لهيب الاسعار في رمضان يلتهم المكرمات السعودية

شبكة النبأ: يبدو ان المكرمات التي اغدقها الملك السعودي في فورة الربيع العربي استباقا لربيع محلي، لم يكن الا مجرد نفخ في قربة مثقوبة وخدعة لاسكات الاصوات المطالبة بالانصاف والعدالة، فقد جاء التضخم والتهم المكرمات التي رجعت مرة اخرى الى جيب العائلة المالكة خصوصا مع اطلالة الشهر الكريم.

فمع حلول رمضان خرجت نورة الحسن للتسوق وشراء متطلبات الشهر الفضيل الذي يعتبره المسلمون فرصة لجمع شمل الاهل والاصدقاء على موائد الافطار لكن الاسعار دفعتها للتوقف والمقارنة.

وجدت نورة أن الميزانية التي تخصصها لشراء احتياجات البيت في رمضان ارتفعت الى ثلاثة أمثالها خلال بضع سنوات فقط في ظل زيادة الاسعار.

قالت نورة وهي مدرسة سعودية وأم لخمس بنات خلال مقابلة مع رويترز في أحد الاسواق بالرياض "هناك فرق كبير بين الاسعار قبل خمس سنوات والاسعار حاليا...لم أكن انفق أكثر من الف ريال (266.7 دولار) (الدولار يساوي 3.75 ريال سعودي) لتجهيز مؤونة الشهر الكريم....حاليا انفق ثلاثة اضعاف ذلك المبلغ للحصول على نفس السلع."

وتشهد الاسواق السعودية ارتفاعا في بعض أسعار المواد الغذائية الاساسية مع زيادة الطلب عليها ويقدر محللون الزيادة في أسعار المواد الغذائية هذا العام بين 15 و25 بالمئة. ومع ذلك لا يعزف السعوديون عن الانفاق ويرون أنه لا يمكن تجاهل التقاليد والعادات الاجتماعية بأي حال من الاحوال.

وتقول نورة "هناك أيام نقيم فيها ولائم لجمع الاسرة وأخرى لزميلاتي في المدرسة وأخرى للجيران واخرى لصديقات بناتي...أعتقد أنها باتت أكثر كلفة عنها قبل خمسة أعوام لكن لا يمكن أن تتجاهل هذه التقاليد مهما كلف الامر."

ومع الاقبال الكبير من المستهلكين على التسوق في رمضان يتوقع الكاتب الاقتصادي طارق الماضي أن ترتفع مبيعات قطاع التجزئة بنسبة 15 في المئة خلال الشهر.

وعند مقارنة الاسعار بالعام الماضي يشكو المستهلكون من زيادة ملحوظة. وترى نورة أن أسعار التمور هذا العام ارتفعت بصورة كبيرة كما ارتفعت أسعار اللحوم والمواد الخام الخاصة بصنع الحلويات بما يقارب 20 بالمئة.

ويقول عبيد بن فهد وهو موظف وأب لطفلين "ارتفع سعر الخروف من 850 ريالا الى 1100 ريال كما ان الخضروات ارتفعت بما لايقل عن 30 في المئة ...رمضان هذا العام ساخن جدا في الاسعار ايضا مقارنة بالعام الماضي."

وتشتد المنافسة بين متاجر السوبر ماركت والهايبر ماركت لجذب المتسوقين وتتنافس تلك المتاجر في عروضها الترويجية والجوائز والهدايا المغرية والتي تصل الى سيارات فاخرة من طراز "مرسيدس". وعشية رمضان اكتظت المحال بالمشترين الذين يسعون لشراء مؤونة الشهر خلال بضع ساعات.

ويقول منيف الرويلي وهو موظف عسكري وأب لاربعة أولاد "نرى عروضا وخصومات في الصحف لدى جميع متاجر التغذية امل ان تكون حقيقية وان تساعد في تخفيض الاسعار."

ويضيف "هناك ارتفاع كبير في الاسعار واعتقد ان الاسعار مرتفعة لدرجة لا يمكن ان تقبل المزيد منذ عدة شهور وخصوصا (أسعار) الحليب المجفف واللحوم والخضروات."

لكن المستهلكين الثلاثة أكدوا أن موجة ارتفاع الاسعار لم تبدأ قبل الشهر الفضيل ولكن منذ أن أعلن العاهل السعودي عن منح شملت زيادة في الرواتب في مارس اذار الماضي.

"سوق عتيقة" في الرياض تشكو ارتفاع الاسعار

 تغص الساحة الشاسعة في "سوق عتيقة" الشعبي جنوب الرياض بشاحنات صغيرة وبسطات تعرض التمور والفواكه والخضار لكن الكثير من المتبضعين يشكون من غلاء الاسعار قبيل حلول رمضان وتزامنه مع استلام الرواتب الشهرية.

ويشتكي البائع الشاب هلال بكري من غلاء المنتجات الزراعية عازيا السبب الى مصدرها، اي "المزارعين والموزعين"، حيث تراوحت نسبة "زيادة الاسعار بين 40 و70 بالمئة لغالبية الاصناف في حين تضاعفت بالنسبة للبعض الاخر".

ويضيف هلال الذي يتردد في الحديث لوكالة فرانس برس "يقع عبء ارتفاع الاسعار على كاهل الناس. ففي رمضان تستطيع الاستغناء عن بعض الامور لكن ليس عن الخضار والفاكهة (...) في كل الاحوال، هذا ما يحدث دائما بحلول رمضان".

من جهته، يقول خالد العكيل بينما كان يتبضع "هذا استغلال للشهر الكريم، يجب على الجهات الرقابية مثل وزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك ان تتحرك لمواجهة الغلاء (...) فقد تضاعفت اسعار المنتجات الزراعية".

ويتابع لفرانس برس "نامل تفعيل الهيئات الرقابية للاشراف على الاسواق من المزارع والموزع مرورا بالتاجر فمن المسؤول عن ذلك؟"

يشار الى ان وزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك تخوضان سجالا حادا بواسطة بعض الصحف بدا قبل اسابيع.

وتسعى السلطات الى لجم الغلاء حيث سارعت وزارة التجارة الى ارغام اكبر شركتين لمنتجات الالبان على العودة عن قرارهما رفع الاسعار، كما اعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز دعم اسعار 31 صنفا من الحبوب والبقول بنسبة خمسين في المئة تجنبا لارتفاع اسعار اللحوم والدواجن، داعيا الى مواجهة كل "متكسب جشع".

من جهته، يعبر احد تجار الفاكهة عن غضبه لدى سؤاله عن الغلاء قائلا "ان الاجانب مثل الهنود والبنغلادشيين واللبنانيين والاتراك يتحكمون في الاسعار في العزيزية" في اشارة الى السوق المركزي للخضار والفواكه في المملكة.

ويتابع ابو حسن ان "المحاباة سيدة الموقف هناك فهم يبيعون بالسعر الذي يريدونه لاصدقائهم وهذا ليس عدلا لانه ينعكس سلبا علينا".

وفي سوق التمور في الهواء الطلق، يقول ابو مبارك الستيني الواقف بجوار شاحنته وسط القيظ الشديد مع ارتفاع درجة الحرارة الى 47 درجة مئوية "ترتفع الاسعار في رمضان من خمسة ريال (1,33 دولار) الى 15 (اربعة دولارات) لليكلوغرام الواحد من التمر السكري، وهو الارقى".

ويضيف لفرانس برس بينما كانت صيحات عشرات البائعين تتعالى في السوق الشعبي الذي يبعد مسافة ثمانية كلم عن وسط العاصمة السعودية "اذا اردت تكريم الضيف فعليك ان تقدم له السكري" الاصفر اللون وحباته من الحجم الوسط الى الصغير.

ويؤكد ابو مبارك ان "الاسعار تختلف بين السكري والخلاصي والصقعي والشايشي وبو تسيف ومصدر غالبيتها حاليا المدينة المنورة لان تمور نجد لم تنضج كليا بعد، وستصل منتصف رمضان".

وفي حين ينهمك عمال في افراغ الشاحنات او ملئها، ينتظر التجار المزارعين والموزعين للمساومة على الاسعار لشراء التمور اما بغية تصديرها الى دول خليجية مجاورة او باتجاه اسواق المملكة.

اما سعيد بدوي (57 عاما) فيقول لفرانس برس "لا باس بحركة السوق الكبيرة والمركزية للتمور لكنها ستشهد مزيدا من الاقبال في رمضان. فالكميات وفيرة خلال هذا الموسم لكن الاسعار مرتفعة واعتقد انها ستتدنى فور وصول منتجات نجد".

ويتابع "لن تبقى مرتفعة الا خلال فترة الايام الخمسة الاولى من رمضان".

ويوافقه عيسى العباد بدوي الراي قائلا "ستبقى الاسعار مرتفعة مطلع رمضان فقط وستعود الى الانخفاض بسبب كثرة الانتاج".

بدوره، يرى سعد البراك (33 عاما) وهو احد الدلالين ان "مصادفة استلام الرواتب مع مطلع رمضان يشكل فرصة جيدة لدى البعض لرفع الاسعار (...) وهذا امر عادي يحدث كل رمضان ولا احد يهتم للامر".

ويؤكد لفرانس برس ان السوق تصدر التمور الى جميع اسواق المملكة والكويت والامارات وقطر مشيرا الى ان اسعار التمر الفاخر في سوق الجملة تتراوح بين 10 و 15 ريالا للكيلو الواحد.

لهيب الاسعار بلغة الارقام

وفقا لاحدث بيانات لمؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) سجلت قيمة المبيعات عبر عمليات نقاط البيع في السعودية - وتمثل ما ينفقه المستهلكون عبر بطاقات الصرف الالي وبطاقات الائتمان في مراكز التسوق الكبرى ومحلات التجزئة وغيرها - ارتفاعا بنسبة 40 بالمئة خلال يونيو حزيران الى 9.17 مليار ريال مقارنة مع 6.5 مليار ريال قبل عام. بحسب رويترز.

كما ارتفعت السحوبات النقدية من أجهزة الصرف الالي بالسعودية في يونيو الى 49.6 مليار ريال يزيادة 24 بالمئة مقارنة مع 39.9 مليار قبل عام.

ويقول المستشار الاقتصادي السعودي عبد الوهاب أبو داهش ان من المتوقع أن يتجاوز انفاق السعوديين في رمضان الرقم المسجل في يونيو وعزا ذلك بصورة رئيسية الى ارتفاع الرواتب.

وفي ظل زيادة الاسعار وارتفاع الانفاق يتوقع أبو داهش ارتفاع معدل التضخم السعودي لاسيما في ظل تراجع الدولار.

وبلغ معدل التضخم السعودي في يونيو 4.7 يالمئة.

وفي ابريل نيسان رفع البنك السعودي الفرنسي توقعاته لمعدل التضخم خاصة في النصف الثاني من العام وتوقع أن يبلغ 5.6 بالمئة في 2011. وقال في تقريره "زيادة رواتب العاملين بالقطاع العام والكثيرين من العاملين بالقطاع الخاص ستعزز القوة الشرائية للمواطنين...رفعنا توقعاتنا لمعدل التضخم في 2011 الى 5.6 بالمئة في ظل تلك العوامل."

من جانبه قال الخبير الاقتصادي فضل البوعينين "غالبا ما ترتفع معدلات الانفاق خلال شهر رمضان وهذا العام تحديدا يجمع الشهر بين الاستعدادات لرمضان والعيد وبداية موسم المدارس أوائل شوال (سبتمبر)."

وأضاف "هذا ينعكس بطبيعة الحال على الاسعار...يستغل التجار هذا الموسم لرفع الاسعار حتى وان لم تكن هناك ارتفاعات حقيقة لتكلفة الشراء...هناك ارتفاعات حقيقية في مستوى الاسعار تتراوح بين 15 و25 بالمئة لبعض السلع الغذائية."

ويستبعد البوعينين انعكاس ذلك على معدل التضخم السعودي ويقول "معدل التضخم النهائي يدخل في تكوينه مجموعات مختلفة لذا فحتى اذا ارتفعت مجموعة المواد الغذائية فان تأثيرها سيكون محدودا في النسبة الكلية للتضخم.

"دائما ما نجد فجوة بين معدلات التضخم المعلنة وبين نسبة الارتفاع الحقيقية في السلع."

ومع زيادة الانفاق والشراء ترتفع مبيعات الشركات السعودية لاسيما تلك التي تعتمد في أرباحها على بعض العوامل الموسمية كالشركات العاملة في قطاعات الاتصالات والتجزئة والغذاء.

ويتوقع المحللون ان تسجل الشركات السعودية المدرجة ضمن تلك القطاعات أرباحا قوية في الربع الثالث في ظل توقعات بزيادة المبيعات بدعم من نمو الطلب على منتجات بعض الشركات لاسيما جرير والحكير وأسواق العثيم والمراعي ونادك.

وفي مواجهة لهيب الاسعار يحاول المستهلكون تقليص النفقات بطريقة أو بأخرى.

ويقول عبيد بن فهد "لم اعد اتسوق من المتاجر الكبرى أبدا بل اتوجه الى مراكز بيع الجملة والاسواق الشعبية للحصول على أسعار اقل."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/آب/2011 - 9/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م