استثمار الانتفاضات الشبابية لصالح الشعوب الإسلامية

 

شبكة النبأ: لا تزال اللحظة المحورية تلقي بظلالها على منطقة الشرق الاوسط برمتها، لاسيما الدول العربية والاسلامية، ولم يخبُ اوار الانتفاضات الشعبية، التي اندلعت في تونس، لتنتشر في معظم دول منطقة الشرق الاوسط، ولا تزال تتفاعل وتتضخم لتضع حدا لأعتى الدكتاتوريات التي تحكمت برقاب المجتمعات الاسلامية، لهذا يمكن أن تكون هذه المرحلة فرصة للمسلمين، لكي يستعيدوا مجدهم ودولتهم العظيمة، التي شكلت في الحلقات المشرقة من الاسلام، دولة عظمى لها حضورها الانساني وقوتها وبأسها، ولها قوانينها الانسانية الخالدة، التي لم تفضّل شخصا او فردا لصفته أو سلطانه أو جاهه، وانما لأعماله التي تخدم الانسان أينما كان.

لذلك تعد هذه المرحلة نموذجية لتوحيد المسلمين وبناء دولتهم المنشودة، ولن يتم ذلك إلا بانتهاج سبل تساعد على تحقيق هذا الهدف الكبير.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، في كتابه الثمين الموسوم بـ (السبيل الى إنهاض المسلمين): (من الواجب أن نوحّد الجهود ونعيد وحدتنا ووحدة أمتنا. أما كيف ذلك؟ فبأمور، يأتي في طليعتها: نشر الوعي الإسلامي، فمن الواجب على كل مسلم أن ينشر الوعي الإسلامي العقائدي والاقتصادي والسياسي والشرائعي والاجتماعي والتربوي والعسكري والزراعي والصناعي والاستقلالي، في كل البلاد الإسلامية، بواسطة الإذاعات والصحف والمجلات والنوادي والكتب والمؤتمرات وغيرها).

إذن لابد أن يتوفر عنصر التعليم والوعي لعموم الشعوب الاسلامية، لأن الوعي هو الرافد الاهم لمواصلة الكفاح، من اجل تحقيق الهدف المرتقب، وذلك من خلال تفعيل المشاريع التثقيفية الاسلامية، التي ترفع من مستوى الوعي الشعبي عموما، لمعرفة الحقوق والحريات، التي يستحقها الفرد والمجتمع معا.

يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه بهذا الخصوص: (لقد ترجم كتاب ماوتسي تونغ -الكتاب الأحمر- إلى أربعمائة لغة رغم عدم مرور حتى نصف قرن على تاريخ انتشار -الماركسية المادية- وفي المقابل نرى أن القرآن الكريم ورغم مرور زهاء خمسة عشر قرناً على نزوله على نبي الإسلام –ص- لم تتجاوز ترجماته الـ 230  ترجمة، كما ذكره بعض المطلعين، لماذا تركنا التوعية في حين تمسك بها الآخرون؟).

ولكن الوعي لا يتحقق بيسر وسهولة، بل لابد أن تبذل الجهود الكافية في هذا المضمار، ولابد من وضع الخطط والبرامج المطلوبه في هذا المجال، سواء من حيث المحتوى والافكار التي تنطوي عليها، او من ناحية التطبيق العملي لهذه الخطط، ولابد من استثمار وسائل الاعلام المتاحة كافة، من اجل تحقيق هذا الهدف الجوهري، لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا ىالمجال:

(في سبيل إعطاء الرشد الفكري للمسلمين علينا بالجهاد، الجهاد بالقلم واللسان وبمختلف وسائل الإعلام العصرية المؤثرة، وهذا أفضل من الجهاد في المعركة، ولذا نجد الحديث الشريف يقول: مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء).

ولعل الجميع يتفق على أن القمع وتغييب الرأي الآخر، وتحجيم الصوت المعارض، هو السبب الاول الذي قاد الى فساد الحكومات، وإلحاق الظلم بالشعوب، الامر الذي ادى الى اندلاع شرارة الانتفاضة الاولى في تونس، والسبب الاهم الذي قاد الى هذه الانتفاضات هو غياب النظام الاستشاري (الديمقراطي)، بحسب وصف الامام الشيرازي لهذا النوع من الانظمة السياسية، حيث تغيب الحرية تماما، او يتحكم بها القادة المتسلطون بصورة شكلية، لذا لن ينجح النظام الحكومي أيا كان نوعه او تشكيلته، ما لم يعتمد الشورى كمنهج لا يحيد عنه، وقد اكد هذا الشرط الامام الشيرازي في كتابه نفسه، حين قال في هذا الصدد: (من الشروط الأساسية في الحكومة تحقيق الشورى والاستشارة في كافة المجالات، حيث قال الله تعالى: *وَأَمْرُهُمْ شُورَىَ بَيْنَهُمْ* فرئاسة الحكومة تكون عبر انتخابات حرة ينتخب فيها الحاكم تبعاً لأكثرية الآراء).

لهذا منع الاسلام الحكم الوارثي، وشدد على الانتخابات وحرية الشعب في اختياره لقادته، وفق الاسلوب الذي يصفه الامام الشيرازي بمصطلح النظام الاستشاري، لذلك مضى الوقت تماما على الانقلابات العسكرية، وحلّ اليوم مبدأ التداول السلمي للسلطة، إذ يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا المجال: (الحكم في الإسلام ليس وراثياً دكتاتورياً، كما أن الحاكم الذي يأتي إلى الحكم عبر انقلاب عسكري مرفوض من قبل الإسلام حتى لو كان الحاكم مسلماً، إذ الإسلام يشترط آراء الأكثرية، هذا إضافة إلى أن الاستقراء أثبت لنا أن كل الذين قاموا بانقلاب عسكري في البلاد الإسلامية كانوا مرتبطين أو ارتبطوا فيما بعد بالقوى الاستعمارية).

لذلك لابد لنا كمسلمين من استثمار فرصة تواصل الانتفاضات الشعبية، التي أتت أوكلها فأزاحت حكاما كانوا حتى وقت قريب، من أعتى حكام المنطقة، وأشدهم بأسا في قمع شعوبهم، ومحاربة الفقراء في ارزاقهم وحقوقهم، ولا تزال الفرصة مواتية للمسلمين، لكي يتوحدوا فكرا وقوالا وقدرات، من اجل توظيف هذه الانتفاضات لصالحهم، للوصول الى الحكومة الاستشارية المعاصرة، التي تحكم الشعب وفقا لشروط التحرر والديمقراطية، التي تشيع منهج الحرية في علاقة الحاكم بالمحكوم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/آب/2011 - 14/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م