناس لايجدون فكاكاً منها؟.

منذ أيام قرأت في مقال لكاتب عربي حصيف وصفاً لحال الحضارة (القيد) وكان يتحدث عن فضيحة ستراوس –كان- الفرنسي المرشح لمنافسة ساركوزي على كرسي قصر الأليزية، والإشتراكي الذي نسي نفسه حين كان في مواجهة عاملة تنظيف أفريقية لم يمنعه سواد بشرتها من محاولة إغتصابها، ورغم زواجه بإثنتين من نساء فرنسا الجميلات، والأخيرة منهما غنية الى حد جعله يعيش في أبهة يحسده عليها زعماء الأحزاب في باريس، والكاتب الحصيف يصف ما فعله ستراوس تمرداً على تقاليد الحضارة التي طوقت الإنسان بالقيود، وعودة الى حياة ما قبل خمسين ألف عام مضت حين كان الإنسان يتنقل في الغابات عارياً، وينام في الكهوف محتمياً بالآت حرب بدائية، لا يستره سوى الصخور التي يحركها عند بوابة الكهف (البيت).

أحد القراء رد عليه بألم ممض حين، تساءل.. بعد خمسين ألف عام من الحضارة أيهما أكثر سعادة، أنا أم قط نائم تحت شجرة؟ هذا القط بوصفه، ينام في ظل شجرة، إذا جاع أكل، وإذا مرت قطة قفز، وماذا يفعل حين يقفز؟ أوه. أن يتصرف بشكل غرائزي!

بعد خمسين ألف سنة من الحضارة، وأربعين سنة إنفرطت من عقد السنين، أجدني لا أسبق قطاً، ولا ألحق بسلحفاة، ولا أفعل فعلا يجعلني أتفوق على حمار، وقد يكون يأساً ذلك مني، وربما شعور بإحباط. وكل ما أعيشه وما حققته من نجاح ليس أكثر من محاولة لإرضاء الحضارة الحقيرة، فلست أشبع من الحب، ولا أرتوي من عطش الى صديق أو صديقة، ولا أجد سبيلاً الى لذة كاملة، أو متعة تنسيني شيئاً من عذاباتي، ولا رغبة تتحقق فتدفعني الى مساحة من الإنتشاء، يبدأ النهار وينتهي، في دوامة، من طعام، وشراب، ولباس، وعمل، وصراخ، وموبايل، وكتابة وقراءة ومنزل، وأسرة، وأصدقاء، وموت، وحفل زفاف، وحادث ما، وبرد وحر، وخوف، وقلق، ومجهول .... الى آخر قائمة المشاغل التي لاتنتهي وربما أنهت صاحبها.

الحقيقة إن جميع أصناف الحيوانات أكثر سعادة مني، فالسمكة تموت ولا تشعر، والبغل يحتفظ بمبدأ الكرامة ويرمي نفسه من عل إذا إنزعج، أما أنا فقد تفوقت على البغل في خاصية حب البقاء. يا لها من حضارة لم تنتصر على بغل..

hadeejalu@yahoo.com

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/آب/2011 - 20/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م