حرية الصحافة وأمن الدولة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أمن الدولة وحماية أركانها خط أحمر، لا يختلف عليه معارض أو مساند للنظام السياسي القائم، والسبب بسيط جدا، لأن حماية الدولة تعني حماية أركانها، كالشعب والارض والدين والإرث الحضاري وما شابه، لهذا لا أحد يقف مع الافكار او العوامل المادية التي تحاول أن تزعزع أمن الدولة، لأنها بالنتيجة ستطاله هو وغيره، بالتالي فإن الجميع (أو ينبغي ذلك) يعون أهمية أمن الدولة، سواءا كانوا معارضين او مساندين، وسواء كانوا أقلية أم أكثرية، وسواء كانوا من هذه القومية أم من تلك.

ولكن هذا الامر المفروغ منه، لا يعني تحجيما للرأي، لا سيما حرية الصحافة والاعلام عموما، وإلا فإننا سنمزج بخبث وربما بسذاجة أيضا، بين أهمية أمن الدولة  وضرورة عدم المساس بهذا الشرط من جانب، وبين حرية الصحافة كمؤشر رئيسي على تطور النظام السياسي، واستقرار البلد وتقدمه وازدهاره من جانب آخر.

فهل هناك تعارض بين حماية أمن الدولة وبين حرية الصحافة ؟ وهل يمكن تبرير القمع الصحفي، وتكميم الافواه بحجة تدعيم الأمن الوطني؟..

هذه الاسئلة وغيرها المزيد، أثيرت بعد التصويت على قانون حماية الصحفيين، من لدن مجلس النواب العراقي مؤخرا، وسبب الإثارة هذه، ان هناك بنودا تحاول أن تظهر بمظهر الخائف على أمن الدولة، فتذهب بوضوح الى القول بتحجيم الصحافة، وقمع الرأي المعارض، والمنتقِد لهذا الخلل او ذاك، في عمل مؤسسات الدولة التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، بحجة أن هذه الانتقادات، تصب في مجال تعكير الوحدة الوطنية وحماية أمن الدولة!!.

وهكذا يمكن أن تنقلب فوائد إقرار قانون حماية الصحفيين، الى الضد مما خُطِّطَ له، فإذا كان الهدف من تدبيجه وصياغته وإقراره، هو حماية الصحفي في عمله، وتأمين حرية الرأي في الطرح، والاستقصاء، والملاحقة، والكشف عن عيوب مؤسسات الدولة، والدوائر الملحقة بها، فإن ورود فقرات وبنود تحذّر بشدة من الانتقاد، بل وتعاقب (بلا تحديد واضح) على الرأي الذي يؤشر هذا الخلل او ذاك، في اداء أجهزة الدولة، يعد سابقة خطيرة تهدف بوضوح لا يقبل اللبس، الى معاقبة كل من يجرؤ على كشف الفساد، والخلل في هذا المجال او ذاك.

لذا ليس من المعقول أن يصبح قانون حماية الصحفيين، سيفا مسلطا على رقاب الصحفيين أنفسهم، وبدلا من أن يكون ركيزة حماية يستند إليها الصحفيون في اداء عملهم، نراه وقد تلغّم ببنود وفقرات، تشبه الأنياب الحادة التي تكشر عن نفسها في كل حين، لتهدد كل صحفي تسوّل له نفسه البوح بهذا الانتقاد او ذاك.

ولعل أخطر ما في هذا الخلط العجيب، أنه يحاول (ومن يقفون وراؤه) العودة بنا الى الوراء، لنجد أنفسنا مكبلين ببراثن القانون الخاطئ، بدلا من أن نؤسس ونبي لدولة قانون، نحن في أمس الحاجة لها، نعم نحن لا نتفق مع حالة الإطلاق التي لا يحكمها قانون، او ضابط ما، ولا نتفق مع الاساءات المغرضة للدولة ومؤسساتها، لكن ينبغي ان يتم تحديد الخطورة بدقة ووضوح، لا أن ترد جمل فضفاضة واسعة متعددة التأويلات، لكي تكتم انفاس الصحفي، وتحد من حرياته، بحجة ان الامر يتعلق بحماية أركان الدولة واستقرارها.

هذا الخلط المعَدّ سلفا، بين حرية الصحافة وبين ضرورة حماية أركان الدولة ومؤسساتها، لم يأت جزافا، فهناك نيّات مبيّتة لإفراغ قانون حماية الصحفيين من محتواه وفوائده، بل وتحويل مساره الى الضد، بحيث يصبح مصدر قلق للصحفي، بدلا من ان يكون دعامة قانونية تحميه ممن يشهر سيف التعويضات المليارية بوجهه، بحجة التشهير والقذف وما شابه.

إننا جميعا كصحفيين، نحتاج الى قانون يحمينا فعلا ممن يتربص بنا، أيا كان عنوانه او غاياته، ولسنا بحاجة الى بنود فضفاضة تقبل التأويلات جميعا، فتصبح سيفا بيد المفسدين، مسلطا في كل حين، على رقابنا !!؟

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 13/آب/2011 - 12/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م