حينما صرح احد اعضاء دولة القانون بان رئيس الوزراء لم يقيل وزير
الكهرباء بسبب عقود الشركات الوهمية، وانما لاسباب اخرى لم يذكرها...
اثار حول الموضوع المعني خصوصا ومستقبل معالجة الفساد والخطط الحكومية
المعدة لهذا الغرض عموما، مزيدا من الغموض وسيلا من الاسئلة والشكوك،
من باب هل ان الاقالة جاءت لاسباب موضوعية تتعلق بالكشف عن تلاعب
بالاموال العامة وفقا للوائح وضوابط العمل التنفيذي المعمول بها في
الاطار الدستوري والمؤسسي؟
واذا كان كذلك لماذا لم نجد الوزير المعني خلف القضبان او تحت طائلة
المسائلة القانونية؛ ومعه من تعاون او سهل تلك العقود الباطلة على حساب
المصلحة العامة والشعب المسكين... ام ان القضية برمتها جاءت في وقت
محدد تغطية على قضايا اخرى او محاولة لنقل الصراع السياسي مع الشركاء
الآخرين الى ساحة وجبهة جديدة تديم اجواء عدم الثقة وتعزز النوايا
السيئة؛ كلما شعرنا ان انفراجا يلوح في الافق لازمات عقيمة بدأت بعد
الانتخابات التشريعية الاخيرة ولم تنتهي.
ان معالجة الفساد واقتلاعه من جذوره لم ولن يتم بالصورة التي يجري
عليها اليوم، عبر تغافل البرلمان والموت السريري لوسائله الرقابية او
الاعلان عن المفسدة والتوقف عن متابعتها او طمر قضاياها او من خلال
رسائل الكتل ومحاولة بعضها الايقاع بالمقابل عند ربط الموضوع وتسيسه
دون النظر بجدية الى عمليات الهدر التي تجري على قدم وساق للمال العام
من جانب والاستهتار بمعاناة المواطن في قضايا حساسة تمس جوهر حياته
ومعيشته اليومية مثل الغذاء او الكهرباء من جانب آخر...
ولا نعلم هل نسي السادة المسؤولين انتفاضة الكهرباء التي اجتاحت
مدن الجنوب في العام الماضي ام هل تناسى ذات المسؤولين ان درجات
الحرارة المسجلة في العراق لا مثيل لها على وجه الارض، ليلعبوا بمثل
هذه الملفات.
امام كل هذا وذاك، نقف مشدوهين من تلكؤ الحكومة في محاسبة الفاسدين
دون استثناء بدءا من الكبير والقريب حتى يكون عبرة لغيره ؛ ومن الهيئات
والمؤسسات ( المستقلة ) ذات العلاقة والجهاز القضائي ( المستكين ) الذي
يقف متأثرا بالقرار السياسي وبالمحاباة والمحسوبية لهذا والمنسوبية
لذاك في ايقاف الاجراءات او تعطيل الاستمرار بالقضايا او حتى تتبعها
حال الاعلان عنها.
ولا نعرف الى متى نسمع قضايا الفساد واسماء الفاسدين عبر وسائل
اعلام غير رسمية يفسح لها المجال لتلعب دورا بديلا عن هيئة النزاهة
الصامتة او الحكومة المتسترة او الكتل السياسية المدافعة...
عزاءنا في ذلك ليس في تقدم العراق على افغانستان والصومال مراتب في
تسلسل اكثر الدول فسادا وفق تصنيف منظمة الشفافية الدولية، بل في ان لا
مكان اليوم للفاسدين في العراق وستتكشف القضايا والحقائق الواحدة تلو
الاخرى؛ قديمها وجديدها؛ كبيرها وصغيرها...
لا مكان لمن يمارس الفساد ولا لمن يحابيه او يتستر عليه ولا حتى لمن
يسكت عنه، ويقف وراء ذلك جملة من الاسباب منها:
1. تكرار قضايا الفساد بشكل واسع على مستوى القمة وتداولها، وهذا
النوع لا يخفى ولا يمكن السكوت عنه، وبالذات في الدول الديمقراطية...
ومآله الى الكشف ان عاجلا ام آجلا.
2. تنبه شريحة واسعة من الشرفاء ومنظمات المجتمع المدني والسياسيين
الى خطورة ملفات الفساد المطروحة، بعد ان جاوزت في معدلاتها كل
الحدود... ساعد وسيساعد في كشف العديد من القضايا التي تتعلق بتورط
كبار المسؤولين السابقين والحاليين في فساد تم اخفاءه او التستر عليه.
3. حركة الشارع الرافض للفساد والمفسدين، عامل مساعد في التعجيل
لازالة الفاسدين او من تلوثت ايديهم باموال الشعب عن سدة السلطة والحكم
وبالتالي كشفهم خصوصا مع قرب انتخابات مجالس المحافظات او الاقضية
والنواحي حيث ستعمل الكتل المتنافسة على ذلك، ان لم تكن القضية وبلا شك
المادة الدسمة في الحملات الانتخابية القادمة.
واذا كان انتشار الفساد وتهافت الممارسين له ليس وليد الساعة كما
يرجعه البعض، فاننا نستدل من العوامل والاسباب اعلاه الى ان العلاج
الحقيقي لهذا الملف يكون في خطوته الاولى، بالكشف عنه بشكل كامل وسوق
القائمين عليه الى القضاء لينالوا الجزاء العادل بما اقترفوه بحق
انفسهم وبحق الشعب العراقي... بعيدا عن الصفقات والمماحكات السياسية
وتغذية ادوات الصراع والنزاع والتنافس غير الشريف. |