طوائف إعلامية... الشرقية وما تهوى

مجزرة النخيب

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: نهار السبت 17/9/2011 وفي نشرتها الاخبارية تتواصل (عاجل) الشرقية.. عاجل.. سعدون الدليمي يقول انه كان على علم بعملية الرطبة... عاجل تم تعديله.. سعدون الدليمي يقول انه لا يعلم بعملية الرطبة وهو ضدها... عاجل.. تشهير بالمختطفين... عاجل.. مجلس عشائر الانبار يوجه تحذيرا الى المالكي.

عاجل.. عاجل.. احرقوها على رؤوسهم

في نشرتها الاخبارية المسائية تقوم فضائية الحرة بتغطية مفاعيل مجزرة النخيب.. سعدون الدليمي بشحمه ولحمه، صوتا وصورة، يقول انه على علم بعملية الاعتقال وان اربعة من المشتبه فيهم اعترفوا بقتلهم لعشرة اشخاص من محافظة الانبار قبل قتلاهم من كربلاء.

في جميع تغطياتها لما يقع من احداث ساخنة او باردة في العراق تلتزم الشرقية بوجهة نظر واحدة، وتضيف عليها الكثير من المبالغة والتهويل، لتغدو تلك الحادثة مغطاة بالتفاصيل الكثيرة على حساب الحادثة نفسها كجزء من عملية تضليل منظمة تمارسها تلك الفضائية.

لئن صحّ ان التلفزيون ينقل الواقع، صحّ ايضا ان ان تكرار الصور وتكثيرها انما يزايدان على الواقع بحيث يمّحي الرابط بين الصورة المكثّرة والحقيقة المفردة او يكاد.. فاذا كانت الحوادث الامنية اليومية وتقديس الشهداء وصور الجثث وتحريك الغرائز والاحتفال بمناسبات القتل والموت عديدة في الواقع العراقي الا انها تصبح اكثر عددا وبلا قياس في فضائية الشرقية.. وغالبا ما يضيف المراسلون والمحررون والمذيعون الى تلك الحماسة ما يؤججها.

اهالي مدينة كربلاء استنكروا ما تقوم به قناة الشرقية من خلال نقلها لحادث مجزرة النخيب موضحين عدم نقل القناة للاحداث بطريقة مهنية واصفين القناة بانها اداة لتقسيم العراق وجزء من المشروع الطائفي المفروض على ابناء البلد.

ونقل مواطنون "ان قناة الشرقية لم تكن موفقة في نقل احداث جريمة النخيب الدامية وقد تبنت جانب واحد واعتبرت الاشخاص الملقى القبض عليهم بالمخطوفين في اشرطتها الاخبارية،اضافة الى اننا كمتابعين ومشاهدين احسسنا ان القناة تقف الى جانب الجناة وتدافع عنهم بكل ما اوتيت من قوة وكانها لسان حالهم بينما تلمح في اخبارها عن ضحايا جريمة النخيب الذين قتلوا امام عوائلهم ومثلت بجثثهم وهم عراقيون ايضا ".

 واعتبر اخرون ان القناة اصبحت اداة لتقسيم العراق وجزء من المشروع الطائفي الذي يراد للعراق ان يعيش عليه فنقل اخبار كاذبة وصور مفبركة على شاشاتها وفي هذه المرحلة الحرجة تجعل العراق عرضة للتقسيم ".

في الصميم من تغطياتها الاخبارية، والحدث ومفاعيله لازال جاريا، تفرد الشرقية ولعا خاصا يقترب الى المرض بكل ما يتعلق بايران، مثل القصف الايراني لمناطق في شمال العراق، وهي ليست لديها هذا الولع بالقصف التركي لمناطق اخرى من شمال العراق.. لسبب بسيط جدا، ان ايران صفوية مجوسية شيعية وتركيا عثمانية سنية.

بالنتيجة ايران تقصف بالقنابل التي تقتل، وتركيا تلقي بالورود التي تحيي.. ايران ليس من حقها الدفاع عن مصالحها، ولتركيا كل الحق في ذلك.

في مقال مهم له تحت عنوان (البكاء عند أنهار تحتضر) يكتب علي بابان وزير التخطيط السابق: (منظمة المياه الأوروبية وهي منظمة فنية ذات مصداقية توقعت جفاف نهر دجلة بالكامل عام 2040. أما الفرات فلا يبدو انه بحاجة إلى المزيد من التنبؤات السيئة فواقعة الحالي ينبئ عن مصيره القريب فلقد غدا مجرد جدول شاحب اللون في مدننا العطشى. ولا يصعب على من يقرأ الأرقام أن يكشف حجم الكارثة ولا النتيجة التي سنصل إليها في غضون سنوات معدودة.

عام 2040 وهو العام الذي تذكر الدراسات أنه سيشهد جفاف دجلة (حيث يكون الفرات قد سبقه لذلك)، سيكون عدد سكان العراق بحدود الـ 75 مليونا فمن سيدبر غذاء هذا العدد من السكان..؟ وكم ستكون حصة الفرد الواحد من المياه ومن الأرض الزراعية؟ إذا كنا اليوم (ودجلة والفرات على الوضع الحالي).

قد دخلنا ضمن دول الفقر المائي بحصة مياه تقل عن ألف متر مكعب للفرد الواحد (مع تفاوت طفيف في التقديرات) وإذا كان العراق يخسر سنويا ما بين مائة إلى مائة وخمسين ألف دونم من أرضه الزراعية بسبب الجفاف والتصحر، ومع استمرار الدول المجاورة وعلى رأسها تركيا بتنفيذ مشروع (الغاب) الذي يتضمن إنشاء 22 سدا و بسعة خزن تتجاوز 155 بليون متر مكعب من المياه مع ملاحظة أن سد ( أليسو) المقام على نهر دجلة سيحرم لوحده العراق من ثلث أراضيه الزراعية فإنه بهذه المعطيات لا يصعب علينا أن نتصور الصورة القادمة و(القاتمة).

عراق تعاني مدنه وزراعته العطش والجفاف ويحصل مواطنه على حصة فقيرة من المياه لا تسد رمقه واحتياجاته واقتصاد يعجز عن توفير لقمة الغذاء لـ75 مليون عراقي حتى لو وجه عائدات النفط كلها لإطعام مواطنيه.

منذ عهد رئيسي وزراء تركيا سليمان ديميريل وتورجوت اوزال في ثمانينيات القرن الماضي وما بعده في حقبة التسعينيات سارت تركيا بخطى واسعة على طريق إقامة المشاريع على نهري دجلة والفرات علما أن فكرة مشروع (الغاب) التركي تسبق حقبة هذين السياسيين، كان سليمان ديميريل يرد على اعتراضات العراق وسوريا بالقول أن هذين النهرين ينبعان من ارضنا وهما ملك لنا، كما ان النفط الذي هو في ارضكم ملك لكم. أما تورجوت اوزال فكان صاحب نظرية (كل برميل ماء ببرميل بترول).

لا تلتفت الشرقية الى هذه الصورة المستقبلية والى عملية الامساك بالرقبة والحنق الذي تمارسه تركيا والصورة الماساوية التي سيكون عليها العراق نتيجة لهذا الخنق لان تركيا ببساطة عثمانية سنية.. وايران ياويلنا من ايران الشيعية، ومن حكومة في العراق شيعية وهو الذي حكمه السنة الف عام وتزيد.

بالعودة الى حادثة النخيب، تذكرني تغطية تلك القناة بمسرحية عادل امام (شاهد ما شفش حاجة) وقوله فيها (مسكوا البردعة وسابوا – تركوا - الحمار)، حيث اضحى ضحايا تلك المجزرة بحيواتهم واحلامهم وعوائلهم مجرد ارقام حين يتم المرور عليهم واصبح الشغل الشاغل للقناة هو (مختطفي) الرطبة الثمانية وانتهاك حقوقهم الانسانية وغيرها من شعارات تبرع في تدبيجها تلك القناة وتنطلي على السذج والاغبياء من المشاهدين.

قبل ايام قليلة اتصل بي والدي غاضبا وهو يلومني على اقفال جهاز الموبايل سالني عن احد حرائق الشورجة، السوق التجاري الكبير.. كان قلقا علي، سالته هل تابعت اخبار الحريق على الشرقية؟ اجابني بنعم.. كان الحريق نتيجة تماس كهربائي وفي احد السطوح لاحدى العمارات التجارية وكانت الخسائر طفيفة من الناحية المادية.

لم تكن عملية تنافس بين تجار تدعمهم الحكومة وتجار اخرين او نتيجة عمل تخريبي تتحمل مسؤوليته الحكومة كما اوردت ذلك قناة الشرقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/أيلول/2011 - 19/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م