ما زالت الأزمة التي تعصف بالواقع السياسي العراقي؛ الشغل الشاغل
للمتابعين والمهتمين من سياسيين ومواطنين دون جدوى من حل او خروج من
عنق الزجاجة الذي ما زال يضيق بين طرفي الصراع... العراقية ودولة
القانون.
وعلى الرغم من اعلان كتل كثيرة وشخصيات رفيعة عن مبادرات لحل الازمة...
الا اننا لم نر او نسمع مبادرة من اطراف الازمة ذاتها او محاولة لحلها
او حلحلتها، فكل طرف يطرب على ليلاه ويتجاهل رؤى ومواقف الطرف الآخر
ويلجأ الى التعنت والتصلب اكثر؛ دون مرونة او ليونة تحتاجها العملية
السياسية لدوام اسباب نجاحها واستمرارها.
فالعراقية لا تريد ان تعترف ان حقيبة الدفاع لن تكون من نصيبها
وتتجاهل كافة دعوات الرفض التي تعلنها دولة القانون في اكثر من مناسبة
او وسيلة او طريقة؛ لتستمر بارسال قوائم المرشحين مجموعة تلو الاخرى،
والحقيقة ببساطة ان دولة القانون لن توافق على منحها هذا المنصب او تقر
المجلس الوطني للسياسيات الستراتيجية بالصورة التي تريدها، لانها لم
ولن تثق بدوافعها يوما.
وعلى ذات المنوال تتوالى الازمة حاملة بين طياتها خطابا تصعيديا
للعراقية بعيدا عن تفهم الطرف الآخر والايمان بان مواقفه لن تنثني؛ أو
تتغير أمام الضغط.
ولو تمعنا في فصول الازمة الحالية، فاننا نجد ان اسباب عدم نجاح
المبادرات الكثيرة والمهمة، من قبيل الطاولة المستديرة ومؤتمر اربيل
واجتماعات قيادات الكتل الرئيسة وغيرها من الدعوات الوطنية الصادقة،
يقف وراءها غياب الارادة السياسية الجادة والمؤمنة في الوصول الى نقاط
الالتقاء والابتعاد عن اسباب الخلاف. ومن مجمل تلك الاسباب:
1. غياب روح المبادرة بين اطراف الازمة ذاتها، فلم نشهد يوما مبادرة
من دولة القانون او العراقية موجهة بشكل مباشر الى بعضهما البعض، بل
تناوب الائتلاف الوطني والتحالف الكردستاني ورئيس الجمهورية وحتى الكتل
الصغيرة الى اطلاق مبادرات التوفيق بشكل مستمر.
2. انعدام الثقة بين الاطراف السياسية؛ كانت ولا زالت حالة وسمة
ملازمة للممارسة السياسية منذ ولادتها في التجربة الديمقراطية الناشئة؛
زادت من سخونة المشهد وادت الى افتعال الكثير من الازمات لأسباب واهية
وبسيطة تجاه مواقف طبيعية او مجرد تصريحات تؤول وتفسر تبعا لأجواء الشك
بالمقابل والحذر من تحركاته.
3. افتقاد المداولات واللقاءات الثنائية والجماعية الى المصارحة او
المكاشفة حول مجمل الاوضاع والقضايا صغيرها وكبيرها، واعتماد طابع
المجاملة والبروتوكول على حساب القضية الاساسية التي تقع في صلب الازمة،
فقد نشأت في اربيل اتفاقات اولية لا غبار عليها بين الاطراف المختلفة،
لكن الخلاف استمر تحت رماد الجزئيات او التفاصيل الصغيرة... ولو اتبع
السياسيون في العراق اسلوب المكاشفة المباشرة والتصريح بكل ما يدور في
النفس للعلن لخرجنا من واقع الازمات الى ارضية العمل والانفراج.
4. محاولة طرف التفرد بجزء مهم وحيوي من صنع القرار (دولة القانون)،
في مقابل اصرار الطرف الآخر (العراقية) على تجاهل الدوافع والاسباب
التي تكمن خلف ذلك.
5. تراجع دور الكتل السياسية المختلفة وانحساره عن الساحة لصالح
الكتلتين الكبيرتين، قلل من فرص الحل او الضغط وركزها في جعبة العراقية
ودولة القانون منفردتين دون غيرهما.
ان دوام الحال بهذا الشكل من المحال... والركود الذي تمر به مجمل
الاوضاع السياسية والامور العامة المرتبطة به بشكل مباشر او غير مباشر،
مرده في الحقيقة الى غياب التناغم بين شركاء الحكومة الحالية، ذاك
التناغم الذي يفرض على الكتل السياسية فهم الدوافع والاسباب التي تقع
خلف الموقف الواحد مجردا عن باقي المواقف، ولكن كيف السبيل الى ذلك وسط
التداخل الغريب بين شركاء الحكومة الحالية واعمدتها الرئيسية (دولة
القانون والعراقية) ؟؟
سؤال وجيه بحاجة الى اجابة من قيادات الكتلتين، تتبعه اسئلة أخرى؛
من قبيل: لماذا لا يلتقي الفريقان بدون وسيط، بمبادرة ذاتية ليضعا
النقاط على الحروف... فاما ان يتفقا على تسيير الامور باتفاق التراضي
وتنتهي الازمة، أو ينفرط الحلف الهجين الذي عقد بينهما بعد مؤتمر اربيل
الذي أدى الى تشكيل حكومة الشراكة الوطنية.
ولو سار الامر على وجهته الاولى فان استمرار الحكومة الحالية
باتفاق العراقية ودولة القانون سيجعلها حكومة صلبة وقوية تبعد عنها شبح
سحب الثقة او محاولات النيل من قراراتها التي ستتخذ وبلا شك طابع
الاجماع الوزاري وحتى البرلماني... ولو فرضنا الحل الثاني الذي يقضي
بانفراط عقد اللقاء الوزاري بين الطرفين؛ فان للعراقية فرصة كبيرة ليس
في الذهاب الى المعارضة البرلمانية فحسب بل والعمل على مستوى توجهات
الرأي العام وتحشيد القوى السياسية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني
لتشكيل قوى ومجموعات ضاغطة من داخل البرلمان وحتى من خارجه تعمل من اجل
التغيير وتصحيح المسار بشتى الطرق... وهي لها من الامكانات والمؤهلات
ما يجعلها قادرة على فعل ذلك واحياء مشروعها الوطني الذي طمست الازمة
الحالية اغلب معالمه.
ان حل الازمة لن يأتي من السماء، بل هو موجود في عقول الساسة منذ
اللحظة التي يترجموا فيها مصلحة المجموع الى حقيقة القول والعمل
ويغلبوها على مصلحة الفرد والكتلة والقائمة، واما خلاف ذلك فان للامر
تداعيات دأبنا ودأب العارفين للتحذير من خطورتها؛ وشرورها التي ما زال
يحملها المتربصون بالعملية السياسية والديمقراطية والساعون الى
الانقلاب على الوضع الحالي او اعادة عقارب الساعة الى الوراء. |