المرأة في باكستان... بين تعنيف اجتماعي وتشدد ديني

 

شبكة النبأ: في اغلب الأحيان تعيش المرأة الباكستانية تحت ظروف قاهرة تجبرها التخلي عن الكثير من الأحلام والطموحات التي أصبحت في غيرها من البلدان من الأمور الاعتيادية والميسرة، كحق التعليم والعمل وإبداء الرأي وحماية حقوقه، ومع التطور الذي يشهده الواقع الباكستاني إلا إن عجلة التقدم لا تشمل المرأة والمحاطة بعادات التشدد القبلي والتي قد تسلب منها عفافها وحياتها وإنسانيته، ومما زاد الأمور صعوبة على النساء في باكستان هو الاتجاه الديني المتشدد والذي بات يدرس في معاهد دينية خاصة وبانتشار واسع، في بلد يعاني من وجود حركات دينية متطرفة تبيح القتل وسفك الدماء لأتفه الأسباب كالقاعدة وطالبان، حيث باتت المرأة تستخدم كسلاح في لعبة الإرهاب والتطرف. 

تولد التشدد

اذ تحلم وردة التي تدرس المحاسبة بالعمل في الخارج، وتطمح الطالبة الانيقة معسولة اللسان التي تبلغ من العمر (22) عاما ان توسع مداركها لكن عندما يتعلق الامر بالاسلام ترفض التشكيك في التفسيرات المتشددة لرجال الدين والمحاضرين في انحاء البلاد، ووردة واحدة من بين اكثر من ربع مليون طالبة باكستانية في المعاهد الدينية الخاصة بالسيدات حيث تشهد النساء الموسرات صحوة في الدين على حساب حالة انعدام التسامح الاخذة في التفاقم، وفي دولة يحكم المتطرفون المسلمون فيها قبضهم ببطء على المجتمع زاد عدد المعاهد الدينية الخاصة بالنساء خلال العقد الماضي في ظل اخفاق النظام التعليمي الحكومي وزيادة الاتجاه المحافظ بين الطبقتين الوسطى والعلي، وتقول مسعودة بانو الزميلة بمجلس الابحاث الاقتصادية والاجتماعية ببريطانيا انه كثيرا ما يشجع الاباء الفتيات على الدراسة في المعاهد الدينية بعد انهاء الدراسة الثانوية او الجامعة كبديل لسوق العمل الاخذ في التقلص والذي يهيمن عليه الرجال الى حد بعيد ولضمان عدم انجرار الفتيات اللاتي ينتظر الزواج الى علاقات عاطفية، لكن مثل وردة فان كثيرا من الطالبات في المعاهد الدينية المسجلة وعددها الفان او نحو ذلك طالبات جامعيات او خريجات يبحثن عن فهم افضل للاسلام بالاضافة الى ربات المنازل اللاتي يشعرن بالضغط لزيادة ايمانهن مثل كثيرين في المجتمع الباكستاني، وقالت وردة التي شجعها جيرانها على الالتحاق بدورة في معهد ديني للسيدات "استمعت لما قالوا وفكرت ان هذا هو ما يجب اتباعه واردت ان اتعلم اكثر عن ديني"، وسئلت عن مقتل حاكم اقليم البنجاب في وقت سابق من هذا العام بسبب معارضته لقانون التجديف المثير للجدل فقالت بدون تردد ان مقتل سلمان تاسير على يد حراسه كان الشيء الصحيح. بحسب رويترز.

وقالت "اذا اطلق الناس، على انفسهم مسلمين وهم مواطنون بجمهورية باكستان الاسلامية فلا يجب حينئذ ان ينتقدوا هذا القانون، "انا اسفة ان اقول هذا لكن هذا ما يستحقه"، وتتجه باكستان الدولة المسلحة نوويا وغير المستقرة سياسيا وحيث تنشط القاعدة وطالبان نحو التشدد الديني منذ الثمانينيات تحت حكم الرئيس الراحل الجنرال محمد ضياء الحق، ورعى ضياء الحق الذي حصل على دعم الولايات المتحدة ضد الاحتلال السوفيتي في افغانستان المتشددين الاسلاميين واستخدم الاموال الامريكية لتحويل مجتمع كان معتدلا ومتسامحا الى مجتمع متشدد، ولم تساعد الحكومات الضعيفة في السنوات التي تلت ذلك في وقف المد المتشدد ولا تزال المشاعر المناهضة للولايات المتحدة قوية، وتشتهر المعاهد الدينية الباكستانية للرجال بتخريج مقاتلين متشددين من خلال تفسيرها المتشدد لتعاليم الاسلام، ويقول خبراء ان مدارس النساء تماثل مدراس الرجال خطورة رغم ان الملتحقات بها افضل تعليما واكثر ثراء، وقال كمران بخاري مدير الشرق الاوسط وجنوب اسيا بمؤسس ستراتفور العالمية لمعلومات المخابرات ان المعاهد الدينية للسيدات "تستهدف النساء لانها تعرف ان هذا هو المكان المناسب لغرس البذور"، النساء سيتزوجن وسيربين اطفال، انهن سيشكلن النموذج والمعيار داخل المجتمع بمرور الوقت"، وفي المعاهد الدينية الخاصة بالرجال يستطيع الاولاد ان يجدوا المأوى والمطعم بالمجان او مقابل اموال زهيدة وهو ما يعني ان اغلب الطلاب يكونون في الغالب شديدو الفقر او من مناطق نائية او ريفية، ويراجعون القران كل يوم ويستمعون الى المحاضرات من معلمهم الذي يفقر غالبا الى الفهم المتعمق للدين، امام معاهد النساء فتتراوح الرسوم الشهرية فيها بين ثلاثة الاف واربعة الاف روبية في الشهر وهي تقريبا نفس رسم الالتحاق بكلية خاصة، وعادة ما تستمر الدراسة لاربع سنوات وتدرس النساء بالاضافة الى حفظ القران النصوص والاخلاق والمواعظ الاسلامية، وقال حيدر موليك محلل الشؤون السياسية والزميل بجامعة جوينت سبيشيال اوبريشنز الامريكية "هناك مشكلات خطيرة متعلقة بهذه الانواع من المدارس، بعضها يربي التسامح لكن ليس المشاركة في هذا النوع من الهجمات او القتل الذي نشهده".

طفلة بسترة ناسفة

الى ذلك قالت الشرطة الباكستانية أن مسلحين اختطفوا طفلة في الثامنة من العمر وأجبروها على ارتداء سترة ناسفة لمهاجمة قوات أمنية باكستانية، وذكرت وسائل إعلام باكستانية أن الطفلة وتدعى شوهانا جاويد ظهرت في مؤتمر صحافي على شاشات التلفزة الباكستانية وأخبرت كيف اختطفت في بلدتها بيشاور على يد امرأتين ورجل ونقلوها إلى سيارة، وقالت "وضعوا محرمة على فمي وغبت عن الوعي، ثم أخذوني إلى مكان ما وأعطوني بسكويت لآكل فغبت عن الوعي مجدداً"، وأشارت إلى أنها أجبرت بعد ذلك على ارتداء سترة ناسفة ونقلت قرب حاجز أمني في بلدة صغيرة في مقاطعة دير السفلى شمال غرب البلاد، إلاّ أنها حين اقتربت من الحاجز بدأت الصراخ فسمعها عناصر الأمن واعتقلوه، ولم تتمكن وسائل الإعلام الباكستانية من التحقق من صحة رواية الطفلة، وعرضت السلطات الباكستانية التي تواجه تمردا عنيدا من طالبان لقطات تلفزيونية لاشخاص كانوا سينفذون هجمات انتحارية أمام كاميرات التلفزيون لكنهم كانوا رجالا او صبية، ويندر ان تنفذ النساء في باكستان هجمات انتحارية، وينحي باللائمة على طالبان في الكثير من التفجيرات الانتحارية عبر باكستان. بحسب يونايتد برس.

مجلس قروي

من جهة اخرى فان مخاتران ماي فتاة من منطقة البنجاب في باكستان، تعرضت للاغتصاب الجماعي كعقوبة اجتماعية فرضها عليها مجلس كبار القرية، لا لسبب سوى أن أخاها البالغ من العمر 13 عاماً كان متهماً بمعاشرة شابة من عشيرة أخرى ذات قوة وسطوة، إلا انه لم يثبت في ما بعد أن أخاها ارتكب الفاحشة مع تلك الشابة، وعلى اثر هذا الاتهام عقد كبار رجال القرية مجلساً قرروا فيه اخضاع ماي للاغتصاب عقاباً على معاشرة اخيها فتاة من عشيرة أخرى في القرية نفسها، على غرار قانون «العين بالعين»، وعلى هذا الاساس تم اغتصاب ماي تحت تهديد السلاح من قبل شقيق الشابة وبعض أفراد عشيرته، ثم طافوا بها عارية حول القرية، وتقضي التقاليد الاجتماعية بأن تنتحر ماي بسبب العار الذي حل بها، لكنها قررت البقاء على قيد الحياة لمقارعة مغتصبيها وجلاديها ومقاضاتهم أمام المحاكم، إلا أنه وبعد تسعة أعوام من تعرضها لذلك الاغتصاب الجماعي فشلت جهودها في الحصول على قصاص عادل ممن اساءوا إليها وحطموا نفسيتها وإنسانيتها، حيث قضت المحكمة الباكستانية العليا بتبرئة خمسة من أصل ستة متهمين باغتصابه، ماي المغلوبة على امرها، التي اكتسبت سمعة عالمية لشجاعتها ووقوفها ضد مجتمع شوفيني، تقول إن اطلاق المتهمين الخمسة يعرض حياتها للخطر، وتضم لائحة الاتهام اساساً 14 رجلاً متهمين بالاشتراك في اغتصابه، واقرت المحكمة بأن ماي تعرضت بالفعل للاغتصاب، ودانت واحداً فقط من المتهمين بالإعدام، وهو الحكم الذي عدّلته محكمة اخرى دنيا الى السجن مدى الحياة، وتقول ماي في موطنها القصي من ولاية جنوب البنجاب «اخشى ان يعود هؤلاء الـ13 الى القرية فيؤذونني واسرتي»، وتضيف «فقدت ايماني بالمحاكم، واترك امري للمحكمة الالهية، وإنني مؤمنة بأن الله سيعاقب من اساؤوا اليّ»، وليست ماي الضحية الوحيدة لمثل هذه الممارسات القبلية، إذ كثيراً ما تحكم المجالس القبلية بمثل هذا الحكم السابق، كما أنها تقرر إعدام فتيات «محواً للعار». بحسب وكالة الانباء الالمانية.

وبدأت ماي في انشاء مدرسة للفتيات ومنظمة غير حكومية لتعليم النساء، واقسمت بانها لن تهرب من قريتها وستواصل عمله، وتعرضت المحكمة العليا الباكستانية لانتقاد لاذع من جماعات حقوق الانسان، بسبب الحكم الذي اصدرته، حيث تعتقد هذه المجموعات بأن الحكم من شأنه ان يعرض حياة جميع النساء الباكستانيات للخطر، ورأت ان الاغتصاب و«جرائم الشرف» والجرائم الاخرى المرتكبة ضد النساء في باكستان لا تستوفي حقها الكامل من التحقيقات من قبل الشرطة، ويفلت مرتكبوها من العقاب، وتقول الباكستانية الناشطة في حقوق المرأة، فوزية سعيد، التي تحدثت امام المحكمة العليا في إسلام آباد «تتمتع مختاران ماي بالشجاعة الكافية التي مكنتها من القتال طوال هذه السنوات»، وتضيف «ان هذا الحكم يعني بانك تستطيع ارتكاب أي جريمة مماثلة حتى امام 100 شخص وتفلت من العقاب»، وسجلت هيئة حقوق الانسان الباكستانية، وهي هيئة مستقلة، 791 جريمة شرف اقترفت ضد نساء عام ،2010 وتعرضت على الاقل 26 من الضحايا للاغتصاب الفردي او الجماعي قبل القضاء عليهن، ونادراً ما يتم الابلاغ عن الاغتصاب، إلا أن 2903 نساء قدمن شكوى في الهيئة العام الماضي ضد مغتصبيهن.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/آب/2011 - 19/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م