الحرية الفردية بين الحقوق والالتزام

شبكة النبأ: الحرية الفردية حق من حقوق الانسان الاساسية، ولكن ثمة ضوابط تحكمها كالعرف والدين والاخلاق، فالحرية مع انها تصل احيانا الى درجة القداسة لكنها ليست مطلقة الحدود، فهل ثمة اختلاف بين حريات الافراد في مكان دون غيره؟ بمعنى هل تتساوى حرية سلوك الانسان في بيته وحريته في الشارع العام او الساحات والحدائق والاماكن العامة بشكل عام؟ ولعل الجواب لا يحتاج الى طول تفكير!! من الواضح أن المكان العام ليس كما هو المكان الخاص، بمعنى انك عندما تتصرف بأمر ما في بيتك فإن سلوكك تجاه نفسه لابد ان يكون مختلفا، فما يحدث من سلوكيات فردية او عائلية تختلف قطعا عما يحدث في الاماكن العامة.

وطالما ان الترفيه حق من حقوق الناس ولا يمكن تجاهله او الوقوف ضده، لكن لابد أن نتذكر الضوابط التي تحكم هذا الحق، فأحيانا قد يرافق الانشطة الترفيهية ما يحول  المناسبة السعيدة الى مناسبة مؤسفة لبعض الافراد او العوائل ايضا، فبعضهم لا يعرف تلك الفروق الجوهرية بين حرية الفرد الخاصة وحريته العامة، بمعنى ان بعض الناس قد يساوي بين حرية سلوكه في بيته، وحريته في الشارع او المتنزه او المكان العام، عن جهل او عن قصد وتعمد على اقتراف الخطأ مع سبق الاصرار.

فنرى احيانا بعض الشبان (الطائشين) يسلكون سلوكا لا يليق بالشاب المسلم او حتى غيره، وهم يرفعون لافتة الحرية الفردية عاليا، فإذا ما تصدى لسلكوهم وجهاء الناس وعقلائهم يرفضون ذلك ويتدرعون بالحرية الفردية التي كفلها لم (الدستور) او غيره، وهي في مجملها حجج لا تقوم على اساس راسخ، فلا يجوز مطلقا ان نتجاوز على حريات الناس عوال وافرادا بحجة ممارسة حرياتنا الشخصية.

لأننا نتفق على ان ثمة فروقا كبيرة بين ان تمارس حريتك الفردية، وفق الضوابط والاعراف وما هو سائد في المجتمع، وبين ان تخرق هذه الاعراف والسنن او بعضها، متذرعا بوجوب الحفاظ على حريتك الشخصية.

إذن فالامر يعود اولا واخيرا الى نوع الثقافة التي يؤمن بها الفرد، فإذا كانت ثقافة قائمة على حفظ حقوق الآخرين وحقوق النفس في آن، فإنها ستكون ثقافة راقية تنتمي الى التوجه الانساني الحضاري، الذي تتفق عليه جميع السنن والشرائع السماوية او الوضعية في آن واحد، وتوافق على انتهاج مثل هذا السلوك الراقي.

أما اذا كانت ثقافة الفرد قائمة على النزعة الفردية البحتة، وتفضيلها على الآخرين في شتى الاحوال، فهنا سيكون الامر مدعاة للاستهجان والرفض من قبل عموم الناس، لذا علينا جميعا والشبان على وجه الخصوص، معرفة حدود الحرية الشخصية في الاماكن العامة كالمتنزهات والساحات وغيرها.

وطالما اننا نعيش مناسبات واعياد كثيرة ومتكررة او مناسبات وطنية او غيرها، فإننا نلاحظ تدفق الافراد والعوائل الى اماكن الترفيه وهو امر نمطي ومقبول ولا يشكل اساءة لاحد فيما لو تم الالتزام بالضوابط والتقاليد المتعارف عليها، ولعلنا نخشى من التجاوزات التي قد تبدر من بعض الشبان كالتجاوز على الفتيات والنساء والتحرش بهن وما شابه، وهو امر تمت ملاحظته سابقا، وبدرت شكاوى كثيرة بهذا الخصوص من لدن العوائل وغيرهم. وهنا ينبغي ان يكون هناك دور واضح وملموس للجهات الامنية المختصى في رصد هذه الحالات بدقة ومتابعتها ومعاقبة المتسببين بها عبر القوانين المعمول بها درءا لخطر تفشي مثل هذه الافعال، على ان يرافق ذلك حملات توعية دينية واخلاقية من الجهات الرسمية والاهلية ذات الصلة للمساعدة في زيادة وعي الشباب في هذا الصدد. وهكذا يكون لزاما على الجميع افرادا ومجتمعا، رسميين واهلين، التعاون والتعاضد في شتى المجالات والسبل، من اجل توعية من لا يعي خطور التجاوز على حريات الآخر، ولا يعرف كيفية استخدام حرياته على الوجه الامثل، او لا يدرك الفرق بين الحرية في المكان الخاص، والحرية في المكان العام، وذلك وصولا الى مجتمع تقل فيه نسبة الاخطاء الى ادنى حد ممكن.

وهذا لن يتحقق بطبيعة الحال من دون سعي مبرمج، يشمل الجهات الرسمية مع المنظمات المعنية بتطوير منظومة السلوك البشري الى ما هو افضل، ونشر الوعي بين شرائح المجتمع كافة، وإفهام الفرد أن الحرية الفردية هي التي تصون حرية الآخر وحقوقه، وهي تبدأ من الذات وتنتهي عندها، أي أن الحرية الفردية، لا تعبر حدود الفرد الى غيره من الناس، لانها عنذاك تتحول الى نوع من التجاوز المرفوض اجتماعيا وعرفيا وقانونيا، وهذا ما لا يتمناه الفرد والمجتمع لتفسه.

لذا يبقى الالتزام بحقوق الآخر تاج الحرية الفردية، وهذا ما ينبغي التثقيف عليه والتطبع به من لدن الجميع بلا استثناء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/أيلول/2011 - 5/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م