شبكة النبأ: دائما ما يتردد على
ألسلتنا مثل عراقي شعبي يقول: عندما يصبح لدى الرجل اموال فإما يقوم
بشراء بندقية ويقتل بها شخص ويدفع هذه النقود فصل (تعويض) او يقوم
بالزواج من امرأة أخرى "وهذا أهون الشرين"؟!
وقد انتشرت في الآونة الاخيرة ظاهرة الزواج الثاني للرجل بشكل واسع
والتي أصبحت مألوفة وعادية عند اغلب الشرائح الاجتماعية، ولا شك اننا
نعرف ان الاسلام حلل للرجل تعدد الزوجات، لكن السؤال هنا يكمن عن
الايجابيات والسلبيات والتأثيرات التي تطرأ على الاسرتين (القديمة
والجديدة) وآثار وانعكاسات ذلك الى مديات ابعد تتجاوز محيط الأسرتين.
زواج يفكك الاسرة
يقول الدكتور حسن بيعي رئيس قسم طب المجتمع في كلية الطب جامعة بابل:
ان الزواج الثاني هو بداية تفكك الاسرة اذا كان مبني على زواج غير
متكافئ، فإن زواج الرجل على زوجته يسبب لها صدمة نفسية حتى وان كانت
تبدي موافقتها لهذا الامر فأنها تحاول جاهدة اخفاء حالة الصراع داخلها
وهي تعيش حالة نفسية مضطربة واذا لم تستطيع ان تبيح للبعض عن الحالة
التي تواجهها فسوف يصبح لديها حالة من الكبت والحزن وهذا يؤدي الى
الاكتئاب وزيادة محاولات الانتحار بين النساء محاولةً بذلك جذب
الانتباه، او تقوم بجرح نفسها وهذه الحالة ازدادت في الاونة الاخيرة في
العراق وخصوصاً في كردستان بسبب انتهاك حقوق المرأة.
ويضيف الدكتور بيعي ان الاكتئاب هو هبوط المزاج وعدم الرغبة في
القيام بأعمال كانت المرأة تقوم بها سابقاً وهذا الاكتئاب يظهر لديها
اما من خلال النوم الزائد اوقلة النوم او عدم الرغبة في الاكل اوالعكس،
بالأضافة الى ان البعض من النساء تكون معرضة لسوء استعمال الحبوب
المهدئة والاضطرابات النفسية الاخرى والسلوك العدواني والرغبة في
الانتقام وخلق العداوة بين العائلات وهو نوع من الحقد والنتافر
والضغينة.
ويؤكد الدكتور ان في بعض الاحيان يقوم المجتمع بمعاملة الزوجة
الاولى على انها منبوذة وتصبح لدى الناس شكوك اتجاهها فتكثر الاقاويل
عنها اما انها غير كفوءة او فاشلة في ادارة امور حياتها الاسرية فتلتصق
وصمة الفشل بها، وغيرها من الامور السيئة التي تبرر اشتباه المجتمع
بالسبب الحقيقي للزواج الثاني للرجل.
مضيفا ان الاطفال متعرضون الى عامل الخطورة بزواج والدهم على
والدتهم وهذا ما يزيد من احتمالية تعرضهم الى الاضطرابات
النفسية(الصدمة النفسية)، والتي تظهر على شكل انسحاب واكتئاب (انطواء)
وعدم اقامة علاقات بين اطفال اخرين وهذا يعتبر من اخطر الامور التي
يواجهها الطفل والتي قد تؤدي به الى الاهمال والاساءة النفسية،
بالاضافة الى النزاعات والمشاكل التي تحدث بين زوجة الاب والام وخصوصاً
اذا كن يسكنن في بيت واحد.
مشروع كبير اساسه العدل.
في السياق ذاته يقول المشرف التربوي والناشط في مجال حقوق المرأة
والطفل الاستاذ عبد الامير رباط : ان الزواج الثاني هو مشروع كبير
لحياة جديدة ولكن اساسه العدل فأذا استطاع الرجل ان يعدل فذلك خيراً
وان لم يعدل فإن هنالك تأثيرات سلبية ومختلفة قد تظهر على الطفل من
جراء المتغيرات التي طرأت على العائلة والتي تنعكس سلباً على اداء
الطفل في المدرسة.
وخصوصاً اذا بدأ الاب بإهمال الزوجة الاولى فهذا ينسحب على اطفالها
ايضاً مما يؤدي الى حدوث تغيرات نفسية واضحة على اداء الطفل وخصوصاً من
ناحية المستوى العلمي، فيلاحظ في بعض الاحيان التغيب عن المدرسة
والشرود الذهني خلال تواجده في الصف او العكس، احياناً تظهر على
التلميذ حالات عدوانية مع زملائه بالاضافة الى الهروب من المدرسة
واهماله لنفسه.
ويتابع رباط اما اذا استطاع الاب ان يعمل على ان يكون عادلاً في
تصرفاته وان يتجنب قدر الامكان أن لايجعل الاطفال يشعروا بنقص حنانه
وان يتصرف بطريقة لا تختلف في التعامل عن ما كان عليه سابقاً ففي هذه
الحالة نستطيع ان نقول ان التأثير يكون محدوداً.
عدالة مادية وروحية
من جهة اخرى يقول الشيخ محمد كاظم الشمري / مدير مركز الامام الصادق:
قال تعالى " وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى
فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ
وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ" (سورة
النساء الاية 3).
قبل كل شيء اجاز الله سبحانه وتعالى تعدد الزوجات ولكن يتحقيق
العدالة وهي على نوعين
·عدالة الجوانب المادية والمتمثلة بمتطلبات المعيشة والرفاه
والجوانب الحياتية.
·عدالة الجوانب القلبية والروحية المتمثلة بعدالة الحب والرغبة وهي
خارجة عن النطاق اي لا احد يستطيع ان يتحكم بها فهي روحية ومتصلة
باللينة القلبية.
واضاف الشيخ محمد: ان الاسلام اباح تعدد الزوجات ولكن وفق الشروط
والضوابط الشرعية وبشرط العدالة المادية والقلبية، فلا يمكن ان تهمل
احد الزوجات على حساب الاخرى بل العكس يجب مراعاة العدل والانصاف بين
الزوجات، قال تعالى في محكم كتابه العزيز" وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن
تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ
الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ
وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً" ( سورة النساء
129)، واذا لم يستطع الرجل مراعاة هذه الجوانب المهمة (فواحدة).
ويؤكد مدير مركز الامام الصادق: ان الظروف التي يمر بها البلد وعدد
الارامل والايتام جراء السياسات القمعية للنظام البائد والحوادث
الامنية التي يمر بها البلد حالياً ومازال تجعل من الزواج الثاني للرجل
بمثابة بلسم لجروحها (المرأة).
وفي استبيان اجريته لعينة عشوائية من الرجال الذين تزوجوا مرة ثانية
وهم مختلفون بالمستوى التعليمي والمهني وحتى مناطق السكن وكانت اغلب
آرائهم حول الاسئلة التي طرحت امامهم كالآتي:
كانت الاجابات حول السؤال عن الاسباب الاخرى التي تجعل من الرجل
يتزوج مرة ثانية بالاضافة الى اسباب الفارق الاجتماعي والتعليمي
بالرغبة في الزواج ثانيةً لأن الزوجة غير مؤهلة وغير كفؤة لادارة
الامور المنزلية والحياتية الاخرى. وبعض الاراء كانت للبحث عن المشاركة
في الحياة وتكوين اسرة كبيرة وناجحة ومحاولة ايجاد لغة التفاهم التي
فقدت.
ومن ضمن الامور التي طرحت في الاستبيان كانت حول امتلاك الدار وحول
الراتب الشهري فكانت اغلب الاجابات بنعم.
لكن السؤال الذي كانت اغلب اجاباته سلبية هو كيفية تأثير الزواج
للمرة الثانية على الاطفال وكذلك حول طريقة تعامل الزوجة الاولى مع
زوجها الذي تزوج عليها فكانت اغلب الاجابات بالتأـثير السلبي بسبب
المشاكل العائلية والمعيشية التي لاتنتهي.
والسؤال (هل تنصح الاخرين بالزواج الثاني؟) فكانت اغلب الاجابات
علية بعدم النصيحة وعدم التشجيع إلا بأسباب تجبر الرجل على الزواج إما
عدم انجاب الاطفال او وفاة الزوجة او الطلاق وايضاً لتفادي المشاكل
الحياتية التي لا تنتهي.
وبغظ النظر عن سلبيات وايجابيات تعدد الزوجات فان من يقدم على هكذا
مشروع عليه ان يتأنى كثيراً قبل السير في هذا الاتجاه، فقد تكون
الاسباب التي تدعوا الى الزواج الثاني من الممكن تجاوزها بالتفاهم
وتغليب مصلحة الاسرة ككيان على المصلحة الذاتية وطالما ان الامر محكوم
بالعدالة بين الزوجات وهذا ما يصعب تحقيقه فاعتقد بأنه بحاجة الى دراسة
اكثر عمقاً تتجاوز الرغبات الآنية.
Zainab@brob.org |