لم يكن العراق يعرف سكن العشوائيات حتى سنوات قريبة، لكن اليوم
اختلف الأمر إلى حد كبير حتى دخلت العشوائية إلى أطراف بغداد وداخلها
على شكل أكواخ أو صرائف من الطين وبأشكال مختلفة، حيث أقام بها
المهاجرون في مستوطنات غير قانونية وصلت أعدادها إلى عشرات الاف موزعة
على جانبي الكرخ والرصافة.
ولم تتوفر احصاءات دقيقه بوزارة التخطيط او في وزارتي الهجرة
والمهجرين والداخلية بدأ ذلك عندما شهدت بغداد نزوح الكثير من سكان
المحافظات واستقرارهم في بغداد، اما في الأماكن والمقرات الحكومية أو
كما حدث في المنطقة التي كانت تسمى معسكر الرشيد سابقًا، وبالقرب من
منطقة الزعفرانيَّة وبمسافة عدة كيلو مترات عن منطقة بغداد الجديدة،
فقد أخذت من الأبنية الحكومية ودوائرها والأراضي المجاورة لها والعائدة
للدولة موقعًا لها، وبعد أن كانت تأخذ من أطراف المدينة مقرًّا
لتواجدها، أصبحت تحتلُّ مواقع متميزة في وسط المدينة وفي أماكن بالقرب
من بيئات مميَّزة في المدينة.
و لم تنتبه أجهزة الدولة لخطورة المشكلة في حينها ولم يتم اتخاذ أي
إجراءات لمواجهتها منذ البداية وترك الإسكان العشوائي ينمو و ينتشر
بطريقة سرطانية بل كانت تشجع من قبل فئات لأغراض انتخابية او دعائية
لجهات حزبية، ان أكثر المشكلات والمصاعب التي تواجه تطوير المدن
والتنمية الحضرية في معظم البلدان النامية والدول العربية وذلك نتيجة
لزيادة معدلات النمو العمراني في المدن التي تشهد في الوقت الحاضر ما
يسمى (بظاهرة الانفجار الحضري) والذي كان من نتائجه الخطيرة العديد من
المشكلات المستعصية والمعقدة والتي تأتي في مقدمتها وخطورتها مشكلات
السكن العشوائي والفوضوي وظاهرة انتشار مدن التنك والأحياء السكنية غير
القانونية حول وأطراف المدن الكبرى والعواصم.
ولعل الآثار الاقتصادية والاجتماعية والمخاطر الأمنية التي تولدت
عن تعقيد انتشار ظاهرة السكن العشوائي من مدن العالم الثالث قد استقطبت
جهود المنظمات والهيئات العالمية والإقليمية المتخصصة لمعالجة هذه
المشكلات وإيجاد الحلول الجذرية التي تساهم في إعادة ضبط عمليات النمو
الحضري وتدعيم البرامج والخطط التخطيطية للمدن.
وهناك بعض التعريفات التي تطلق على العشوائيات:
- الإسكان العشوائي هو نمو مجتمعات وإنشاء مباني ومناطق لا تتماشى
مع النسيج العمراني للمجتمعات التي تنمو بداخلها أو حولها ومتعارضة مع
الاتجاهات الطبيعية للنمو والامتداد وهي مخالفة للقوانين المنظمة
للعمران.
- وقد عرف المعهد العربي لإنماء المدن الأحياء العشوائية بأنها
مناطق أقيمت مساكنها من دون تراخيص في أراض تملكها الدولة أو يملكها
آخرون، وغالباً ما تقام هذه المساكن خارج نطاق الخدمات الحكومية ولا
تتوفر فيها الخدمات والمرافق الحكومية لعدم اعتراف الدولة بها.
- وعرفها احد خبراء التخطيط العمراني " على أنها المناطق الواقعة
ضمن الحدود الإدارية للنطاق العمراني للمدن والتي نشأت بدون مخططات
تقسيم أراضي سابقة معتمدة على أملاك عامة أو أملاك خاصة مما أدى إلى
توسع عمراني عشوائي غير مخطط.
- ووفقا للأمم المتحدة الأسرة المعيشية في العشوائيات هي مجموعة
أفراد يعيشون تحت نفس السقف في منطقة حضرية ويفتقرون إلى واحد أو أكثر
مما يلي " إسكان دائم، ومساحة كافية للمعيشة والحصول على مياه محسنة
والحصول على مرافق صرف صحي وعلى حيازة مأمونة.
كما هو ملاحظ فإن مفهوم العشوائيات السكنية واسع وغير ثابت، وهو
يرمز في معظم الأحيان إلى عدم توفر الحد الأدنى من الخدمات الأساسية في
التجمعات السكانية في الحياة المعاصرة، بالإضافة إلى عدم تحقق المستوى
الأدنى من الجودة والتي تعتبر ضرورية لتحقيق الحد اللازم من شروط
الراحة والصحة والأمان.
مصطلحات تطلق على العشوائيات:
يستخدم مصطلح عشوائيات أو المناطق العشوائية للإشارة إلى أنماط
كثيرة من الإسكان من بينها تلك التي يمكن تحسين مستواها وتسمى بالسكن
القزمي ومدن (التنك) والسكن السرطاني والمتجاوزين والسكن اللاقانوني
و(الحواسم).
مما تقدم يمكن القول بان العشوائيات هي.
• مناطق خارج الحيز السكاني المخطط من قبل الجهات المسؤولة وقد تدخل
بمرور الايام ونتيجة لاتساع حدود المدينة لتصبح جزء من المدينة نفسها.
• ان هذه المناطق تنشأ بعيدا عن سيطرة القانون.
• ان هذه المناطق السكنية لاتخضع لرقابة في طريقة البناء.
• تتبع فيها اشكال البناء المختلفة ومواد البناء المستخدمة.
الوضع الانساني
سكان العشوائيات هم أناس مظلومون لم تترك لهم الأنظمة الظالمة سبيلاً
لحياة كريمة فلم يجدوا سوى هذا الأسلوب المتدني للسكن الذي لا يعيشه
ولا يرضاه حيوان في أسوأ حدائق الحيوانات.
ان ظهور هذه الاحياء السكنية التي يشار اليها بعيدا عن اللياقة
باصطلاح (الحواسم) يعبر في واقعه الموضوعي عن خيبة القيادات الادارية
والسياسية في مواجهة ازمة خانقة تحرص جميع المجتمعات الانسانية على
تقويضها بأيسر السبل المتاحة، وسكان هذه الاحياء خليط من المهجرين من
مناطق اخرى بسبب عمليات العنف الطائفي او نازحين من القرى والمناطق
الفقيرة، تفتقر مناطق السكن العشوائي للخدمات الضرورية كالصحة والصرف
الصحي وإصحاح البيئة والخدمات الأمنية وغيرها من الخدمات الأساسية
كالتعليم، واستخدمت العديد من المصطلحات للمناطق العشوائية كمدن
الكرتون ومدن الصفيح، والاحياء الفقيرة، والمدن العشوائية.
وعلى الرغم من سوء الأحوال الصحية وشحة الخدمات في تلك المناطق، إلاّ
أن الحكومة من جانبها لاحقت الكثير منهم وأمرت بإخلاء بعض من هذه
المباني، وبالفعل قد أخليت الكثير منها.
وتشير أحد تقارير وزارة الصحة الصادر عن قسم مراقبة الأمراض
الانتقاليَّة والأوبئة إلى تفشي الأمراض في أغلبيَّة أحياء (التنك)
والمتجاوزين على الأراضي العامة التي عادةً ما تكون بالقرب من الأماكن
المخصَّصة للنفايات والأزبال الواقعة في أطراف العاصمة، إذ لا يجد سكان
هذه الأحياء غير مهنة نبش هذه الأزبال واستخراج المخلفات من المعادن أو
البلاستيك.
و من العوامل التي أدت لظهور المناطق العشوائية أيضا التحام القرى
بالمدن. فعندما تميزت بعض القرى بموقعها القريب من المدن فإنه نتيجة
للزيادة السكانية وأزمة الإسكان بالمدينة فانها تتسع الأراضي الزراعية
المجاورة وكذلك تتمدد القرية على حساب مساحتها الزراعية وبلا أي تخطيط
حتى التحمت المدن بتلك القرى. وتحت الضغوط الشعبية والسياسية تم ضم
القرية إلى المدينة بكل ظروفها وخدماتها غير الملائمة لتصبح من المناطق
العشوائية داخل المدينة.
وللمناطق العشوائية تداعيات الأمنية يمكن ايجازها بالاتي:
المناطق العشوائية تزداد فيها معدلات الجريمة ولاتتوفر لدينا
احصاءات لكون وزاره الداخلية لم تستحدث الاحصاء الجنائي ولكن الحالة
امر مسلم بها وتنتشر فيها الأنشطة الاقتصادية الهامشية وغير المشروعة.
وتصعب السيطرة على بعض المناطق العشوائية لعدم توفر أجهزة الضبط
الاجتماعي، وتتصف معظم المناطق العشوائية بعدم وجود منافذ لبعض المواقع
مما يؤدي إلى صعوبة الوصول إليها في الحالات الضرورية كالإسعاف أو
الانقاذ في حالات الحريق أو مطاردة المجرمين، مما يجعل المناطق
العشوائية بؤراً لبعدها عن الاجهزة الأمنية ولصعوبة الوصول إليها.
كما يلاحظ أن الخدمات الأمنية لا تتوفر في معظم المناطق العشوائية
بالصورة التي تتفق مع خطورة تلك الأماكن، وفي بعض العشوائيات قد يكون
الأمن معدوماً باعتبارها خارج المدينة ويمكن تلخيص المخاطر الامنية
واسباب ضعف السيطرة الامنية بالاتي:
1. الطبيعة الجغرافية.
2. احجام سكان المناطق العشوائية من اللجوء للشرطة و ايكال حسم
المشاكل الى القبيلة او الى المتنفذ في المنطقة.
3. عدم وجود خرائط مساحية دقيقه للمنطق العشوائية.
4. صعوبة وجود حصر دقيق لسكان العشوائيات.
5. عدم معرفه التاريخ الاجرامي لسكان العشوائيات.
وللاسف الشديد فأن سياسات ردود الافعال هذه غير موجوده، بل غائبة في
بلد ينعم بالعقول النيرة والامكانات المادية الجبارة، كما ان السياسة
السكانية (Housing Policy) المتبعة لحل ازمة السكن هي سياسات خجولة
تتسم بالجمود ولاتصح حتى في بلد مستقر لايعاني اية ازمات.
1. غياب التنسيق بين وزاره التخطيط ووزارة التعليم العالي ووزارة
الهجرة والمهجرين والداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية ومجالس
المحافظات المحلية وابرام مذكره تفاهم بينهما لإجراء المسوحات وتحديد
طبيعة الاحياء العشوائية وأسبابها والمظاهر العامة والمشاكل المصاحبة
لها بشكلها العلمي وتشجيع الجامعات باجراء البحوث والدراسات لتحديد
المشكلة وحلول قصيره الامد وحلول بعيده الامد واجراءات للحلول العاجلة
ودراسة أفضل الممارسات وتجارب المدن والمؤسسات في معالجة ظاهرة
العشوائيات وهنا لابد لنا ان نذكر ان اي سياسة تنموية لاتستهدف الفقراء
تكون سياسة سطحية لاتمثل حلاً للمشكلة، ولاننسى التجارب التنموية التي
مر بها العراق في زمن الزعيم عبدالكريم قاسم من توزيعه قطع سكنية ودور
بمساحة (100) متر على السواد من الشعب رغم مده حكومته اقل من خمسه
سنوات.
2. عدم احتواء استمارة التعداد العام للسكان والمساكن الى نوع السكن
هل هو (طابو، زراعي، تجاوز)... وان عدم ذكر ذلك في الاستمارة ربما يعود
لعدم الاعتراف الرسمي بالمشكلة، ولكن اود التذكير ان المشكلة هي قائمة
لا محالة وعلينا ان نستغل التعداد لكي يكون لدينا احصاء كامل ووافي عن
هذه الظاهرة، الى تفاقم ازمة السكن في العراق وزيادة العجز المتراكم
بعد والوحدات السكنية الذي يعكس فشل السياسة الاسكانية التي انتهجتها
ادارة الاسكان في ظل مختلف الحكومات التي تعاقبت على ادارة البلاد.
3. ان التصاميم الأساسية غير المكتملة للمدن والنقص في إكمال مشاريع
الخدمات وتنفيذ الشوارع وزراعة المناطق الخضراء والأرصفة بسبب الحروب
والأزمات وتوجه الدولة السابقة الى اعطاء الأولوية إلى القطاع العسكري
والأمني دون الاهتمام بالجانب الحضري والعمراني.
4. ترك مساحات فارغة سهل التجاوز عليها واستغلالها خلاف للضوابط
والقوانين، ولم يقتصر ذلك على الأرض المملوكة للدولة والأرض المخصصة
للخدمات العامة بل شمل كذلك الأراضي الزراعية بتجريفها واستغلالها
للسكن.
5. اجراء حمله من شباب الجامعات في بغداد والمحافظات للقضاء على
الامية في هذه المناطق وطلاب كلية الطب لاجراء فحوصات لكبار السن
والاطفال وكثير من المبادرات بالامكان تطبيقها ولاتحتاج الى الدعم
الحكومي لان الاداء الحكومي الفاشل غير قادر على اداء مثل هذه المهام .
ويجب وضع خطط جادة للتخلص من مثل هذه الظواهر السلبية منها:
1. إيقاف أية تجاوز أو مخالفة للقوانين مهما كان نوعها وحجمه والعمل
على خلق فكر واعي وتربية المجتمع على احترام القانون والدولة متمثلة
بمؤسساتها حيث إن المجتمعات التي لا تحترم القانون تبقى مجتمعات متخلفة
وان التجاوز والمخالفة هدر للأموال وإزالتها هدر للأموال فيجب إزالة
التجاوزات والمخالفات ومنع الشروع بالتجاوز ومناصرة الأصوات الصادقة
واقتران القول بالعمل، ولا يجب أن لا نتعامل مع الحالة والأزمة كمسلم
بها لان ذلك سوف يودي إلى هدر أموال الدولة والتغير في النسيج الحضري
للمدن ولا يجب التساهل مع المتجاوزين والمخالفين وانما دراسة كل حالة
على حدة وفرز المحتاجين فعلا منهم وتوفير الضمان الاجتماعي لهم
ومساعدتهم على إيجاد مسكن بديل وتعزيز ثقة المواطن بالقانون ويجب أن
نعطي هذه المسألة اولوية في العمل ان اردنا ان نروج لبلدنا عالميا
كدولة سياحية.
2. العمل على دراسات مختصة من قبل خبراء يراعى فيها الاهتمام
بالجانب العمراني والحضري للمواطن ومن الحلول المطروحة هو الاستثمار في
قطاع الإسكان وتوسيع التصاميم الأساسية للمدن لتشمل الأراضي الزراعية
والقرى المحيطة و بضمنها الأراضي الزراعية.
3. اقتراح الحلول لظاهرة العشوائيات في ظل قرارات المؤتمرات
العالمية والاقليمية والامكانيات المحلية والتي شارك فيها على مدى
ثمانية سنوات الماضية وزاره التخطيط وامانه بغداد بايفادهم للمؤتمرات
الدولية.
خطط ولكن على ورق !!
وبناء على ما سبقت الاشارة إلية فإن مسألة قيام العشوائيات التي
تشهدها معظم المدن العراقية، تشكل مجموعة من القضايا التي ينبثق عنها
كم هائل من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والعمرانية
والأمنية وغيرها. ونخص هنا ظهور المناطق العشوائية وانعكاسات ذلك على
المسائل الأمنية برؤية انسانية.
* خبير بالشؤون الامنية |