شبكة النبأ: الحرية قيمة إنسانية عليا
تستجمع بني البشر عند واحة العقل والسلام والمحبة والتعاون على البر
وخير الناس، وبالحرية تتويج عملي لقانون (الإنسان الصالح) العلوي:
"الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".
كما أن الحرية قيمة لا يمكن التنازل عنها أو المساومة عليها، كما
لا يمكن التقاعس عن استعادتها للمحرومين منها. ومن لا يؤمن بالحرية لا
يرى ضرورة الدعوة لها والذود عنها، فكثر من يتحدث عن الحرية وهي غائبة
عن ذاتهم وواقعهم، بل هناك من يستعمل الحرية لتحقيق مآرب غير صالحة،
يقول الإمام الشيرازي الراحل: "لقد سلبوا الحرية، تارة باسم القوانين
والحكومات، وتارة باسم الأعراف والتقاليد". بينما قليل ما هم الذين
يتنعمون بقيم الحرية على مستوى الذات، ويدافعون عنها باعتبارها حق
أساسي للجميع وليس لأحد دون آخر.
غريب أن تغيب مفردة الحرية عن عموم الخطاب الديني، حتى باتت المفردة
وكأنها من نتاج غيرنا فقط وليست قيمة سامقة دعا إليها الإسلام ورفع
رايتها آل محمد (عليهم السلام) بشعارها العلوي الخالد: "لا تكن عبد
غيرك وقد جعلك الله حراً". يقول سماحة المرجع الديني السيد صادق
الشيرازي (دام ظله) "الإسلام وحده دين الحرية، وأن الإسلام دين الحريات
مبدأ وشعاراً، وواقعاً وعملاً، وأن الإسلام التزم بمبدأ (لا إكراه في
الدين) في مختلف مجالات الحياة، وأن الحرية الفكرية تتجسد كاملة في
الإسلام (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وأن حرية الرأي في نظام الله
وقانون الإسلام مقدسة، فالإسلام يريد أن يجعل الناس أحراراً".. وغريب
أن تصبح (الحرية) تهمة لمن يتحدث عنها ويدعو لها، وأن تكون الحرية –
غالباً - مستفزة لسلطات سواء أكانت دينية أم سياسية أو مؤسساتية حتى
باتت الحرية تعيش غربة في أحد أبرز أوطانها، وإن لغربة الحرية
واغترابها علاقة وطيدة بوحشة الحق وطريقه.
تفرد الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره الشريف) بإشباع الحرية بحثاً
وتأملات وعملاً وكتابات، وكان أن دعا الى حرية الفكر والتفكير، وكان أن
جاهد من أجل الحرية في سعي إبراهيمي لتهديم أصنام الاستبداد الديني قبل
السياسي، وتعرية الاستبداد من "واقعية وعقلانية" تبريراته، وبموازاة
ذلك سعى (قدس سره الشريف) حثيثاً من أجل نزع "قابلية الاستعباد"
المتغلغلة عند كثير من الناس، فالناس من يصنع للمستبدين استبدادهم..
ولم يكل ولم يتعب (قدس سره الشريف) في دعوته الى الحرية إيماناً منه
بأنها الطريق الى إسلام أهل البيت (عليهم السلام)، وأن من خلالها يعيش
الإنسان إنسانيته وينعم بحياته ويضمن آخرته، ولم يكتف (قدس سره الشريف)
بالكتابة عن الحرية، بل كتب عن كل الذي يصل بها ويوصل إليها معتبراً
الحرية منظومة حياة فكتب في الدولة والاجتماع والقانون والسياسة
والاقتصاد والإدارة والرأي العام والإعلام والعولمة... وغيرها). ولقد
وصل في تنظيره الحر الى أن قال: "علينا أن نترك أفراد المجتمع أحراراً
في كل شيء إلا في الجرائم، وبعدها فلننظر كيف تتقدم الحياة وتتنفس
الشعوب الصعداء".
وقال: "إن العمل للحياة لا يكون إلا بالحرية، فإذا لم تكن حرية لم
يكن عمل للحياة". كما دعا الى الحرية وهو يعلم أن الانتماء الى دولتها
يعني مواجهة الأخطار، فكان أن دعا (قدس سره الشريف) الى أن "تطبيق
الحرية يلزم التدرج، وإلا فإن إطلاقها بدون جدولة زمنية وتحت نظر
الخبراء، فستنقلب الى الضد، وتتحول الى فوضى".
في ذكراه العاشرة.. قدوة وعبرة ودعوة، فلم يكن له (قدس سره الشريف)
أن يعمل أكثر مما قد عمل، ولم يكن له أن يقول أكثر مما قال، ولم يكن له
أن يعلن كلمة الحق ويجاهر بها أكثر مما جاهر بها أمام سلاطين الجور،
ولم يكن له أن يبذل أكثر مما بذل من عمر ونفس ومهج ومال وولد.
جاء في كتاب (كلمة الإمام المهدي) للشهيد السعيد آية الله السيد حسن
الشيرازي (قدس سره): "بوفاة علي بن محمد السمري وجد الشيعة أن قيادتهم
انحصرت في فقهائهم، وفقهاؤهم لا يتميزون عنهم إلا بقسط من المعلومات
فأصيبوا بفراغ قيادي ضاغط فإجماعهم على الشيخ المفيد دليل على أنهم
وجدوا فيه أكثر من مجرد فقيه"...
رحم الله تعالى الإمام المجدد والمصلح الكبير السيد محمد الحسيني
الشيرازي (قدس سره الشريف) الذي كان "أكثر من فقيه".
http://www.alshirazi.com/rflo/ajowbeh/ajowbeh.htm |