(أسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أتعجب) مثل يُضرب للذين لا تنطبق
أقوالهم على أفعالهم أو على المراوغين من الناس، تماماً كما يفعله
السياسيون العراقيون في لعبة التوازن الدستوري، فهؤلاء الذين أوجعوا
رؤوسنا في ذم المحاصصة وكراهيتها وعلقوا كل رذيلة بالطائفية، فكانت
شماعة الفشل التي أنقذتهم وبررت إخفاقاتهم والتمس الناس لهم العذر
بسببها، وما من سياسي يخرج في الفضائيات إلا وشكى من الطائفية
والمحاصصة وعدها السبب المباشر في تدمير العراق وراح البعض الآخر يلعن
الأمريكان لأنهم جاؤوا بها الى العراق.
وغالى البعض الآخر بقوله لقد كان العراقيون أمة واحدة حتى بعثت
أمريكا بجيشها اليهم فجعلتهم طرائق قددا، وكان الشعار الابرز في
الإنتخابات الأخيرة لجميع الكتل السياسية هو رفض المحاصصة والطائفية
وعلى أساسه إندفع العراقيون الى صناديق الاقتراع متحدين الارهاب والموت
وهم يحلمون بوطن خالٍ من الطائفية والمحاصصة السياسية، لكنهم أصيبوا
بخيبة الامل حينما شاهدوا ممثليهم ينادون بالطائفية بحلتها الجديدة تحت
مسمى (التوازن الدستوري).
فهؤلاء الذين لعنوا الطائفية والمحاصصة هم اليوم من يكرسها ويوطد
ثقافتها ويشرعن لها باسم الدستور والدستور منها براء، فليس هناك اي
فقرة دستورية تقول بالتوازن الطائفي ولم يكن في الدستور ما يشير لا من
بعيد ولا من قريب الى المحاصصة، ولكنها سُنة سيئة سَنَها المتشدقون
بالوطنية والمتاقسمون للوطن، لكنهم سيتحملون وزرها ووزر من يعمل بها
الى يوم القيامة، وهؤلاء الذين يُوَظفون في مناصب على أساس طائفي عليهم
أن يعلموا أن مناصبهم هذه تؤسس الى ثقافة القطيعة والكراهية ورفض الآخر،
بالاضافة الى الإساءة لوطنهم وشعبهم.
أما اللعانون وأقصد بهم من لعنوا المحاصصة فلا يحق لهم بعد اليوم أن
يلعنوها لأنهم سيلعنون أنفسهم، فكفاهم ضحكاً على الذقون وعليهم إحترام
عقول الناس وأن لا يتلاعبوا بالمصطلحات، فمن العار أن نؤسس غابة بدلاً
من نؤسس واحة أسمها (وطن) ومن العار أن نتقاسم وطن بدلاً من أن نتشارك
في وطن، وإذا كان ثمة من يقول أن هذا التقاسم هو تصحيح لحالة مرضية
موجودة على أرض الواقع، أو من اجل ان لا تستفرد طائفة او قومية بالبلد،
فأقول أن العلاج لايكمن في دواء فاسد فلا يمكن معالجة الخطأ بالخطأ،
ولعل المثال اللبناني الشاخص بيننا هو من أوضح الواضحات على مرضية
الحالة، فالمحاصصة الطائفية هي سرطان الأوطان ربما تصيبها بقرار يستغرق
إتخاذه يوم أو ساعة، ولكن لا يمكن أن تتعافى منه بقرون.
إن قرار التوازن الدستوري قرار خطير لا يمكن السكوت عليه فهو يؤسس
للفساد ويحمي المفسدين، وهو خطوة باتجاه التقسيم، وبذات الوقت يفتح
الباب على مصراعيه للغرباء ليجعلوا من الوطن ساحة لتصفيات حساباتهم،
لأن المعيار الطائفي هو الذي يتحكم في هذا القرار السيء الصيت.
وهنا تكمن الخطورة، فعلى من يحلم بعراق آمن عليه أن يقف بوجه هذا
القرار الخطير، وإلا فالحل هو الفيدرالية على أساس الطائفية والقومية،
وليستقر أسم العراق على رفوف التاريخ، ونستعد لكتابة قصة عنوانها (كان
هناك وطن أسمه العراق)، فالتوازن اللادستوري هو توازن أو تقسيم طائفي
لدوائر الدولة ووزاراتها إذا ما تحقق فستجني على نفسها براقش. |